تفاصيل الخبر

المتحف الوطني قصة وتاريخ وطن!

13/09/2019
المتحف الوطني قصة وتاريخ وطن!

المتحف الوطني قصة وتاريخ وطن!

مدير عام الهيئة العامة للمتاحف السيدة آن ماري مايلا عفيش:

المتحف الوطني يحتوي على مجموعة مميزة وُجدت في ارض لبنان ولم يتم شراؤها او استعارتها من بلد آخر...!

بقلم وردية بطرس

قصة المتحف الوطني الذي يحفظ تاريخ البلد تشبه قصة لبنان... هذا المتحف الذي تأسس حتى قبل ان ينال لبنان استقلاله له أهمية كبيرة لأنه كان شاهداً على كل ما حدث، اذ يخبىء التاريخ بين جدرانه الكثير وقد ظل صامداً في مكانه بالرغم من الدمار الذي لحق به خلال الحرب اللبنانية... واليوم يقصده الزوار للتعرف على القطع الأثرية التي تم الحفاظ عليها بالرغم من كل شيء.

 

آن ماري عفيش وأهمية المتحف الوطني!

 

ولنتعرف على المتحف الوطني أكثر كان لنا حوار مع مدير عام الهيئة العامة للمتاحف ضمن وزارة الثقافة السيدة آن ماري مايلا عفيش حول أهمية المتحف ومحتوياته، وتستهل حديثها قائلة:

- المتحف الوطني هو متحف مميز جداً لأنه أولاً وطني، اذ يحتوي على مجموعة وطنية وُجدت في لبنان، اي بداخل المتحف ليس هناك مجموعة قد تم شراؤها او استعارتها من بلد آخر، وبهذا المعنى هو متحف وطني. ثانياً هذا المتحف وطني اذ يخبّر قصة الوطن، لأن المجموعة تضم قطع ما قبل التاريخ وتنتهي تقريباً في الفترة العثمانية اي هي قطع من كل الحضارات والحقبات التاريخية التي كونّت لبنان قبل ان يصبح اسمه لبنان، اذ كانت المدن مثل جبيل وصيدا وصور وبيروت مستقلة الواحدة عن الأخرى، وكأن المتحف الوطني وجه بلد متكامل، لهذا أشدد على اسم المتحف الوطني الذي يعبّر عن كل هذه الأمور، اذ بُني المتحف الوطني في أوائل الثلاثينات (ما بين 1930 و1937) بفضل مجموعة أشخاص لبنانيين أحبوا ان يجمعوا التراث القديم الذي يخبر عن قصص الناس الذين عاشوا قبلنا على هذه الأرض، وقد جمعوا هذه القطع ووضعوها في مبنى يليق بمستوى هذه القطع التي نراها في الواجهات والتي كانت قد استعملت في الماضي، وبهذا المفهوم كأننا نعزز التاريخ ونعطي أهمية واحتراماً للناس الذين عاشوا قبلنا، وبدورنا نحافظ على هذه القطع للأجيال التي ستأتي من بعدنا... كما ان المتحف يتضمن مجموعة فريدة من نوعها اي ليس لهذه القطع معنى تاريخي بل لها معنى من حيث جمال القطع، فقد اخترنا أجمل القطع لأنه صعب جداً عندما يُراد بناء متحف ان يتم اختيار القطع التي ترمز أكثر لهذه الفترة او الحقبة او البلدة، والأمر المهم هي مسألة الجماليات اننا نود ابراز أجمل القطع وليس فقط القطع التي تحمل تاريخاً وقصة، لأنه اي قطعة حتى كسر فخار بالنسبة الينا كآثاريين أحياناً له أهمية أكثر من قطع كبيرة وجميلة وكاملة، وبالتالي هناك توازن ما بين الأمور المهمة والجميلة والأمور التي تعبّر عن التاريخ.

 

فكرة انشاء المتحف الوطني!

