تفاصيل الخبر

المحاسبة وإستعادة الأموال المنهوبة.. والإتهامات لكل أفراد الحكومة!

01/11/2019
المحاسبة وإستعادة الأموال المنهوبة..  والإتهامات لكل أفراد الحكومة!

المحاسبة وإستعادة الأموال المنهوبة.. والإتهامات لكل أفراد الحكومة!

بقلم علي الحسيني

لم تقم التظاهرات في لبنان فقط بمجرد اعلان وزير الإتصالات محمد شقير وضع ضريبة على تطبيق <الواتساب>، رغم الخطأ الفادح الذي ارتكبه الوزير بقراره هذا يومها، فالحقيقة ان الشعب اللبناني الذي يكتوي منذ سنين بنار الغلاء والضرائب وغياب الخدمات والإستشفاء والتعليم..، وصل إلى مكان لم يعد قادراً على تحمّل المزيد من الأعباء والقهر والذل، في وقت يتنعّم فيه المسؤولون اللبنانيون بالرفاهية والحياة الكريمة هم وأبناؤهم. من هنا جاءت المطالبات بمحاسبة الجميع على قاعدة <كلّن يعني كلّن> وإستعادة الاموال المنهوبة كخطوة اساسية لإنقاذ لبنان من أزماته وإبعاد شبح الإنهيار المالي والإقتصادي، وبما ان الوعود التي أطلقتها السلطة برأي الشعب الذي خرج للتعبير عن غضبه، هي مجرد كلام في الهواء وهو الذي خبر رجال السياسة لاعوام طويلة، راحت المطالب تتعاظم وتكبر إلى أن وصلت إلى المطلب الأساس <الشعب يُريد إسقاط النظام>. مطلب يُشبه تلك الصرخات التي صدحت في عواصم الدول العربية يوم اجتاحت ثورة <الربيع العربي> المنطقة، والسؤال هنا: هل يلقى لبنان مصير بعض الدول العربية التي صمّت أنظمتها آذانها عن مطالب شعبها؟

الجميع يركب موجة محاربة الفساد!

بعد اعلان النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون ضرورة المطالبة برفع الحصانات أولاً في حال الرغبة باسترداد الأموال المنهوبة، وكلام رئيس الجمهورية ميشال عون أن في مجلس النواب اقتراحات قوانين يجب ان تقر في أقرب وقت، كإنشاء محكمة خاصة بالجرائم على المال العام، واسترداد الأموال المنهوبة، ورفع الحصانة ورفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وكل من يتعاطى المال العام، الحاليين والسابقين، ركب جميع السياسيين في لبنان موجة المطالبة بمحاكمة الفاسدين والمطالبة باسترداد الأموال العامة في خطوة بدت وكأنها استباقية لما يُمكن ان يطال فئات كبيرة منهم ومحاسبتهم بينهم وزراء ونواب ورؤساء حاليون وسابقون. وقد لوحظ أن فئات من الشعب اللبناني وقفت مذهولة امام مطالبة هؤلاء بالمحاسبة واندفاعهم بطلب رفع السرية المصرفية عن حساباتهم ودعوتهم إلى تشكيل حالة طوارئ اقتصادية إنقاذية.

اليوم وفي ظل هذا التهافت وفي ظل تنكّر الجميع لارتكابات مارسوها وظلوا يرتكبونها لسنوات طويلة، ثمة أسئلة يطرحها اللبنانيون: هل يُمكن في ظل الظروف السياسية الحاضرة، والتهافت المذهبي، ومراكز النفوذ التي تتحكم باللعبة السياسية اللبنانية، وعدم سيطرة القانون على الجميع سواسية للظروف المعروفة، أن يحلم اللبنانيون بمحاكمة رؤساء ووزراء ونواب وسياسيين في حال مخالفتهم القانون؟وكيف سيتمـــــــــــــــــــــكن مجلس النواب الحالي بتركيبته المعروفة، بصفته الجهة المخوّلة الادعاء والاتهام بموجب القانون، من التوصل إلى تقرير اتهام هؤلاء وما هي الوصفة السحرية التي ستجعلهم يبتعدون عن مصالحهم ومصالح مذاهبهم وطوائفهم ورؤسائهم الحزبيين والسياسيين.

