تفاصيل الخبر

الناشط البيئي جان بول فارس: الحس الوطني وفورة الوعي للحفاظ على البيئة زادا من الطلب على منتجاتي..

04/02/2021
الناشط البيئي جان بول فارس: الحس الوطني وفورة الوعي للحفاظ على البيئة زادا من الطلب على منتجاتي..

الناشط البيئي جان بول فارس: الحس الوطني وفورة الوعي للحفاظ على البيئة زادا من الطلب على منتجاتي..

بقلم عبير أنطون

[caption id="attachment_85495" align="alignleft" width="333"] أشكال وألوان من البلاستيك والباطون[/caption]

قطع رائدة للديكور الداخلي والخارجي، أو هدايا للاحتفال بالولادات والأعراس وأعياد الميلاد وغيرها تدخل من ضمن ما يقوم الشاب جان بول فارس بإعادة تدويره من البلاستيك بأشكاله وأحجامه وألوانه كافة، ومن ثم دمجه مع مادة الباطون وصبّه في قوالب مختلفة للحصول على قطع فريدة، وقد بدأ اسمه ينتشر في هذا المجال داخل لبنان وخارجه وصولاً الى الدول العربية وفرنسا والولايات المتحدة. ببساطة كبيرة يقول جان بول إنه "يقدم خدمة للكون وللطبيعة"، طبيعة ضاقت ذرعاً بـ"كبّ" مواد يمكن إعادة استخدامها لأكثر من مرة ووجهة  فترمى ليستهلك غيرها ويرمى بدوره وتستمر الحلقة العشوائية التي لا تراعي بيئة ولا أجيالاً من بعدنا. 

مع الكشاف السابق وعاشق الطبيعة كان لقاء "الأفكار" وسألنا جان بول أولاً: 

- مع الحجر الذي فرضته جائحة كورونا. هل زاد عملك أم تقلص؟

 في الواقع بدأ العمل يتضاعف مذ بدأت أزمة الدولار ومن بعدها جائحة كورونا، ذلك ان الناس بدأت بتشجيع    الصناعة الوطنية، وتحديداً في الامور المتعلّقة بالبيئة، من هنا فإن الطلب على المنتجات التي اقوم بصنعها ارتفعت وتيرته.

- متى انطلقت في عالم التدوير هذا؟

         أنا متخصص في تكنولوجيا المعلومات والبرمجة وأعمل في أحد المصارف، اما شغفي بإعادة التدوير فقد بدأ منذ احد عشر عاماً. فأنا شخص يعشق البحر، ولكنني كنت أنزعج دائماً من

[caption id="attachment_85499" align="alignleft" width="250"] جان بول فارس.. أخدم الطبيعة.[/caption]

أكياس النايلون، والقطع الخشبية، والأقمشة، وغيرها من الأمور التي كانت تسبح من حولي ، ومن هنا شعرت بالحاجة الى التحرك في هذا السياق، من أجل المحافظة على ثروتنا المائية، وصحتنا، وبيئتنا. ولهذا السبب، حاولت إعادة استخدام المواد المرمية على الشواطئ وفي البحر، فاخترت أولاً الخشب - لأنه يعتبر الأسهل - وبدأت بتجميع القطع الخشبية، وتصميمها بأشكال مختلفة، والحفر عليها. بعد ذلك، اتجهت نحو أقلام الشمع التي يستخدمها الأطفال، ويبقى منها جزء صغير غير مستخدم. فقمت بخلطها مع الخشب، من خلال إذابتها ومن ثم صبّها على القطع، للحصول على تأثير جميل من ناحية الألوان.

