تفاصيل الخبر

المواطن اللبناني بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان الصرف التعسفي!

19/12/2019
المواطن اللبناني بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان الصرف التعسفي!

المواطن اللبناني بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان الصرف التعسفي!

 

بقلم طوني بشارة

رئيس اتحاد النقابات العمالية مارون الخولي:غياب الحكومة أفسح في المجال امام الـ”مافياتلفرض سلطتها وتسلطها على المواطن والمستهلك!

يمر لبنان حالياً بأزمة إقتصادية خانقة في ظل ركود إقتصادي مخيف من جهة، وتضخم جامح وإنخفاض لقيمة العملة من جهة ثانية. أزمة أخطبوطية ألزمت العديد من أصحاب المؤسسات الى إتباع سياسة الإقفال المؤقت او الجزئي لبعض أقسامها، ناهيك عن إتخاذ سلة من الإجراءات المجحفة بحق الموظفين، من أهم مقوماتها الصرف التعسفي، أو العمل بدوام جزئي لقسم كبير منهم، أو إتباع سياسة نصف معاش. واللافت أن هذه المحنة ستطول وستتفاقم تداعياتها، مما دفع بعض المعنيين الى التساؤل عن مدى شرعية الإجراءات المتبعة من قبل أرباب العمل، ومن قبل الحكومة، وبالتالي مدى قانونية اللجوء المكره لبعض المواطنين (في ظل أزمة كهذه) الى عدم دفع إلتزاماتهم المالية تجاه المصارف.

الخولي والمؤشرات السلبية!

رئيس إتحاد النقابات العمالية الأستاذ مارون الخولي أفادنا بأن كل المؤشرات الصادرة إبتداء من التصنيف الدولي الإئتماني تعتبر سلبية للغاية، وهي دلائل إنخفاضية تنتقل من مؤشر سلبي إلى مؤشر سلبي أكثر منه بالتصنيف، وهذا ما يدل على إتجاه إقتصادي يبشر بأيام أصعب وأخطر وغير مسبوقة إقتصاديا وماليا.

ــ وما صحة افلاس الشركات بمعدل 500 الى 1000 شركة شهريا؟

ــ الأرقام لا تعتبر دقيقة طالماً هي غير صادرة عن وزارتي العمل والإقتصاد، علماً أننا كجهات مسؤولة طالبنا وزارة العمل بضرورة إجراء إحصاء دقيق ومتابعة ميدانية للمسار الإقتصادي لاسيما لجهة إقفال الشركات، وهذا الإحصاء النسبي لو تم القيام به لكنا شاهدنا المسؤولين يتعاطون مع المسألة بجدية ووفقاً لحجمها، وما نراه حالياً يعتبر بمثابة غياب تام لوزارتي العمل والإقتصاد اذ ان المعالجة عمومية وليست خاصة.

ــ بعض المؤسسات ولمعالجة مشاكلها تعتمد إما سياسة الصرف التعسفي وإما سياسة العمل بنصف معاش، فهل ان إتباع هكذا اجراءات يعتبر أمراً قانونياً؟

- إن الطرد الذي يتم حاليا يعتبر تعسفياً بامتياز اذ ان قانون العمل واضح بهذه المسألة وذلك وفقا للمادة 50 فقرة <و> التي تنص على ما مفاده: على الشركات في ظل الوضع الإقتصادي الصعب أو في حال تم تقليص أعمالها، أن تقوم بمراجعة وزارة العمل من خلال طلب التشاور معها في ما يتعلق بإنهاء عقود العمل للعاملين لديها، وبالتالي يجب اتباع برنامج قائم على ثلاثة اراء (رأي الوزارة ــ أصحاب العمل ــ العمال)، وهو برنامج رضائي اذا لم يتم التوافق عليه نلجأ الى المجلس التحكيمي، علماً انه للوصول الى تطبيق الفقرة <و> يجب توافر شرط أساسي وهو إبراز ميزانية الشركة لثلاث سنوات ماضية تشير صراحة بأنها خاسرة، وما يجري حالياً من صرف للعمال في حال عدم إبراز الميزانية الخاسرة يعتبر تعسفياً بامتياز واستغلالاً للوضع الإقتصادي من قبل أصحاب الشركات.

