تفاصيل الخبر

المحكمة الدولية.. خيبة قوم عند قوم فوائد

19/08/2020
المحكمة الدولية.. خيبة قوم عند قوم فوائد

المحكمة الدولية.. خيبة قوم عند قوم فوائد

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_80409" align="alignleft" width="378"] جلسة المحكمة في لاهاي يوم الثلاثاء الماضي.. محكمة على مين؟[/caption]

يوم الثلاثاء الماضي، كان الحدث في لاهاي. فمن هناك كانت جميع الدول وعلى رأسها لبنان، ينتظرون صدور القرار الإتهامي بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الإنتظار هذا جاء مُخيّباً لآمال البعض ونزل كالثلج على صدور البعض الآخر. فمن كان ينتظر إدانة مباشرة لحزب الله فقد خاب ظنّه خصوصاً بعدما توجه أُصبع الإتهام إلى سليم عيّاش، بينما جرت تبرئة رفاقه من التهم المُسندة اليهم. أمّا الذين اتهموا المحكمة بأنها آداة بيد إسرائيل، فقد فوجئوا بتخفيف الحكم مما أعطاهم دفعاً للذهاب في معركة تبرئة عيّاش، إمّا من خلال التقدم باستئناف الحكم، أو ربما زفّه شهيداً كما حصل مع المتهم مُصطفى بدر الدين الذي سقط عنه الحكم بعد مقتله في سوريا.

المحكمة تنطلق ولا تنطق

على خلاف ما كان متوقّعاً، فقد جاء القرار الإتهامي بقضية اغتيال الحريري ليزيد من حيرة قسم كبير من اللبنانيين الذين كانوا ينتظرون إدانات واضحة وصريحة بحق حزب الله وعناصره الأربعة المتهمين بعملية الإغتيال هذه، إلا أن النتيجة جاءت مُخيّبة لآمالهم وتحديداً لجمهور "تيّار المستقبل" الذي ظهرت عليه عوارض الخيبة خصوصاً وأنه بعد 15 عاماً جاء من يقول لهم إن من نفّذ عملية اغتيال رفيق الحريري، هو شخص واحد يُدعى سليم عيّاش، لدرجة أن هذا البعض رسم في مُخيّلته صورة لهذا الرجل، تُشبه واحداً من أبطال القصص الخيالية، قد يكون "سوبرمان" أو "الرجل الوطواط".

وفي المقابل، راح البعض من قياديي التيّار الأزرق، باتجاه خيار التهدئة من روع الشارع المُعترض، عبر التأكيد أن ما صدر يحتاج إلى مزيد من التأني، وأن الأيّام أو المرحلة المُقبلة، سوف تُوضح الكثير من الأمور التي ربما قد تكون المحكمة، غفلت عنها أو تجاهلتها، منعاً للذهاب باتجاه الفتنة، خصوصاً وأن الأيام التي كانت سبقت موعد القرار، حفلت باستنفارات في الشارع وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، مما دعا قيادتي حزب الله و"المستقبل"، إلى التأكيد مراراً وتكراراً على أنهما ضد الفتنة مُحذرين القواعد الجماهيرية من النزول إلى الشارع، مهما كانت نوعية الحكم.

وكانت انطلاقة المُحاكمة، قد تضمنت كلاماً موجزاً لرئيس المحكمة الخاصة بلبنان، اشار فيه إلى أن اغتيال الحريري عملية إرهابية تم تنفيذها لأهداف سياسية. والمتهمون ينتمون لحزب الله وأن عملية الاغتيال تمت باستخدام أكثر من 2.5 طن من المتفجرات، وقال: لقد تمت مراقبة الحريري بشدة قبل اغتياله. المتهمون سليم عياش وحسن مرعي ومصطفى بدر الدين استخدموا شبكات اتصالات للتنسيق لاغتيال الحريري وقد حاول المتهمون تغطية عملية الاغتيال بتحميلها لشخصيات وهمية، لكن جرى الاعتماد على داتا الاتصالات للوصول إليهم.

ملّاط يدعو للإستئناف

[caption id="attachment_80405" align="alignleft" width="444"] الدكتور شبلي ملاط : هذا هو دور الأجهزة اللبنانية.[/caption]