وعن جهود الأمير موريس شهاب للحفاظ على المتحف تشرح:

- كما ذكرت في سياق الحديث ان فكرة انشاء المتحف بدأت في الثلاثينات من قبل مجموعة أشخاص شكلوا أول لجنة للمتحف الوطني، اذ فكروا انه يجب يكون هناك مبنى مخصص يحتوي على هذا المخزون الأثري الذي هو الثروة التراثية للشعب اللبناني، فجمعوا القطع في العشرينات، وتم افتتاح المتحف سنة 1942 اي قبل سنة من نيل الاستقلال، وآنذاك كان مدير المتحف الأمير موريس شهاب الذي اصبح في ما بعد مدير عام الآثار لغاية التسعينات (توفي في العام 1994)، وهو عمل جاهداً في سبيل المتحف، واسس مديرية الآثار وأيضاً المجموعة الوطنية، اذ كان يحفر كأثري وعمل لمدة طويلة خصوصاً في الموقع الأثري في مدينة صور وفي كل مناطق لبنان وطوّر علم الآثار في لبنان... بالنسبة الينا فان الآثار هي عبارة عن معلومات، فاذا فهمنا الآثار كأننا نفهم طريقة عيش الناس قبلنا وتقاليدهم وطقوسهم، وكيف تكوّنت المدن، الى جانب نصوص الآداب القديمة التي تعرّفنا على تاريخنا وماضينا. وبالتالي تطور المتحف خلال كل تلك السنوات لحين 1975، وكان من أجمل متاحف الشرق الأوسط من خلال هذه المجموعة المميزة، وفي العام 1975 أُغلق المتحف ولكن الأمير موريس شهاب وزوجته أولغا أخذا القطع الأثرية الصغيرة التي كانت موجودة في الواجهات في الطابق الأول، ووضعاها في علب كرتون او خشب بالطريقة الصحيحة، من ثم خبآها ضمن مستودعات في الطابق السفلي في المتحف وأغلقاها بحائط باطون،

وبهذه الطريقة لم يقدر أحد ان يدخل الى الطابق السفلي.

وتتابع:

- خلال المقابلات التي أُجريت مع الأمير شهاب كان يردد دائماً ان القطع الأثرية موجودة في مكان آمن، وظن الناس انه قام بنقل هذه القطع الى الخارج، بينما كانت مخبأة في الطابق السفلي في المتحف. بالنسبة للقطع الأكبر مثل النواويس والتماثيل والفسيفساء على الأرض فطلب من العمال ان يبنوا الحيطان من حولها، ولهذا عندما دخلت الميليشيات والعناصر المسلحة الى المتحف خلال الحرب كونه موقعاً استراتيجياً على خطوط التماس بين الشرقية والغربية كما كانت تُعرف آنذاك لم يجدوا سوى بلوكات الباطون، ولقد سكنت العناصر المسلحة المتحف ليس حباً بالمتحف بل نظراً لموقعه الاستراتيجي وكونه مبنى ضخماً وكأنه ملجأ لهم. وعندما دخلنا الى المتحف في التسعينات بعد انتهاء الحرب وجدنا أسرة وطاولات وكانت الجدران تملؤها الرسائل اذ كل عنصر وقبل ان يغادر كان يكتب رسالة على الجدران للذي سيأتي من بعده او سيربح في هذه المنطقة. طبعاً دُمر المتحف كثيراً واذا نظرت الى الصور القديمة ستجدين ذلك، خصوصاً كان هناك قنّاص يطلق الرصاص على كل من يمر من الشرقية الى الغربية والعكس، ويوجد بداخل المتحف موزاييك مهم جداً نسميه موزاييك القنّاص الذي يرمز الى الراعي الصالح اذ اكتشفها موريس شهاب في منطقة الجناح وهي رسومات جميلة جداً للراعي الصالح بالوسط ومن حوله الحيوانات وكأنه الراعي الصالح في الجنة، وبهذه الفسيفساء التي كانت معروضة على الحائط في الجانب السفلي من جهة الشمال قام القنّاص بفجوة، ومن تلك الفجوة كان يطلق الرصاصة من بارودته على الناس اذ كان قد حولها الى متراس، وهكذا كان المتحف مكاناً مخيفاً، ولكن بعد انتهاء الحرب أصبح مكاناً للقاء اللبنانيين فكم من المناسبات التي أقيمت أمام هذا المتحف الذي يرمز اليوم الى الوحدة والتضامن.

فيلم بعنوان <احياء> عن اعادة تأهيل المتحف!