الجهة المخولة محاكمة المسؤولين!

يشكّل نظام العدالة الجزائية ركناً أساسياً من أركان الدولة المبني على إستقلالية السلطة القضائية كما حدّدتها المادة 20 من الدستور اللبناني. فهو الضمانة لحماية حقوق المواطن والوطن من كلّ اعتداء يمكن أن يقع عليهما، أو على أحدهما، من قبل الخارجين على القانون أو غير الملتزمين إياه. وتشمل المحاكم الجزائية الإستثنائية في لبنان: المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والمجلس العدلي، والهيئة العامة لمحكمة التمييز الجزائية عندما تنظر بالجرائم المنسوبة إلى القضاة والقضاء العسكري ومحكمة الأحداث ومحكمة المطبوعات والمحكمة الناظرة في القضايا الجمركية ومحكمة مكافحة الغش والإحتكار.

الثابت أن المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يرأسه مجلس القضاء الاعلى وهو محكمة خاصة لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء والوزراء، وهو المرجع الوحيد الذي يمكن ان يحاكمهم، بعكس النواب الذين يحاكمون في المحاكم العادية. في هذا السياق يؤكد مرجع دستوري وقانوني أن آلية عمل المجلس معقدة وتبدأ عند اتهام مجلس النواب لأحد الوزراء أو الرؤساء، ويلفت الى انه <لم نشهد أي محاكمة انما محاولات قليلة وباءت بالفشل. ويوضح ان الجرائم التي يبحث فيها المجلس تختلف فيما بينها، فبالنسبة الى رئيس الجمهورية فيُحاكم بتهمتي خرق الدستور أو الخيانة العظمى، اما الوزراء فتهمهم تختلف ومنها الاخلال بواجباتهم، كما يحاكم الوزير بجرائم محددة بقانون العقوبات كالفساد والرشوة واستغلال السلطة.

ويؤكد أنه لم يحاكم أي أحد في أي مرة، وذلك لأسباب سياسية ولأن هذا المجلس ليس قضائيّاً فقط بل مختلط، وطالما هو مسيّس فلا بد ان نلاحظ ان الكتل في مجلس النواب تحمي الافرقاء التابعين لها من الملاحقة من قبل هذا المجلس، مشيراً الى انّه مسيس لأنه مرتبط بالاكثرية البرلمانية وكل فريق يحمي فريقه السياسي، ومجلس النواب هو جسم سياسي ليس لديه حياد. من جهة أخرى يعتبر البعض في لبنان أن هذا المجلس هو كالشهداء الأحياء <عايش بس مش موجود>، ويؤكد هذ البعض ان آلية الاحالة في المجلس صعبة جدا، فهي تحتاج الى ثلثي النواب لتحيل المتهم الى المحاكمة. ويتساءل هؤلاء: كيف سنحارب الفساد اذا لا يمكن محاسبة وزير او رئيس؟، مشيرين الى ان ارتكاب المخالفات وهدر المال العام لا يصح أبداً، فالرئيس او الوزير يرتكب المخالفات وهو متّكل على انه لن يتمّ جمع ثلثي النواب ضده، وهذا يشجع على الفساد للوزراء ويتم حمايتهم بالقانون، فالوزير يرتكب الفظائع لأنه محمي.

القاضية عون تُشهر سيف المحاكمة!

النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، أطلقت أولى بوادر المحاكمات من اجل إستعادة الأموال المنهوبة وذلك بمطالبتها بضرورة رفع الحصانات أولاً في حال الرغبة باسترداد هذه الأموال، مؤكدة ان هناك تعاطفاً مع المواطنين ولا يمكن لأي كان سواء رئيس الجمهورية او القاضي الا أن يتعاطف مع الناس. وقالت في حديث للاعلاميين: أشعر مع الناس وأتعاطف معهم عندما رأيتهم يتظاهرون وانا لدي ملفات وعندما اكتملت فتحت القضية وهذا الملف دسم. لست مسؤولة عن كل ملفات الفساد وملف النافعة بدأت به ولكن لم يعطونا الاذن بالملاحقة.

