تفاصيل الخبر

”الـمـركــز الـثـقـافــي الـفــرنسي“ في بـيـــروت: ”أزنافـــــور“ الآن في وضعيــة الخلــود تاركـا للابديــة افضــل مـا قدمــه!

19/10/2018
”الـمـركــز الـثـقـافــي الـفــرنسي“ في بـيـــروت: ”أزنافـــــور“ الآن في وضعيــة الخلــود تاركـا للابديــة افضــل مـا قدمــه!

”الـمـركــز الـثـقـافــي الـفــرنسي“ في بـيـــروت: ”أزنافـــــور“ الآن في وضعيــة الخلــود تاركـا للابديــة افضــل مـا قدمــه!

بقلم عبير انطون

ليس وحده من استعاد سنيه العشرين بالكثير من الحنين، وليس وحده من غنى الحب والقدر والمشاعر الانسانية العميقة، الا انه وحده كان الاسطورة التي جعلت فرنسا كما ارمينيا تبكيه، هو الذي جاب نواحي الارض كلها زارعا احساسه اينما حل، مقدما المثال في العطاء الذي لا ينضب. <شارل ازنافور>، آخر عمالقة الاغنية الفرنسية رحل مؤخرا، مؤججا <النوستالجيا> الى ايام ولا اجمل، أيام صنعت بنجومها مجد الاغنية الفرنسية وطافت بها على المعمورة كلها، حتى وصلت الى لبنان فبادلها بالكثير من الحب. وما التحية التكريمية التي اقيمت لـ<أزنافور> مؤخرا من قبل <المركز الثقافي الفرنسي> سوى اشارة على انه باق في قلوب اللبنانيين والارمن كما الفرنسيين. فماذا عن هذه التحية؟ ما الذي يعنيه <ازنافور> للجيل الجديد، وهل يصعب استعادة اغانيه هو النجم الذي <لم يعرف الفشل يوما> كما ردد دائما؟

 على وقع <القمة الفرنكوفونية> التي انعقدت في العاصمة الارمنية يريفان، واختير فيها الرئيس ميشال عون نائبا للرئيس، دشن الرئيس الفرنسي <ايمانويل ماكرون> مركزاً ثقافياً أطلق عليه اسم <أزنافور>، فيما كان <المركز الثقافي الفرنسي> في بيروت، بدعوة منه، ومساعدة كبيرة من الجمعية الارمنية <باغير> يحيي أيضا ذكرى المغني الفرنسي العالمي ذي الاصول الارمنية <شارل ازنافور> احد عمالقة الاغنية الفرنسية الذي زار لبنان أكثر من عشر مرات وكان له حديث عنه ومهرجانات فيه.

 فبينما نحن جالسون او واقفون، <ها هو <شارل ازنافور> في وضعية الخلود، تاركا افضل ما قدمه>، بهذه الكلمات استقبل المدير المساعد لـ<لمركز الثقافي الفرنسي> في بيروت <لوسيانو ريسبولي> عشاق <ازنافور> من لبنانيين وفرنسيين وارمن جاؤوا من مختلف المناطق اللبنانية الى التحية التكريمية للنجم الذي أفل عن 94 عاماً في منزله في منطقة ألبيل جنوبي فرنسا، وكان <أزنافور> واسمه الاصلي <Shanourh Varenagh Aznavourian> أحد أشهر المغنين الفرنسيين شهرة في العالم والملقب بـ<فرانك سيناترا الفرنسي> عائداً من جولة في اليابان، بعدما اضطر إلى إلغاء حفلات له هذا الصيف إثر إصابته بكسر في الذراع نتيجة سقوطه.

الصديق الكبير...!

