بقلم خالد عوض
يقال الكثير عن السياسة الأميركية <الفاشلة> في الشرق الأوسط وعن <عجز> الرئيس الأميركي <باراك أوباما> عن تحقيق أي إنجاز حقيقي على مختلف مسارات سياسته الخارجية في العالم العربي. قد يكون ذلك صحيحاً لو لم يكن الأميركيون قد <تورطوا> منذ بداية تسعينات القرن الماضي في عدة جولات حروب ومفاوضات سلام أوصلتهم كل مرة إلى النتيجة نفسها: الفشل الذريع. ومن الصعب التصديق أن الأميركيين لم يتعلموا أي شيء من أخطائهم على مدى ٢٥ سنة انغمسوا خلالها بالكامل في الوحول العربية.
الموقف الأميركي الذي يحظى اليوم بالشعبية الداخلية الكبيرة والذي من الصعب أن يتغير مع أي رئيس أميركي جديد هو عدم الغرق في وحول الشرق الأوسط واعتماد سياسة الاحتواء (Containment). هذه السياسة تقضي بعدم السماح لنيران المنطقة العربية بأن تتمدد ومراقبة ما يحدث فيها عن كثب، والتدخل عسكرياً من حين إلى آخر ولكن من دون التورط في حروب طويلة أو استنزافية. الاعتقاد السائد في الولايات المتحدة أن العرب والمسلمين سيستمرون في الاقتتال ولن يتوقفوا عن ذلك الا لسبب واحد: ليس تدخل جيوش خارجية ولا ذهاب هذا الرئيس الطاغية أو ذاك ولا شح المياه الذي أصبح خطراً حياتياً حقيقياً يهدد شعوب المنطقة ولا حتى هبوط أسعار النفط. سيتوقفون فقط عندما يتعبون. تماماً كما حصل مع اللبنانيين في ١٩٨٩. انحسر زخم الحرب بعد ١٤ سنة جربوا فيها كل شيء. الذبح الطائفي والميليشيات والتهجير والتقسيمات الجغرافية والمناطقية والانتفاضات المتعددة ومحاربة بعضهم ومحاربة إسرائيل وسوريا والفلسطينيين ثم الارهاب والخطف وتفجير السفارات... وفي النهاية، وصلوا إلى <اتفاق الطائف> منهكين واستنبطوا حلاً سياسياً كان المقصود منه وقف الحرب والباقي تفاصيل. ولعل ما حمى ولا يزال يحمي لبنان اليوم من فتن داخلية هو القناعة الراسخة عند اللبنانين من خبرة ١٤ سنة حرب أن لا حل سيأتي بالعنف.
يتكلمون اليوم عن <طائف> جديد في سوريا واليمن والعراق وليبيا. بالتأكيد سيحصل ذلك ولكن ليس الآن، فقط عندما يتعب الذين لا يزالون يتقاتلون. والدليل أن أطراف الحروب اليوم لديها شعارات مختلفة وتتبدل مرحلياً حتى أصبح القتال من أجل القتال هو التفسير الوحيد لما يحصل.
بالعودة إلى السياسة الأميركية الاحتوائية في المنطقة هناك عدة أولويات لها:
١- أمن إسرائيل ولا ضرورة للخوض في ذلك.
٢- أمن تجارة النفط أي الخليج ليس لحاجة الولايات المتحدة له فهي على أبواب التصدير ولكن لحاجة الاقتصاد الأميركي الماسة لما يسمى <البترو دولار> أي بقاء الدولار كعملة وحيدة في التجارة النفطية.
٣- اسناد دور إقليمي أكبر لإيران يعزز سياسة احتواء <جنون> المنطقة ولجم الإرهاب.
٤- دعم الدول التي تنأى تماماً إجتماعياً وسياسياً وثقافياً عن الإرهاب وهي بالمفهوم الأميركي الحالي ثلاث: الأكراد (بشكل أي دولة يريدونها) والأردن ولبنان.
نعم لبنان أصبح مهماً في سياسة الاحتواء الأميركية وبدأ يحصل على دعم أميركي مالي وعسكري لم يكن موجوداً قبل ذلك. وهو في المرحلة المقبلة سيظل يحظى بهذا الدعم طالما أن خيار محاربة الإرهاب متفق عليه سياسياً وشعبياً. أما الأزمة السياسية المستفحلة فهي تفصيل لأن حلها لن يستغرق أكثر من أيام إذا تم التوقيع على الإتفاق النووي الإيراني واستطاع الأميركيون تسويقه نهائياً في الخليج.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل البلد؟ الكثير من الإيجابيات الاقتصادية والمالية إذا عرفت <الدولة> الآتية على ظهر الاتفاق الإيراني - الغربي أن تدير ثلاثة ملفات:
١- قضية النازحين السوريين ومستقبل وجودهم في لبنان.
٢- الفساد وخاصة في ما يتعلق بوصول المساعدات الدولية إلى مقاصدها العسكرية والإنمائية.
٣- عدم تسلل بؤر الإرهاب إلى المجتمع اللبناني وذلك عن طريق مواكبة اليقظة الأمنية بخطط تنموية فعالة وشاملة.
لبنان النموذج والدور أصبح <فجأة> جزءاً من السياسة الأميركية في المنطقة بعدما كان تفصيلاً جغرافياً برعاية سورية أو إيرانية ورقابة إسرائيلية. المشكلة أن العالم مستعد أن يدعم اللبنانيين في أي من الخيارات التي يرونها صائبة لهم، بينما أولياء السياسة عندنا يختصمون على اسم قائد الجيش ومن أجل ذلك هم مستعدون لتعطيل البلد ودوره إقليمياً ودولياً.