تفاصيل الخبر

الــمحــامــيـــــــة روى سليمـــــــــان:البوركيـنـــــي ليـــس فيروســــاً وهـــو كلبــــاس الغطـــــس!

19/07/2019
الــمحــامــيـــــــة روى سليمـــــــــان:البوركيـنـــــي ليـــس فيروســــاً وهـــو كلبــــاس الغطـــــس!

الــمحــامــيـــــــة روى سليمـــــــــان:البوركيـنـــــي ليـــس فيروســــاً وهـــو كلبــــاس الغطـــــس!

 

بقلم كوزيت كرم الأندري

ماذا لو استبدلنا أحد أمثلتنا الشعبية <كول عذوقك ولبوس عذوق الناس>، بـ<كول عذوقك ولبوس... عذوقك>؟! فنحن لا نعرف من أين أتى أجدادنا بهذه المقولة التي تحشر أنف الآخرين في ما لا يعنيهم! بيكيني أو بوركيني، الخيار يعود للمرأة نفسها! ففي حين لقي البوركيني رواجاً كبيراً في معظم البلدان الأوروبية، لا يزال لباس البحر هذا موضع جدل في لبنان، حيث تُمنع المسلمات من ارتدائه في معظم منتجعاتنا السياحية. فهل كانت تعرف مصمّمة البوركيني، الأسترالية ذات الأصل اللبناني عاهدة زناتي، أنه سيُرحب بتصميمها هذا في معظم بلدان العالم، باستثناء مسقط رأسها لبنان؟ عن بدلة السباحة هذه، والجدل الذي تحدثه، كان لـ<الأفكار> حوار مع المحامية روى سليمان، التي أطلقت حملة <البحر بساع الكل>.

ــ قبل الدخول في مفاهيم الاحتشام أو عدمه، إسمحي لي، بدايةً، أن أطرح عليك سؤالاً قد ينسف مفهوم البوركيني من أصله: هل من لباس بحر... محتشم؟!

- أجيب عن سؤالك هذا انطلاقاً من مبدأ أساسي هو <اللي على دينو الله يعينو>. ثم إن الحرية الشخصية مُصانة في الدستور اللبناني. لي، إذاً، الحرية في أن أرتدي ما شئت طالما أنني لا أؤذي أحداً. أما إذا كان لباس البحر محتشماً أم لا، وإذا كانت المرأة تلبس بشكل محتشم أم لا، فتلك أمور تخصها وتخص علاقتها بربّها، ولا يجوز للناس أن ينصّبوا أنفسهم حكّاماً عليها!

ــ أفهم تماماً ما تقولين، لكن أكرر سؤالي: كلمة <مايوه> لا تتماشى مع كلمة <إحتشام> بالمعنى التقليدي للعبارة. <يعني ما في لزوم نتخبى ورا أصبعنا>. ثم أفلا تعتقدين، مثلاً، أن جاذبية المرأة قد تزداد حين يلتصق القماش المطاطي المبتلّ بجسدها، فتظهر مفاتنها أكثر مما تكون عليه في المايوه العادي؟

- من يحدد، أولاً، مفهوم الاحتشام نفسه؟ ما من أحد يستطيع أن يجزم من هو المحتشم وغير المحتشم وما هو المقبول وغير المقبول. المرأة هي حرّة في اختيارها وتلك هي نقطتنا الأساسية! المبدأ الذي ندافع عنه هو أن لكل إنسان مطلق الحرية في أن يرتدي ما يشاء، طالما أن خياراته هذه لا تؤذي أحداً.. هذه أمور يحاسب عليها رب العالمين يوم القيامة، لا نحن. في ذلك غطرسة غير مقبولة. من نحن لنُملي على الآخرين ما يمكنهم القيام أو عدم القيام به؟!

ــ لكن ألا تعتقدين أن لباس البحر هذا دخيل، نوعا ما، على ثقافتنا كلبنانيين، مما أدى إلى التعامل معه بمشاعر تبدأ بالاستغراب وتصل حدّ الرفض؟

- يا ليتنا نفهم المسألة جيداً قبل أن نصدر أحكاماً إعتباطية. أولاً، لباس البحر هذا الذي سُمي بوركيني (والكلمة تمزج ما بين <البرقع> و<بيكيني>) هو شبيه تماماً بلباس الغطس diving suit، لذا لا أفهم التعاطي معه باستغراب! هو لا يختلف عن لباس الغطس، لا من حيث الشكل ولا من حيث نوعية القماش! ثم إن هناك كثيرات يلبسنه، في مختلف بلدان العالم، لدواعٍ محض صحية وطبية، إذ إنه يحمي البشرة من أشعة الشمس. لمَ لا <ننأز> منهن في هذه الحالة؟ مصممة البوركيني نفسها،

عاهدة زناتي، صرّحت وقالت إن 40% من زبائن البوركيني لسن مسلمات!