 

<أزنافور> الذي ولد في 22 أيار/ مايو 1924 في باريس، ينحدر من أصول أرمنية، وهو واحد من المطربين الأكثر شعبية في فرنسا، وقد بدأ في سن التسع سنوات، غناء كلمات و<رواية قصص من اليوميات العادية لكل الناس والى كل الناس> كما كان يقول. جاءت فرصته عند الفنانة <إديت بياف> التي سمعته يغنّي ورتّبت لتأخذه معها في جولاتها الغنائية في فرنسا والولايات المتحدة، فعاش مسيرة فنية حافلة. تخطى مبيع <البوماته> المئة مليون اسطوانة وقد منحه الرئيس الأرمني <سيرج سركيسيان> المواطنة الفخرية كواحد من أشهر أعضاء المجتمع الأرمني في فرنسا من ذوي النفوذ.

<ازنافور> <الصديق الكبير> للبنان نسج معه علاقات مميزة تعود الى زمن الخمسينات الى الـ<كيت كات> و<سينما دنيا> وكان البلد في اوجه. زاره لاحقا أكثر من خمس عشرة مرة. ولا ينسى الكثيرون من عشاقه الحفلة التي احياها في العام 1971 في خلال جولة نظمها له متعهد الحفلات <طوروس سيرانوسيان> الذي اعتبر العقد معه حينها الاعلى أجرا بين العقود التي وقعها طوال عمله في عالم الفن، وقد بلغ مئة وعشرين الف ليرة لبنانية، لم يندم المتعهد عليها ابدا، طالما انها ستعود بالاعلام مجدا على لبنان واسمه ذلك ان التغطية للحفلة ستتناولها مختلف الوسائل الاعلامية اللبنانية والعالمية.

 كذلك قدم <ازنافور> حفلة ناجحة له العام 1977 في جبيل في عز الحرب الداخلية، بعد ان كان مقررا ان يغني في لبنان في العام 1974 من دون ان تسنح الظروف، ليكون بذلك النجم العالمي الاول الذي يغني في لبنان في قلب سني المحنة. أما زيارته الاخيرة فكانت لحفلته من ضمن مهرجانات <فقرا- كفرذبيان> العام 2017، خاتما بذلك سبحة مهرجانات امتدت من <مسرح بيروت> الى مهرجانات <بعلبك الدولية> ومهرجانات <بيت الدين>، و<البترون>، و<جونيه>، فضلا عن العديد من الحفلات بينها في كازينو لبنان، الـ<مون لاسال> عين سعادة، والـ<فوروم دو بيروت> وغيرها.

في العام 2001 قلدته السلطات اللبنانية <وسام الأرز الوطني اللبناني> برتبة <كومانور> ليتوج بعد ثماني سنوات اي في العام 2009 بـ<وسام الاستحقاق اللبناني>. <ازنافور> الممتن لما قدمه له بلد الارز لطالما اعرب عن اعجابه بالبلد وبأهله

معلنا انه كان يرغب لو يغني مع فيروز. لم تتعبه السنوات، وكان يغضب لما يسأل عن السنة التي سيستريح فيها. عقله كان دائم الانشغال بفنه حتى لما كان يصطاد السمك قرب بيته الفرنسي كان يؤلف في كل يوم اغنية.

 

تحية... المركز!

 

 عشاق <ازنافور> افترشوا عشب <مصطبة> <المركز الثقافي الفرنسي> الى حيث وافتهم قطرات الشتاء الناعم فيما صور النجم تؤنسهم على شاشة كبيرة. مغنيا او متحدثا يخيم ظله على المكان، وعلى اجواء السهرة التي احياها عزفا على <الكيبورد> جويل تابت مرافقة المغنية ريما بو عون، وبرنار نجم مع شريكه في <فرقة <كروك نوت> المغني وعازف الغيتار سيرج جامو.

 فماذا قال الضيفان المغنيان لـ<الافكار> عن علاقتهما بـ<ازنافور> وكيف اختارا اغنياته التي اتحفا بها جمهور السهرة المتلهف لسماع ما يذكره بالزمن الجميل بعد ان تذوّق اطايب المطبخ الارمني التي دعاهم اليها المركز؟

مع ريما بو عون كانت اسئلة <الافكار> وشرحت بداية علاقتها بالاغنية الفرنسية ككل:

- انا والاغنية الفرنسية على علاقة مميزة جدا. منذ كنت طفلة استمع اليها واجمع كلماتها. لم يشجعني اهلي جدا في المجال اذ كنا في فترة الحرب، وكان علينا ان نتخصص بما يؤمن مستقبلنا، إلا أنه تسنت لي فرصة ان احيي بضع حفلات بالصدفة. عشت مع عائلتي لخمس سنوات في فرنسا ابان حرب الـ1989، وترسخت في داخلي الثقافة الفرنسية خاصة وانني كنت حينذاك في مرحلة المراهقة، وبدوري تركت الروح الفرنسية وميزاتها تنمو معي، والتي للاسف لا نجدها بالضرورة في مجتمعنا هنا.