أنواع الشركات وأزمة المصارف!

وتابع الخولي قائلا:

- هناك ثلاثة أنواع من الشركات:

 أ- شركات وضعها صعب ولكنها قادرة على تخطي الأزمة خلال ثلاثة اشهر.

ب- شركات تجري تغييرات هيكلية لتخفيض التكلفة.

ج- شركات تنطبق عليها الفقرة <و> من المادة 50 ولكن هذه الشركات بحاجة الى دعم من قبل الحكومة لتخطي أزمتها ونسبتها حاليا لا تتجاوز الـ20 بالمئة.

واستطرد الخولي قائلا:

- للأسف بعض الشركات تعتمد إجراء نصف معاش للموظف، وهذا الأمر يعتبر غير قانوني ونرفضه بشكل كامل، ونعتبر أنه من الأفضل على المؤسسات التي تمر بهذه المرحلة أن تذهب الى طلب التشاور وتنهي أعمالها بدلا من إتباع قرار خطير يسبب مشاكل مالية وإقتصادية للعامل فتتراكم عليه السندات والديون، على اعتبار أن العامل فقد أساساً نصف معاشه بسبب زيادة التكلفة بما يقارب الـ50 بالمئة نتيجة لارتفاع سعر الدولار بشكل مخيف، والنصف الاخر تم تخفيضه من قبل رب العمل، مما جعله يفضل عملياً في ظل التكلفة العالية البقاء في المنزل على الذهاب إلى العمل بنصف دوام ونصف معاش، وقانوناً لا يمكن لرب العمل تخفيض راتب الأجير إلا برضاه.

ــ البعض يجد نفسه ملزماً بعدم دفع التزاماته الى المصارف التجارية والخاصة بسبب الأزمة الحالية، فهل من تدابير يفترض اتباعها من قبل الجهات المعنية لتخفيض هذه الأعباء؟

- بطبيعة الحال، الوضع الحالي المتمثل بظاهرة صرف العمال وغلاء المعيشة وتخفيض الرواتب خلق تعثراً بدفع الأقساط والقروض، وبالتالي ما نراه حالياً يعتبر حالة عامة وليست فردية وتشمل أغلبية اللبنانيين.

أمام هذه الحالة على الدولة ومصرف لبنان التحرك بسرعة لمعالجة هذا الوضع، وهنا لا بد من التأكيد على عدم وجود إحصاء للمصارف حول هذه الأزمة، فعلى المصارف أن تحدد وتبلغ عن نسب المقترضين الذين هم غير قادرين على تسديد قروضهم لأن التعتيم على أمر كهذا يعتبر غير مبرر لاسيما في ظل التصنيفات الأخيرة للمصارف، كما يفترض بمصرف لبنان الإسراع بإيجاد حل جذري وليس إتباع معالجة انية لأن قراره الأخير بتمديد المدة من ثلاثة أشهر الى ستة أشهر اي مدة وضع أسماء المتعثرين على اللائحة السوداء يعتبر معالجة ظرفية لا قيمة لها، وهو ملزم بإجراء معالجة جذرية وشاملة للأزمة.

 

خطوات المعالجة الجذرية!

ــ اشرت الى ضرورة اتباع معالجة جذرية وشاملة للمصارف، فكيف يتم ذلك؟

- على الدولة اللبنانية ومصرف لبنان إتخاذ قرار حاسم يقضي فوراً بوقف أو تجميد دفع القروض على مدة سنة، مع تخفيض الفوائد على القروض السكنية ــ التجارية ــ الشخصية ــ بالإضافة الى إعادة جدولة أو هيكلة القروض بعد سنة من تجميدها وفق الوضع المالي والإقتصادي.

