تفاصيل الخبر

"الموافقة الاستثنائية" تدبير غير دستوري فهل من يطعن بها أمام مجلس شورى الدولة؟

26/08/2020
"الموافقة الاستثنائية" تدبير غير دستوري فهل من يطعن بها أمام مجلس شورى الدولة؟

"الموافقة الاستثنائية" تدبير غير دستوري فهل من يطعن بها أمام مجلس شورى الدولة؟

 

[caption id="attachment_80598" align="aligncenter" width="593"] حكومة حسان دياب المستقيلة وبدعة الموافقة الاستثنائية.[/caption]

مرة جديدة تطرح حالة تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة، إشكالية قانونية التدابير التي تتخذها وهي في هذه الحالة لاسيما تلك التي تحتاج عادة الى قرارات من مجلس الوزراء والتي يستعاض عنها بما يسمى "الموافقة الاستثنائية" التي تصدر عن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وهي "ابتكار" يسجل حصراً للأمين العام السابق لمجلس الوزراء المرحوم سهيل بوجي الذي "اخترعها" كبديل عن مجلس الوزراء خلال فترات تصريف الأعمال والتي كانت تمتد احياناً الى أكثر من سنة ! وها هو الرئيس ميشال عون يلجأ للمرة الثالثة الى البدعة المسماة "الموافقة الاستثنائية" بعد مرتين، الأولى على أثر استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري الاولى في العهد، ثم كانت المرة الثانية مع استقالة الحكومة الثانية للحريري، وحلت الثالثة - التي لن تكون ثابتة على اي حال - مع حكومة الرئيس حسان دياب. وأتى القرار الذي اتخذ بتمديد حـــالة الطوارىء في بيروت حتى تـاريخ 18 ايلول ( سبتمبر) المقبل، بموجب "موافقة استثنائية" ليطرح من جديد مدى قانونية هذا التدبير واحتمال الطعن به امام مجلس شورى الدولة (على اساس انه قرار إداري)، لاسيما اذا ما سبب هذا القرار ضرراً يمكن تحميل الدولة مسؤولية وقوعه على مواطن او اكثر. علماً ان عبارة "على ان يعرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية" لا مستند قانونياً لها وهي غير واقعية لأن ما يكون قد حصل نتيجة "الموافقة الاستثنائية" قد حصل ولا فائدة من اعادة النظر به.... وغالباً ما كان يحدث هذا الامر ارتباكاً في الحكومة التي تلي الحكومة المستقيلة اذ يضطر الوزراء الجدد الموافقة على ما فعله الوزراء السابقين من دون ان يكون لهم اي رأي في الموضوع!.    وقد اثار القرار الاخير بتمديد حالة الطوارىء في بيروت حتى 18 ايلول ( سبتمبر) المقبل، نقاشاً قانونياً ودستورياً لاسيما وان القرار استند الى ان المرسوم 2792 التي اعلنت بموجبه حالة الطوارىء في العاصمة، تضمن عبارة "قابلة للتجديد"، كما ورد في متن القرار "انه نظراً للاوضاع الميدانية الراهنة التي توجب تمديد حالة الطوارىء المعلنة، وبعد استقالة الحكومة وتعذر عرض الموضوع المذكور على مجلس الوزراء تقرر التمديد بناء على موافقة استثنائية من كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء". والاشكال لم يكن فقط في قانونية تمديد حالة الطوارىء بموجب "موافقة استثنائية"، بل برز ايضاً في مجال آخر وهو ضرورة طرح المسألة على مجلس النواب مجدداً للنظر في هذا التمديد بعدما كان المرسوم الاساسي قد نال موافقة المجلس في 11 آب ( اغسطس) الجاري... وبالتالي كيف يمكن لمجلس النواب ان ينظر مجدداً في حالة الطوارىء المقررة من دون مرسوم وفي ظل حكومة تصريف الاعمال، وعبارة "الموافقة الاستثنائية" ليست عبارة دستورية او قانونية، بل هي اجتهاد موقت لظرف غير طبيعي في عمل السلطة التنفيذية التي يحصرها الدستور بمجلس الوزراء مجتمعاً وليس بشخصي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ماذا يقول الخبراء؟  وفي هذا السياق، يقول خبير دستوري إنه اذا ارادت الحكومة تمديد حالة الطوارىء فيجب على المجلس ان يجتمع مرة ثانية للنظر في التدبير المتخذ، فيما يرى خبير آخر ان ما جرى هو صدور مذكرة عن امين عام مجلس الوزراء، بناء على قرار من رئيسي الجمهورية والحكومة، وهذا من الناحية الدستورية مخالف للدستور وللمادة 17 منه التي تنيط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً، وما جرى هو تعد صارخ على صلاحيات مجلس الوزراء وهذا القرار المتخذ، والذي درجت العادة حتى من قبل الحكومات السابقة على اعتماده في حالات مماثلة ( تصريف الاعمال) تحت عنوان "على ان يعرض لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية"، يخالف قواعد الاختصاص والصلاحية المنصوص عنها في الدستور".    وتقول مصادر حقوقية إن "حالة الطوارىء" من القضايا التي نصت عليها المادة 65 من الدستور، والتي تحتاج الى اكثرية الثلثين في مجلس الوزراء، وطالما الحكومة مستقيلة وغير قادرة على الاجتماع، فعليها ان تجتمع حصراً لبحث هذا الامر الاستثنائي، اذا كان لا بد من تمديد حال الطوارىء". وتعتبر المصادر نفسها أن هذا الامر يتطلب اجتماع مجلس النواب للنظر بالتمديد، انطلاقاً من مضمون المرسوم 5267 خلال مهلة 8 ايام، والفترة تعتبر من تاريخ اعلان حال الطوارىء من قبل الحكومة لأن اجتماع المجلس النيابي هو في ممارسة هذا الاجراء بالنسبة لقمع الحريات وغير ذلك، لأن صلاحية المجلس هي رقابية وليست تنظيمية انشائية".   إلغاء مجلس الوزراء

