السجال الذي نشأ قبيل توصل حكومة الرئيس تمام سلام الى إقرار صيغة البيان الوزاري، حول مهلة الـ30 يوماً التي حددها الدستور لإنجاز الحكومة بيانها، أضاف موضوعاً جديداً الى سلسلة المواضيع التي تتطلب تفسيراً دستورياً واضحاً وملزماً أو تعديلاً دستورياً يسقط كل لبس وغموض، كما يحصل في مواد دستورية أخرى أظهرت الوقائع الحسية والممارسة انها إما <مطاطة> تحتمل التأويل والاجتهاد، أو أنها تحتاج الى تعديل.
وبين أن تكون مهلة الـ30 يوماً <مهلة حث> أو <مهلة إسقاط>، دار جدل دستوري وقانوني تناوب على الاشتراك فيه قانونيون وحقوقيون وأهل سياسة ليخلصوا الى إبراز التناقض بين المواقف والتفسيرات، ما فرض ضرورة حسم هذه الاجتهادات. والملفت أن بعض من شارك في نقاش مؤتمر الطائف حيث وضعت الاصلاحات الدستورية تناقض في تفسير مهلة الـ30 يوماً ما طرح أكثر من علامة استفهام حول تفسيرات مواد دستورية أخرى نشأت سجالات حول مضامينها مثل عدم وجود مهلة للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة حتى يقدم تشكيلته، والمهلة المحددة لرئيس الجمهورية لتوقيع المراسيم التي يتخذها مجلس الوزراء، والقوانين التي يقرها مجلس النواب.
واللافت أن الأسبوع الماضي حمل مواقف لثلاثة شاركوا في مؤتمر الطائف، هم الرئيس حسين الحسيني والنائب السابق ادمون رزق والنائب السابق مخايل الضاهر، حيث اعتبر الرئيس الحسيني أن عدم إقرار البيان الوزاري وعدم المثول أمام مجلس النواب لنيل ثقته، يحتمان على رئيس الجمهورية أن يدعو الى إجراء استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة، لأن الحكومة القائمة من دون بيان وزاري تكون قد انتهت وهي لم تولد ولم تكتمل اصلاً. وجاراه في هذا التفسير النائب السابق رزق الذي اعتبر مهلة الثلاثين يوماً <مهلة إسقاط> وليست <مهلة حث>، وبالتالي فإن الاسترسال في التنظير حول هذا الموضوع هو نوع من <الكلام العبثي> لان تخطي مهلة الثلاثين يوماً هو احدى الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة قياساً الى نص الدستور.
في المقابل اعتبر النائب السابق مخايل الضاهر أن مهلة الـ30 يوماً هي <مهلة حث> لا <مهلة اسقاط> لأن المادة 64 من الدستور (30 يوماً) أتت قبل المادة 69 التي حددت الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة ولو أراد المشترع أن تشمل هذه الحالات حالة عدم تقديم البيان الوزاري خلال 30 يوماً، لكان نص على ذلك صراحة في عداد الحالات التي نصت عليها المادة 19.
مجلس النواب يفسر الدستور
وحيال استمرار الجدل حول المواد الدستورية التي تفرز التباساً، أو تلك التي أظهرت الممارسة انها <ناقصة> او تحتاج الى تعديل، فإن مصادر سياسية رأت أنه يجب أن تحدّد الجهة التي عليها أن تتولى صلاحية تفسير الدستور (التي أناطها اتفاق الطائف بالمجلس الدستوري ثم نزعها منه مجلس النواب) دون أي التباس، ما يفرض على مجلس النواب أن يطلق <ورشة دستورية> لتفسير مواد الدستور، مقدمة لإدخال تعديلات حيث يجب، أو لإضافة نصوص أخرى حيث يظهر النقصان.. وفي رأي هذه المصادر ان مثل هذه المهمة يتولاها مجلس النواب بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي في شهر أيار (مايو) المقبل بالتوافق بين الكتل النيابية كلها التي عانت بالجملة والمفرق من غموض بعض النصوص الدستورية، أو من نقص في نصوص أخرى، معتبرة أن الممارسة أظهرت وجود <عيوب> كان يمكن تفاديها بقرار جماعي لا خلفيات سياسية أو طائفية له.