تفاصيل الخبر

الـمـخـرجــــة اللـبـنـانـيــــــة - الـفـرنـسـيــــة دانـيــــــال عـربـيــد: ”شـكــــــراً فــرنـســــــــا“!  

22/04/2016
الـمـخـرجــــة اللـبـنـانـيــــــة - الـفـرنـسـيــــة دانـيــــــال عـربـيــد: ”شـكــــــراً فــرنـســــــــا“!   

الـمـخـرجــــة اللـبـنـانـيــــــة - الـفـرنـسـيــــة دانـيــــــال عـربـيــد: ”شـكــــــراً فــرنـســــــــا“!  

بقلم عبير انطون

Danielle-Arbid-آ©-Julien-Lienard--1

مع كل فيلم للمخرجة اللبنانية المقيمة في فرنسا دانيال عربيد جدل واثارة، فافلامها في لبنان اما تُمنع او يدخلها مقص الرقيب او تُدرج تحت خانة <يُمنع لمن هم دون الثامنة عشرة>. المخرجة الشابة التي <لا تخشى شيئاً> اكتشفت حياتها في جوانبها المختلفة بيديها، بنظرتها، ببحثها واقتناعها عما يجب ولا يجب ان يكون، حياة بَنَتها انطلاقاً من تجاربها وخبراتها الذاتية وارادت ان تشارك المشاهدين بها عبر بطلات افلامها. فيلمها الروائي الطويل الثالث <باريسية> يندرج في هذا الاطار، وما هو خاص في هذه التجربة عرفه أغلب الشباب والصبايا الذين قصدوا باريس من لبنان. ولبنان هنا ليس سوى نموذج لكل بلد عربي أو مغربي تركه شاب او صبية الى عاصمة الانوار بحثا عن حرية مفقودة في عالم عربي يعيش فيه الفرد تجارب اهله وعاداتهم وتقاليدهم وممنوعاتهم، بعيداً عن اي اكتشاف ذاتي مستقل لا يكون دائما مفروشا بالورود لكنه جميل واساسي.

في قصة <لينا كرم>، بطلة فيلم عربيد الكثير من سيرة المخرجة الذاتية. وفي قصة منال عيسى المؤدية لدور <لينا> الكثير من قصة عربيد ايضا.. هن نساء يبحثن عبر الشاشة كما في الحياة عن معنى وشكل لحياتهن وفق الصيغة التي يردنها لها..

لقاء.. مع فرنسا

 

في الصالات اللبنانية انطلق فيلم <باريسية parisienne> أو <لا خشية من شيء peur de rien > لدانيال عربيد تأليفاً واخراجاً في الرابع عشر من الجاري. <لينا كرم> فتاة لبنانية على عتبة الدخول الى الجامعة في العام 1993 تقصد فرنسا للدراسة والاقامة عند خالتها هربا من حرب عبثية انتهت في الخارج واخرى لا تعرف هدنة في الداخل بين والديها. مع وصولها الى باريس يحاول زوج خالتها التحرش بها، فتترك البيت الى شوارع باريس وبيوت طلابها وعلب ليلها وجامعاتها ومكتباتها وقوانينها التي تفرض اول ما تفرضه اوراق الاقامة، فهل تنجح <لينا كرم> في انتزاع هذه الاوراق وتكون <باريسية>؟

عن بطلتها تشرح دانيال عربيد التي توجهت الى لبنان لمواكبة انطلاق فيلمها وتقول:

 - الفيلم عبارة عن اكتشاف مزدوج لحياة جديدة في بلد جديد ولحياة عاطفية لم تعرفها قبلاً هذه الصبية ابنة السبعة عشر عاماً التي تركت لبنان. صعب وجميل في الوقت عينه ان يكون الانسان حراً، وهذه اجمل مراحل العمر اذ لا تعرف الصبية في مثل هذه السن ماذا ينتظرها، هل ستتزوج، اية مهنة ستتخذ، ماذا تريد، وهناك علامة استفهام على الحياة بكاملها، وقد يكون هذا العمر وهو سن العبور الى الرشد محطة انطلاق كبيرة، الامر الذي لن تستطيع الإقدام عليه بعد عشرين عاماً مثلاً، إذ تصبح إمكانية الحلم او التغيير محدودة. في الثامنة عشرة يكون العالم مفتوحاً على مصراعيه وهذا العمر بالذات اردت تناوله في الفيلم كمحور اساسي، يليه لقاء هذه الصبية بفرنسا وأصرّ على تسميته بـ<اللقاء>، لان هذا اللقاء تطلّب وقتاً حتى تم، وحتى حددت الغريبة القادمة الى هذا البلد علاقتها به.

