تفاصيل الخبر

الناس في الفضاء عام ٢٠١٩... حقيقة أم تخاريف؟!

21/12/2018
الناس في الفضاء عام ٢٠١٩...  حقيقة أم تخاريف؟!

الناس في الفضاء عام ٢٠١٩... حقيقة أم تخاريف؟!

بقلم خالد عوض

إلى الفضاء... در! الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> أعلن منذ أيام عن إنشاء قيادة عسكرية للفضاء من أجل تنسيق الأعمال العسكرية هناك والتأكد من سلامة وتطور الإمكانيات العسكرية الفضائية الأميركية بما فيها الأقمار الصناعية التي أصبحت تعد الأساس التكنولوجي الأهم في عمل القوات والأسلحة الأميركية حول العالم. هذا لم يكن الإعلان الأول للرئيس الأميركي عن <برنامجه> العسكري في الفضاء فقد سبق له أن أعلن في حزيران (يونيو) الماضي عن ضرورة إنشاء فرع سادس للقوات العسكرية الأميركية إلى جانب الجيش والقوات الجوية والقوات البحرية وخفر السواحل و<المارينز>، على أن يكون هذا الفرع الجديد منفصلا ولكن بالحجم نفسه عن الفروع الخمسة الأخرى. من الواضح أن <دونالد ترامب> متأثر جدا بالرئيس الأميركي الراحل <رونالد ريغان> الذي حكم في فترة ١٩٨٠- ١٩٨٨ وأطلق حينذاك حرب النجوم <الوهمية> ضد الإتحاد السوفياتي فاستنفذت موارده  وكانت أحد الأسباب الرئيسة لانهياره عام ١٩٩٠.

 عام ٢٠١٩... أول رحلة إلى الفضاء!

 

في تشرين الأول (أكتوبر) عام ٢٠١٦ كتب الرئيس الأميركي السابق <باراك اوباما> مقالا على صفحة شبكة <سي. ن. ن> الإلكترونية يؤكد فيه أن الوكالة الأميركية للفضاء <ناسا> ستتمكن من إرسال بعثة بشرية إلى المريخ سنة ٢٠٣٠. ومنذ أيام زار نائب الرئيس الأميركي <مايك بنس> شركة <سبيس أكس SPACE X> في <مركز كينيدي للفضاء> في فلوريدا التابعة لمجموعة <تسلا> ومؤسسها <ايلون ماسك>، وأكد ما اعلنته الشركة منذ عدة شهور أن أول رحلة بشرية تجارية إلى الفضاء ستحصل عام ٢٠١٩. في الوقت نفسه أكد السير <ريشارد برانسون> صاحب شركة <فيرجن غالاكتيك VIRGIN GALACTIC> أن أول رحلة تجارية لشركته إلى الفضاء ستكون أيضا عام ٢٠١٩، بعد أن نجحت تجربة التحليق للمركبة <ف.س.س يونيتي VSS UNITY> على ارتفاع ٨٢ كم فوق سطح الأرض وبسرعة تضاهي حوالى ثلاث مرات سرعة الصوت. ويبدو من المعلومات التي نشرتها الشركتان حول تجارب مركباتهما الفضائية أن موعد تحليق الإنسان في الفضاء سيكون فعلا قبل نهاية العام المقبل رغم وجود عقبات تقنية غير بسيطة أمام ذلك. السؤال الحقيقي اليوم هو: إذا كانت شركتان خاصتان لم يمض على انشائهما أكثر من ١٥ سنة ستتمكنان قريبا جدا من إرسال الناس إلى الفضاء، فماذا بحوزة <الناسا> التي تأسست سنة ١٩٥٨ أي منذ ستين سنة، من تكنولوجيا وأسرار؟

 تحدي الصين... في الفضاء!

