تفاصيل الخبر

الـمـتـاجـــــــــــــــرة... بـالـنـفـــــــــــــــايـات!  

28/08/2015
الـمـتـاجـــــــــــــــرة...  بـالـنـفـــــــــــــــايـات!   

الـمـتـاجـــــــــــــــرة... بـالـنـفـــــــــــــــايـات!  

بقلم طوني بشارة

SAM_7447 دخلت أزمة النفايات في لبنان شهرها الثاني من دون أي أفق للحل، حيث تراكمت اطنان منها في الشوارع محوّلة مساحة 10452 كلم مربع مكباً للنفايات. بلد الجمال بت تعرفه من نفاياته المنتشرة في شوارعه كافة، فالتجوال في مناطقه من الشمال الى الجنوب يجعلك تلمس بيدك خطورة الأزمة البيئية التي تزداد آفاتها السلبية مع انتشار ظاهرة حرق كميات كبيرة من النفايات المجمّعة بسبب غياب آلية لتجميعها.

سويسرا الشرق باتت للأسف مركزاً لتجميع النفايات التي تكدّست في الشوارع والاحياء كافة وحتى على مداخل المشاريع السياحية، تلك المشاريع التي يبدو ان أصحابها وفي ظل الضائقة المالية لجأوا الى استبدال وسائل الاعلام بأكياس النفايات للترويج عن السياحة لديهم، وفي النطاق ذاته لا يمكننا ان نتناسى ممارسات أبناء الطبقة السياسية، تلك الطبقة التي عن قصد أو غير قصد، شوهت جمال ست الدنيا، عن طريق جعل ملف النفايات موضع خلاف سياسي، على اعتبار ان الحكومة كما الجهات المعنية قد عجزت عن الاتفاق على مكان يمكن التخلص منه من نفايات لبنان، فتحوّل وطننا الى مكب ضخم مما أجّج غضب الذين باتت صحتهم رهن لعبة المحاصصة.

 وبكل ما تحمله هذه الكارثة من سموم لم تجد الحكومة حتى تاريخه اي حرج من الإعلان عن عدم إيجاد حل للأزمة في الوقت القريب، وتطرقت الى فكرة إنشاء مكبات صغيرة غير آبهة بما سينتج عن ذلك من تحويل لأزمة الناعمة الى أزمات مناطقية في ظل الاجواء المسمومة.

مارون-لطوفأمام عجز الحكومة عن معالجة الأزمة، وفي ظل غياب اي حل جذري، عمد البعض الى المتاجرة بعملية تهريب النفايات، عن طريق نقلها ليلاً بواسطة شاحنات من مناطق الى مناطق اخرى، لقاء اسعار تتراوح ما بين500 و750 دولار مقابل كل نقلة، واختلاف السعر عائد لموقع المنطقة وبعدها عن المكب المقصود، حتى ان البعض عمد الى نقل النفايات من شارع الى شارع آخر وذلك بإيعاز من الأهالي أو من الجهات المسؤولة، وللأسف بات الشمال كما مناطق لبنانية أخرى مقصداً لرمي أو نقل نفايات المناطق الأخرى .

 استفاق العديد من أهالي الشمال على ظاهرة مخيفة وهي رمي النفايات المهربة من مناطق كسروان في شوارعه، نفايات طبية وعضوية عمدت الشاحنات وبالاتفاق اما مع السماسرة أو مع الأهالي المتضررين الى تهريبها ليلاً من مناطق كسروان الى الشمال ورميها في شوارع منطقة طرابلس والشمال، وكأن تجارة التهريب عادت من جديد ولكن للأسف عن طريق تهريب النفايات ليلاً.

