بقلم سعيد غريب
إنه الإيمان ما ينقصنا، والأمل أيضاً، ألا فلنفتش عنهما ونحن نفتش عن الرئيس العتيد والشخص المناسب. وليعذرنا المرشحون للمنصب الأول في الدولة، إذا لم نجارهم في همومهم المباشرة. فنحن اللبنانيين طلاب حياة جديدة لشعبنا المنكوب في وحدته واستقراره، ولسنا طلاب مناصب.
قبل أي شيء، يجب أن يكون معلوماً ومفهوماً ان الناس لا تريد بعد الذي آل إليه رهان الماضي أن تراهن مرة جديدة!
وان النهاية، إن لم تكن بداية حياة جديدة، أكيدة ومضمونة، أو بداية أمل على الأقل، فمن المؤكد ان لبنان لن ينهض من كبوته.
مضت سنة كاملة، ولبنان الرسالة ينتظر رسالة من رئيس جديد منتخب يقبض على مقاليد الحكم ويحلف أمام البرلمان يمين الإخلاص للأمة والدستور.
مضت سنة كاملة، والجمهورية تبحث عن شخصية تاريخية، فيما التاريخيون يبحثون عن جمهورية فارغة إلا من تاريخهم.
بعد مضي سنة على الشغور الرئاسي وبضعة شهور على زحف الفراغ الشامل في الداخل، والجحافل المسلحة في مناطق النار، بدأت تُطرح حلول جذرية للجمهورية التي لم تعد تحتمل برأي أصحاب الحلول مزيداً من <الترقيع> أو التسويات...
هل الوقت صالح، بل مناسب للانتقال الى الجمهورية الثالثة؟
مما لا شك فيه ان المكوّن المسيحي وتحديداً الماروني دفع غالياً ثمن الحربين الاخيرتين اللتين خاضهما والمعروفتين بحربي <التحرير> و<الإلغاء> وكانتا نتيجة مقاطعة الزعماء الموارنة للانتخابات الرئاسية في العام 1988 حين خُيّروا بين ميخائيل الضاهر والفوضى، فاختاروا الثانية..
قبل ذلك التاريخ، أي في العام 1985، نُقل عن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الياس حبيقة قوله لمجلس قيادة القوات في آخر جلسة ترأسها قبل انتفاضة الدكتور سمير جعجع وقواته، مدعوماً من رئيس الجمهورية أمين الجميل: <يا شباب، اسمعوا مني، واقبلوا اليوم بالاتفاق الثلاثي أحسن ما يجي يوم تضطروا تقبلوا باتفاق أسوأ>...
وأضاف في بكركي أمام النواب المسيحيين والمدبّر الرسولي المطران ابراهيم الحلو، عشية توجهه الى دمشق لتوقيع الاتفاق: <رايحين اليوم نوقّع اتفاق، لابسين بدلتنا وحاملين بارودتنا، خوفي يجي نهار نروح على اتفاق شالحين بدلتنا ومكسرين بارودتنا..>.
وبقي السؤال: هل جاء اتفاق الطائف بعد ثلاث سنوات ونيف على تلك الجلسة القواتية وكلام حبيقة بالأسوأ؟
ما هو مفروغ منه ان الجدل حول الطائف وإمكانية تطبيقه لا يزال مستمراً منذ إقراره قبل خمسة وعشرين عاماً حين رفضه العماد ميشال عون من أساسه قبل أن يطالب بـ<الفاصلة> الشهيرة، ووافق عليه الدكتور سمير جعجع على مضض.
اليوم يدعو الجنرال عون الى تعديل اتفاق الطائف من دون ذكره، ما يتطلب تعديلات دستورية جذرية ونقل النظام اللبناني من برلماني الى رئاسي.
هل تمر هذه التعديلات، وقد تكون محقة، على خير ومن دون كلفة في حال الأخذ بها؟
للتذكير فقط، فإن الجمهورية الثانية كانت كلفتها باهظة على اللبنانيين الذين عاشوا خمس عشرة سنة من التدمير والخراب والموت.
خســروا أبنــــاءهم وأغلى ما عندهم، وبناهم التحتية وعقدين من التنمية، وتراجعوا عشرات السنين.
لبنان بعد أربعين عاماً على اندلاع حربه الكبيرة أصبح منكوباً دستورياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً وإعلامياً، هل يتحمل نظاماً جديداً لا توافق وطنياً عليه؟
وهل ينسجم طرح انتخاب رئيس من الشعب مع طروحات مغايرة تماماً في لعبة إنتاج السلطة كمشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي، أم يتطابق مع ما يرفضه المسيحيون <أباً عن جد> أعني جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة؟!
يحضرنا أخيراً كلام لرئيس الحكومة المرحوم الحاج حسين العويني قاله عام 1958 وكان أحد الوجوه الأولى التي أطلت على اللبنانيين بعد محنتهم الأولى، قال: <إن مثلنا في لبنان مثل أخوين ورثا عن والدهما داراً تأويهما، فهما إن لم يصلحا دائماً من شأن هذه الدار، ويرعيا ترميمها رعاية تامة، ويعنيا بمقوماتها، انهارت فوق رأسيهما>.
المهم ألا يندم المسيحيون على الجمهورية الثانية كما ندموا على خسارة الجمهورية الأولى.