تفاصيل الخبر

الممثلـــــة والمخرجــــة سحــــر عســـاف: لمــاذا تــغـيـب مسؤوليــة الزبـــون فــي فعــــل الدعـــارة؟

14/07/2017
الممثلـــــة والمخرجــــة سحــــر عســـاف:  لمــاذا تــغـيـب مسؤوليــة الزبـــون فــي فعــــل الدعـــارة؟

الممثلـــــة والمخرجــــة سحــــر عســـاف: لمــاذا تــغـيـب مسؤوليــة الزبـــون فــي فعــــل الدعـــارة؟

 

بقلم عبير انطون

2

شبكة <شي موريس> او ما عرف بـ<غوانتانامو الدعارة> التي هزت الرأي العام في لبنان منذ مدة، خبت نوعا ما ولم تعد نارها متأججة كما الفترة التي اتخذ فيها القرار بوضع اليد عليها حيث ان 75 امرأة غالبيتهن سوريات استدرجن الى فعل الدعارة بالتهديد واعتبرت القضية <اتجارا بالبشر>، وكان بيان قوى الأمن الداخلي قد ذكر حينئذٍ <أن النساء تعرضن للضرب واُجبِرَن على ممارسة الفحشاء تحت التهديد بنشر صورهن عاريات وغيرها من الأساليب>.

 بغضّ النظر عن الظروف التي جعلت الشبكة تستمر لفترة طويلة والتساؤلات عن قدرة عملها من دون غطاء وغض نظر، ومع الوضع جانبا اسباب فضحها واخراجها الى الرأي العام، وكيف عادت على مشغليها بالمبالغ الطائلة، هناك من لم ينس القضية وبينهم الكاتبة والمخرجة اللبنانية سحر عساف التي نقلتها الى المسرح الدرامي منذ فترة وجيزة في عرض وثائقي قُدِّمَ على مسرح الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان <لا طلب لا عرض> وانتقلت به خارج اسوار الجامعة الى <مسرح المدينة> حيث جمعت ستة ممثلين، خمس نساء ورجلاً واحداً، واستندت فيه إلى مقابلات مسجلة مع ناجيات من الشبكة.

<الافكار> تحدثت الى استاذة المسرح في الجامعة الاميركية الممثلة والمخرجة سحر وسألناها بداية:

ــ لماذا اخترت <شبكة شي موريس> لعملك المسرحي الوثائقي؟

- قدّمت عملي المسرحي الوثائقي لأنني اهتممت بالموضوع في بلد حالها مأساوية ومواضيعها شائكة في اكثر من مجال وهناك من يرفعون الصوت فيها من السياسة الى الاقتصاد والبيئة وغيرها.. شخصيا شدتني قضية <شي موريس> وقد قرأت ما كتبته رانيا حمزة في المفكرة القانونية في نيسان (ابريل) من العام 2016. تأثرت جداً وعلقت في ذاكرتي. وبما انني ممثلة ومخرجة فان وسيلتي للتعبير هي المسرح، وهو وسيلتي ايضاً للاستمرار والبقاء في هذا البلد وارادتي في تغيير شيء، بما يمكنني ان اقدمه من موقعي، لانني مقتنعة بانني ان انتظرت تغييراً من الدولة فانني سأتركه في الحال.

وتزيد عساف قائلة:

 - في العام 2017 عقد مؤتمر في <مركز الفنون والآداب في الجامعة الاميركية> حيث ادرّس وقد انعقد حول اعادة الاعمار في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، وجدتها فرصة مناسبة لأضيء على قضية <شي موريس>. تقدمت بطلب وحصلت على تمويل بسيط ورحت اقوم بأبحاثي وارتأيت بان الطريقة الأنسب هي المسرح التسجيلي الوثائقي ويعتمد على المقابلات مع ناجيات الشبكة، وعلى عمل الضابط مصطفى بدران الذي أمر بمداهمة بيوت الدعارة حيث تُحتجز النساء، فضلاً عن نصّ القرار الاتهامي الصادر في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، كما استندت أيضا الى مقابلة مع الصحافية ساندي عيسى التي كان موقعها الإلكتروني «التحري» أول من نشر فيديو للنساء المحتجزات مع صور لآثار تعذيبهن على يد هذه الشبكة، والى دراسة قامت بها السيدة غادة جبور مسؤولة قسم الاتجار بالنساء في (منظمة كفى) اللبنانية المعنية بدعم النساء المعنّفات حول استكشاف الطلب على الدعارة... وما يقوله مشترو الجنس حول دوافعهم وممارساتهم وتصوراتهم..