ففي طرابلس أثارت عملية رمي شاحنة من النفايات المشبوهة في منتصف شهر آب/ أغسطس خلف الجامعة العربية عند الواجهة البحرية للمدينة، غضب الشارع الطرابلسي لا سيما أنّها تحتوي على مخلّفات حيوانية وكمية من المواد الطبية التي تؤثر بشكل كبير على البيئة، وإتلافها بطريقة غير علمية سيلحق أضراراً كبرى في محيط المكان الذي رميت فيه، فتولّت قوى الأمن بالتعاون مع بلدية الميناء ومحافظ الشمال رمزي نهرا التحقيق في الحادث وللوقوف على مصدر هذه النفايات، خاصة وانها تضمّنت مواد خطرة يستدعى للتخلص منها إجراءات خاصة.

وبالرغم من استنكار الأهالي منذ تكررت العملية في اليوم التالي ولكن امام <مشروع سلهب» عند منطقة ضهر العين في الكورة التي تبعد عن طرابلس بضعة كيلومترات، حيث تم رمي شاحنة من النفايات المماثلة، نجيب-ميقاتيمما دفع الأهالي إلى قطع الطريق لوقف عملية الرمي المشبوهة التي بلغت أماكن سكنهم.

طريق النفايات من طرابلس الى عكار

 

من طرابلس الى عكار حيث تفاجأ أهالي الساحل العكاري، بوجود كميات من النفايات مرمية على جانب الطريق الدولية التي تربط لبنان بسوريا في بلدات كفرملكي والروضة وطالب رئيس اتحاد بلديات السهل خالد فياض، بعد كشفه على مكان رمي النفايات، <القوى الأمنية باتخاذ الإجراءات اللازمة إزاء الأمر، وملاحقة أصحاب الشاحنات الذين يقومون بنقل النفايات ورميها في عكار>، لافتاً إلى أن <هذه الأفعال تتكرر باستمرار>.

الأمر نفسه حصل في المنية، منذ فترة تقريباً، مما جعل الأهالي في حالة استنفار دائم، واللافت انه في 18 آب/ أغسطس، وبعد اعتراض الأهالي - أهالي المنية- ليلاً لأربع شاحنات محمّلة بالنفايات متجهة لرميها في أحد مكبات القضاء ومصادرة شاحنتين من قبل الأهالي تم نقلهما الى سراي المنية، اعتصم عدد من فاعليات ورؤساء بلديات ومخاتير المنية بمشاركة النائب كاظم صالح الخير أمام مبنى القائمقامية في المنية رفضاً لمحاولات بعض السماسرة نقل النفايات المتراكمة في العاصمة خلسة في ساعات متأخّرة من الليل الى القضاء، مطالبين الدولة بجلب مشاريع إنماية للمنية وليس النفايات.

وقد بيّنت التحقيقات الأولية ان الشاحنات تعود لأشخاص من البقاع إضافة الى ان أحد السائقين هو سوري الجنسية، وما زالت التحقيقات معهم مستمرة لمعرفة الجهة التي تنسق معهم في المنطقة.

تجارة وتهريب من جهة، واستنكار وتحرك شعبي من جهة أخرى، مما دفع الأهالي للتعرض لكل شاحنة مشبوهة الأمر الذي ادى الى توقيف 4 شاحنات في طرابلس و3 في عكار و2 في جبيل من قبل الأهالي، شاحنات يقودها لبنانيون برفقة معاونين سوريين القى الأهالي القبض عليهم اثناء تفريغهم للنفايات واقتادوهم لمخافر المنطقة.

إزاء هذه الظاهرة عمدت <الافكار> الى مقابلة المعنيين بالموضوع من أهالي ونواب ومرجعيات بيئية وجاءت بالتحقيق الآتي:

الناشط البيئي مارون لطوف استنكر إقدام مجهولين في جنح الظلام على تفريغ حمولة شاحنات من النفايات ومن بينها نفايات طبية، في مناطق لبنانية عديدة، كما استغرب جهل البعض وعدم إدراكهم للنتائج البيئية السلبية الناتجة عن إحراق هذه النفايات على اعتبار انها تتسبب في انبعاث غازات سامة وروائح كريهة وغير مألوفة ودخان كثيف مشكّلة خطراً بيئياً يضر بالإنسان وصحته، ودان لطوف هذا التصرف الضار بالبيئة والإنسان، داعياً المسؤولين كافة الى «التحرّك وبشكل سريع لوقف تلك المجازر بحق البيئة والإنسان ومعاقبة الفاعلين>.