وتضيف ريما:

- لا انكر بانني ضعت نوعا ما بين الهويتين، اذ ليس من السهل ان يعيش الفرد منا بين ثقافتين، ومن الضروري ايجاد هذه الهوية في فترة النضوج والا تمكّن منا الضياع. لم ادرس الموسيقى، تعلمتها بشكل فردي مع اساتذة ومدربين. بدأت بدراسة العزف على البيانو، تركته لفترة وعدت اليه الآن، وها انا مع استاذ الموسيقى <التينور> غابي فرحت اتدرّب منذ ثلاثة أشهر حتى أعطي ثباتا لصوتي، وهذا ما جعلني أغني بهذه الثقة على المسرح الليلة. للاسف على غرار البلد غير المستقر كانت مسيرتي الغنائية غير مستقرة ايضا، اذ توجب علي القيام بأعمال اخرى اعتاش منها. درست علوم الفنادق واعمال السكريتاريا واردت الغناء حتى بعكس رغبة اهلي علما ان ابي (العميد السابق وليم بو عون) الذي عارض غنائي هو من علمني اسس <السولفيج> والايقاع وادين له بالفضل في ذلك. كان يعشق الموسيقى الا انه دخل الكلية الحربية ولم يستطع ان يكون في المجال الذي يحبه، وكان يشجعنا على الموسيقى ودراستها. في النهاية أهوى هذا الجانب الكلاسيكي في غنائي، وسبق وغنيت الكثير من الاغاني القديمة، من بينها البعض لـ<ازنافور>.

وتتابع ريما:

 - للأسف لم يتسن لي ولو لمرة حضور المغني الكبير مباشرة من خلال حفلة او مهرجان ما او حتى متابعته عبر أسطوانة مدمجة <دي في دي>. لكنني مؤخرا، شاهدت له عبر قناة <ار تي> حفلة ضخمة احياها في باريس في العام 2015. اثر بي جدا حتى انني ذرفت دموع الندم على انني لم اعرفه قبلا وهو حي. ربما الندم هذا جعلني أغني الليلة من قلبي بعض الاغنيات التي سمعتموها والتي لطالما رددتها له مثل: <Il faut savoir>، <Hier encore>، <Formidable>، <Mourir d’aimer> و<She> اي <هي> وقد حصلت هذه الاغنية على اعلى مبيعات في المملكة المتحدة في السبعينات.

 لدى <أزنافور> تضيف ريما، الكثير من المشاعر العميقة، كل انواع الاحاسيس، فهو يعشق الحياة ويظهر ذلك من خلال العبارات التي من خلال ادائه لها، نستشف الالم الذي عرفه، والخلفية الآتي منها، ارمينيا المجروحة بمجازر رهيبة. هذا كله حوّله الى فن، فن الغناء والمسرح وفن الكتابة او <L’amour du mot> كما كان يسميه.

وهنا لا بد من الاشارة الى ان <ازنافور> كتب أكثر من ألف أغنية، وألّف مسرحيات موسيقية، وقدم أكثر من 100 ألبوم، ومثّل في أفلام سينمائية خلال ستينات القرن الماضي، مع الإشارة إلى أنه غنى بخمس لغات مختلفة هي الفرنسية والروسية والانكليزية والأرمنية والإيطالية والإسبانية، ولذلك يعتبر المغني الفرنسي الأشهر خارج بلده.

