تفاصيل الخبر

المحكمـــــــة الدوليــــــة آخـــــر خيــــــــوط التواصــــــــل بـيــــــن الـبـيــــــــت الأبـيـــــــــض ولــبــــــنــان!

04/10/2018
المحكمـــــــة الدوليــــــة آخـــــر خيــــــــوط التواصــــــــل  بـيــــــن الـبـيــــــــت الأبـيـــــــــض ولــبــــــنــان!

المحكمـــــــة الدوليــــــة آخـــــر خيــــــــوط التواصــــــــل بـيــــــن الـبـيــــــــت الأبـيـــــــــض ولــبــــــنــان!

بقلم وليد عوض

هل هناك من منبر عالمي أكثر من هيئة الأمم؟! وهل هناك ميكروفون يرمي الصوت عالياً على مستوى العالم أكثر من ميكروفون الأمم المتحدة؟

بوصولنا الى منبر هيئة الأمم نكون قد بلغنا الأرب، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي، وبدخولنا ذلك المنبر في الطابق الخامس نكون قد دخلنا التاريخ. وهذا ما جعل للدكتور شارل مالك مكانته الديبلوماسية. وعندما تهم بدخول مبنى هيئة الأمم يطالعك تمثال مسدس كبير مربوط الجوانح وقد أراد به <تريغفي لي> أول أمين عام لهيئة الأمم، أن يعبر به عن السلام العالمي شرط أن تسقط الحروب في أيدي البشر ولا تجعلها الأصابع التي تحترق.

هذا المسدس شاهده الرئيس ميشال عون يوم الثلاثاء الماضي وهو يدخل عمارة الأمم المتحدة في نيويورك. كان هاجسه هو الاحتقان الدائم مع اسرائيل. وما دام هذا الاحتقان دواراً براً وجواً وبحراً، فلا سلام في الشرق الأوسط لأن علبة الكبريت حاضرة في جيب الحاكم الاسرائيلي. وعندما يقف الرئيس عون في منصة الأمم المتحدة فهو يريد أن يطل كرجل سلام، ويرمي الحلول في أحضان مجلس الأمن، وتحديداً في أحضان الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> صاحب القبضة العسكرية الأقوى في هذا العالم.

فماذا دار في خلد الرئيس اللبناني؟!

من صفحات جريدة <الفيغارو> الفرنسية أطل الرئيس عون ليطفئ كل احتقان في الحياة السياسية اللبنانية، حيث قال: <إن حزب الله لا يستخدم سلاحه في الداخل اللبناني، ما استدعى رد الجميل من الحزب على لسان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حيث وصف الرئيس عون بأنه ربان سفينة لبنان المقاوم وصاحب السجل الناصع في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي والارهاب التكفيري. إلا ان كلام الرئيس عون لم يرق لقوى 14 آذار التي عبرت عن استغرابها لدفاع رئيس البلاد عن قضية خلافية.

وقد برز الرئيس عون من منبر الأمم المتحدة حاملاً رسومات لبنان والقرار الدولي 1701، وتحدث باسم لبنان الذي يتلمس طريقه للنهوض من الأزمات المتلاحقة ومستعرضاً في هذا المجال عبء النزوح المتزايد مع تطور أعداد النازحين الفارين من الحرب السورية من 25 ألفاً في العام 2012 الى أكثر من مليون في العام 2014، وصولاً الى نحو مليون ونصف المليون نازح حالياً في لبنان ليحدد في ضوء ذلك الدعوة الى تثبيت حق العودة الكريمة الآمنة والمستدامة للنازحين الى أرضهم.

 

رصاصة لبنان

على أن أهم ما قاله الرئيس عون أمام هيئة الأمم هو أن لبنان يتعهد بعدم اطلاق رصاصة واحدة ضد اسرائيل، إلا إذا كانت هي البادئة في الاعتداء. فواجب الشرف العسكري هو أن يتصدى الجيش اللبناني لها ويرد على السلاح بالسلاح. ومن محاسن الصدف والمواقف أن يستقبل الرئيس الأميركي <دونالد ترامب> الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ويشيد بالجهود المصرية الناجحة في التصدي بحزم وقوة لخطر الارهاب. وقد اعتبر <ترامب> أن الارهاب في الوقت الحاضر يتمثل في إيران وأعرب عن دعم بلاده الكامل للجهود المصرية في مكافحة الارهاب.

وهكذا أعلن <ترامب> حربه على الارهاب واختار إيران موطناً لهذا الارهاب، وهو أمر يشكو منه لبنان في حدوده الجنوبية ويستنفر كل الجهود في سبيل ردع هذا الارهاب ونصرة لبنان عليه.