ــ لكن يحق لصاحب أي منتجع سياحي أن يضع القوانين التي يريدها داخل منتجعه، وعلى الزبائن احترامها أو فليبحثوا عن مسبح آخر. حين تقصدين متجراً <بتشارعيه إذا القطعة غالية مثلاً؟ <لأ>! لأنه سيقول لك ببساطة <إذا مش عاجبك ما تشتري>!

- <لحظة>... أولا أنا كصاحبة متجر حرة في أن أضع التسعيرة التي أريد نعم، لكن ضمن حدود معيّنة وتحت سقف معقول، وإلا يمكن للزبون أن يلجأ إلى مصلحة حماية المستهلك. ثانياً، المرافئ السياحية هذه مشيّدة على أرض لبنانية، وهي تخضع بالتالي لقوانين الدولة اللبنانية ولتعاميم وزارة السياحة، التي تؤكد على ضرورة التعاطي مع الزبائن انطلاقاً من مبدأ المساواة في استقبالهم، تحت طائلة الملاحقة القانونية.

ــ إذاً عليّ، كصاحب مرفأ سياحي، أن أستقبل أيضاً من تقصد منتجعي <توبْلَس> Topless (بلباس بحر عاري الصدر) بحجة أن الدستور والقوانين اللبنانية تكرّس مبدأ المساواة والحرية الشخصية...

- سؤالك ذكي جدا، لكن فرضيّتك يُسقطها ما نسميه في القانون النظام العام والآداب العامة. هي مجموعة قواعد أدبية واجتماعية وأخلاقية ترعى مجتمعاً ما في زمان معيّن. هذه لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، أي أنني لا أستطيع، مثلاً، أن أبرم معك الآن عقد دعارة لأن ذلك مخالفاً للنظام العام. من هذا المنطلق فإن <التوبلس> جريمة يعاقب عليها القانون. أما البوركيني، فلا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة.

 

<عاملة كل طْعوماتي>!

ــ أستاذة روى، إسمحي لي أن أنقل لك آراء بعض المسلمين أنفسهم في هذا الموضوع. حين نقول أمامهم بوركيني، ويتخيلون مشهد من تلبسه وهي تسبح، ينفرون من الصورة. تقزّزهم الفكرة. كيف تفسرين ذلك؟

- حكمهم هذا مبني على مغالطة وليس على واقع. أؤيدهم لو كان الأمر يتعلق بلباسنا اليومي، <إي أنا كمان برفض وحدة تتسبّح بتيابا>، لكن الأمر هنا مختلف تماما ولا بد من التمييز بين الصورتين. قصدت أحد أهم متاجر الرياضة في البلد وتفحصت البوركيني جيدا، لاسيما وأنني أمارس هواية الغطس. إنه قماش <ليكرا> تماماً كقماش المايوه العادي، رقيق وينشف بسرعة، أي أنه مصنوع من مادة أُعِدّت للسباحة وبنوعية ممتازة، ولا أفهم بالتالي شعور النفور والقرف منه! بدل أن ننفر من النساء اللواتي يلبسنه، فلنفكر أن تقبّل الزبائن على اختلافهن هو دليل على رقيّ صاحب المنتجع...

ثم أردفت:

- سأقول لك أمراً: شعور النفور هذا، الذي تتحدثين عنه، يتعدى مسألة العنصرية الدينية أو الإسلاموفوبيا. هو، برأيي، عنصرية طبقية بحيث يربطون، لأسباب غير منطقية طبعاً، فكرة البوركيني بالمرأة <المش مرتّبة> أو التي تنتمي إلى فئة متدنّية Low class. لدينا، كلبنانيين عموماً، مَيل إلى رؤية الأمور بأبشع سيناريو.

ــ الغريب هو أنك امرأة غير محجّبة وعصرية جداً من حيث الشكل، بالإضافة إلى أن زوجك فرنسي. لمَ يستفزّك، إلى هذا الحدّ، رفض المرأة بالبوركيني في مسابحنا وعلى شواطئنا؟

