تفاصيل الخبر

المئات يتخفّون وراء إختصاصات وهمية يقع في فخّها المريض

11/10/2019
المئات يتخفّون وراء إختصاصات وهمية يقع في فخّها المريض

المئات يتخفّون وراء إختصاصات وهمية يقع في فخّها المريض

 

 

الدكتور ربيع معتوق: أطباء أسنان وجهاز هضمي وصيادلة يعتدون على الجراحة التجميلية!

بقلم كوزيت كرم الأندري

المجازفة بالحياة... مقابل الجمال! تلك هي حال الكثيرين، لا سيما الكثيرات، ممّن يقعن في هوس الشكل المثالي، أو هوس تقليد المشاهير في كل تفصيل من وجوههن وأجسادهن. منهم من يفارق الحياة أثناء العملية، منهم بعدها، ومنهم من يذوق الأمرّين جرّاء مضاعفات الجراحة، والأخبار عن تلك الحالات تكثر من هنا وهناك. فما الذي يشكّل خطرا على حياة المريض: الجراحة نفسها أم الممارسات الخاطئة؟ وكيف يمكن تفادي النتائج المأسوية، كي لا تنقلب مقولة <ومِن الحب ما قَتَل> إلى <ومن الجمال ما قتل>؟! أسئلة وهواجس حملتها <الأفكار> إلى المتخصص في الجراحة التجميلية والترميمية الدكتور ربيع معتوق، الذي تخرّج من ألمانيا حيث مارس المهنة لسنوات قبل أن ينتقل إلى لبنان.

ــ حين تنتج عن العملية التجميلية مضاعفات قد تكون خطرة أحياناً، هذا يعني أن العملية نفسها صعبة ومعقّدة أو أن من يقوم بها ليس كفؤاً؟

- لننطلق من مبدأ عام وهو أنه يمكن أن ينتج عن مطلق عملية جراحية مضاعفات، وأن تلك المضاعفات قد ــ وأشدد على كلمة قد ــ تؤدي إلى الوفاة وذلك في حالات نادرة جداً. أما بشأن المضاعفات، فيمكن أن تحدث على يد طبيب كفؤ أو غير كفؤ، لكن الفرق بين الحالتين يكمن في كَون كفاءة الطبيب تجعله يفهم تماماً تلك المضاعفات وطبيعتها ليعالجها، الأمر الذي قد يفشل فيه من لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، وبذلك قد تزداد المضاعفات تعقيدا فتؤدي إلى الوفاة.

ــ أهي فعلا نادرة كما تقول؟ لمَ إذا نسمع، من حين إلى آخر، بوفاة المرأة الفلانية (لا سيما من الفنانات) جراء قيامها بعملية تجميل، ووفاة الرجل الفلاني أثناء خضوعه لعملية تجميلية؟ الأمثلة على ما أقول ليست بقليلة!

- قد يبدو لك العدد مرتفعاً إذا ما أُخذت كل حالة من الحالات على حدة، لكن إن قارنت ما بين عدد تلك الحالات وعدد العمليات الناجحة، فستجدين أنها فعلا نادرة الحدوث. هذا لا يعني أننا نقلّل من شأن الأرواح التي تذهب، للأسف، ضحية أي مضاعفات. لكن لا بد من أن نكون واقعيين فنعترف أن تلك هي حال الطب عامةً. فالمضاعفات تتقلّص مع الوقت، لكنها لا تختفي كلياً.

ــ خبراء متخصصون في هذه الجراحات أطلقوا تحذيراً عالمياً للجراحين من أن عملية رفع المؤخرة على الطريقة البرازيلية، مثلاً، هي أخطر العمليات التجميلية. هذا يعني أن مؤخرة كيم كردشيان قد تودي بحياتي لو أردت الحصول على مثلها؟!