الرئيس ميقاتي يستهجن

ماريان-الحاج

أما الرئيس ميقاتي فاستهجن عملية رمي النفايات بطريقة مشبوهة في مناطق عدة من طرابلس لا سيما خلف مبنى فرع الجامعة العربية في مدينة الميناء ومنطقة الكورة، داعياً «جميع المراجع المختصة الى المبادرة فوراً لاتخاذ الإجراءات المناسبة للكشف عن الجهات التي تقف وراء هذه الجريمة البيئية في حق المواطن، ومعاقبة المتورّطين»، مؤكداً <ضرورة التنبّه لمثل هذه التصرّفات التي تنعكس سلباً على البيئة والإنسان>.

وقال ميقاتي: «لن نسمح لأي كان بالعبث بالبيئة في طرابلس والشمال عموماً، وسنقوم بسلسلة اتصالات مع المعنيين للحؤول دون تكرار ما حدث، وخصوصاً مع البلديات المعنية»، مؤكداً ان «شرطتها وحراسها عليهم أن يتنبّهوا للشاحنات المشبوهة التي تدخل تحت جنح الظلام لترمي قذارتها بشكل معيب>.

في المقابل، رأى ابن طرابلس النائب محمد كبارة أنّ ما شهدته بلدة الميناء من اعتداء بيئي سافر تمثّل برمي كميات من النفايات في بعض الأراضي القريبة من الكورنيش البحري يعتبر جريمة موصوفة يعاقب عليها القانون، داعياً «القضاء اللبناني الى التدخّل السريع وفتح تحقيق لمعرفة الجهة التي أقدمت على القيام بهذا العمل المشين»، ومطالباً محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا بصفتة محافظاً ورئيساً لبلدية الميناء «أن يتخذ التدابير الحازمة والحاسمة تجاه هذا الموضوع، والى تسيير دوريات من الشرطة البلدية ومن القوى الأمنية من أجل المراقبة ومنع أي كان من رمي النفايات في مدينتنا»، ومشدداً «على ضرورة التخلص من هذه النفايات بأسرع وقت ممكن حفاظاً على البيئة وعلى سلامة المواطنين>.

صوت من الكورة

أما المحامية مريان الحاج ابنة الكورة فاعتبرت ان مشكلة النفايات في لبنان هي بمنزلة أزمة جديدة أضيفت الى سلسلة الأزمات اليومية التي يعيشها اللبناني بدءاً بالكهرباء والمياه وغياب الطرق المعبدة والمضاءة شفيق-القسيس2-(1) وتأزم الوضع الاقتصادي وصعوبة تأمين لقمة العيش وغلاء المعيشة.

وتضيف الحاج: ها هي أزمة النفايات تأتي لتزيد المأسي أمام العجز الحكومي، والتعنت السياسي مما جعل من شوارع لبنان وبيروت العاصمة مكباً للنفايات ذات الرائحة النتنة التي تعكس التخاذل والاستسلام في بناء وطن حقيقي.

وتستطرد المحامية الحاج: مما لا شك فيه ان البلديات تلعب دوراً رئيسياً في الموضوع، الا أنها مغيبة، فمن الضروري حصول البلديات على التقنيات الضرورية والاموال اللازمة لإنجاز المهام، وخاصة مهمة الفرز، فصلب العمل البلدي هو الثقافة والبيئة والصحة وليس فقط التزفيت وإزالة النفايات. ويجب تعزيز العمل البلدي وذلك عن طريق العمل على تنمية حس المواطنية، فيجب ان يعتاد المواطن اللبناني على وجود تواصل بينه وبين المؤسسات الحكومية، وأولها البلديات، لذا يجب ان يكون فرداً مشاركاً وفاعلاً وذلك عن طريق فرز نفاياته في المنزل بعد إعلامه بكيفية اتباع الخطوات بطريقة عملية وعلمية، وهنا تبدأ الخطوة الاولى في الطريق الصحيح والا ستبقى أزمة النفايات أزمة تدور حول نفسها من دون حل، يدفع فيها المواطن اللبناني الفاتورة الصحية، والدولة كعادتها تقف هي والحكومة والمؤسسات والوزارات المعنية متفرجة عاجزة.