ويرى حقوقيون آخرون ان خطورة اعتماد بدعة "الموافقة الاستثنائية" تكمن في ان مهمة تصريف الاعمال لا يجوز ان تلغي وجود مجلس الوزراء كمؤسسة دستورية وبالتالي احلال توقيعين فقط مكان المجلس مجتمعاً. ويشرح الحقوقيون انه في ظل غياب النص الدستوري الذي يفوض او يجيز لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة "اقفال" مؤسسة مجلس الوزراء وممارسة صلاحيات هذه المؤسسة، لا يجوز وقف اجتماعات الحكومة وفق بدعة الموافقة الاستثنائية، فالمادة 64 من الدستور واضحة، وهي تنص على ان مجلس الوزراء يستمر في كل الظروف على الا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال. فهذه الفقرة تتحدث عن حكومة تصريف اعمال وليس عن وزير تصريف اعمال، ذلك ان الثابت في الدستور (المادتان 17 و 65) هو ان السلطة الاجرائية يتولاها مجلس الوزراء بعدما كانت وفق الدستور السابق منوطة برئيس الجمهورية، وكان دور مجلس الوزراء محدوداً، وكان بامكان رئيس الجمهورية التقرير في اي موضوع يتصل بمهمات السلطة التنفيذية من دون ان يكون مقيداً بحالة تصريف الاعمال التي هي متصلة بعمل مجلس الوزراء كهيئة جماعية او بالوزراء افرادياً. اما بعدما اصبحت الحكومة تتولى السلطة التنفيذية (بعد اتفاق الطائف)، فلم يعد من الجائز ان تتخلى عن ممارسة هذه السلطة. من هنا، فإن التعميم الذي صدر هو بدعة وموافقة استثنائية، ولا يجوز ان "تتخلى الحكومة او السلطة التنفيذية عن ممارسة هذه السلطة، او ان تعتكف، بحجة اعتبارها مستقيلة، عن الاجتماع، متنازلة ضمنياً عن صلاحياتها للوزراء ليتولوا افرادياً تسيير شؤون السلطة التنفيذية عبر تسيير اعمال وزاراتهم، او لرئيس الحكومة ليعطي الموافقة الاستثنائية على مقررات تدخل في صلاحيات هذا المجلس".    تجدر الاشارة الى انه في العام 2013 ابدت "الهيئة الوطنية لحماية الدستور"، التي كان يرأسها الوزير السابق سليم جريصاتي (مستشار رئيس الجمهورية حالياً)، رأياً اعتبرت فيه "الموافقة الاستثنائية" بدعة دستورية "تختزل سلطة مجلس الوزراء والوزير المعني معاً، شكلاً ومضموناً، كما تشرك رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية في حين انه يتولى رئاسة الدولة"، وتسير الموافقة الاستثنائية وتعمم بــ "افادة " موقعة من الامين العام لرئاسة مجلس الوزراء منفرداً، وفي ذلك، وفق القانونيين مخالفة للدستور وتعدياً على صلاحية مجلس الوزراء، وكان الاجدى بالحكومة ان تجتمع استثنائياً وتقرر تمديد حالة الطوارىء لأن بامكانها ان تفعل وتنظر في امور طارئة واستثنائية تدخل في صلاحياتها، ولا احد يمكنه الحلول محلها في ممارسة شؤون هذه السلطة واتخاذ القرارات اللازمة لتأمين سير المرفق العام وتسيير شؤون الناس.   ويبقى السؤال: هل يلجأ متضرر او اكثر من اعلان حالة الطوارىء (او اي تدبير آخر) بموجب "موافقة مسبقة" الى الطعن امام مجلس شورى الدولة؟.. واذا حصل ذلك تكون السلطة التنفيذية امام تحد جديد لاجراء اتخذته خلافاً للقوانين ولنصوص الدستور!.