 وأضافت:

- ووسط كل ما اثير عن القضية في الاعلام وانا احضّر للمسرحية، لم أجد جوابا في الصحف والمجلات والتقارير التلفزيونية والوسائل المختلفة، عن سؤالي حول مسؤولية <الزبون> اي مشتري <الفتاة> للقيام بفعل الدعارة. فقد تم الحديث عن الافراد المشغلين والعصابات والطبيب والممرضة اللذين كانا يجهضان السيدات اللواتي يحملن، كما تم الحديث عن السلطات الامنية <المتواطئة> و«المغطية> لهذا الاتجار بحيث ان الشبكة استطاعت أن تعمل عشر سنوات متواصلة في بلد صغير كلبنان، وفي هذا المجال عندما تحصل توقيفات، فان الموقوفين يتركون بعد فترة وجيزة بناء على <وساطات> مختلفة، ولم يؤت بتاتاً على ذكر الشاري. واذا ما فكرنا في الامور يتبين لنا ان الاتجار ليس غاية انما وسيلة. فبيع البنات للزبائن يجب ان يكون الهدف الاساس للعمل على منعه، خاصة وان الافادة المالية للشبكة ظهرت بأنها طائلة وقد وصلت بحسب <التليغراف> الى مليون دولار، ولولا طالبو الدعارة لما كان العرض وما كانت الفتيات والسيدات سلكن هذا الطريق. من هنا كان اختياري لعنوان العمل: <لا طلب، لا عرض> فعندما ينتفي الاول لن يكون الثاني.

 ــ لكن ما تقولينه بحث عن <مدينة فاضلة> وطلب خيالي في خلو المجتمع <من أقدم مهنة في التاريخ>...

- إن كنت تعتبرينه كذلك فليكن. هذا ما احلم به كمواطنة وكمسرحية وحتى لو كان مثاليا. المفهوم السائد ان الدعارة مهنة قديمة ليس سببا كافيا لنستمر بها. اليست العبودية من اقدم ما كان في التاريخ ايضاً؟ هل نقبل بها؟ لنقبل اذاً بظاهرة القتل طالما ان تلك قديمة أيضاً..

ــ وماذا عن اللواتي يخترن هذا الطريق بكامل ارادتهن؟

- لا اعتقد ان سيدة ما او فتاة في اي مكان من حول العالم كانت لتختار هذه الطريق لو قدمت لها فرصة افضل وهي تجبر على ذلك. في شهادة احدى الناجيات مثلا في المسرحية تنقل انها قالت للمشغل: <قلتلو لأ أنا ما بدي اشتغل شغل دعارة. قال لأ يجب أن تشتغلي. قلت له أنا لم آت حتى اشتغل دعارة، قلي لأ بدك تشتغلي غصب من عنك>.

وتزيد عساف:

 - الدعارة ليست قرارا من السيدة برأيي، ولو اتيحت لممارستِها فرصة ثانية او تمت توعيتها حول ما يمكن ان يكون بديلا لها ولعائلتها لما اختارتها، وهناك مجموعة عوامل تجبرها عليها كالظرف الاجتماعي والبيئة والفقر. من الأولوية طرح السؤال:لأي سبب قررت فلانة سلوك درب الدعارة؟ التفتيش عن السبب هو الاهم وهناك ما يجبرها على الخنوع والقبول، تماماً مثل فكرة العنف الأسري، اذ نجد نساء يدافعن عن الزوج المعنّف لان لا خيار امامهن.تعتقدون انه لو قدمت للمرأة المعنّفة فرصة العيش من دون عنف الرجل هل كانت لتختار العيش معه؟ وفي الدعارة هناك عنف يترك اثرا في جسد المرأة ونفسيتها حتى لو سلمنا جدلا انه بقرار منها. في هذا المجال يجب الاستناد الى دراسات قامت على نساء انتهين من الدعارة وطريقها، وشهاداتهن بالغة الاهمية حول الاثر الذي بقي فيهن.

