تفاصيل الخبر

المطالبة بحل المجلس النيابي واجراء انتخابات مبكرة دونها الضوابط الدستورية الشديدة وإرادة النواب!

29/11/2019
المطالبة بحل المجلس النيابي واجراء انتخابات مبكرة  دونها الضوابط الدستورية الشديدة وإرادة النواب!

المطالبة بحل المجلس النيابي واجراء انتخابات مبكرة دونها الضوابط الدستورية الشديدة وإرادة النواب!

كثيرة هي المطالب التي رفعها <الحراك الشعبي> منذ بداية ما عُرف بـ<ثورة 17 تشرين> (الأول) الماضي والتي راوحت بين مطالب سياسية مثل <إسقاط النظام> واستقالة الحكومة، ومطالب اجتماعية واقتصادية متنوعة، وبات لكل مجموعة من مجموعات <الحراك> مطالب خاصة بها وفقاً لصفات الأعضاء فيها سواء كانوا من أصحاب المهن الحرة، أو المعلمين، أو طلاب المدارس أو...، إلا ان ثمة مطلباً التقى حوله جميع المشاركين في <الحراك>، وهو حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة يتأمن فيها تجديد الطاقم السياسي ووضع حد للمرتكبين ومن يسميهم <الحراك> بـ<الفاسدين والمرتشين>، وغيرها من النعوت والصفات...

وإذا كان تحقق للمتظاهرين والمعتصمين أكثر من مطلب بدءاً من استقالة الحكومة، وصولاً الى فرض أسعار أقل كلفة للمشتريات العامة أو لجهة التسعير بالليرة اللبنانية، إضافة الى تعطيل جلستين لمجلس النواب، ناهيك عن مواقف أخرى جرت لمصلحة الحراك... فإن مطلب حل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة دونه محاذير دستورية وعوائق ادارية، فضلاً عن المواقف السياسية منه والتي لم تصب كلها في هذا الاتجاه.

صحيح ان الاصلاحات لن تتم إلا من خلال وجود مجلس نيابي منتخب من الشعب ويعبر عن ارادته ويكون شغله الشاغل مراقبة عمل الحكومة وسن القوانين التي تكافح الفساد، إلا ان الصحيح أيضاً ان تاريخ لبنان الحديث لاسيما بعد الطائف، لم يشهد أي انتخابات مبكرة بل كان يحصل تمديد للمجلس لظروف سياسية مبررة حيناً وغير مبررة أحياناً أخرى، ويسجل هنا ان أول تمديد (بعد الطائف) حصل في العام 2005 حيث كان من المفترض أن تنتهي ولاية المجلس المنتخب العام 2000، في صيف 2004، لكن الاعتبارات السياسية حتمت التمديد له الى ربيع 2005 لأن الانتخابات الرئاسية كان يفترض أن تتم في خريف 2004، لكن خيار التمديد للرئيس العماد اميل لحود آنذاك، حتم التمديد للنواب مرة أولى. ثم تكرر التمديد، وكان الأطول للمجلس المنتخب في العام 2009 حيث مُدد له 3 مرات ولولاية ثانية نتيجة الفراغ السياسي الرئاسي والأزمة الحكومية التي نشأت عامذاك. لذلك يبدو من الصعب حل مجلس النواب لإجراء انتخابات مبكرة، لاسيما وان ذلك يتطلب اتباع الآلية الدستورية التي تضع حداً لولاية المجلس النيابي الحالي الذي تنتهي ولايته في أيار (مايو) 2022.

 

كيف يحل مجلس النواب؟

فأي آلية يجب أن تعتمد لحل مجلس النواب؟

يقول خبراء قانونيون انه عند وضوح النص، لا يمكن الاجتهاد، وبالتالي ليست هناك وجهات نظر عدة في هذا المجال، بل صيغة واحدة وهي عبر اقتراح قانون يتقدم به رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء ويستوجب تصويت ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وعندما يتوافر ذلك تصوت الهيئة العامة على الاقتراح لتقرير مصيره. أما الاجراء الثاني في هذا الاتجاه، فهو يكون من خلال اقتراح قانون يتقدم به عدد من النواب لتقصير ولاية المجلس فإذا ما نال الأكثرية تقرر الحكومة موعداً جديداً لاجراء الانتخابات. أما إذا ما استقال 128 نائباً دفعة واحدة من خلال استقالة جماعية، فهذا لا يعني ــ وفق الخبراء ــ حلاً للمجلس، بل ستجرى حينذاك انتخابات فرعية لـ128 مقعداً لاكمال ولاية المجلس، خصوصاً إذا ما حصلت الاستقالة قبل ستة أشهر من انتهاء ولاية المجلس.

ويرى المطلعون ان قول بعض ممثلي <الحراك الشعبي> انه بامكان رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء حل مجلس النواب، هو قول لا يقع في موقعه الدستوري لأن لخطوة حل المجلس لا بد من توافر ثلاثة شروط وهي: عدم اجتماع المجلس طوال فترة العقد العادي أو طوال عقدين استثنائيين متتاليين، أو إذا تلكأ المجلس عن اقرار الموازنة بهدف شل قدرة الحكومة على العمل، أو في حال تم رفض تعديل دستوري تكون الحكومة قد اقترحته. والواقع الراهن، حسب القانونيين، ان حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها حل مجلس النواب إذ يستوجب لهذه الخطوة حكومة فاعلة تمارس صلاحياتها كاملة، وليس في إطار الحد الأدنى لهذه الصلاحيات كما هو حال حكومة تصريف الأعمال.

من هنا يبدو ان مطلب الحراك حل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة لن يرى النور في الوقت الراهن وضمن الظروف السياسية الحالية بما فيها من تناقضات وتجاذبات واسعة، ويرى بعض السياسيين ان الوقت ليس متاحاً الآن لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بل ان الأساس في مطلب المتظاهرين والمعتصمين هو تأليف حكومة تكنوقراط فقط، وان المزاج الشعبي الذي برز خلال انتخابات نقابة المحامين في بيروت، لا يمكن أن ينسحب على الواقع الانتخابي الذي له شروطه وقواعده ومناخه، وهذه العوامل غير متوافرة حالياً. صحيح ان بعض السياسيين يرون انه في كل البلدان عندما يحصل تبدل في المناخ الشعبي تتم الدعوة الى انتخابات مبكرة، لكن الصحيح أيضاً ان أسباب حل المجلس غير متوافرة دستورياً، وبالتالي لا بد من استبعاد هذا الخيار والتركيز فقط على ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين، علماً ان اقتراح تقصير ولاية المجلس ليس لديه أي صدى أو أي أمل بالتأييد لأن هذا التقصير له طريق واحدة تمر بالنواب أنفسهم، ومن المستبعد أن تتوافر هذه الرغبة لدى النواب الحاليين لاسيما أولئك الذين لا شبهات حولهم عن ارتكاب مخالفات أو تقاضي رشى، أو الفساد. ويبقى امكان اقتراح تقصير ولاية المجلس النيابي وارداً في ما لو حصلت تسوية سياسية كبيرة جديدة تطاول مواقع كل رئيس من الرؤساء الثلاثة، ومثل هذه التسوية صعبة المنال في الظروف الراهنة. لذلك يخلص قانوني كبير الى القول لـ<الأفكار> إن الانتخابات النيابية المبكرة لا تزال بعيدة المنال، ما لم يحصل أي تطور يدفع في هذا الاتجاه!