تفاصيل الخبر

المهندس المعماري طارق ابراهيم الفائز بجائزة ”التميز بالعمارة“ الالمانية العالمية: العمارة ليست ما تراه... العمارة ما تشعر به!

12/03/2020
المهندس المعماري طارق ابراهيم الفائز بجائزة ”التميز بالعمارة“ الالمانية العالمية: العمارة ليست ما تراه...  العمارة ما تشعر به!

المهندس المعماري طارق ابراهيم الفائز بجائزة ”التميز بالعمارة“ الالمانية العالمية: العمارة ليست ما تراه... العمارة ما تشعر به!

 

بقلم عبير انطون

من بعقلين الشوف، حاز المهندس طارق ابراهيم ابن الاثنين والثلاثين عاما تقديرات وجوائز من حول العالم، وهو يأمل طبعا ان لا تكون آخرها جائزة <التميز بالعمارة> الإلمانية العالمية من مدينة فرنكفورت عن المشروع المعماري <امتداد الهوية>، وهي فيلا صممها ونفذها في بلدة <عينبال> الشوفية، وقد عرض المشروع في متحف Kunst Angewandte الخاص بالفنون الحديثة، كما وضع اسم <Paseo Architecture> وهو مكتب الهندسة الذي يملكه ابراهيم على جدار التميز الخاص بالجائزة.

فمن هو المهندس الشاب والى اين يعلو سقف طموحه بعد؟ ما الذي ميز البيت حتى اضحى عالميا رافعا راية الجوائز، وباي عين يرى عمارات العاصمة بيروت بشكل خاص؟

الأسئلة كانت اجاباتها في لقاء <الافكار> معه بدءا من السؤال:

 ــ كيف تم اختيارك للهندسة المعمارية؟

 - تعرفون انه بالعادة لا توجيه مدرسياًَ عندنا نحو الجامعات واختصاصاتها. كنت في حيرة من أمري، وبما ان لوالدي في السعودية شركة تعمل في مجال المعدات الصناعية للمواد الغذائية، اخترت الهندسة الصناعية في <LAU> جبيل، لكنني ومنذ العام الاول وجدتها <ناشفة> ولا تشبهني. وبحكم الاصدقاء واختصاصاتهم تشجعت ودخلت الهندسة المعمارية بغير رغبة الاهل الذين كانوا يرون ان السوق محصورة وغارقة بالمهندسين المعماريين. دخلت الاختصاص واغرمت بالعمارة التي اضحت العشيقة، اذ سحرت بهذا العالم الذي تتحول فيه الفكرة فضاءً يعيش فيه الانسان. لأجل ذلك، فإنني اسمي المهندس المعماري آخر ساحر على الكرة الارضية، فعمله يحدد هوية الانسان واسس عيشه ويحكي قصة مجتمعه وبلده.

ــ انت من منطقة الشوف، الى اي مدى تأثرت بالعمارة فيه؟

 - الشوف معروف بالعمارة، وجبالنا اللبنانية عريقة بالتاريخ وبحقبات اساسية في التراث الذي يجب التمسك به. لقد تأثرت بشكل خاص بالمدرسة الاسبانية والبرتغالية، من هنا عملت على تطبيق نظرياتها، وماضينا في لبنان يشبه ماضيهم الى حد ما، وقد طبّقت تلك النظريات بحسب ما يتماشى مع الحضارة المحلية وذوق السكان المحليين ولكن بلغة عالمية.

ــ هل كنت متميزا في الجامعة؟

- لم اكن في المراتب الأولى، لكن الجميع كانوا ينتظرون مشاريعي <المجنونة>، ولطالما كنت اقوم بعد الانتهاء من تقديمها رسميا بقلبها من جديد بما يرضيني شخصيا لاصل الى الـ<بيف>. ما هو الـ<بيف>؟ كان استاذنا الدكتور ايلي حداد يسألنا في كل مشروع نقدمه <اين البيف؟> اي ان المقبلات وحدها لا تشبع، ويجب ان نبرز الاساس، الهوية.

ــ برأيك اين يكمن تميزك؟

- لقد قمت حتى اليوم بانجاز العديد من العمارات، احداها لمصنع وأخرى لبيوت وفيلات ومبانٍ سكنية وسنتر تجاري، وهي جميعها تجارب مختلفة، أما المشترك في ما بينها فهو ان كل واحدة منها تحمل قصة او وسائل حل جديدة عصرية لمشاكل يعاني منها الانسان من دون ان يتنبّه اليها.