ويضيف جان بول:

الانطلاقة كانت على سبيل التسلية، ولكن بعد فترة، قررت التوسع في العمل، وزيادة المواد المستخدمة،  فاخترت مادة البلاستيك وهي  تحتاج الى سنوات طويلة للتحلل. فبدأت بتجميع الزجاجات والغالونات البلاستيكية، واختبارها. كما اجتمعت مع مهندسين عدة، وعملنا على تصاميم مختلفة للمكاتب، مثل الكراسي، أغطية الطاولات، وغيرها. نظمت معرضي الأول منذ خمس سنوات، وقد استخدمت فيه أكثر من 75 ألف قطعة بلاستيكية، من الزجاجات والغالونات وما الى هنالك حيث قمت بإذابتها حتى باتت تشبه الرخام الى حد ما. لكن هذا المعرض لم يلاقِ للأسف الأصداء المتوقعة، بسبب قلّة وعي الجمهور حول أهمية تدوير مواد البلاستيك والأخشاب، وإعادة استخدامها. إنما هذه التجربة الصعبة، شكلت حافزاً بالنسبة لي، من أجل البدء باستخدام مادة الإسمنت مع البلاستيك، وانطلقت الرحلة.

- ما اكثر ما يطلب منك؟

هي المنتجات الصغيرة التي تشكل تذكارات او هدايا شكر بمناسبة الزواج او الولادات أو التهاني ... وانتجها من خلال صب  قوالب إسمنتية ممزوجة بالبلاستيك ومقطعة بطريقة تراعي الناحية الجمالية لهذه النماذج المختلفة من "الصبّات" بألوان متناسقة ، ومنها يصلح لحمل شمعة، ومنها لزراعة نبتة صغيرة تنمو فيها الكاكتوس او اية  شتلة خضراء، او حتى قاعدة للصابونة، وهذه كلها كثيراً ما تطلب مني. الاهم ، ان قيمة هذه  التصاميم تقع في أنها يدوية الصنع، وتكثر فيها التفاصيل، وهي مصنوعة بعناية كاملة، وتأخذ كل قطعة حقها من الحفّ والتجميل، مع مواد خاصة لأحافظ على الألوان.

[caption id="attachment_85500" align="alignleft" width="250"] صينية معاد تدويرها تحمل أشهى الحلويات[/caption]

- وأسعارك بالليرة اللبنانية ؟

طبعاً، ويسلم المنتج منتهياً من عندي مع اسمي واللوغو عليه . هذا مع التأكيد ان الهدف الأساسي من مشروعي ليس مادياً أو تجارياً، بل يتمثل في خدمة البيئة، والطبيعة.

- ومع الجائحة هل من اعراس واحتفالات ؟

كثيراً ما يتم توزيعها "دليفري" كذكرى على الأهل والاصحاب.

-هل كان دخول الاعراس والاحتفالات بمواد معاد تدويرها سهلاً، وما نظرة الناس اليها؟

في الواقع اقوم بإعادة تدوير المواد من البلاستيك منذ اكثر من عشر سنوات، ولم المس التجاوب او الاقبال من الناس الا منذ اربع سنوات ، حيث بدأ الوعي يزداد حول أمور البيئة والحفاظ على الطبيعة ومواردها وعلى إعادة التدوير تحديداً، وانا من ناحيتي ما عدت اشتغلت على قطع كبيرة تلبك من يقتنيها ، وهذا كله شكل لي حافزاً لضبط المسار، وتعديل الخطط، لأصل الى هدفي ، أضف اليها  فورة الوعي من الناحية البيئية اذ بات الناس يقدرون عالياً ما أقوم به ويطلبونه.

ويزيد:

بالنسبة للاعراس والحفلات، تعاونت في البداية مع شخص ينظم الحفلات، ويزين الطاولات الخاصة بالمناسبات المختلفة (زفاف، ولادة، عمادة،...)، وقمنا بإدخال منتجاتي الى هذه الطاولات، لتكون بمنزلة زينة، أو هدية للزوار والمدعوين ونجح الأمر. ومن هنا، عمدت الى تطوير مشروعي أكثر فأكثر، من خلال تقديم المزيد من الأفكار والأشكال والعديد من الافكار الابداعية  التي لاقت اعجاب  الكثيرين. كما بات الإقبال يكبر مع انتشار المنتجات بين عدد أوسع من الناس، الذين قدروا جمال القطع، ومدى اتقانها وترتيبها. ولم تعد تصاميمي  محصورة بأشكال معينة إذ بدأ الناس يتواصلون معي من أجل تنفيذ أفكارهم الخاصة، من طاولات ومكاتب وكراس. ومن هنا، عززت مهاراتي، وطورت المادة المستخدمة، من أجل تقديم المزيد من التصاميم والقطع المميزة.