على الرغم من تحفّظه عن رأيه في قرار المحكمة الخاصة الدرجة الأولى حتى قراءة القرار كاملاً، إلّا أن الاستاذ في القانون الدولي البروفيسور شبلي ملّاط توجّه الى اللبنانيين بخبرته العلمية والعملية في محاكمات كبرى، وأهمها ضد رئيس وزراء العدو الراحل "ارييل شارون" في مجزرة صبرا وشاتيلا وضد الرئيس العراقي الراحل  صدام حسين  في جرائم واسعة على العراقيين، وضد الرئيس الراحل معمر القذافي في خطف الامام موسى الصدر ومرافقيه، آملاً مشاركتهم معه ومع اللبنانيين في أسئلة ومطالب محورية للمحققين والمدعين العامين والقضاة على أساس ما سمعناه في تلاوة البيان، ومنها: ـ إنتظار تسليم حزب الله الجناة الذين ادانتهم المحكمة فوراً، وقد أثبتت المحكمة انتماءهم له. واذا استمر في الرفض، على أجهزة الدولة اللبنانية ان توقفهم. ـ خطأ جسيم في الحكم بحسب معيار القانون الجزائي اللبناني والدولي وهو فصلُ الدافع عن الجريمة لأهميته في تكوينها. ـ  والآن الدافع موجود لكل من الرئيس السوري بشار الاسد والأمين العام لحزب الله  السيد حسن نصرالله كما جاء في القرار، لماذا لم يتم التحقيق شخصياً معهما قبل النطق بعدم وجود مسؤولية جزائية لهما طوال هذا الوقت؟. وأضاف: وعلى أساس ظاهر تقصير المحكمة عن ابراز الحقيقة كاملة بعد 15 عاماً من الانتظار، أدعو الضحايا الى تحضير الاستئناف لجهة تقصير القرار الصادم في توفير العدل الذي نشدوه منها، ولم يحصلوا عليه مع صدور القرار.

وفي السياق يؤكد مصدر قضائي بارز كلام ملّاط حول الاستئناف بقوله إن صدور الحقيقة "المؤقتة" بإدانة شخص معين يعني أنها ستبقى معلقة على نتيجة الاستئناف الذي ستقوم بها إحدى الهيئات حتماً، إذ سيقوم الادعاء العام باستئناف الحكم المبرر وستقوم هيئة الدفاع عن عياش بالاستئناف وبانتظار ذلك فإن الحكم الصادر هو قرينة قوية لأن هناك مسؤولاً كبيراً في حزب الله اسمه سليم عياش هو من ارتكب الجريمة بصورة جازمة وقاطعة ولا لبس فيها بحسب ما جاء في الحكم..

هذا ما أبلغته السلطات للمحكمة

[caption id="attachment_80408" align="alignleft" width="334"] تفجير الرئيس رفيق الحريري: خلصت الحكاية![/caption]

في السابع عشر من أيلول (سبتمبر) من العام الماضي أبلغت السلطات اللبنانية المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، تعذر الوصول إلى سليم جميل عياش، الذي تتهمه المحكمة بالتورط في اغتيال الحريري، وأمين عام الحزب الشيوعي السابق جورج حاوي، ومحاولة اغتيال النائب مروان حمادة، ووزير الدفاع الأسبق إلياس المر. وللتذكير، هي ليست المرة الأولى التي تطالب فيها المحكمة الدولية السلطات اللبنانية بالبحث عن متهم وتوقيفه. ففي السابق، أحال القضاء اللبناني مذكرة بحثٍ وتحرٍ إلى وزارة الداخلية التي كان على رأسها آنذاك الوزير مروان شربل الذي أكد حينها تعاون السلطات اللبنانية بدليل تزويدها بكل التفاصيل المتعلقة بعيّاش.

من هنا، يستوجب القول إن ملف اغتيال الحريري وبعد ما سمعناه من هيئة المحكمة، إنّما يحتاج بالدرجة الأولى الى توافق داخلي أولاً لجهة تنفيذه، وثانياً للحد من تداعياته، وبالتأكيد فإن هذا التوافق غير موجود وهناك استبعاد حصوله أقله في الظاهر، خصوصاً وأننا مقبلون على مرحلة سياسية صعبة المطلوب فيها شد عصب الجمهور، خصوصاً في حال أقر الجميع بضرورة الذهاب إلى إنتخابات نيابية مُبكرة، ما يعني الذهاب مُجدداً الى لغة التخاطب الغرائزي والذي يُثير النعرات المذهبية، كلّ ذلك في سبيل تأمين مزيد من الأصوات داخل صناديق الاقتراع.

قبل القرار.. وبعده

قبل موعد صدور القرار بيومين على الأقل، كان المشهد اللبناني ينذر بالفوضى غداة أزمة اقتصادية حادة وأزمات سياسية وعودة دول كبرى، لتلعب دوراً على الساحة اللبنانية بعد عزلة كان عاشها لبنان خلال الاشهر الماضية.  وقد خيّم الحذر والخوف على المكونات السياسية اللبنانية بعدما بات واضحاً، وجود نيات داخلية لتدويل الأزمات اللبنانية بأشكالها كافة.

