لا يبدي أي مسؤول في حزب الله على أي مستوى كان، أي رغبة في الحديث عن نتائج المعارك التي خاضها مقاتلو الحزب لتحرير جرود عرسال وضواحيها من مسلحي تنظيم <داعش> و<جبهة النصرة> وجلّ ما يكشفون عنه في هذا السياق، ان الوضع العسكري <جيد وممسوك> وان التقدم الذي تحقق ميدانياً يجعل هذه المنطقة الجردية والمتاخمة للحدود اللبنانية ــ السورية البقاعية، آمنة و<الجيوب> التي لا تزال قائمة فيها، سيتم اقفالها خلال أيام.
إلا ان عدم <استعجال> قيادة المقاومة في الاعلان عن انتهاء المرحلة الأولى من <معركة الجرود> التي بدأت في مطلع شهر أيار (مايو) الماضي، لا يلغي حقيقة قائمة تؤكدها مصادر عسكرية لبنانية، بأن هذه المرحلة انتهت بالفعل وان حزب الله استطاع، مع الجيش السوري النظامي، من السيطرة على غالبية مواقع <النصرة> و<داعش>، ولم يبق سوى جزء يسير من الجرود يتمركز فيه مسلحو <داعش> ومساحة قليلة جداً من الوديان انحسر إليها مقاتلو <النصرة>. وتتحدث المصادر نفسها عن سبعة أسابيع من القتال تضمنت الكثير من <الكر والفر> لكنها انتهت الى تراجع المسلحين وتقدم مقاتلي حزب الله من جهة، والجيش السوري من جهة أخرى.
غير ان هذا التقدم لم ينهِ المواجهة بين الأطراف الأربعة، حزب الله والجيش السوري من جهة، وتنظيم <داعش> و<جبهة النصرة> من جهة أخرى، لأن المعركة الحقيقية ستبدأ في لحظة وستدور قرب الزبداني بالنظر الى ضرورة تأمين العاصمة دمشق، بعد سلسلة تطورات سلبية مني بها النظام في ادلب ودرعا وتدمر، ما يعني ان السيطرة على الزبداني ومحيطها بالكامل يشكل حاجة ملحة لوصل هذه المناطق بالحدود اللبنانية البرية التي لم يعد يملك النظام أي حدود برية غيرها بعد سقوط الحدود مع تركيا والعراق والأردن والأراضي المحتلة. وتؤكد المصادر نفسها ان موعد هذه المعركة لن يعلن عنه مسبقاً، بل سيحصل، كما حصل مع معارك الجرود، بشكل مفاجئ من دون أي مقدمات، وهذا الأسلوب المعتمد بين الحزب والجيش النظامي السوري سيستمر طالما ان التنسيق على قدم وساق بين الطرفين.
المعركة المقبلة في الزبداني
وفي تقدير خبراء عسكريين ان معركة القلمون لن تكون مكتملة وناجحة من دون تأمين منطقة الزبداني وإقفال الممر بين القلمون وجرود عرسال الى خاصرة العاصمة السورية، مع إبقاء ممر في اتجاه البادية مفتوحاً كي يستعمله المسلحون إذا رغبوا في الانسحاب في إطار أي صيغة يجري العمل عليها لتفادي مواجهات دامية إضافية لن تكون مفيدة للمسلحين نظراً للمعطيات الميدانية القائمة. ويقول هؤلاء الخبراء ان كل المواجهات التي حصلت منذ مطلع أيار (مايو) الماضي حتى الأسبوع الماضي ظلت بعيدة عن الأراضي اللبنانية ولم تحصل أي عملية <خرق> لهذه الأراضي، وإن كان ثمة ممرات متصلة بالجانب اللبناني تمت السيطرة عليها بالنار ما أوقف الحركة عليها كلياً.