وفي ما يتعلق بعملية تهريب النفايات ورميها في الشوارع تقول المحامية الحاج: ان رمي النفايات والاقذار في الشارع العام أدانه القضاء اللبناني مراراً سنداً لأحكام المادة 751 الفقرة الخامسة من قانون العقوبات اللبناني، وأدان رميها قصداً في عقار الغير سنداً للمادة 758 عقوبات، واعتبر كذلك جنحة بموجب المادة 751 المذكورة أعلاه نقل ورمي النفايات في الأملاك البلدية. بالإضافة الى قانون العقوبات فإن القضاء اللبناني جرم في العديد من المرات مخالفات رمي النفايات سنداً الى قانون المحافظة على النظافة العامة فاعتبر ان رمي النفايات ينطبق على المادة 25 منه كما ان المواد 13 و17 من قانون المحافظة على النظافة العامة والمواد 49 و61 و74 من قانون البلديات تنص على ان ادارة النفايات هي من صلاحية البلديات.

قسيس وشاحنات

محمد-كبارةالنفايات

وبدوره أسف نقيب أصحاب الشاحنات شفيق القسيس، أسف لما يتعرض له لبنان في الوقت الحالي من أزمة نفايات، معتبراً ان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المسؤولين والمعنيين اساساً بموضوع النفايات، واعتبر ان الدولة تمتلك الحل، ولكنها لسبب أو لآخر تماطل وكأنها تسعى لتطبيق مبدأ المحاصصة حتى بملف النفايات.

وعن الاجراءات المتخذة من قبله كنقيب أصحاب الشاحنات العمومية في لبنان تجاه كل من يتولى عملية تهريب النفايات قال القسيس: بصفتي نقيباً لأصحاب الشاحنات اعتبر ان كل من يتولى عملية نقل النفايات من منطقة الى أخرى هو شخص مخالف للقانون ومرتكباً لجريمة بحق البيئة. وهنا اطلب من كل من يلاحظ أو يشتبه بشاحنة عمومية تتولى عملية نقل النفايات المهربة، ان يقوم بتصوير <اللوغو> الموضوع على الزجاج الامامي للشاحنة ويتولى مهمة اطلاعي على هذا <اللوغو>، وبحكم موقعي أتكفل بسحب الرخصة العائدة لهذا السائق والتي تخوله حق مزاولة مهنة قيادة الشاحنة. وانتهزها مناسبة لأوجه تحذيراً لكل سائق أو صاحب شاحنة بعدم نقل الزبالة من منطقة الى منطقة أخرى عن طريق التهريب.

ــ هل عند النقابة استعداد للمساعدة بإيجاد حل لمشكلة النفايات بلبنان؟

- بالتأكيد ونحن نضع أنفسنا بتصرف الجهات المعنية بالموضوع من وزراء وبلديات، ونحن مستعدون ومن دون اي مناقصة (في حال تم تحديد مناطق لطمر أو تجميع أو معالجة النفايات) لنقل هذه النفايات وبطريقة قانونية وشرعية الى المكبات المخصصة وبأدنى الأسعار.

وتماشياً مع مبدأ الموضوعية العلمية اتصلت <الافكار> بمرجعيات كسروان لاستيضاح حقيقة تهريب نفايات المنطقة الى الشمال فتمنع سياسيوها كما رؤساء بلدياتها عن الإجابة بحجج متعددة (نعمة الله أبي نصر، فريد الخازن، ورئيس بلدية جونية أنطوان افريم)