بقلم وردية بطرس
ان الاعلانات التي تعج بها وسائل الاعلام المختلفة قد أسهمت في قولبة صورة المرأة التي تحصرها كوسيلة وأداة دعاية تجارية، والخطورة تكمن في المرأة الأمية حيث ان هذه الاعلانات توظف سياسة منح تلك الأمية صفة الاستهلاكية دون ان تحفزها على أمور أخرى أهم، وبشكل عام فان الاعلانات تعزز نظرة <الدونية> للمرأة وتقدمها كمجرد شيء يتميز بقلة الأهمية وكطرف تلصق به الأخطاء كافة التي تحدث.
ولا تزال قضية استغلال المرأة في الاعلان للترويج للسلع التجارية تثير جدلاً واسع النطاق على الرغم من تأييد بعضهم لهذه الظاهرة التي تسيء أساساً للمرأة، وفي اعتقادهم ان المقصود بالاعلان الترويج للسلع وليس عرض المرأة. ويجب ان يكون استخدام العنصر النسائي في الدعاية والاعلان مشروطاً بألا تستغل أنوثتها بصورة مبتذلة او تقدم عرضاً اعلانياً يخل بالآداب العامة فيقلل من مكانتها. نحن لسنا ضد عمل المرأة في مجال الدعاية والاعلان وفي الترويج للسلع التجارية لأن المرأة أكثر اقناعاً وأكثر اجتذاباً للمشاهدين من الرجل، وتستطيع ان تجذب المستهلك بصورة تلقائية وعفوية ما يؤكد نجاحها في هذا المجال. وأيضاً نحن مع عمل المرأة في الاعلان بعد ان حققت فتيات الاعلانات نجاحاً كبيراً في الترويج للعديد من المنتجات بفضل تخصصهن في هذا المجال ومقدرتهن على لفت انتباه المستهلك الى سلع قد لا يقبل عليها اذا لم يتم الترويج لها من قبل فتيات الاعلانات، كما اننا لا نؤيد الأشخاص الذين يعتقدون ان شركات الاعلانات تستغل جمال وأنوثة المرأة فتحولها الى سلعة رخيصة، فلا ضرر من قيام المرأة بالاعلان عن المنتجات الاستهلاكية بشرط ان تتأكد من جودة المنتج لكي لا تقع فريسة للشركات التي تبيع الوهم للناس ولكي لا تفقد صدقيتها أمام الآخرين، وأيضاً نحن مع عمل المرأة في مجال الدعاية والاعلان لأنه عمل ابداعي وفني جميل يتطلب مهارة عالية وأسلوباً رفيعاً لترويج المنتجات التجارية، ولدى المرأة المقدرة الكافية لذلك.
استخدام الاعلانات في لبنان
للوجه الأنثوي!
لطالما شهدت الساحة الاعلانية فوضى عارمة في لبنان، وقد يرى الشخص المتوجه الى طريق المطار على طول الخط الساحلي غابة من الدعايات التي تنوعت أشكالها وأحجامها والمنتجات التي تسوّقها، الا ان اللافت في ذلك وبشكل كبير هو استخدام الوجه الأنثوي في غالبية الدعايات المصفوفة عشوائياً على جوانب الطريق، فان ظهور المرأة بات ضرورياً الى حد ما في الاعلانات التي يراها اللبنانيون وتعتمد الوكالات في هذا المجال على عدد كبير من العارضات اللواتي تستقطبهن لسوق الدعاية.