 ــ أعطنا مثلا؟

 - لنأخذ البنايات مثلا. الشقق التي نسكنها يتشارك فيها الجار مع جاره بالكثير من الاقسام المشتركة وصولا الى الجدار الواحد بين الشقتين. كجزء من الحلول كان مثلا الفصل، ففكرنا كيف تتحول كل شقة في البناية الى بيت مستقل بحيث يشعر ساكنه انه يعيش في خصوصية تامة وهو في الوقت عينه قريب من جاره. وانطلاقا من هذا المبدأ أنجزنا بناية في منطقة بيصور من تسع شقق، لسبع منها مداخل مستقلة تماما بحيث يركن النازل اليها سيارته ويدخل شقته بشكل مباشر، فيما تشترك اثنتان بمطلع درج واحد الا انهما منفصلتان كليا وحتى من دون جدار مشترك بينهما.

ــ كيف تقدمت الى المسابقة العالمية في المانيا وما كانت أبرز المراحل؟

- جائزة المانيا جاءت نتيجة نوعا ما للجائزة التي سبق وفزت بها في ايطاليا حول المبنى نفسه، وتفوقت فيها على مئة الف متبار من حول العالم تقدموا اليها وتمت الغربلة الى ان أضحوا خمسين الفا وكنت من بين المراتب الاولى. فقد وجهت لي دعوة ان كنت اود طرح اي مشروع على لجنة تحكيم عالمية حتى اقف عند رأيها من افكاري، فتحمست حتى ابرهن لنفسي عن قدراتي، وكانت المنافسة قوية من حول العالم مع بروز قوي للصينيين واليابانيين والشرق الاقصى، وطبعا المشتركين الاوروبيين من المانيا وهولندا وايطاليا واسبانيا خاصة العريقة في مجال العمارة. ولما تفوق المشروع في ايطاليا وصلت اصداؤه الى المانيا فاقترحوا علي التقدم به وترشيحه للجائزة العالمية، ففزت بها وأضحى اسم لبنان على جدار التميز من خلال هذا البيت من حول العالم.

 

<الهوية>..

 

ــ أخبرنا عن <هذا البيت>، وما الذي تميز به عند لجنة التحكيم حتى اضحى عالميا؟

 - ما رأته اللجنة من استحقاق فيه انه يطرح فكرة الهوية وتطويرها من دون ان تخسر روحها. هذا ما اضاؤوا عليه وكان جوهريا بالنسبة لهم أن يروا هذه المدرسة الجديدة التي تولد عند اللبنانيين حيث البلد الغني بالتراث والحضارات، بحيث يتم دمج الروح القديمة بلغة العام 2018(لما تم العمل على البيت)، من هنا كان اسم المشروع  <امتداد الهوية>. واتى تقييم لجنة الحكم على ان <هذا المهندس استطاع دمج العمارة القديمة مع العمارة الحديثة مع احترام تاريخ البناء، مضيفا امتدادات متنوعة ومواداً مختلفة بشكل دقيق>.

اما بالنسبة للبيت فانه يقع في بلدة عينبال الشوفية وهي ضيعة صغيرة تاريخية في الشوف معروفة بغناها بالمياه. صاحب البيت هو المهندس المدني لطفي انطونيوس الذي يقيم في السعودية ويعمل مديرا لاحدى شركات التعهدات فيها. أول ما توجهت الى المكان مع المهندس المدني معي الدكتور هشام بو ابراهيم لفتني ان هذا المنزل القديم تم بناؤه على حقبات وخضع لعدة اضافات على مر السنين. ففي جزء منه هو عقد، وجزء حيطان كلين سميكة، وجزء منه حجر خفان. اول بناء له كان في العام 1852والثاني في 1943 مع بداية دخول الباطون الى الجبل، وهو يقع على مساحة 240م، ويتألف من طابقين، وقد استخدمت فيه مواد معاصرة مثل الفولاذ والخشب.

ويضيف طارق:

- كذلك، فقد لاحظت ان للبيت ممرا قديما جدا. درست حالة هذا الممر الذي بقي صامدا وارتأيت جعله الممر للمدخل الرئيسي، وتعرفون انه في البيوت الجبلية والمتوسطية يهتمون جدا بالمدخل الرئيسي حيث يكون اكثر عرضا من غيره، في الكثير من الأحيان مع قنطرة فوقه لابرازه، وهو ما يشكل دليل كرم وترحاب. كذلك فانني لما نظرت الى الحجارة التي شيد منها، فهي بحجمها الصغير ولونها ليست جميلة بحد ذاتها، لكنها في المشهد الكلي تعطي نسقا جميلا فحافظت عليها حتى يشعر الناظر اليها بتاريخها لان الناس تتمسك بالتراث اذ تجد فيه جزءا من هويتها. ولما تقفين امام البيت تتساءلين عن مدى التزاوج ما بين الجرأة والقوة من جهة والحساسية والحميمية من جهة اخرى بشكل متجانس تماما. ولا أخفيكم القول بأنه وفي اثناء ورشة العمل كان الناس ينتقدون جدا، الا انه ومع انتهائه بدّلوا رأيهم وبرزت لهم الفكرة فوصلتهم الرسالة، وهي ان

للبيت هوية تماما كما الانسان...

