[caption id="attachment_85223" align="alignleft" width="444"] الرئيس الاميركي "جو بايدن" .. لبنان ليس أولوية في أجندته.[/caption]
انتظر اللبنانيون انتخاب رئيس أميركي جديد يحل محل "دونالد ترامب" في البيت الأبيض على امل ان يحمل ذلك الانتخاب تطوراً في السياسة الأميركية تجاه لبنان. ومع تسلم الرئيس الأميركي الجديد "جو بايدن" رئاسة الدولة العظمى كثرت التحليلات والاجتهادات عما سيكون الموقف الأميركي الجديد تجاه لبنان وهل صحيح ان الحكومة العتيدة لم تتشكل بانتظار تسلم "بايدن" مقاليد الرئاسة الأميركية. من السذاجة الاعتقاد ان مستقبل التشكيلة الحكومية مرتبط بمواقف الإدارة الأميركية الجديدة، ومن التبسيط الظن بأن القرار الأميركي حيال الموضوع الحكومي له الكلمة الفصل، ومن غير المنطق توقع ان يتدخل "بايدن" وإدارته في تحديد أسماء الوزراء والحقائب التي تسند لهم. صحيح ان "نفس" الإدارة الأميركية قد يتغير بعد انتخاب الرئيس "بايدن" لكن هذا لا يعني ان التغيير سينعكس على الوضع في لبنان بالسرعة التي يتمناها اللبنانيون لينسوا ما فعلته إدارة ترامب بالقضية اللبنانية ومتفرعاتها.
وينصح المطلعون على مسار التغيير في الإدارة الأميركية بعدم المبالغة في الرهان على ما يمكن ان تقدمه إدارة "بايدن" للبنان لاسيما وان السياسة الخارجية الأميركية لم تكن جزءاً رئيساً من الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، الا ان "بايدن" وعد بإعادة بناء السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية في العالم في ظل اهتمامات متباينة بالنسبة الى الملفات الدولية، لاسيما منها ملف منطقة الشرق الأوسط. ويقول هؤلاء المطلعون إن الملف الخارجي الأهم الذي يشغل بال الإدارة الجديدة سيكون الملف الإيراني الأبرز في الاهتمام لاسيما وان "بايدن" راغب في إعادة احياء "الاتفاق النووي" الذي كان "ترامب" اسقطه من خلال تنصله منه، خصوصاً ان "بايدن" طالب بأن تلتزم طهران كامل بنود الاتفاق السابق، فيما تصر ايران في المقابل على ان تكون العودة الى الاتفاق من دون أي شروط أميركية جديدة وهي عمدت خلال المرحلة الأخيرة الى رفع نسب التخصيب تمهيداً لامكان تقديمها كتنازل من جانبها على طاولة المفاوضات في المستقبل.
ولأن أي تطور في العلاقات الأميركية - الإيرانية يمكن ان يعني لبنان بسبب العلاقة بين حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن ثمة من يرى في لبنان ان أي تبدل إيجابي في الموقف الأميركي حيال طهران يمكن ان ينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني بشكل او بآخر مع العلم بأنه حسب التوقعات فإن المفاوضات بين واشنطن وطهران ستعاود عند تبلور كامل الملفات أمام الإدارة الأميركية، وبعد تقييم الإيجابيات والسلبيات التي ستنتج عن كل خطوة. وبالنسبة الى ملف العلاقة مع الدول الخليجية، ليس بسر انه مع تطور عمليات استخراج ما يعرف باسم النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية نحو الاكتفاء الذاتي، لم تعد منطقة الشرق الأوسط تمثل أهمية استراتيجية على مستوى امدادات النفط، وباتت مرتبطة اكثر بالنفوذ الدولي، وبصراع السيطرة على العالم مع روسيا والحفاظ على القواعد الــ عسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، إضافة طبعاً الى تأمين الحماية للحليف الاستراتيجي لاميركا في المنطقة والمتمثل بــ إسرائيل، وكذلك بعقد صفقات الأسلحة مع الدول الخليجية، الخ. وعلى الرغم من توقع ان يتعامل الرئيس "بايدن" بحزم اكبر مع السعودية وغيرها من الدول العربية، وان تضغط الإدارة الأميركية بقوة اكبر لوقف الحرب في اليمن، فإن من شأن تصنيف جماعة "انصار الله" المعروفة باسم "الحوثيين"، منظمة إرهابية من قبل إدارة "ترامب" قبل رحيلها، ان يعيق الجهود الدبلوماسية لانهاء الحرب وللتوصل الى تسوية قريبة.