لا شك ان ثقافة تسليع المرأة منتشرة حول العالم، وقد اعتاد عليها بعض الناس، لكن هل محاربتها او محاولة تغييرها امر مستحيل؟ تجدر الاشارة الى ان مؤتمر <بيكين> كان قد عُقد في العام 1995، وتناول قضايا المرأة، وأكد على ضرورة التخلص من الصورة السلبية والتقليدية المهيمنة للمرأة في وسائل الاعلام والاعلان، ودعا الى خلق صورة متوازنة عن تنوع حياة المرأة ومساهماتها في المجتمع في عالم متغير، واعترف المؤتمر آنذاك بالمشكلة، لكن هل قدّم الآليات الفعالة لحل المشكلة؟ والى اي مدى يمكن استخدام المرأة كسلعة من دون ابراز قيمتها الانسانية؟ وهل بات المجتمع اللبناني أسير نمط ثقافي واجتماعي يسلّع المرأة؟ ان نمط الدعاية الذي يستخدم المرأة مرغوب بسبب ثقافة المجتمعات العربية التي تجعل جسد المرأة <تابو> محرّماً، وبالتالي تصح مقولة <كل ممنوع مرغوب> لتفسير الاقبال على هذا النوع من الاعلانات اذ على الرغم من ان استخدام المرأة في سوق الاعلان والاعلام كسلعة ينطبق أيضاً في المجتمعات الغربية الا انه شهد انتشاراً مبالغاً فيه عربياً ولبنانياً، لأن الجمهور في بعض الأحيان يقبل على هذا النمط من الاعلانات.
وكان تقرير صادر عن جمعية علم النفس الأميركية قد أظهر ان انتشار الصور المبتذلة للفتيات والنساء في الاعلانات وعمليات الترويج التجاري والاعلام، ضار بصورة المرأة عن ذاتها وبنموها الطبيعي وبصحتها العقلية والبدنية. وكانت مجموعة من الباحثين المكلفة بالتقرير من جامعة <كاليفورنيا> قد وجدت ان تنميط الفتيات والنساء جنسياً في المجلات والتلفزة وألعاب <الفيديو> و<الفيديوهات> الموسيقية، له آثار سلبية عليهن ما يؤدي الى افتقادهن الثقة في ما يخص أجسادهن بالاضافة الى اصابتهن بالاكتئاب واضطرابات الشهية للأكل، ويقول الباحثون ان لمثل هذه الصور المبتذلة آثاراً سلبية على النمو والتطور الجنسي الصحي لدى الفتيات، وقد دفع اهتمام وقلق الرأي العام المتزايد حول تنميط الشابات جنسياً الى تشكيل هذه اللجنة البحثية، حيث قام الباحثون بدراسة وتحليل محتويات التلفزة وأشرطة الفيديو والأغاني الموسيقية والمجلات والأفلام وألعاب الفيديو وشبكة الانترنت.
جمعية <في - مايل> والمطالبة بإظهار صورة متوازنة للنساء
في الاعلان!
وما نراه اليوم من تشويه لصورة المرأة قد يصبح أقل في الفترة المقبلة اذا ما طبقت المعايير التي خلصت اليها دراسة بعنوان <صورة متوازنة للنساء في الاعلان> كانت جمعية <في - مايل> قد أعدتها بالشراكة مع منظمة <أكشن ايد>. ففي شباط (فبراير) 2014 أطلقت منظمة نسوية لبنانية تُدعى < Fe-Male> حملة مناصرة الكترونية بعنوان <مش بالتسليع... منتجك ببيع> لتسليط الضوء على كل أنواع التمييز بين الجنسين التي تصدرها الاعلانات في لبنان والعالم العربي الى المشاهد والمستهلك، الأمر الذي يروّج لتسليع النساء وتحويلهن الى أدوات جنسية ويرفع من نسب ممارسة العنف ضدهن. وقد أفادت الجمعية ان الاعلام والاعلان معاً يقومان عبر عرض منتجاتهن بتسطيح النساء واعتبارهن مجرد أدوات جاذبة للشراء، ولذلك انطلقت الحملة بهدف مواجهة تشويه صورة النساء عبر حصر دورهن كوسيلة دعائية تجارية. وكانت الحملة قد استمرت الكترونياً لمدة شهر، وتم من خلالها نشر فيديو ومجموعة من الصور الكاريكاتورية والرسائل الداعمة للقضية بشكل يومي، ثم انتقل نشاطها ميدانياً بهدف الضغط على وسائل الاعلام والاعلان كلها للحد من استغلال النساء وتسليعهن للحصول على مكاسب مادية والترويج للثقافة الاستهلاكية على حسابهن. ووضعت المنظمة خطة على المدى البعيد تهدف الى الضغط لايقاف الرسائل الخطيرة التي ينقلها الاعلان الى الأجيال الشابة، والدفع باتجاه تقديم صورة متوازنة غير نمطية عن النساء في وسائل الاعلان، وفتح نقاش واسع بين مختلف فئات المجتمع عن صورة المرأة في وسائل الاعلام والاعلان، والعمل على تغيير صورة النساء في وسائل الاعلام والاعلان من أجل القضاء على تنمطيهن وتشييئهن... كما ان الجمعية نظمت لقاء في اطار مشروع <نحو تغيير صورة النساء في الاعلام والاعلان>.