 "ما منحطّ زبالة ببيتنا"..

[caption id="attachment_85496" align="alignleft" width="250"] البيئة في التذكارات[/caption]

- هل  يبرز الوعي البيئي لدى الجيل الجديد وقد باتت المدارس والعديد من الجمعيات تعمل عليه ام  يشمل المتقدمين في السن ايضاً؟

ستتفاجئين إن قلت لك إن المتقدمين في السن يأتون اولاً، وربما يعود ذلك الى حبهم للارض وارتباطهم بالطبيعة، وتدريجياً انتقل هذا الاهتمام الى جيل الشباب والمس ذلك لما يطلبونه مني في الزواج والولادات .

- كيف عملت على تطوير نفسك؟

 لقد طوّرت نفسي بنفسي، واشتغلت بيدي على المواد والصبات وتنظيف الباطون حتى بلغت المرحلة التي انا فيها الآن، يمكنني القول إنها طريقة بدائية ، يدوية ، شذّبتها سنة بعد سنة حتى وصلت للطريقة التي اعمل وفقها ، ما يفضي بالنهاية الى قطع فريدة، مفيدة وجميلة.

-ما كانت أصعب المراحل؟

المرحلة التي لم يتقبل فيها كثيرون ما اقوم به وتردادهم لجملة "نحنا ما منحط زبالة ببيتنا". هذه الجملة كانت تقهرني فعلاً الا انها اعطتني دفعاً للمضي قدماً.

- لطالما سمعنا ان الاستيراد في مثل الامور التي تنتجها ارخص من الخارج. فألف قطعة مستوردة من الصين مثلاً قد تساوي عشر قطع مصنوعة وطنياً. هل ما زالت هذه الفكرة شغالة؟

 هناك وجهتان: واحدة كالتي قلتها وهي إن الاستيراد ارخص، وأخرى يرحّب أصحابها  بالصناعة الوطنية حتى ولو كان ثمنها اعلى. الا انه اليوم، وفي ازمة الدولار الحالية وسعر صرفه مقابل الليرة، ما عاد الاستيراد من الصين ارخص، وفي الوقت عينه ارتفعت حماسة اللبناني لتشجيع ابن بلده وصناعته. في لبنان نقع على الكثير من المبادرات الخلاقة ومنتجاتها افضل بأشواط مما يتم استيراده، وما كانت تظهر لأن السوق غارق بالمنتوجات المستوردة. اليوم، مع ارتفاع الدولار وإرادة التعاون، صارت الناس "تتطلع صوب اللبنانيين وما ينتجونه".  

-هل اعدت التدوير من الدمار الذي خلفه انفجار المرفأ؟

بما انني اعمل في اعادة تدوير البلاستيك فقد مدّتني عدة جمعيات عملت على تنظيف الاشرفية وجوارها  بكراس وطاولات والعاب مصنوعة من هذه المادة حتى اعمل بها، وكل ما انتجته بعد هذا الانفجار دخلت فيه مواد منه.

[caption id="attachment_85497" align="alignleft" width="250"] الصابونة على قاعدتها المعاد تدويرها[/caption]

-هل من يعمل معك، وكم قطعة تنتج يومياً ؟

يمكنني انتاج حوالي الستين قطعة يومياً ويعاونني شخصان ونقسم العمل في "الأتولييه" الصغير بجودة عالية. بالنهاية فإن مشروع "JP Recycle Design" ليس شركة انما مبادرة فردية للتخفيف من التلوث البيئي طبعاً ، وانما ايضاً لاعطاء الحياة من جديد للبلاستيك المهدور، قبل ان يضاف الى اطنان النفايات.   