وعن الفيلم الموثق عن قصة المتحف تقول:

- عندما تسلّم مدير عام الآثار آنذاك الدكتور كميل أسمر المشروع في المتحف لم يكن هناك حتى كرسي اذ كان كل شيء مدمراً ولكن القطع الأثرية كانت ضمن المكعبات الاسمنتية. بالنسبة الي فبدأت العمل في المتحف في العام 1994، وأولاً طلبنا من المخرج بهيج حجيج ان يصور ويوثق كل شيء ونحن نعمل، ويُعرض اليوم الفيلم <احياء> امام الزوار عند زيارتهم المتحف، اذ يخبّر عن اعادة تأهيل المتحف. وبدأنا ضمن برنامج لمدة اربع سنوات بمساعدة واشراف وزارة الثقافة وكل وزراء الثقافة اهتموا بمشروع المتحف الوطني، وهنا يجب ان أذكر أيضاً المؤسسة الوطنية للتراث التي ترأسها السيدة الأولى منى الهراوي التي جعلت من المتحف الوطني المشروع الأول للمؤسسة الوطنية للتراث، اذ جمعت المال لاعادة تأهيل المتحف، ولهذا كانت مساعدة ومساهمة المؤسسة الوطنية للتراث مهمة لأنها دعمت وزارة الثقافة بهذه العملية وطورّت المشروع وأتت بالمال والامكانيات اللازمة لنباشر بعملية اعادة تأهيل المتحف.

وتتابع:

- سنة 1995 بدأنا عملية اعادة تأهيل الواجهات فأغلقنا الأبواب التي كانت مخلّعة والنوافذ التي لم يعد لها وجود. وسنة 1996 بدأنا عملية اعادة تأهيل القطع الأثرية اذ حطّمنا البلوكات الاسمنتية التي كان فريق عمل الأمير شهاب قد بناها حول كل القطع الأثرية الكبيرة في الطابق الأرضي. وطبعاً نخبر الزوار عن المجموعة الأثرية ولكن نخبرهم عن تاريخ المتحف خلال الحرب الأهلية، اذ نفتخر وكأنه درس للحفاظ على المجموعات الأثرية، ولهذا نعتبر قصة المتحف قصة أمل بأننا عشنا الحرب ولكن المجموعة الأثرية لم تُستبدل بغيرها فهذه قطع نادرة. وفي ليلة المتاحف التي نقيمها للسنة

السادسة أستقبل الناس على الباب وأرحّب بالزوار وغالبيتهم لبنانيون وأقول لهم اهلاً وسهلاً بكم في متحفكم الوطني.

وأضافت:

- كما ذكرت انه في العام 1996 أزلنا كل شيء ولهذا فإن وجود فريق المخرج بهيج حجيج كان مهماً لأنه وثّق كل شيء، واليوم خلال زيارة الناس للمتحف كل ساعة هناك اعلان في المتحف ندعو فيه الناس لمشاهدة الفيلم الوثائقي في غرفة <Audio visual> اذ يشاهدون كل تلك المشاهد بطريقة بسيطة جداً وسريعة عن الدمار خارج المتحف وداخله، ثم نركز على اعادة التأهيل وكيف اكتشفنا مرة أخرى هذه الآثار والقطع الفخمة التي تم الحفاظ عليها خلال 15 سنة ضمن المكعبات الاسمنتية، ولهذا لم تحصل سرقات في المتحف الوطني لأنه تم الحفاظ على محتوياته بفضل أشخاص مميزين. وسنة 1999 استطعنا ان نفتتح طابقين: الطابق الأرضي والطابق الأول ولكن بقي الطابق السفلي، لأنه عندما فتحنا المستودعات تبين انه كانت هناك رطوبة عالية، كما دخلت المياه الى المستودعات وتأثر الطابق السفلي بسبب الرطوبة وما شابه، فتطلب المتحف موازنة جديدة وجهوداً اضافية لكي نقوم بمعالجة الطابق السفلي خصوصاً ان كل شيء يأخذ وقتاً الى ما هنالك، لأن العمل المتحفي يتطلب توثيق كل المجموعات الأثرية التي اخرجناها من المستودعات، اذ انه بسبب الرطوبة والمياه لم تعد المعلومات حول القطع متوافرة مثلاً عن مصدرها وما شابه او انه اختفت الأرقام، ولهذا قمنا ببرمجة كل المعلومات على الكمبيوتر للحفاظ عليها وتوثيقها. وقد كنا محظوظين بوزارة الثقافة اذ ان كل وزراء الثقافة عملوا على تطوير المتحف، وقصة المتحف تظهر هذه الاستمرارية لأن كل وزير أكمل عمل الوزير الذي سبقه.