وعن الدراسة تقول السيدة علياء عواضة عضو في جمعية <في - مايل>:
- ان هذه الدراسة تأتي استكمالاً لعمل الجمعية الذي بدأ بسلسلة خطوات وحملات اعلانية والكترونية منذ العام 2012، أولها حملة <مش بالتسليع منتجك ببيع> والتي تم خلالها انتاج وثائقي حول صورة النساء في الاعلان والاعلام. ولقد خلصت الدراسة الى ان موقع المرأة في وسائل الاعلام وفي قانون تنظيم الاعلام يسجل معدل 23 بالمئة من العاملين في أبرز الصحف اللبنانية، و 34,2 في أبرز المجلات، كذلك يشكل ما نسبته 29,36 بالمئة من العاملات في أبرز التلفزيونات، وفي أبرز الاذاعات يشكلن نسبة 47,2 بالمئة، وان نسبة اسهام الاناث في ملكية المحطات الاذاعية اللبنانية بلغت 3,4 بالمئة فقط من مجموع المساهمين، وبلغت في محطات التلفزة 6 بالمئة، فيما غالبية أسماء الاناث استخدمت من المالكين الذكور للالتفاف على القانون، وان سيدتين فقط تملكان مطبوعة سياسية من أصل 111.
الناشطة النسوية حياة مرشاد وإبراز الصورة الحقيقية للمرأة!
فإلى اي مدى تسيء الاعلانات التي تستغل المرأة لترويج منتوجاتها الى المرأة اللبنانية وتظهرها بصورة لا تشبهها؟ وكيف يمكن تغيير الصورة النمطية عن تسليع المرأة؟ وغيرها من الأسئلة أجابت عنها الناشطة النسوية حياة مرشاد التي تؤكد ان صورة المرأة اللبنانية في الاعلانات لا تشبه سوى جزء صغير من النساء في مجتمعنا اي نسبة 5 بالمئة وتقول:
- ان ما تقوم به الجمعية هو ابراز الصورة الحقيقية للمرأة، والعمل على محاربة تسليعها وتنميطها في مجالي الاعلام والاعلان، وتغيير صورة المرأة النمطية الأكثر رواجاً مثل <دمية> مُغرية وجميلة من خلال حملات توعية خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وان تحويل المرأة الى وسيلة ترويج بغض النظر عن الاساءة لها ولكرامتها ولجسدها وشخصيتها... يزيد نسبة العنف ضدها... اذ تُستغل المرأة في الاعلانات لأنه ببساطة يبدو ان <الشكل الحلو ببيع>، وبالنسبة للمعلنين فان استخدام نساء جميلات يعدّ من أسهل الطرق لتحقيق غرضهم الاعلاني، مع العلم ان هذا المؤشر الخطير هو دليل على ندرة الأفكار الابداعية، كما ان استخدام المرأة في الاعلان هدفه الأهم هو التسويق والبيع والربح بشكل أساسي، وهذا ما يجعلنا نستنتج ان المعلنين ينظرون الى المرأة كسلعة فقط.
واقع النساء في لبنان سيئ!
عن واقع النساء اليوم في المجتمع اللبناني تشرح:
- أرى ان واقع النساء اليوم في مجتمعنا اللبناني سيء، ونلقي اللوم على عالميّ الاعلان والاعلام معاً لأنهما يضيئان على استخدام الصورة السلبية للمرأة. وان النتيجة التي خلصت اليها دراسة أعدتها الجامعة الأميركية تفيد بأن 60 بالمئة من الفتيات اللبنانيات يعانين عدم الثقة في أنفسهن بسبب تماهيهن مع صورة النساء في الاعلانات.