-هل تعرض منتجاتك في متاجر معينة؟

 قبل انفجار المرفأ كنت اقوم بذلك، ومع الظروف الراهنة اكتفي بما اعرضه على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بي . فقد  تبدلت الأوضاع الى حد كبير، حيث أغلقت العديد من المؤسسات أبوابها، وفقدت للأسف العديد من أماكن العرض والبيع.

- تقول إن فترة الثورة كانت جيدة بالنسبة لك لماذا؟

  معها صار اللبناني يساعد اخيه اللبناني ، وكثيرون يدعمون الشباب وعملهم. علماً انني لم اقم بصنع منتجات من وحيها.

- انت تورد ما تنتجه الى الخارج ايضاً؟.

صحيح، بطلبيات محدودة الى فرنسا وأميركا والدول العربية اذ يطلبها مني اشخاص تعرفوا على هذه المنتجات واحبوها، وعادة ما يعرفون عنها من اللبنانيين هنا، او حملوها معهم الى الخارج .

- تعمل موظفاً في مصرف ، واليوم هناك نقمة من الناس على المصارف. هل تضم صوتك اليهم ؟

 عملي في المصرف هو وظيفيتي الاساسية ومنه اعتاش. اما اعادة التدوير فهي عمل رديف اقوم به بشغف و"ما دخلني بالنقمة ولا بغيرها"...

[caption id="attachment_85498" align="alignleft" width="250"] الكاكتوس بالقالب المعاد تدويره[/caption]

-هل من ماكينات كبيرة يتطلبها عملك؟

هناك ماكينة كبيرة لفرم البلاستيك الى قطع صغيرة، وماكينات صغيرة كهربائية او يدوية للامور البسيطة.  واشير هنا، الى أن القوالب التي أستخدمها في تصاميمي، معاد تدويرها واستخدامها أيضاً، حيث أحصل عليها من الورش والمعامل، وغيرها من الأماكن.    

-عُرفت بالبلاط الذي قمت بصنعه ويذكرنا بالبيوت القديمة ماذاعنه ؟

لقد  أدخلت البلاستيك مع الباطون، ما اعطى بلاطات استوحيت فكرتها من البلاط القديم المعروف بالـ terrazzo الذي كان يدخل مختلف البيوت في لبنان كما في ايطاليا، وما عدنا نرى الكثيرمنه اليوم، ويمكن استخدامه في تبليط الارض او الجدران او حتى صنع الصواني او وجوه الطاولات.

-هل تطمح الى توسيع عملك هذا ام سيبقى في اطار الهواية ؟

 كل من يعمل بشغف يطمح الى تطوير عمله وتوسيعه حتى يصل الى افاق ابعد. أطمح حتماً الى تقديم المزيد من المنتجات. وهناك أحاديث حول عدد من المشاريع، التي هي قيد الدرس في الوقت الحاضر، والهادفة الى إدخال البلاستيك الى بلاط الأراضي والجدران، وواجهات المباني، من أجل الابتعاد عن اللون الرمادي التقليدي، والحصول على التأثير المميز الذي أقدمه في قطعي الصغيرة.

-على صفحتك تقوم بالترويج لغيرك ايضاً ممن يقومون بإعادة التدوير؟

صحيح ، وبذلك ادعم كل شخص يشجع اعادة التدوير اكان في الزجاج او القماش او القطع القديمة او حتى المعاد تدويرها، ويمكن ان نستعملها لأكثر من مرة فنمنحها حياة جديدة.

 - في النهاية ، نسمع اليوم بحملات واسعة تواجه انتاج البلاستيك وتدعو الى الاستيعاض عنه. هل سيؤدي ذلك الى خفض انتاجه برأيك؟

من الصعب ذلك على المدى القصير، اما على المدى الطويل فقد يستبدل، ويخف انتاجه.