ــ كتقييم عام، ما الذي تقوله عن العمارات والابنية الجديدة في بيروت؟

- عمري لا يسمح لي بالتقييم، لكنني احيانا آسف لما اراه. المشكلة في البعض انهم يلجأون الى الاستنساخ، وليته يكون بطريقة حلوة. العين تسرق، لكن ان فعلت فعليها ان تجمّل، ان تضيف... هناك متجر كبير في بيروت مستنسخ تماما عن ملعب عالمي لكرة القدم يمكن اعتباره تحفة هندسية انجزه مكتب عالمي شهير الا ان النقل عنه حتى لم يتم بطريقة حلوة.

 من ناحية اخرى، فان مشكلتنا ان بعض المهندسين يجعلون الساكن كعود ثقاب في قلب علبة، وهذا له ارتداداته النفسية على مواطنينا ومجتمعنا، ويترجم كآبة على سكان المدينة وقلة فرح وفعالية وانتاجية. فأنا اجد انه من بين اسباب الكآبة العامة التي نعاني منها هي طرق عيشنا داخل بيوتنا ومؤسساتنا. بيت الدرج مثلا نشعر انه خندق في ايام الحرب. كذلك فان عماراتنا تعكس انفصامنا كأشخاص نعيش كذبة كبيرة، اذ يريد أصحاب الفلل والبنايات والمنازل ان تكون من الخارج قلعة مشيّدة مع الزخرفات والاعمدة والضخامة فيما هي مختلفة تماما من الداخل، ويذكرني ذلك بصور مواقع التواصل الاجتماعي حيث يظهر لكم الناس في قمة سعادتهم فيما هم من الداخل تعساء... فالعمارة بالنهاية تترجم واقع المجتمع وابنائه.

ــ ماذا بالمقابل عن الـ<عمارات الحلوة> او <اللي تشرح النفس> كما يقولون بالمصرية؟

- هناك العديد منها. مبنى <جيفينور> مثلا، وقد اطلق مهندسه على نفسه لقب <نبي العمارة الحديثة>، هناك ايضا كلية العلوم في الجامعة اللبنانية مع الكافيتيريا والمكتبة، الريفولي، ساحة الشهداء التي هدم جزء كبير منها، فضلا عن العديد من المباني التراثية في شارع الحمرا وغيره والتي هدمت ايضا في جزء كبير منها. للاسف نحن نمحي ماضينا بأيدينا. القوانين تنص على المحافظة على الواجهة الاثرية فيما تسمح بتشييد بناية فوقها... بالنسبة لي هذا الامر كارثي، فالعمارة ليست ما تراه، العمارة هي ما تشعر به.

ــ برأيك كيف السبيل اذاً للحفاظ على هذه الابنية؟

- من المفروض ان يحددوا حيا او شارعا تقع فيه هذه المباني التراثية ويبقوها على حالها مع الترميم فقط، حتى اذا اردنا العودة الى الماضي والطابع القديم لعمراننا ونمط عيش اجدادنا نجد مثالا امامنا.

ــ هل فتحت لك الجوائز العالمية بابا للعمل خارج لبنان؟

- نعم، وذلك حتى منذ الجائزة اليونانية التي نلتها في عمر التاسعة والعشرين وهي جائزة <كوتينوس> العالمية التي اطلقت للمرة الأولى في الشرق الأوسط عن فئة <التميّز في مجال الفن المعماري لعام 2018> برعاية المنظمة الخيرية العالمية التابعة للأمم المتحدة ومؤسسة <ساند> العالمية، وفيها تقييم لنظرية المهندس المعماري وكيفية تطبيقها في اعماله مع تحسينه لنوعية حياة الانسان فيها. وقد وقعت بعدها على اعمال في سلطنة عمان، وهناك الان كلام باتجاه دبي وقبرص ومصر. اتمنى ان يحصل ذلك، وان اوسع مكتبي وازيد عدد موظفي، فاسافر لاستقدم المشاريع واعمل عليها من مكتبي هنا اذ من واجبي ان اكون جزءا من تطوير هذا البلد وعدم دفع الشباب فيه الى اليأس والهجرة.