وعن التعاون مع السفارة الايطالية تقول:

- في العام 2010 طلبنا من اختصاصي ايطالي ترميم الجداريات، وهذه الجداريات هي مميزة من الفترة الرومانية، ولقد تم التعاون مع مكتب التعاون الايطالي والسفارة الايطالية اذ تبرعوا بمبلغ 200 ألف يورو آنذاك، وتم افتتاح مدفن صور الأثري في العام 2011 بحضور الفعاليات، علماً ان الطابق السفلي لم يكن وقتذاك جاهزاً الا المدفن وهو قسم صغير من الطابق السفلي. وبعد هذه التجربة الناجحة مع السفارة الايطالية قررت الدولة الايطالية ان تتبرع بمبلغ مليون و20 ألف يورو كهبة عينية لإعادة تأهيل الطابق ككل اي الطابق السفلي الذي يبلغ مساحة 700 متر مربع، وقُبلت هذه العينية بموجب قرار من مجلس الوزراء، وبدأنا مع فريق عمل صغير مؤلف من ستة أشخاص بالعمل على الطابق السفلي بين 2014 و2016، وتم افتتاح الطابق السفلي بتاريخ 7-10- 2016 بحضور وزير الثقافة آنذاك.

 

ادخال التكنولوجيا الى المتحف!

وعن الطوابق الثلاثة في المتحف تشرح:

- اليوم المتحف بطوابقه الثلاثة مفتوح امام الزوار، ولقد طورّنا الزيارات بموجب التطبيق، لأن التكنولوجيا اليوم ضرورية ومهمة في المتاحف، فالناس لم يعد يريدون ان يقرأوا المعلومات على لوحة تفسيرية لمدة نصف ساعة، بل يفضلون مشاهدة فيلم وثائقي لبضع دقائق او عبر برنامج <باوربوينت> يفسر لهم، ولهذا زودنا الطابق السفلي بأربع شاشات تخبر عن أمور عديدة وعن حقبات مثلاً تم اكتشاف مومياء بجنب حدث الجبة في وادي قاديشا، وهذا الاكتشاف عظيم، وللمرة الأولى بتاريخ المتحف عرضنا ثلاث مومياء وهي ليست على الطريقة الفرعونية، بل هذه الأجساد تحنطت بطريقة طبيعية لأنها دُفنت في مغارة في وادي قاديشا وحُفظت أجسادهم وثيابهم. وفي المتحف الوطني تجدين ان كل مناطق لبنان ممثلة، اذ لا نقدر ان نركز على فترة او على حقبة او على منطقة، بل دورنا ان نشمل المتحف بكل المعطيات التاريخية والاكتشافات التي تمت على صعيد الوطن ككل. أما الطابق السفلي فيحتوي على مجموعة تتعلق بموضوع الفن الجنائزي عبر التاريخ، اي نبدأ بالفترات القديمة ما قبل التاريخ اذ لدينا ضرس اكتُشف بمغارة في نهر الكلب وهو مُؤرخ ما بين 100 ألف و70 ألف سنة قبل الميلاد، كما لدينا مجموعة مميزة جداً هي مجموعة النواويس المجسّمة، وتتضمن المجموعة الفن الجنائزي عبر التاريخ الذي يبدأ من 100 ألف سنة قبل الميلاد وصولاً للفترة العثمانية مع شواهد قبور وجدناها في وادي ابو جميل. أما الطابق الأول فيتضمن 70 واجهة مع قطع أثرية صغيرة تأتي ضمن تسلسل زمني من قبل التاريخ لغاية الفترة العثمانية. فيما الطابق الأرضي مخصص للقطع الثقيلة والنواويس والتماثيل الكبيرة والفسيفساء...

في النهاية، إشارة الى اننا قمنا في العام 2014 بمبادرة مميزة وللمرة الأولى في الشرق الأوسط بما يتعلق بتطبيق على الهواتف الذكية وهذا أمر مميز جداً باسم <Beirut National Museum> اذ يقدر اي شخص ادخال هذا التطبيق مجاناً على الموبايل وباللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية للاطلاع على كل المعلومات حول المتحف.