والسؤال الآن: الى أين مصير المنطقة؟

لقد أعلن الرئيس <ترامب> بأن الولايات المتحدة تتجه جدياً الى مشروع السلام الاسرائيلي ــ الفلسطيني، ويسميه <صفقة القرن> ويريد أن ينفرد به عن سائر رؤساء البيت الأبيض السابقين، ويحدد المباشرة بهذا المشروع في مدى ثلاثة أشهر. وأعلن <ترامب> أنه على ثقة بأن الفلسطينيين يرغبون في العودة الى طاولة المفاوضات، لكنه لم يشر من قريب أو بعيد الى المقاطعة التي أعلنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضد الولايات المتحدة بسبب نقل سفارتها من تل أبيب الى القدس واعتبار القدس عاصمة لاسرائيل.

 

<ترامب> الجديد

الرئيس <ترامب> يريد أن يقدم نفسه الى العالم كزعيم تغييري مثل <دوايت أيزنهاور> قاهر <الفيتكونغ> وفاتح طريق الرئاسة للرئيس فؤاد شهاب، و<جيمي كارتر> فارس التغيير في اتفاقية <كامب دايفيد>، و<ريتشارد نيكسون> فاتح طريق السلام مع الصين، عبر فريق كرة الطاولة، والرئيس <بيل كلينتون> الجامع بين ياسر عرفات و<اسحق رابين> في اتفاقية <أوسلو> عام 1993. وأهمية الرئيس <ترامب> انه صادق مع نفسه، وانه إذا كان مهووساً جنسياً، فكلامه عن الاتفاقيات والمعاهدات يستحق الاهتمام. وهو الآن أمام التحدي: مشروع الدولتين المتجاورتين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقد لا يرى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صورة صادقة في الرئيس الجديد للبيت الأبيض، إنما فليجرب لأن التجربة أكبر برهان.

على سبيل المثال: كان الرئيس الياس الهراوي الذي كانت له ولايتان رئاسيتان حاذقاً في التعامل مع البيت الأبيض فلم يثر خلافات مع <جورج بوش الأب>، أو الرئيس <بيل كلينتون>. وكان الرئيس اميل لحود متمكناً من موقفه الرئاسي ويحترم المنصب الذي يرتقيه، بدليل أنه حين أراد الاخلاد الى النوم ضايقه فارق الوقت بين واشنطن وبيروت، ورفض أن يرد على تليفون وزيرة الخارجية الأميركية <مادلين أولبرايت>، متبعاً مثل <من يهن يسهل الهوان عليه>.

وهكذا مرت العلاقات اللبنانية ــ الأميركية في مرحلة التوازن وأتاح ذلك للبيت الأبيض أن يكون في صلب السياسة اللبنانية، ويكون الداعم لرئيس الوزراء سعد الدين الحريري، بعد والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وقد شكل تجاوب البيت الأبيض مع المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري وعدم تأخره في دعم المحكمة تواصلاً مع لبنان، كما شكل القضاة اللبنانيون في المحكمة تحت رئاسة القاضية الدولية <ايفانا هرديشكولوفا> رباطاً مقدساً بين لبنان والبيت الأبيض، وإعطاء الفسحة الكاملة لوكلاء الدفاع كان تكريساً للعدالة التي اشتهرت بها محاكم لبنان، وعضوية القضاة اللبنانية ميشلين بريدي ورالف رياشي ووليد عاكوم.

وعلى نتائج المحاكمات في تشرين الأول (أكتوبر) تتوقف المرحلة الجديدة في العلاقات السياسية بين سيد البيت الأبيض <دونالد ترامب> ورئيس جمهورية لبنان ميشال عون، فإما مزيد من التواصل أو مرحلة تصادم.

ومن مصلحة لبنان أن تكون العلاقات بين قصر بعبدا والبيت الأبيض في أحسن حال أملاً في حل مشكلة النازحين السوريين في لبنان. وقد غاب ذكر هؤلاء عن خطاب الرئيس عون في هيئة الأمم مما عكر العلاقات السياسية بين البيت الأبيض وقصر بعبدا، ولا سبيل الى استعادتها بكل ما فيها من حرارة، إلا عن طريق اقناع الرئيس <ترامب> بتقديم ملف النازحين على كل اعتبار، فلا يكون لبنان بعد اليوم أرضاً مباحة للاجئين السوريين والفلسطينيين، ويعاد تنظيم العلاقات بشكل أفضل.

وهكذا يمثل النازح السوري حجر زاوية في علاقات الرئيس ميشال عون والرئيس <دونالد ترامب> وانتقال هذه العلاقات الى الحكومة العتيدة التي أصبح منتظراً تشكيلها خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.

ولا بد للعشاء الودي الذي جمع ليل الخميس الماضي في <بيت الوسط> الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، أن يكون قد تطرق الى هذا الموضوع.

إنها مرحلة جمع الشمل بين القوى اللبنانية المؤثرة في لبنان وهي مهمة لا دور فيها للبيت الأبيض وللرئيس <دونالد ترامب>..

ودعونا ننتظر!