ونعود الى ريما:

ــ كيف اخترت هذه الاغنيات بين مئات قدمها <ازنافور>؟

- لقد تم الامر بالتنسيق مع الثنائي الآخر المشارك سيرج وبرنار ولا انكر بأنني اخترت تلك التي انا متآلفة معها. اغنية <لا ماما> مثلا الشهيرة له جدا، لا اعرفها، فلم اقدم على غنائها اذ يجب على من يؤديها ان يشعر بها جدا لأنها مليئة بالاحساس والشغف. الغناء لـ<أزنافور> سهل. صحيح انه رجل، الا انه يوحي جدا الى كل من يستمع الى اغانيه والتي يمكـــن ان تؤديهــــا سيــــدة ايضا. ولا تنسوا ان <ازنافور> عمل في المسرح في بداياته، وقد اثر ذلك جدا على طريقة وقوفــــه وادائــــه على الخشبــــة فهـــــــو يــــــخبر القصة ويعيشها بشغف، بوحي كبير، ويشعر اي مستمع له برغبته في ادائها كما هي. انا الليلة اديت اغانيه كما هي وليس باحساسي الخاص كامرأة، وعبرت عن المشاعر التي تحملها الكلمـــــات بذاتهـــــا. كان شرفـــــا كبيرا لي ان اشارك بهذه التحية له.

 

سيرج والجيل الجديد...!

بقي سيل الصور مستمرا على وقع اداء ريما التي تفاعل معها الحضور مرددا الكلمات او ملوحا بيده، الى ان سلمت المايكروفون الى سيرج جامو وقد التقته <الافكار> ايضا فسألته عن علاقته بـ«العملاق المنمنم> وقد غنى له: <Emmenez moi> <deja Je me voyais>، <comme ils disent>، <La boheme>.

يجيب سيرج حول تاريخ علاقته بـ<ازنافور>:

- نحن فرقة الـ<كروك نوت> نعزف الموسيقى ونقدم في حفلاتنا <ريبيرتوارا> من الاغاني الفرنسية المعروفة. نعزف منذ سنتين تقريبا لـ<شارل ازنافور>، <جورج براسين>، <جاك بريل> وغيرهم من كبار الاغنية الفرنسية. طلب منا القيمون على الحفلة الليلة هذه الاغاني لـ<ازنافور> عبر بيرنار شريكي في العزف، وهي تدخل من ضمن <الريبيرتوار> الذي سبق وقدمناه.

وحول مشواره الفني يضيف سيرج الذي تحلق حوله ضيوف الحفلة مصفقين لاحساسه:

- لم ادرس الموسيقى في اكاديمية موسيقية بل اتقنت العزف على الغيتار بمفردي... ويبدو انني نجحت! (يضيف مبتسما مشيرا الى المتحلقين من حوله).

ونسأله:

 ــ هل الغناء لـ<أزنافور> صعب؟

- كل فنان يغني بطريقته، يجيبنا الشاب بثياب <الكاجوال>، ولا يستطيع احد ان يكون <ازنافور>، قد يتأثر به وبطريقة ادائه، وهو مع <بريل> و<براسين> اثروا بي جدا. كل منا يغني <ازنافور> على طريقته.

اما عن الجيل الجديد وما اذا كان يطلب اغنيات <ازنافور> ويستمع اليها يرد علينا سيرج بمنتهى الصراحة:

- للاسف لا، واستنتج ذلك من خلال الحفلات التي احييها. المس بان المستمعين الى <ازنافور> من الجيل الجديد ليسوا بأعداد كبيرة. لست ادري ان كان ذلك طبيعيا مع تغير الزمن، الا ان الاقبال على نوع الموسيقى التي قدمها هو اقل من انواع الموسيقى الأخرى التي تطلب منا في حفلاتنا.

 أما عن أحَبّ اغاني <ازنافور> الى قلبه فيجيب سيرج ختاما من دون تردد: هي التي لم اغنها الليلة! اغنية <Je rentre chez nous> وادعوكم جميعا الى اعادة الاستماع اليها عبر <يوتيوب> بصوت <ازنافور> والتعمق في كلماتها، انها فعلا احدى روائعه!