وتابعت: جاءني إخبار من صحافيين حققت به، وبالاستناد الى هذا الاخبار ادعيت سنداً لقانون الاثراء غير المشروع. أدعو كل القضاة وهناك قضاة بدأوا بالعمل ولقد بدأ احد القضاة بالعمل على ملف التخابر غير الشرعي. وأردفت: انا مع فتح كل الملفات. ومن حق الشعب ان يعرف وان يحاسب ولكن من سيحاسب غير القضاء؟ وانا اعمل في نطاق صلاحيتي وما قمت به هو من نطاق هذه الصلاحية. وادعيت على بنك عودة وهناك فروع كثيرة له هنا فهذه صلاحيتي المكانية ولكن بحسب قانون الاثراء غير المشروع النائب العام يدعي امام قاضي التحقيق الاول في بيروت والنائب العام يعني كل نائب عام وحصرها بقاضي التحقيق الاول في بيروت انا لست معه.

 

الرئيس للمتظاهرين: النظام لا يتغير في الساحات!

 

على خط التهدئة أيضاً، أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (قبل استقالة الرئيس الحريري)، في كلمته الى اللبنانيين والمتظاهرين في الشارع ان الورقة الاصلاحية التي عملنا عليها ستكون الخطوة الاولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، معتبراً انها كانت أول انجاز لكم، لأنكم ساعدتم في إزالة العراقيل من أمامها وأقرت بسرعة قياسية، ويجب ان تواكبها مجموعة تشريعات.

وقال: في مجلس النواب اقتراحات قوانين يجب ان تقر في أقرب وقت، كإنشاء محكمة خاصة بالجرائم على المال العام، واسترداد الأموال المنهوبة، ورفع الحصانة ورفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وكل من يتعاطى المال العام، الحاليين والسابقين.

وشدد على أن الإصلاح عمل سياسي بامتياز، وصار من الضروري إعادة النظر في الواقع الحكومي الحالي حتى تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها. وتوجه الى المتظاهرين: صرختكم لن تذهب سدى ككل الصرخات التي ملأت الساحات من قبل، وأعادت الحرية والسيادة والاستقلال الى لبنان. حرية التعبير حق محترم ومحفوظ لكل الناس ولكن حرية التنقل هي حق لكل المواطنين يفترض ان يكون محترماً ومضموناً.

ودعا الجميع الى ان يكونوا المراقبين لتنفيذ الاصلاحات، فالساحات دائماً مفتوحة لكم، واذا كان هناك من تأخير او مماطلة فأنا من موقعي سأكون الضمان، وسأصارحكم بكل ما يحدث وأبذل كل جهدي لتحقيق الاصلاح. أضاف: سمعت دعوات كثيرة لإسقاط النظام. النظام يا شباب لا يتغير في الساحات. صحيح ان نظامنا يلزمه تطوير لأنه مشلول منذ سنين ولا يستطيع ان يطور نفسه، ولكن هذا لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية.

مالك: الإصطفافات السياسية تمنع الإدعاء!

الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك يعتبر أن تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، من الثابت أنه ليس نتيجة ما يجري راهناً، إنما هو استحقاق يحصل مع بدء ولاية كل مجلس نيابي منتخب. ويشدد على أن موضوع التشكيل يأتي نتيجة وترجمة لنصوص دستورية، وكإجراء دوري من المطلوب احترامه ضمن إطار المواقيت، لا أكثر ولا أقل. لاسيما سنداً إلى أحكام المادة 80 من الدستور، معطوفة على القانون رقم 18 على 1990، الذي يحدد أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى.