1 

لا.. والف لا..

ــ في بعض البلدان هي <مقوننة> و<مضبوطة>..

- هذا جدل من نوع آخر. حتى لو كانت خاضعة لقوانين فهي مرفوضة. في امستردام مثلا وبحسب الاحصاءات ازداد مستوى الاتجار بالبشر بعد قوننتها وهذا ما دق ناقوس الخطر. تصوروا انه في فعل الدعارة في لبنان تسجن المرأة ويترك الرجل. عماد الريحاوي تم اخلاء سبيله بكفالة 20 مليون ليرة في 21حزيران/ يونيو 2017 وهو المتهم الأول في شبكة <شي موريس> كما غيره، <يمكن ان يعمل حالو زبون> حتى لا تتم مقاضاته. الطريقة الافضل لمنع الدعارة هي ان نجرّم المشتري وليس المرأة، كمثل الذي يتعاطى المخدرات اذ انه من يُطال ويكون في غالب الاحيان ضحية التاجر الذي يستغله.

ــ اعتمدت على تسجيلات الناجيات من الشبكة؟ هل تمّت عليها اية اضافات لزوم المسرح؟

- اطلاقا. وانتم تعرفون كيف نقلت الممثلات على المسرح ما اختبرته السيدات في الواقع. ففي اذن كل ممثلة <ايربيس> (سماعة اذن) توصل ما سجلته الناجيات الى آذان الممثلات فيؤدين الكلمات والانفعالات بشكل مباشر ودقيق، على النقطة والفاصلة والنفس حتى الخطأ نقلنه بشكل حرفي. وانا لم اعط الممثلات المشاركات اي نص مكتوب فكان الاتكال على <الاديو> اي التسجيل الصوتي وهو النص الاصلي للناجيات لذلك هو <مسرح وثائقي>. باختصار جمعت الشهادات ووضعت العنوان العريض مركزة على مسؤولية الزبون.

ــ هل تابعت ما حل بالناجيات من الشبكة؟

- الجزء الأكبر منهن متروك من دون اية مساعدة قانونية ويمكن استغلالهن بأي عمل مرفوض، والعدد الاكبر من اعضاء العصابة خارج السجن. محكمة الجنايات مفتوحة الجلسات ومنهم من دفع كفالة وخرج، فيما الفتيات لا يملكن اية خيارات، وليس لديهن اقامة او مساعدة مادية او اجتماعية او نفسية.

ــ هل حضرن العرض؟

- نعم حضرن العرض الثاني وردود فعلهن كانت بالغة الدلالة، فمنهن من بكين وبينهن من اعربت عن شكرها بان تبقى القضية مفتوحة فلا ينساها الناس ويخرج بريئا رأسها المدبر والآخرون المشتركون معه وهم يسعون الى اثبات انهم كانوا من مسهلي الدعارة وليس من المتاجرين بالبشر ما يخفف عنهم الاحكام القضائية ويقلص مدة العقوبة.

ــ ربما يجب العمل على القانون وتشديده في كافة الحالات.

- طبعا وتغيير الذهنيات يبقى الأهم. اعرف ان ذلك لن يتم بين ليلة وضحاها الا انني ابدأ من نفسي واسأل كيف يمكنني ان اقبل كامرأة ان تشترى امرأة لممارسة الدعارة، واشيح بالنظر عن الاثر الذي يتركه ذلك في جسدها ونفسيتها انطلاقاً من ايماني بحقوقها وهي من حقوق الانسان بشكل عام.