- فلنوضح، أولاً، أنهم أطلقوا تحذيراً لحثّ الجرّاحين على القيام بهذه الجراحة التجميلية بالشكل أو بالتقنية الصحيحة والآمنة، وليس لعدم القيام بها. من هنا كان التأكيد على ضرورة إعادة حقن الدهون <بطريقة فايشة مش غميقة>، لينحصر وجودها تحت الجلد فلا تمسّ بالعضل. هذه العملية، تحديداً، هي أخطر من غيرها من العمليات إذ يشفطون خلالها دهوناً، يصفّونها ومن ثم يتم حقنها في المؤخرة لتكبيرها. وقد اكتشفوا، مع مرور الوقت، أن مكان حقن الدهون هذه يؤثر على إمكانية حدوث انسداد في الأوعية الدموية Embolism، أو إنصمام دهني Fat embolism، بحيث تتسلّل خلايا دهنية في الشرايين وتسافر فيها مع الدم فتصل إلى شرايين صغيرة وتسدّها، وغالباً ما تحصل هذه المشكلة على صعيد الرئتين. ثم إن جراحة تكبير المؤخرة على الطريقة البرازيلية لا تزال حديثة، نسبياً، وبالتالي <بعد ما فِيا خبرة كتير>، لذا بدأت تظهر الآن الدراسات والإحصاءات حولها.

ــ الغريب هو أن الوفيات الأولى التي حصلت بسبب الجراحات التجميلية تعود إلى عقودٍ خلت، هذا يعني أنه من المفترض أن يتقلّص عدد الأخطاء الطبية لا أن يزداد. <حَلُّن يتعلّموا!>

- أولا، لا بد من أن ننتبه إلى مسألة النسبية في هذا الموضوع. فإن كان يموت، مثلاً، عشرة أشخاص في السبعينيات من أصل الرقم الفلاني (لا أملك الإحصاءات بطبيعة الحال)، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من مضاعفات بعد الجراحات التجميلية اليوم، ومنها ما يصل حدّ الوفاة، هم قلّة نادرة إذا ما قورِنوا بالعدد المرتفع لأولئك الذين يخضعون لهكذا عمليات. فمضاعفات أي جراحة تجميلية لا تفوق، مثلاً، مضاعفات عمليّة استئصال الزائدة (الزايدة) او المرارة، بالرغم من بساطة وسهولة تلك الجراحتين. ثم إن هناك نقطة مهمّة جدا أريد أن أشدّد عليها، وهي أنه في الشرق الأوسط، وفي لبنان بشكل خاص، عدد مهول من الأشخاص الذين يزاولون مهنة الجراحة التجميلية وهم دخلاء عليها ولا يحملون شهادات فيها! <بيطلعوا عفرنسا وبلجيكا ومدري لوين بيعملوا تدريب كم شهر بيرجعوا وبينزلوا بهالعالم!>

ــ لكن لا حول للمريض ولا قوة في ذلك! كيف تريدونه أن يميّز بين المتخصص وغير المتخصص؟ وكأنك تطلب مني، مثلاً، أن أميّز ما بين <الميكانيسيان> الجيّد وذلك العاطل، و<أنا ما بعرف الموتير من الرادياتير!>

- لا بل يستطيع! أولا، هناك حوالى المئة متخصص في الجراحة التجميلية والترميمية أسماؤهم مُدرجة في نقابة الأطباء وفي الجمعية اللبنانية للجراحة التجميلية والترميمية Lebanese Society of  Plastic Reconstructive and Aesthetic Surgery وكل المعلومات المرتبطة بهؤلاء متوافرة على موقع الجمعية الإلكتروني https://www.lspras.com (دخلت إلى الموقع بعد إجراء المقابلة وتأكدت من الأمر بنفسي، ومن بينهم طبعاً الطبيب الذي نُجري معه الحوار الآن...) هؤلاء لا شك في اختصاصهم ومهنيّتهم، لا سيّما وأنهم <تغَربلوا تلات مرّات>: من وزارة الصحة، من نقابة الأطباء ومن الجمعية نفسها.

(سؤال أضيف بعد الانتهاء من إجراء المقابلة، حين اتصلت بالدكتور معتوق مجدداً لتوضيح الآتي)

ــ دكتور معتوق، دخلت إلى موقع الجمعية التي حدّثتني عنها واكتشفت أن معظم الأطباء، أصحاب الأسماء الرنّانة في هذا المجال، أسماؤهم لا ترد في اللائحة، فاستغربت الأمر!

