[caption id="attachment_83943" align="alignleft" width="516"] مجلس الدفاع الاعلى مجتمعاً برئاسة الرئيس ميشال عون[/caption]
مع دخول لبنان في فترة اعياد الميلاد ورأس السنة، يعود الحديث، كما دائماً، عن تجدد الاخطار الامنية والارهابية، وتنتشر بقوة شائعات عن استهداف هذه البلدة او ذلك المتجر او المعلم السياحي الخ... فضلاً عن استهداف شخصيات سياسية وامنية وغيرها. و"تطوعت" شخصيات سياسية للترويج لمثل هذه الاخبار الامر الذي ضاعف المخاوف من حصول خضات امنية و"اغتيالات"، وبلغ الامر جديته حين تطرق المجلس الاعلى للدفاع الى تقارير وردت من اجهزة امنية عن وجود مخاوف من عمليات اغتيال تستهدف سياسيين ومسؤولين. وتوسع اكثر من قائد جهاز امني في الحديث عن مثل هذه المعلومات التي جعلت منسوب المخاوف يرتفع خصوصاً بعد "اجتهادات" سياسية واعلامية تحدثت عن ان الساحة اللبنانية باتت واحدة من الساحات التي جعلها محور الممانعة مسرحاً للمواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة الاميركية وايران ومعهما حلفاؤهما، على مساحة الدول المشتعلة من اليمن الى العراق وسوريا وربما في دول اخرى فإن على لبنان الاستعداد لكل المفاجأت السلبية بما فيها الامنية.
وحيث انه ليس في هذه المعادلة، ما يشي بامكان العودة الى منطق "النأي بالنفس" فقد بات من تاريخ لبنان المعاصر، وبالتالي فإن القدرة على ابعاد لبنان عن الساحات المشتعلة في المنطقة والعالم باتت من الخرافات المستهجنة، ولذلك تحول منذ سنوات قليلة مساحة لتصفية الحسابات المرتبطة بهذا النزاع بين الجبابرة على اكثر من مستوى. وان حافظ المستوى الامني على الحد الادنى من الاستقرار فإن المواجهات الديبلوماسية والاقتصادية والنقدية قد بلغت الذروة. ومن يتجاهل هذه النظرية، عليه ان لا يصدق ان في لبنان ازمة نقدية واقتصادية، فقدت خلالها العملات الصعبة وتحولت قطعة نادرة في ظل الضائقة الخانقة وحجم البطالة غير المسبوقة وغلاء الاسعار التي قفزت الى حدودها القصوى وتجاوزت كل التوقعات.
ويرى مصدر امني متابع ان جمع كل المخاطر الامنية وتصنيفها ضمن سلة واحدة هو خطأ لأن هذه الاخطار موزعة على اكثر من خط، لكل منها اعتباراته واسبابه وحتى تداعياته وارتداداته. ويمكن في هذا السياق الحديث عن اربعة خطوط . يتمثل الخط الاول بمخاطر الجرائم التقليدية وهو خطر تضاعف في الاشهر الماضية حيث ارتفعت اعداد السرقات ومحاولة السطو المسلح وحتى جرائم الخطف والقتل. ويوجد اكثر من تحذير لدى الاجهزة الامنية المختصة ان من شأن ازدياد حالات البطالة والفقر والعوز، خاصة في حال رفع الدعم عن الادوية والسلع الحيوية كما يتردد، ان يؤدي الى زيادة الاعمال الجرمية بشكل تلقائي. والواقع ان الاوضاع الاقتصادية المتردية، ليست وحدها السبب المباشر لتزايد هذه الحوادث، بل هناك ايضاً وجود النازحين السوريين الذين يرتكب كثيرون منهم مثل هذه الحوادث، وهذا ما اظهرت التحقيقات التي اجريت في العديد من الجرائم التي وقعت في مناطق متفرقة من البلاد. ومعظم هؤلاء النازحين اما دخلوا البلاد خلسة او انهم من اصحاب السوابق في هذا المجال، وقد ضاقت السجون اللبنانية بوجود السوريين الذين يرتكبون اعمالاً مخلة بالامن والاستقرار.