 

يمكن أن يختلف الديموقراطيون والجمهوريون في الولايات المتحدة على كل شيء ما عدا أمر واحد. الهجرة والموازنة والضرائب والسياسة الخارجية والتغيير المناخي والعولمة التجارية كلها يمكن أن تكون مواداً خلافية كبيرة بين الحزبين وداخل مجلسي النواب والشيوخ، ولكن يبقى برنامج الفضاء وتمويل <الناسا> فوق كل الاعتبارات الحزبية. هذه المسألة تعتبر من أهم عناصر التفوق الأميركي العالمي ولا يجرؤ أحد على التعرض لها. الاختلاف الوحيد والطفيف جدا هو في كيفية استخدام <الناسا> في السياسة الأميركية أي في بعض بنود موازنتها وليس في حجمها. الديمقراطيون يجنحون بشكل عام إلى الأبحاث والاستثمارات السلمية بينما يشجع الجمهوريون أكثر على استخدام الفضاء في المسائل العسكرية. ولذلك يبدو من توجهات <ترامب> الأخيرة أنه يريد رفع المواجهة مع الصين إلى الفضاء لعدة أسباب، شبيهة كثيرا بحقبة <ريغان>. في المرتبة الأولى يعرف الرئيس الأميركي أن التفوق في الفضاء سيمنحه التفوق الاستخباراتي وحتى العسكري على الأرض، ولكنه يعلم أيضا أن على الصين وحتى روسيا التي تعد أكثر تطورا فضائيا من الصين أن تنفق مئات المليارات من الدولارات حتى تلحق بالولايات المتحدة. هذا لا بد أن يرهق ميزانيتها ويزيد الضغوط الداخلية على حكومتها. إذاً الهدف

الأميركي من الهرولة إلى الفضاء هو إقتصادي في إطار الحرب التجارية مع الصين بقدر ما هو تكنولوجي وعسكري.

 

القراءة في كتاب <ريغان>!

 

هذا المنطق الإقتصادي يفسر إلى حد كبير كلام <ترامب> منذ شهرين عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من الإتفاق النووي مع الروس والذي يحظر تطوير أسلحة نووية تصل إلى مسافات أكثر من ٥٠٠ كيلومتر. فمنذ ٢٠٠٨ وتحديدا مع بداية أزمتها مع جارتها جورجيا بدأت روسيا بتطوير صواريخ يصل مداها إلى أكثر من الحد المسموح به في الإتفاقية المعقودة في حزيران (يونيو) ١٩٨٨ بين <رونالد ريغان> ورئيس الإتحاد السوفياتي آنذاك <ميخائيل غورباتشوف>. ولولا تهديد <ريغان> يومذاك بنصب صواريخ <بيرشينغ ٢> البعيدة المدى في أوروبا لما كان السوفيات قبِل بالإتفاقية. حاول <ترامب> خلال قمته مع الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> في هلسينكي في تموز (يوليو) الفائت إقناع الروس بالتخلي عن ذلك، ولكن المعلومات التي حصل عليها الأميركيون مؤخرا تؤكد أن روسيا ماضية قدما بتطوير الصواريخ البعيدة المدى وأن وعود <بوتين> لـ<ترامب> كانت كاذبة. وعلى طريقة <ريغان> لم يعد أمام <ترامب> إلا التهديد المقرون بالفعل حتى يغير المسار الروسي، خاصة أن مسألة الحد من انتشار الأسلحة النووية ظلت بندا أساسيا في كل محادثات الرئيس الأميركي السابق <اوباما> ولكن من دون أي تجاوب فعلي من الروس.

الدين العام الأميركي يناهز ٢٢ ألف مليار دولار. هذا الرقم لا يسمح لا بالتوسع في الفضاء ولا بزيادة موازنة الأسلحة النووية التي هي اليوم حوالى ٧٠ مليار دولار. ولكن عند الولايات المتحدة سلاح فتاك اسمه الدولار، يشكّل أكثر من ٦٠ بالمئة من الأموال النقدية في العالم ويسمح لها بالتهديد والوعيد والتنفيذ إن لزم بينما يقصم ظهر الصين وروسيا إن هما حاولتا اللحاق بها فضائيا ونوويا. لقد شلت حرب النجوم التي اطلقها <ريغان> في الثمانينات من القرن الماضي الإتحاد السوفياتي، ويبدو أن <دونالد ترامب> يحضّر لحرب <كواكب> هذه المرة يجبر من خلالها الصين على التخفيف من أحلام  طريق وحزام الحرير ويلجم بها شطوط القيصر <بوتين>.