ويوضح أن عملية الإدعاء تتم بموجب طلب بخُمس عدد أعضاء مجلس النواب، يصار بعدها إلى إجراء التحقيقات اللازمة مع المدَّعى عليهم ضمن إطار الأصول الوجاهية. من ثم، ولكي يحال الإتهام إلى المجلس الأعلى، يجب أن تتأمّن له نسبة ثلثي عدد أعضاء البرلمان، لافتاً إلى أن الأمر متعذّر. وكما سبق أن قيل، أكد مالك انه لم يسبق للمجلس الأعلى أن حاكم أو دان أياً من الرؤساء أو الوزراء. ولا نتوقع، ولا يمكن أن نُمنِّن النفس أن هذا المجلس سيذهب في هذا الإتجاه في أي من المراحل، فالإصطفافات السياسية الراهنة، تمنع الإدعاء على أي رئيس أو أي وزير بأكثرية ثلثي أعضاء مجلس النواب.

 

أولى مزاريب الهدر والفساد.. من هنا!

من المفيد النظر إلى مجموع الرواتب والتعويضات التي تعود للرؤساء والنواب والتي ترهق الخزينة العامة. فراتب النائب اللبناني يصل إلى 18 مرة الحد الأدنى للأجور، وهو من المستويات الأعلى عالمياً. فوفق جداول وزارة المالية، تحدّد الرواتب الشهرية للمسؤولين السياسيين خلال خدمتهم كالآتي:

رئيس الجمهورية 18.75 مليون ليرة لبنانية، رئيس مجلس النواب 17.737 مليون ل.ل، رئيس مجلس الوزراء 17.737 مليون ل.ل، الوزير 12.937 مليون ل.ل والنائب 12.75 مليون ل.ل. وعليه، يحصل مجمل الوزراء الـ29 (دون رئيس الحكومة) على 375.173 مليون ل.ل. شهرياً ومجمل النواب الـ126 (دون رئيس المجلس ومع وضع مقعد دائرة كسروان الشاغر جانباً) على 606.5 1 مليون ل.ل. شهرياً. ومع إضافة رواتب رئيس الجمهورية ورئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى رواتب النواب والوزراء الحاليين، تصل مجمل رواتب الـ158 مسؤولاً إلى 035.897 2 مليون ل.ل. شهرياً أي ما يوازي سنوياً (000 764 430 24 ل.ل.).

ثانياً، يحصل كلّ نائب (رئيس المجلس ضمناً) على 2.7 مليون ليرة شهرياً من هذا الصندوق، أي 4 مليار و114 مليوناً و800 ألف ليرة سنوياً (000 800 114 4 ل.ل.) لمُجمل النواب. ويُموّل هذا الصندوق من إشتراكات النواب بقيمة 100 ألف ليرة شهرياً وما تبقى من موازنة مجلس النواب. وعلى سبيل المثال، خُصّص لهذا الصندوق 13 مليار ليرة من موازنة مجلس النواب وفق مشروع موازنة العام 2012. أُقرّ هذا المبلغ التعاضدي عام 1994 عندما كانت رواتب ومخصصات النواب أقلّ مما هي عليه اليوم وما زال يُعمل به. إضافة للرواتب والمبلغ التعاضدي، يتقاضى النواب مخصصات. يحصل النائب وأسرته على ضمان طبي مجاني وفق عقد استشفاء مع شركة تأمين خاصة. فالنواب لا يخضعون للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.

إضافة للرواتب والتعاضد والمخصصات، يستفيد النواب من الإعفاءات، إذ يُسمح لكل نائب بشراء سيارة كل 4 سنوات معفاة من الرسوم الجمركية وبأربع بطاقات سفر من الدرجة السياحية مع حسم يتراوح بين 55 و75%. وبعيداً عن المخصصات يصل مجمل مبلغ رواتب وتعاضد الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين إلى 28 ملياراً و545 مليوناً و564 ألف ليرة سنوياً (000 564 545 28 ل.ل.)، أي حوالى 29 مليار ليرة سنوياً. هذا ما عدا تعويضات الرؤساء والنواب السابقين والتي تصل الى 37 مليار ليرة.