هكذا إجراء يخلق تلقائيا حالة إستقرار عند المقترضين بالإضافة الى إعادة إنعاش لوضعهم المالي والمعيشي المتدهور، وهذه المسألة فان مصرف لبنان والمصارف التجارية والدولة ملزمة بإقرارها لانه في حال عدم إقرارها سنكون أمام واقع كارثي إفلاسي للمصارف.

ــ لكن المصارف تمر للأسف بوضع مأساوي، فما الحل الأنسب لها؟

- على مصرف لبنان والمصارف الخاصة إتخاذ قرار أساسي بوقف الإنهيار المالي وتأخير وإبعاد شبح الإفلاس، فهناك 947 فرعاً للمصارف وهذا الرقم يفوق عدد الفروع في أميركا.

لذا المطلوب حالياً:

أ- تقليص عدد المصارف الى 10 ودمج باقي المصارف في ما بينها، ومن يرفض الدمج عليه اللجوء الى التصفية.

 ب- بلغة النسب والأرقام يجب بمرحلة أولى إقفال 60 بالمئة من الفروع، وبمرحلة لاحقة إعادة توزيع هذه الفروع بطريقة مناسبة للمدن والبلدات بحسب أعداد المودعين، لأن من يدفع خسائر المصارف هو المودع نفسه.

وتابع الخولي قائلا:

- كمراقبين نرى أن هذا الإنفلاش بالمصارف وبالفروع لا يعتبر ذا جدوى، لذا يجب إعادة ضبطه بما يتناسب مع الواقع المقبل لأن الأزمة ستستمر لخمس سنوات مقبلة، فعصر <الفخفخة> انتهى للمصارف مع انتهاء المنافسة في ما بينها ومع صدور التصنيف الاخير لـ<عودة> و<بيبلوس> و<بلوم بنك>، وهذا دليل على الواقع الداخلي للمصارف الذي يفترض أن يكون متوافقا مع الواقع او المظهر الخارجي، أي يجب الإبتعاد عن مظاهر <الفخفخة> بشكل كامل واتباع سياسة ضبط المصاريف من كهرباء وإيجار ورواتب للموظفين، اذ على المصارف أن تعود الى حجمها الطبيعي لأن الحجم الحالي هو حجم أقل ما يقال عنه أنه متضخم وغير طبيعي.

مسؤولية حكومة تصريف الأعمال!

 

ــ الأزمة واقعة لا محالة، فكرئيس اتحاد النقابات العمالية لمن تحمل المسؤولية؟

- أحمل المسؤولية كاملة لحكومة تصريف الأعمال كونها ملزمة دستوريا بتصريف الاعمال.

بالتالي وبمراقبة ميدانية نراها تخلت عن مسؤولياتها وتركت البلد للـ<مافيات> وللـ<كارتلات> للتحكم به، وهذا التخلي يعتبر بمثابة جريمة خيانة يجب أن تحاكم عليها.

فالواقع الحالي يتطلب حضوراً كاملاً لمجلس الوزراء لإتخاذ قرار لمواجهة الأزمات المتتالية، بدلاً من ترك كل وزارة تعالج أزمتها منفردة لان المعالجة الفردية لا تعتبر مجدية. وخير دليل على ذلك ما حصل مع وزارة العمل ومواجهتها للصرف التعسفي وقرار إنشاء لجنة من 6 اشخاص وهو قرار غير نافع، ناهيك عما حصل أيضا مع وزارة الإقتصاد بما يسمى إنفلاش ظاهرة الغلاء وتهديد بعض <الكارتيلات>، كما يمكن ايضا ذكر ما حصل من إضراب لأصحاب المحطات والمعالجة الفردية من الوزيرة بستاني. وهنا اؤكد أن المعالجات الفردية لا قيمة لها في حين يفترض التكامل بين الوزارات للمواجهة، كما يجب على الدولة أن تعمد الى تجميد الأزمات وأن تسعى الى معالجتها بطريقة ممكنة وفعالة، وهي قادرة على العلاج، اذ ان غياب الحكومة افسح في المجال أمام الـ<مافيات> لفرض سلطتها وتسلطها على المواطن والمستهلك.