ويتحدث الخبراء عن أن المساحة التي تم اخراج مسلحي <النصرة> و<داعش> بها من جرود القلمون بلغت 495 كيلومتراً مربعاً، إضافة الى 105 كيلومترات مربعة من جرود عرسال التي تحتلها <النصرة>، والسيطرة بالنار على نحو 130 كيلومتراً مربعاً من الجرد العرسالي المنخفض والأوسط وذلك من أصل 380 كيلومتراً مربعاً هي مساحة الجرد بكامله، أي ان ثمة مساحة تقدر بـ145 كيلومتراً مربعاً من جرود عرسال لا تزال تحت سيطرة المسلحين (50 كلم2 بيد مسلحي <النصرة> و95 كلم2 بيد مسلحي <داعش>). أما جرود رأس بعلبك وقسم من جرود القاع فلا تزال تحت سيطرة المسلحين الذين تقدر مصادر عسكرية مطلعة المساحة الاجمالية للمناطق التي يسيطرون عليها بنحو 300 كيلومتر مربع من جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع. وفي تقدير المصادر نفسها ان الأرقام قابلة للتبدل في أي لحظة لاسيما وأن المواجهات لم تنته بعد والمشهد يمكن أن يتغير لاسيما وأن أهالي المنطقة المتاخمة في تأهب دائم لمساندة الجيش وحزب الله (عند الضرورة) لصد أي هجمات يمكن أن تتعرض لها بلداتهم من خلال الجرود التي لا تزال تحت سيطرة المسلحين. ويفضّل الأهالي عدم الحديث عن طبيعة <جهوزيتهم> لكنهم يؤكدون أن لا مجال لأي خروق يمكن أن تحصل من خلال الجرود المتاخمة لبلداتهم، خصوصاً بعد تشكيل اللجان المحلية للقرى وتوافر لأعضائها الدعم اللوجستي المطلوب، وتم تنظيم الأهالي مجموعات توزعت عليها المهام المحددة للعمل خلف خطوط الجيش وحزب الله في المناطق الموجودين فيها، لكنهم في جهوزية تامة عند الحاجة إليهم.
أمن طرابلس ممسوك
وتقول مصادر عسكرية لبنانية ان الواقع الميداني المستجد في جرود عرسال وجوارها، إضافة الى ما حصل في منطقة القلمون من تقدم للجيش السوري ومقاتلي حزب الله، من الأسباب المباشرة التي دفعت للترويج عن <هجمات> يتم الإعداد لها في مناطق عدة من الشمال وصولاً الى العاصمة طرابلس لاسيما بعد الحديث المتنامي عن سقوط حمص في يد التنظيمات المسلحة. وفي رأي هذه المصادر ان حملات <التهويل> على الجيش والأهالي هي جزء من السيناريو المعتمد لصرف النظر عما حصل في القلمون والجرود اللبنانية المتاخمة وإحداث بلبلة لاسيما خلال شهر رمضان المبارك، إضافة الى صرف النظر عن الانجازات التي حققها الجيش في القضاء على الشبكات الإرهابية وتفكيك بعضها. وتطمئن المصادر العسكرية بأن لا خوف على أي تطور سلبي في طرابلس وجوارها لأن الانتشار العسكري يضمن المحافظة على الاستقرار وحسم أي إشكال يمكن أن يحصل، ولولا ذلك لكانت الاحتجاجات التي انطلقت في عاصمة الشمال الأسبوع الماضي على عمليات التعذيب التي تعرض لها عدد من السجناء الإسلاميين في سجن رومية، أخذت طابعاً واسعاً وعدائياً ضد الجيش ومواقعه وأعادت نشر الفوضى في المدينة.
إلا أن المصادر تدعو الى عدم <النوم على حرير> الأمر الذي يستوجب استمرار المراقبة والتنبه لأن الخلايا النائمة التي تتم مطاردتها بشكل دائم لم تنحسر بعد لاسيما وأن المعلومات عن تنقل أفرادها من منطقة الى أخرى، تدل على وجود تنسيق في ما بينها مع وجود <غرفة عمليات> تتابع أوضاعهم بشكل دائم.