وعن علاقة عمليات التجميل والاعلانات توضح:
- ان سبب انتشار عمليات التجميل في صفوف النساء والفتيات هو رغبتهن في تقليد المرأة التي تبدو في اللوحات الاعلانية وكأنها تتصف بالكمال، وان هذا مؤشر خطير اذ تُصاب غالبيتهن بخيبات أمل لأنهن لا يستطعن الوصول الى مقدار الجمال الذي تتميز فيه فتيات الاعلانات.
وعن الحملة التي كانت جمعية <في - مايل> قد أطلقتها تقول:
- كنا قد أطلقنا الحملة الكترونياً لتحصد سريعاً الكثير من الأصوات المؤيدة والآراء المساندة، وذلك عبر صفحة الجمعية على موقع <فايسبوك>، وكأن اللبنانيين كانوا ينتظرون منذ فترة طويلة ان يتكلم أحدهم في هذا الموضوع ليشاركوا في النقاش حوله. ان الهدف من هذه الحملة هو خلق جدل في المجتمع اللبناني وتسليط الضوء على ظاهرة تسيء للمرأة في الاعلان عبر تسليعها، والتي تنعكس مباشرة على الفتيات اللواتي يتماهين مع صورة المرأة في الاعلانات وكما ذكرت ان الدراسة التي أعدتها الجامعة الأميركية في بيروت أفادت ان 60 بالمئة من الفتيات في لبنان يحاولن تقليد ما يرينه في الاعلان، كما ان ثلث النساء في لبنان يخضعن لعمليات التجميل، ما يظهر مدى تأثرهن بما يرينه على شاشات التلفزة واللوحات الاعلانية وغيرها من أنواع الاعلان. والحملة التي بدأت الكترونياً تستمر من خلال العمل عن قرب مع الوسائل الاعلامية وشركات الاعلان، لكن ما تطالب به الحملة ليس أبداً اقصاء المرأة عن عالم الاعلانات، انما بناء صورة متوازنة لها تعكس واقع الحال، فالتسليع يساهم في رفع نسبة العنف ضد المرأة لأن الرجل لا يعود ينظر اليها كشريكة انما كشيء يمتلكه ويمكن ان يتحكّم به كما يريد، وهناك أهمية للشراكة مع المجتمع الأهلي والمنظمات العربية لاحراز تقدم أكبر في هذا المجال.
وتتابع قائلة:
- هناك أمر آخر تضيء عليه الحملة وله أهمية كبيرة، ألا وهو ضرورة تطوير الحس النقدي تجاه الاعلانات، وخصوصاً من ناحية مظهر المرأة، فما يظهر في الاعلان مختلف تماماً عن الواقع، وهو ما يذكّر بقول عارضة الأزياء الشهيرة <سيندي كراوفورد>: <كم اود أنا، <سيندي كراوفورد> أن أكون بمستوى جمال <سيندي> التي تظهر على الواجهات الاعلانية>، وهذا يبرز مدى اصطناعية الصورة التي تبدو فيها المرأة عبر تقنية <الفوتوشوب> والتحسينات الجمالية. وبحسب المصورين ضمن شركة اعلانية فلا صورة تمر من دون لمسات <الفوتوشوب> سواء كان الاعلان يشمل وجود المرأة كعنصر أساسي أم لا، لكن العمل يزيد عند تصوير اعلان مع عارضة أزياء لأن المعلن يطلب ان تظهر من دون اي شائبة، والتحسينات تطاول الوجه كما الجسم لكي تبدو المرأة وكأنها كاملة الأوصاف. وهذا الواقع أنتقده لأن فيه مبالغة لافتة حيث تبرز النساء في الاعلانات مغريات ولكن حين تحاول الفتاة العادية تقليدهن تصاب بخيبة الأمل لأنها غير قادرة على الوصول الى مقاييسهن. ويبقى التحدي الرئيسي أمام الحملة الاستمرارية وامكان التواصل مع شركات الاعلان والفتيات المشاركات في الاعلانات لكي تحقق تقدماً ملموساً على صعيد تغيير صورة المرأة النمطية كمغرية وجميلة، ما يلغي فئة كبيرة من نساء المجتمع اللبناني اللواتي يرتكزن في حياتهن على الفكر وتحقيق الطموحات العالية.