فالخوف من تداعيات قرار المحكمة الدولية على الداخل اللبناني كان سيّد الموقف، خصوصاً أن الاتجاه كان يذهب نحو توجيه الاتهام إلى حزب الله باغتيال الحريري (بشكل أو بآخر)، الأمر الذي انعكس في الشارع اللبناني حيث ظهر تجييش كل شارع بوجه الآخر وظهر أيضاً انقسام حاد بين اللبنانيين بين مؤيد للمحكمة باعتبارها العدالة المبتغاة بعد 15 عاماً من الانتظار، وبين من اعتبر أن هذه المحكمة مسيسة وقراراتها ستكون موجهة ضدهم.

وفي الجهة الأخرى، كان حشد محور "المقاومة" جمهوره للهجوم على المحكمة الدولية، حيث راحوا يرددون ما قاله السيد نصرالله عن أن المحكمة لا تعني الحزب شيئاً، معتبرين أنها مسيسة ضد حزب الله وخاضعة للإملاءات الأميركية. كما راح جمهور الحزب يُمجّد المتهمين بالاغتيال، متسلحين بالصبر والبصيرة في مواجهة القرار.

ماذا أعلنت المحكمة؟

[caption id="attachment_80407" align="alignleft" width="348"] المتهم سليم عياش .. توقيفه مسؤولية من؟[/caption]

رئيس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي "دايفيد راي" أعلن أن سليم عياش مذنب بارتكاب عمل ارهابي عبر أداة متفجرة وقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري عمداً. أما مرعي وعنيسي وصبرا فغير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة اليهم. ولفت الى أن استخدام المتهم سليم جميل عياش للهاتف الأحمر مرتبط بعملية بالتفجير.

وشدد على أن الأدلة تثبت أن عياش تصرف عن سابق علم وإصرار بقتل الحريري ومن معه وأنه كان يعلم هدف المؤامرة ضد الحريري. وأوضح ان المتهم حسن حبيب مرعي أدى دور منسق الإعلان عن العملية زوراً. أضاف: بعد لقاء البريستول اتخذ نهائياً قرار اغتيال الحريري، والقيمون على تنفيذ الاغتيال كانوا جاهزين لايقاف الاعتداء في أي لحظة أو اكماله، لكنهم وجدوا ان منافع اغتيال الحريري اكبر من اضراره مهما كانت.

واستنتجت غرفة الدرجة الاولى أن انتحارياً نفذ الاعتداء وهو ليس أبو عدس والمتفجرات التي تم تحميلها في مقصورة شاحنة ميتسوبيشي، كانت سُرقت من اليابان وبيعت في طرابلس لرجلين مجهولي الهوية وأن أعضاء الشبكة الحمراء وعددهم 8 نفذوا الاعتداء، مؤكدة أن عياش بقي في لبنان ولم يغادر إلى السعودية لأداء فريضة الحج كما زُعم.

وقد حددت المحكمة موعد الحادي والعشرين من ايلول (سبتمبر) المقبل لاصدار العقوبة بعد صدور الحكم بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

الحريري يُحدد موقفه من لاهاي

[caption id="attachment_80406" align="alignleft" width="428"] الرئيس سعد الحريري من لاهاي: كل جريمة لها ثمن[/caption]

بدوره أكد الرئيس سعد الحريري من لاهاي أن لا تنازل عن حق الدمّ. اما مطلب اللبنانيين، الذين نزلوا بمئات الآلاف بعد جريمة الاغتيال الارهابية، فكان الحقيقة والعدالة. الحقيقة عرفناها جميعاً اليوم. وتبقى العدالة، التي ستنفذ، مهما طال الزمن. لكني اليوم، احمل مطلباً جديداً، بعد الكارثة المهولة التي حلت بمدينتي وبلدي، منذ اسبوعين بالتمام، يوم 4 آب.

وتابع: مطلبي هو أن تؤسس الحقيقة والعدالة لرفيق الحريري ورفاقه، لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة لكل الأبرياء الذين سقطوا في انفجار المرفأ في بيروت، ولكل الجرحى وعائلاتهم ولكل الذين دمرت منازلهم ومصالحهم من دون أي سبب أو أي مبرر. وهنا أيضا اقول: لا تنازل عن حق بيروت، وحق الضحايا البريئة. ‏‎بكل وضوح: الحقيقة والعدالة في تفجير مرفأ بيروت، مطلب جميع اللبنانيين، فلا تدفعوهم الى المواجهة.

أضاف: أهمية هذه اللحظة التاريخية اليوم، هي الرسالة للذين ارتكبوا هذه الجريمة الارهابية وللمخططين وراءهم، بأن زمن استخدام الجريمة في السياسة من دون عقاب ومن دون ثمن، انتهى. هذه هي رسالة المحكمة الخاصة، وهذه هي رسالة اللبنانيين، وهذه هي رسالتي للمجرمين: هذه الجريمة السياسية الارهابية، وكل جريمة سياسية ارهابية ترتكبونها لها ثمن، والثمن ستدفعونه، لا محالة.