لا تبدل في ملف الشرق الأوسط
ويتوقع كثيرون في لبنان ان يحصل تبدل ما في سياسة اميركا حيال ازمة الشرق الأوسط انطلاقاً من ملف العلاقة بين واشنطن وتل ابيب لاسيما وان "بايدن" مع حل الدولتين، علماً ان الاهتمام بالقضية الفلسطينية لم يعد أولوية لاحد في المنطقة، علماً ان الفلسطينيين انفسهم لن يقبلوا بوساطة أميركية قبل تراجع واشنطن عن الخطوة الاستفزازية التي قام بها "ترامب" لجهة نقل السفارة الأميركية الى القدس كأمر واقع، علماً ان المواقف الأولى لـ"بايدن" حيال هذا الموضوع توحي بأن لا تبديل في القرار الأميركي في المدى المنظور... ويقول مطلعون ان اقصى ما يمكن ان يفعله "بايدن" في الملف الفلسطيني هو عبارة عن إجراءات شكلية على غرار تجديد المساعدة الأميركية للفلسطينيين وإمكانية إعادة فتح مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن. وفي أي حال فإن أي تقارب أميركي- فلسطيني ليس له انعكاسات على الوضع اللبناني لاسيما وان المشاكل الداخلية اللبنانية غير مرتبطة بالمسألة الفلسطينية لأن ما يعني لبنان من القضية الفلسطينية هي عودة اللاجئين الى بلادهم وعدم توطينهم في لبنان، علماً ان العودة بقيت عبر التاريخ الحديث وعوداً لا تطبيق عملياً لها في وقت يتوسع فيه انتشار الشتات الفلسطيني في العالم!
اما الملف الثالث الذي يمكن ان يتأثر به لبنان فهو ملف العلاقات الأميركية - السورية لاسيما مع وجود أميركي مباشر في سوريا. لكن كل الإشارات التي وردت خلال حملة "بايدن" الانتخابية وتصريحات معاونيه الذين اصبحوا في صلب الإدارة الأميركية الجديدة، توحي بأن ملف العلاقة مع سوريا ليس في سلم أولويات هذه الإدارة، لكنه يدخل في سياق صراع النفوذ الأميركي- الروسي في كامل منطقة الشرق الأوسط، وفي سياق ملف التفاوض المنتظر مع ايران، وكذلك في سياق التشديد المرتقب لسيادة الإدارة الأميركية الجديدة مع النظام التركي، ويعتقد مراقبون بأن الإدارة الأميركية الجديدة سوف "تساوم" على الملف السوري مع كل من روسيا وايران وتركيا علماً ان الانتخابات الرئاسية السورية يفترض ان تجري ما بين 16 نيسان (ابريل) و16 أيار(مايو) المقبلين، ما يستوجب سرعة بالتحرك اذا كانت واشنطن راغبة بالتوصل الى تسوية تحفظ نفوذها، وإلا سيكون دورها ثانوياً كما كان خلال عهد "ترامب". وعندها، سيبقى ملف إعادة اعمار سوريا معلقاً، وكذلك الامر بالنسبة الى ملف ملايين النازحين السوريين الى دول الجوار، ومنها لبنان. من جهة أخرى، من المرجح ان تتشدد الإدارة الأميركية الجديدة اكثر مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
لبنان ليس أولوية
في ضوء ما تقدم، ماذا عن موقف الإدارة الجديدة من الوضع في لبنان وهل يمكن "الاتكال" على دور أميركي يساعد لبنان في الخروج من الظروف القاسية التي يمر بها والتي تهدده بالانهيار المالي والاقتصادي؟ كل المعطيات تشير الى ان لبنان ليس على سلم أولويات إدارة "بايدن" في بداية ممارساتها الخارجية، إلا في حال حصول حرب بين إسرائيل وحزب الله قد تقلب المعادلة القائمة، وقد يأتي الاهتمام بالوضع اللبناني عندما ستنصرف الإدارة، بعد ان تستقر وتعالج المواضيع الساخنة والملحة داخلياً وخارجياً. الى معالجة جدية لقضية الشرق الأوسط، حيث اجرى "ترامب" تعديلات جوهرية على سياسة الولايات المتحدة تجاهها، وكذلك الأوضاع في سوريا والعراق والخليج. اما بالنسبة الى الذين يروجون بأن الحكومة اللبنانية ستشكل بعد تسلم "بايدن" الرئاسة، فالمقربون من إدارة "بايدن" يؤكدون ان لا علاقة اطلاقاً بين الحدثين، وان الإدارة الأميركية الجديدة لا تتدخل في تفاصيل تشكيل الحكومة اللبنانية، وان كل ما يهمها بالموضوع هو عدم تسلم ممثلين لحزب الله وزارات أساسية.
حيال هذا الواقع، فإن مراجع سياسية تدعو الى عدم انتظار أي مبادرة أميركية قريبة تجاه لبنان خصوصاً في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة، علماً ان أي تغيير أميركي في السياسة الأميركية حيال الملفات الإيرانية والسورية والتركية والخليجية والإسرائيلية، سيأخذ وقتاً طويلاً قبل ان تكون له تداعيات على الساحة اللبنانية، الامر الذي يعني انه بالنسبة الى لبنان ينطبق القول المأثور "ما حك جلدك إلا ظفرك"!.