وتزيد عربيد:

- انا شخصياً بنيت علاقتي شيئاً فشيئاً مع فرنسا لما وصلت اليها، اختبرت مفاصلها وناسها حتى وصلت الى نتيجة ان البلد يروق لي، يعجبني وأريد ان اعيش فيه. بنيت صورتي عن فرنسا من خلال مختلف الشخصيات التي تعرفت إليها في هذا المجتمع، وترون بعضاً منها في الفيلم من دون ذكر الاسماء عينها. هي فكرة بناء تصوري للبلد من خلال ناسه، من خلال اشخاص التقيت بهم في الجامعة، ودروس الادب والفن وعلاقات الحب والصداقة، فهؤلاء يشكّلون النبض الذي امكنني من خلاله فهم المجتمع الفرنسي وطرق تفكيره. لقد اكتشفت الكثير عن فرنسا من خلال <بروست> و<ماريفو> مثلاً، وفي الفيلم قمت بعملية ربط ما بين الأشخاص الذين تعرفت بهم والفنانين والكتَاب الذين قرأتهم. في <باريسية>، لم اوجه الكاميرا على الغريبة المقبلة الى هذا العالم فقط، بل كان اساسياً في فيلمي توجيهها الى الفرنسيين انفسهم، اذ تدور الكاميرا عادة حول قصة الغريب القادم، والذي عليه ان يعلّل ويبرّر سبب وجوده وكيفية عيشه في البلد. ركزت على شخصيات المجتمع المُستقبِل لهذا الغريب، وهنا شغلت الكاميرا في الاتجاهين. اردت من خلال عيني هذه الصبية إلقاء الضوء على المجتمع الفرنسي بأكمله، ان افرده كمروحة واسعة من اليمين المتطرف الى اقصى اليسار، وجعلت من <لينا كرم> وكأنها تدخل الى <ديزني لاند> فتكتشف بنفسها هذا المجتمع وآراءه وتصرفات ناسه.

 حب..  وضريبة

Parisienne-de-Danielle-Arbid-(8)---2

وتكمل عربيد شارحة فيلمها وشخصياتها:

 - علاقات الحب الثلاث التي خبرتها <لينا كرم> في الفيلم عرّفتها على ثلاثة نماذج اجتماعية فرنسية، بدأت مع ذاك الرجل الثري (بول هامي) الذي يرتبط بها لفترة ومن ثم يقطع علاقته بها فجأة وتتعرّف من خلاله الى العالم البرجوازي، ليأتي من بعده الشاب الذي احبته واحبها (دانيال شابيل) انما اراد هو بدوره الذهاب وراء حلمه <الاميركان دريم> فانتقل الى الولايات المتحدة الاميركية، ومن خلال علاقتها به تعرفت <لينا> في باريس على عالم الليل ودهاليزه اذ كان مروّجاً للحشيش وموسيقياً في الوقت عينه، وهناك في النهاية المناضل الثائر <فنسان لاكوست> الذي ادخلها عالم الصحافة والذي يريد ان يغير المجتمع الفرنسي، وهو ابن المحامي الذي يساعدها في إتمام اوراقها الرسمية الخ..

وتزيد دانيال:

- يشارك في الفيلم سبعون ممثلا، وفيه اكثر من سبعين ديكوراً وموقع تصوير، وتستمعون خلاله الى الكثير من انواع الموسيقى والاغنيات، وفيه ايضاً السياسة والآراء الفرنسية المتطرفة المناهضة لوجود غرباء يسرقون فرص العمل من اهل البلد، يستفيدون من الضرائب التي يدفعها هؤلاء بينما يسجلون اسماءهم على لوائح البطالة.

وتؤكد عربيد قائلة:

- لا يدور الفيلم حول قضية الاندماج او الهجرة الى مجتمع جديد، وانا اتساءل اصلاً حول معنى هذه الكلمة ومفهومها، انما يرصد الفيلم نظرة الى هذا المجتمع بعيون <عربية>. أعترف بان هذا المشروع كان مجنوناً، واردت من خلاله رسم صورة شبه كاملة عن المجتمع الفرنسي في حقبة التسعينات، ويمكنني القول باختصار انني قدّمت فرنسا في فيلم سينمائي، من خلاله اقول بالصوت العالي <شكراً فرنسا>..

 وبالانتقال الى <اوهام> بعض الشباب والمسافرين الى فرنسا والذين يُصدمون في الكثير من الاحيان بواقع قاس تقول دانيال:

 - بالطبع هناك اوهام كبيرة يعيشها الشباب، وليس بوسع جميع المقبلين الى فرنسا القيام بما يحلو لهم فيها والا لعاشوا بهناء تام، انا نفسي عرفت اياماً صعبة جدا، كانت حالكة بالنسبة الي قبل ان اصل الى ايام مشرقة بات يمكنني فيها اختيار ما اريد. لقد عانيت كثيراً والسينما لا تعكس الواقع دائماً.