- لا بل من الطبيعي ألا تُدرِج الجمعية أسماءهم لأنهم غير متخصصين في الجراحة التجميلية والترميمية، وإن كانوا يمارسونها. الدعاية والعلاقات العامة تجعلهم معروفين ومشهورين. هؤلاء لا يرفضون إجراء أي عملية، حتى لو أتتهم مريضة تطلب إجراء عملية تجميلية لا تناسبها وغير منطقية لا يرفضونها. من قال إن في الجراحة التجميلية لا وجود للتشخيص Diagnostic؟ قرار إجراء هكذا جراحة ليس بالقرار الاعتباطي ولا يجوز أن يخضع لأهواء ورغبات المريض، التي تكون غير منطقية في الكثير من الأحيان! <مش لأن واحد جايي يعمل منخارو أنا لازم أعملّو ياه!>

ــ تقول إن الأطباء المدرجة أسماؤهم في نقابة الأطباء والجمعية اللبنانية للجراحة التجميلية والترميمية <مضمونون> من حيث الاختصاص والشهادة. لكن انطباعنا يقول بأن الأطباء غير الكَفُئين في هذا المجال باتوا أكثر من أولئك الكفئين!

- أفهم انطباعك هذا، لأن مقابل هؤلاء المئة، هناك المئات من الدخلاء على المهنة. <يا عمّي في حِكَما سنان وفرمشانيّة عاملين حالن حِكما تجميل! في ناس ما إلا علاقة بالطب أصلاً!> (أعرف، شخصياً، مصففاً نسائيا يحقن لزبوناته البوتوكس).

ــ هل حدث أن أوقفت نقابة الأطباء أحداً عن ممارسة الجراحة التجميلية والترميمية؟

- نعم حصل.

ــ أوقفته نهائياً أعني...

- نعم نهائياً.

ــ فلنعد بالحديث إلى العمل الميداني: هل يجوز أن نخضع لعدد من الجراحات التجميلية في الوقت عينه؟

- نعم.

ــ وكم هي المدة القصوى لبقاء المريض مخدراً تحت يدَي الجراح؟ هل من وقت معيّن لا يجوز تخطّيه؟

- لا. المدة المتوسطة هي ثلاث ساعات، وفي حال استغرقت العملية وقتا أطول فقد يزداد احتمال حدوث تعقيدات أو مضاعفات، لكن يبقى هذا الاحتمال بسيطاً. نُجري عمليات تستغرق أحيانا 12 أو 15 ساعة.

ــ <أوف>. أي من العمليات التجميلية تستغرق كل هذا الوقت؟

ــ إعادة بناء الثديين Breast Reconstruction تستغرق وقتا طويلا، على سبيل المثال لا الحصر. وكَون الشهر الجاري هو شهر التوعية من سرطان الثدي أودّ أن أشير، في هذا السياق، إلى إمكانية إجراء عملية جراحية لإعادة بناء الثدي من خلال أخذ أجزاء من جسم المرأة نفسها لإعادة ترميم صدرها، بدلاً من استخدام الحشوات، وهي أحدث أنواع العمليات في هذا المجال.

(مصدومة وأفكّر في قرارة نفسي <إنو عُمرا ما تكون>!)

ــ ما هي أكثر العمليات التجميلية خطورة؟

- لكلٍّ منها خطورتها وكل عارض ينتج عن نوع معيّن من العمليات. عملية شفط الدهون، مثلاً، قد تؤدي إلى الانصمام الدهني، والعملية التي قد تسبب نزيفاً هي شدّ البطن. لكن أكرر أن حدوث المضاعفات في هذا المجال نادر جداً وعلاجها على يد طبيب يتمتع بالمعرفة والخبرة اللازمتين بسيط ولا يترك أثراً.

ــ ولمَ تحصل الالتهابات؟

- الإلتهاب تسبّبه بكتيريا تكون موجودة قبل العملية أو خلالها أو ما بعد القيام بها، كما أنها قد تكون موجودة أساساً على الجلد. البكتيريا مشكلة كبيرة و<عويصة> لأنها تحيطنا أينما كنّا ومهما فعلنا.