الجرائم الارهابية
اما الخط الثاني فيتمثل بمخاطر الجرائم ذات البعد الارهابي، حيث كشفت التحقيقات التي تلت "جريمة كفتون" الاخيرة، وجود "خلايا نائمة" ارهابية متفرقة في اكثر من منطقة في لبنان. وهذه المخاطر تزداد وتتضاعف عشية وخلال مرحلة الاعياد الرئيسة، بسبب امكان ايقاع عدد اكبر من الضحايا، في حال النجاح بتنفيذ اي عمل ارهابي ضد اي من التجمعات التي تحصل عادة خلال فترة الاعياد. وفي هذا السياق حذر مسؤول امني رفيع من وجود ارهابيين من الذين قاتلوا في ادلب السورية وتركوا "داعش" وتم تهريبهم الى لبنان عبر الحدود السورية البرية غير المضبوطة، وعبر الحدود الجوية من خلال مطار رفيق الحريري الدولي حيث اتضح ان ثمة اشخاصاً حضروا الى بيروت في جوازات سفر مزورة توفرت لهم في تركيا وهؤلاء اتوا للانضمام الى مجموعة "نائمة"، وقد تمكن الامن العام اللبناني من توقيف عدد من حملة جوازات السفر المزورة، بعد ابلاغ السلطات التركية عن وجود مثل هذه العصابات التي تؤمن جوازات سفر مزورة لارهابيين سابقين قاتلوا في سوريا او هم من المرتزقة.
ويتمثل الخط الثالث بمخاطر ارهابية ذات بعد تكتي، حيث لا يستبعد على الاطلاق ان تصل الامور الى حد استهداف شخصيات سياسية او امنية، لها وزنها وحضورها في المجتمع اللبناني، للتسبب بمزيد من التوترات والمآسي على الساحة اللبنانية الداخلية. وتوجد مصلحة لأكثر من طرف خارجي، وربما لبعض الاطراف الداخلية، بحصول هذا الأمر. وانطلاقاً من ذلك طلبت مرجعيات أمنية الى عدد من الشخصيات السياسية والامنية اتخاذ الحيطة والحذر والتنبه في تنقلاتها، كما عززت القوى الامنية الحراسة على هذه الشخصيات ولاسيما مكاتبها والاماكن التي تتردد عليها تحسباً لأي خلل يمكن ان يسبب تدهوراً في الوضع الامني ويستهدف الشخصية بأذى.
اما الخط الرابع فيتمثل بمخاطر خارجية، وتحديداً بمخاطر اسرائيلية حيث ان رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتانياهو" يواجه مشاكل داخلية كبرى. ومن غير المستبعد ان يستفيد من الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الاميركي "دونالد ترامب"، لتنفيذ اي ضربة امنية دقيقة بغطاء اميركي، ضد اهداف في لبنان وسوريا، وذلك ضمن الصراع بين اسرائيل من جهة، وايران والقوى والجماعات المسلحة الحليفة لها بما فيها "حزب الله"، من جهة اخرى. وهذا الامر دفع بقيادة المقاومة الى اتخاذ اقصى درجات الحذر في منطقة الجنوب ونفذت اجراءات ميدانية يمكن ان تواجه اي تطور امني اسرائيلي يصب في خانة الاعتداء. كذلك عمل الجيش على اتخاذ اجراءات مماثلة بالتنسيق مع قيادة القوات الدولية (اليونيفيل) في منطقة العمليات الدولية، فيما كثف الجيش حضوره الميداني خارج المنطقة الدولية.
في اي حال لا بد من الاشارة الى ان تنوع المخاطر التي يواجهها لبنان، وبعضها جدي اكثر من الاخر، فرض على الاجهزة الامنية والاستخباراتية المختلفة العمل على ضبط الامن من خلال خطط استباقية لكشف الثغرات الامنية، وهي تتبع اي معلومة تصل اليها لاسيما ما يجري على الحدود من عمليات تهريب اشخاص، او تنشيط خلية نائمة او رصد تحركات مشبوهة للقيام بما يلزم من اجراءات تبقى بعيدة عن الاعلام لعدم التسبب بقلق لدى المواطنين.
ويؤكد مرجع امني مسؤول ان المخاطر موجودة وقائمة، لكنها ليست حتمية او داهمة جدا كما يتردد، ربما لغايات غير بريئة من قبل بعض الجهات من هنا ضرورة قيام حكومة مسؤولة حتى لا يبقى الوضع "فالتاً" كما هو عليه وحتى لا يستغل المصطادون بالماء العكر الوضع لتحقيق غاياتهم!