اكتشاف موهبة..

باقة الممثلين التي اختارتها دانيال عربيد ابرزت الى الواجهة ممثلة اشعلت الوسط الفرنسي كما اللبناني من خلال دور <لينا كرم>: فمن هي منال عيسى؟ هذه الصبية الجميلة التي لمعت في دورها، وكيف وصلت الى كاميرا دانيال عربيد؟

- لقد قمت باختبارات <كاستينغ> لحوالى ستمئة صبية تقدمن لدور <لينا> الصبية في السابعة عشرة من عمرها، الا اننا وقعنا بالصدفة على منال عبر <الفايسبوك>، وهي فعلياً في الثانية والعشرين. لم اشترط ان تكون لبنانية مع تفضيلي للامر بالطبع، ومن اختبرتهن كن من مختلف البلدان العربية، لبنان والمغرب والجزائر وحتى فرنسا عينها.. اردنا صبية شبيهة لـ< لينا> الصغيرة في فيلمي السابق <معارك حب> فهي بالنهاية تكمل قصتها في هذا الفيلم.

Parisienne-de-Danielle-Arbid-(21)----3وتزيد عربيد حول اختيارها:

- في الواقع كنت اودّ لو اكملت ماريان فغالي التي جسدت دور <لينا> في <معارك حب> قصة <لينا> الشابة في هذا الفيلم ايضاً، الا انها تدرس الطب ولم يكن بالامكان انقطاعها عن دراستها لمدة عام كامل للتصوير، فكانت منال عيسى وهي صبية لبنانية شيعية انتقلت للدراسة في فرنسا مع عائلتها منذ سنوات وتعيش في <آنجيه> وليس في باريس، وهي ارادت ايضاً ان تكتشفها عن قرب، وتخرج من عباءة عائلتها المحافظة. تخصّصت منال في الهندسة وتقدّمت لـ<الكاستينغ> معتقدة انها لن تفوز بالدور على الاطلاق، وكانت قد شاهدت وأُعجبت بفيلمي السابق <معارك حب>. رأيت في منال طاقة لا تريد سوى ان <تتفجر>، ان تعبّر عن ذاتها، وهي كما لاحظتم قد وشمت على يدها كلمتي <ثورتي انا ma revolution>. عملنا عليها بجهد لتجسيد الدور خاصة وانها لم تمثل سابقاً، واعتبر فوز منال بالبطولة كالفوز بسحب <اللوتو> بالنسبة إليها، وعليها ان تثبت ذاتها بعدما نجحت في جذب انتباه الفرنسيين والاعلام، خاصة وانها شاركت مع اسماء فرنسية لامعة تمثل الجيل الفرنسي الجديد، وهم نجوم يفوزون بالادوار الاولى في فرنسا اليوم. ولقد طلبت منال الى دور جديد في فيلم لـ<برتران بونيللو> حيث البطولة جماعية، بعد ان شاهدوها في فيلمي.

وحول المشاهد الحميمة، تقول عربيد ان منال لم تتوانَ عن تقديمها خدمة للدور، واضافت ممازحة:

- بالطبع لن تمانع ان تكون في مثل هذه المشاهد مع نخبة من الممثلين الفرنسيين المعروفين بجمالهم وجماهريتهم لدى الشابات بنوع خاص.

وعن جديد عربيد بعد نجاح فيلم <فرنسية> تقول:

- الفيلم المقبل بعنوان <بسيط كالشغف> سيكون عملاً ضخماً مقتبساً عن كتاب لـ<آني ايرنو> وهو عبارة عن قصة حب كبيرة في باريس مع نجوم فرنسيين معروفين جداً. لا اعتقد انه سيُسمح للفيلم بالعرض في لبنان من قبل الرقابة لما يحتويه من مشاهد تُبرز قصة هذا العشق الحسي والملموس وما يتطلبه من مشاهد جسدية حميمة. ومع الفيلم الجديد الذي سأصوّره العام المقبل في فرنسا اطوي صفحة افلامي اللبنانية او ما نسميه <ما بين الاثنين> ( لبنان - فرنسا) لابدأ صفحة جديدة مختلفة.

وعما اذا كانت تتقصد الاثارة والجدل تبتسم عربيد وتجيب:

- لا اتقصّد اثارة الجدل ابداً، ولا نيّة لي في ذلك، وفي كل مرة يُعرض لي فيلم في لبنان فانه يُمنع او يُجتزأ كفيلم <معاك حب>. ما اقدّمه في افلامي مثير للجدل بحد ذاته فلماذا ازيد عليه، الا انني اقدّم ما اريده وبالصورة التي اريدها.