ــ لكن التطهير الجيّد يلعب دوره في التصدي لهذه المشكلة، أليس كذلك؟

- ما من تطهير تام وكلّي، <فيي كِبّ حديدة بالفرن لتطّهّر كلياً بس ما فيي شيل إيدي كطبيب وحطّا بالفرن، ولا فيّي شيل المريض وحُطّو بالفرن!>

ــ قرأت أن المخاطر تزداد إذا كان المريض مدخّنا؟ لماذا؟

- طبعاً! طبعاً! (كرّرها أكثر من مرة وبإصرار). نحن نحضّر المريض ونتحدث إليه قبل إجراء العملية ونطلب منه أن يوقف التدخين نهائياً قبل إجرائها بثلاثة أسابيع. التدخين يسبّب انسداد شرايين الجلد الرفيعة. ما يجعل الجرح الذي يُحدثه الجرّاح يلتئم هي الدورة الدموية التي تمر عبر هذه الشرايين، فإذا كانت مسدودة لا يلتئم الجرح. إنه مثال من أمثلة أخرى عن مساوئ التدخين في حال الجراحات...

ــ أي أجسام هي الأصعب في العملية بالنسبة إليكم؟

- الأجسام السمينة. فهي تشكل، عموماً، نسبة أعلى من المخاطر على كافة الصعد.

ــ وأي شريحة من العمر هي الأصعب؟

- <الأطفال صعبين لأن كل شي فيُن زغير>، ولأن الطبيب يشعر، بطبيعة الحال، مع الطفل ويتعاطف معه أكثر من الكبير بسبب هشاشته وعدم قدرته على التعبير عمّا يريد أو مما هو منزعج، الأمر الذي يضاعف من انتباهنا وشعورنا تجاهه.

ــ ولكن ما الذي يجعل الطفل يضطر إلى عملية جراحية تجميلية؟

- هناك العديد من الحالات، كالشفّة الأرنبية أو الأصابع الملتصقة وسواها.

ــ <أوف>...

- لمَ، تعتقدين، يستغرق اختصاصنا في الجراحة الترميمية والتجميلية خمس أو ست سنوات؟ أذكر، في هذا السياق، ما قاله لي أحد أساتذتي ذات يوم: <قبل أن تكون جراحاً تجميلياً جيّداً، لا بد أن تكون جرّاحا ترميميّا جيدا، وقبل أن تكون جراحاً ترميمياً جيّدا، لا بد أن تكون جراحاً جيدا>! <فإذا إنت حكيم أمراض جهاز هضمي كيف بدّك تكون حكيم تجميل جيّد؟!> ذكرت هذا الاختصاص لأنني أعرف أحدهم متخصصاً فيه وهو يمارس الجراحة التجميلية!

وختم الدكتور معتوق:

- على المريض أن يُدرك بأن كل عملية جراحية، أياً كان نوعها، يمكن أن تؤدي إلى تعقيدات. لكن ما يقلّص من نسبة حدوث هذه المضاعفات هو اختيار الطبيب المناسب، والتأكد من اختصاصه وشهادته في هذا المجال، وإن شعر المريض بالخجل أو الإحراج من سؤال الطبيب مباشرة عن هذه الأمور، فيمكنه القيام ببحثٍ ذاتي على شبكة الإنترنت والأمر سهل جدا. إعلموا أن من يقول أو يكتب أنه متخصص في الطب التجميلي Aesthetic Medicine أو الجراحة التجميلية Cosmetic Surgery <هيدا ما معو شهادة، لأن هيدي الإختصاصات مش موجودة. إنو أنا فيي قلّك معي إختصاص بِقَصّ الضّفير. بيخترعوا شو ما كان!>.

ــ وما اسم اختصاصكم، علمياً، لنفرّق ما بين الصالح والطالح في هذا المجال؟

- إسم الاختصاص واضح لا يحمل احتمالات ولا إلتباسات: الجراحة الترميمية والتجميلية.