- بدأ احتجاجي يوم لم تستطع زوجة شقيقي المحجّبة اصطحاب ابنها إلى أحد المنتجعات السياحية، وهي حال كثيرات من المسلمات المحجبات. بأي حق نمنعها من التمتع بالصيف والبحر مع أولادها الذكور، الذين يُرفض دخولهم إلى المسابح المخصصة للنساء بعد سن الخامسة؟ يوم تعاطى أحد الفنادق معها بعنصرية تدخلت للوصول إلى حل من خلال النقاش المنطقي، لكن حين رأيت إلى أي مدى يتعاملون مع المسألة بتعنّت وبكراهية، هدّدتهم بالملاحقة من قبل الشرطة السياحية، وهكذا حصل. يبقى أن القضية هذه تتخطى زوجة اخي، إذ إن هناك آلاف النساء اللواتي يتم إذلالهن من خلال رفض استقبالهن بالبوركيني، مما جعلني أطلق حملة <البحر بساع الكل>، لأن <ممنوع يكون البوركيني ممنوع>! منذ إطلاقي الحملة على منصّات التواصل الاجتماعي وأنا أتلقى رسائل من نساء وجدن سبيلا <ليفشوا خلقن>...

ــ وهل من قاسم مشترك بين كل هذه الرسائل؟ أعني علامَ ركزت النساء في احتجاجهن هذا؟

- ما يرددنه باستمرار هو استغرابهن كيف أنهن يعشن في بلاد أجنبية حيث المسلمون أقليّة، مثل أميركا وهولندا وسويسرا وأوستراليا وسواها من البلدان، ويسبحن في مسابحها بالبوركيني بشكل طبيعي ومن دون نظرات استغراب أو نفور، فيما لا يستطعن القيام بذلك في بلدهن حيث المسلمون أكثرية، فيُعاملن كالفيروس. إحداهن روت لي تقول: <جئت من أميركا لقضاء العطلة في لبنان، فتفاجأت كيف أنه باستطاعتي أن أسبح بالبوركيني في الولايات المتحدة، وفي ظل عهد الرئيس دونالد ترامب الإسلاموفوبي، ولا أستطيع القيام بذلك في لبنان البلد العربي؟!> ثم تابعت تقول: <نزلت في أحد الفنادق، وما إن قصدت مسبحه مرتدية البوركيني حتى لاحقتني نظرات فهمت من خلالها أنه غير مُرحّب بي هنا، فجلست على مسافة من المسبح. لكن بعد قليل اضطُررت إلى الاقتراب من حوض السباحة لأساعد طفلي في الدولاب العوّام. توجّه إليّ أحد المسؤولين وقال لي إنه غير مسموح أن أقترب من <البيسين>، فأجبته: أعرف، لن أسبح فيه بل أساعد طفلي، <وعلى كل حال عاملة كل طعوماتي>. روايتها هذه كسَرَت قلبي. تصوّري أنه عاملها كحيوان! رحت أفكر غاضبة: في أي بلد نحن نعيش؟ كم أُهينت هذه المرأة وكم شعرت بالذل! لم يعد لدينا سوى القطاع السياحي نتكل عليه، وها نحن نضربه بسلوكيات عنصرية!

ــ فرنسا تمنعهن من ارتداء البوركيني وهن يرضخن لقوانينها. لمَ يرضخن هناك ولا يرضخن هنا؟

- يُضحكني من يقول: وهل لبنان أهم من فرنسا؟ <يا عمّي فرنسا موضوع تاني!> فرنسا دولة علمانية تمنع على أرضها أي شكل من أشكال الانتماء الديني في العلن، سواء كان إسلامياً أم مسيحياً أم... هي تمنع ارتداء البوركيني كما تمنع، مثلاً، وضع الصليب حول العنق في الشارع. موقفها من البوركيني ليس من باب العنصرية ضد المسلمين، بل يأتي انسجاماً مع طبيعتها العلمانية، حيث هناك فصل تام ما بين الدين والدولة.

ــ أستاذة روى سؤال يحيّرني: ألا ينزعج زوجك الفرنسي المسيحي من مواقفك هذه؟

- زوجــــي يــــقدّس مبــــدأ الحريــــة الشخصيــــــة أكــــــثر مـــن <هو شو بحب وشو ما بحب>! يسود في عائلتنا مبدأ قبــــول الآخر كيفما أراد أن يكون هذا الآخر. نحن لا <نُنمّطه>، أي لا نُضعه في نمط معيّن. المبدأ نفسه يجب أن يسود البلاد.

ــ والآن، ماذا بعد؟ ما هي خطواتكم التالية؟

- سنتابع في حملة <البحر بساع الكل> وسنتصدى لهذه العنصرية حتى نحصل على حقنا بالكامل. فبالرغم من منح بعض المنتجعات استثناءات تسمح للمرأة بارتداء البوركيني في مسبحها، إلا أننا نصر على المُضي قدماً لأنها قضية عامة وليست خاصة. ما يميز لبنان هو سقف الحرية فيه، <حتى هاي بدّن يسلبونا ييها؟!>.