تفاصيل الخبر

المواجهة المفتعلة بين النيابة العامة المالية والمصارف تضعف القطاع المصرفي... ولا تعزز دور القضاء!

12/03/2020
المواجهة المفتعلة بين النيابة العامة المالية والمصارف تضعف القطاع المصرفي... ولا تعزز دور القضاء!

المواجهة المفتعلة بين النيابة العامة المالية والمصارف تضعف القطاع المصرفي... ولا تعزز دور القضاء!

 

 

في عزّ النقاش حول مصير سندات <اليوروبوندز> التي استحقت في 9 آذار(مارس) الجاري، وقبل أن يصدر قرار مجلس الوزراء بـ<تعليق> تسديد هذا الاستحقاق والدخول في مفاوضات مع حملة السندات، تعرضت المصارف في لبنان لإجراء هو الأول من نوعه اتخذه المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم قضى بمنع التصرف بأصول عشرين مصرفاً ورؤساء مجالس ادارتها، قبل أن يتدخل المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات ويقرر <تجميد> القرار على أساس انه قرار اداري موقت يمكن الرجوع عنه في حال أصبحت <المصلحة الوطنية مهددة>. ولعل ما دفع القاضي عويدات الى اتخاذ هذا القرار ليس فقط الضجة التي أحدثها قرار القاضي ابراهيم غير المسبوق، بل أيضاً المعلومات التي توالت الى بيروت من ان السلطات المالية الدولية تنوي، لا بل باشرت، في ايقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها. كذلك اعتبر المدعي العام التمييزي الاستمرار في تطبيق القرار <من شأنه ادخال البلاد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، كما من شأنه ارباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوات المالية التي هي قيد الإعداد لمواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد>. وعليه صدر قرار القاضي عويدات بتجميد قرار القاضي ابراهيم ومفاعيله عملاً بأحكام المادة 13 و21 من أصول المحاكمات الجزائية لحين درس تأثيره على النقد والمعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين والأمن الاقتصادي والمالي.

والواقع ان تفاعل قرار القاضي ابراهيم الذي عممه على أمانتي السجل العقاري والتجاري وهيئة ادارة السير وحاكمية مصرف لبنان والأسواق المالية وجمعية المصارف، استبق نشره ووصوله الى الجهات المعنية، بأن عممه على وسائل الإعلام التي ضجت بالخبر ما استتبع ردود فعل قوية في أكثر من مكان واستوجب تدخل المدعي العام التمييزي بعد مراجعات من مراجع رسمية عليا منها اتصال استيضاحي من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول الأسباب التي دفعت القاضي ابراهيم الى اتخاذ القرار في توقيت ملتبس يضعف قدرة الدولة على مواجهة الاجراءات المتعلقة بسندات <اليوروبوندز> والجهات المالية التي تحملها. أما القاضي ابراهيم فقد دافع عن قراره واعتبره ملفاً مثل غيره من الملفات القضائية شارحاً ما عناه بمنع التصرف بالأصول أي انه يعني ــ حسب مفهومه ــ ممنوع التصرف بالأسهم والعقارات والسيارات والممتلكات والمباني، وبالتالي يؤمن حماية حقوق المودعين ويقول لأصحاب المصارف <لا يعتقدن أحد منكم بأنكم فوق الغربال>.

 

خطأ قانوني!

وأكدت مصادر قضائية ان قرار القاضي ابراهيم شابه خطأ قانوني لأن ابراهيم حجز على أموال المصارف بما فيها أموال المودعين، وهذا الاجراء يعني ــ حسب المصادر نفسها ــ تأمين المصارف لمصلحة الدولة والحجز على كامل محتوياتها بما في ذلك أموال المودعين، وهذا يخالف القوانين لعدم استناده الى نصوص قانونية إضافة الى ضرورة تعليله علماً ان حق الملكية يحفظه الدستور، ولم يذكر القاضي ابراهيم النص القانوني الذي استند إليه لاتخاذ تدابير حجز احتياطي على الأموال، كما انه لم يشرح في تصريحاته الاعلامية سبب اتخاذ القرار الذي أتى بعد سماع آراء رؤساء مجالس الادارة الذين استدعاهم الى مكتبه في قصر العدل يتقدمهم رئيس جمعية المصارف الدكتور سليم صفير!

وبعيداً عن الاعتبارات القانونية، وبصرف النظر عن التطورات المرتقبة بين القضاء وأصحاب المصارف، فإن الثابت بأن المصرفيين باتوا يشعرون ان ثمة من يعمل على تشويه صورة القطاع المصرفي واتهامه بإخفاء الأرقام والتلاعب بها، في حين ان الحكومة ووزارة المال يقومان بذلك بغطاء من مجلس النواب، ويحاولان إلقاء تبعات ما يجري باتهام القطاع المصرفي بشقيه، مصرف لبنان والمصارف التجارية، وفي هذا السياق تقول مصادر قضائية هل يجوز لمن يخفي الأرقام الحقيقية للعجز في موازنات الدولة اللبنانية من خلال ألاعيب تأجيل الدفع وعدم ادراج الكثير من القروض التي حصلت عليها الدولة من الدول والصناديق ومستحقاتها في الموازنات، أن يتهم القطاع المصرفي بعدم الشفافية والتلاعب بالأرقام واخفائها. وتضيف المصادر ألا يخجل السياسيون من أسئلتهم المشبوهة حول حقيقة أرقام القطاع المصرفي وهم لغاية الآن لم يتمكنوا من حصر كلفة سلسلة الرتب والرواتب التي أقروها قبل سنتين بالتهور والشعبوية بهدف رشوة الناخبين، ومن إعطاء رقم صحيح وثابت لكلفة هذه السلسلة وما ترتبه على الدولة سنوياً وانعكاساتها على المديين المتوسط والبعيد بالنسبة الى حجم الرواتب التقاعدية وتعويضات نهاية الخدمة على رغم مرور أكثر من سنتين على اقرارهم سلسلة الرتب والرواتب؟

وتوقفت المصادر المصرفية عند الاجراءات التي تتخذها المصارف و<التقنين> المعتمد لتسليم المودعين أجزاء من ايداعاتهم ومستحقاتهم، فقالت إن المصارف اضطرت تحت ضغط حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة، أن تتخذ اجراءات موقتة لتنظيم سحب الأموال النقدية، لكنها لم تتوقف يوماً عن تلبية ما يمكن تلبيته من حاجات المودعين وتأمين حقوقهم ولو بالحد الأدنى الممكن والمتاح، فهل يحق للحكومة وللسياسيين الذين يعملون على اتخاذ قرار بالتخلف كلياً عن الدفع للدائنين الداخليين والخارجيين أن يأخذوا على المصارف التقنين في مواجهة الهجمة على السحوبات وتخفيض قيمة الأموال النقدية المسحوبة؟

وتوقعت مصادر رسمية ان تستمر المواجهة بين المصارف والقضاء إذا لم يتم التوصل الى حل وسط لوقف الملاحقات القضائية يقوم على <تسهيل> أمور المودعين وتمكينهم من سحب أجزاء ولو قليلة من ودائعهم واستحقاقاتهم الشهرية ورواتبهم وتعويضاتهم بدلاً من استمرار تشدد المصارف في تلبية طلبات المواطنين.