تفاصيل الخبر

المحافظة على الاستقرار الأمني في لبنان إرادة داخلية ثابتة تستجلب دعماً دولياً وإقليمياً.. لم يتقلص بعد!

19/02/2016
المحافظة على الاستقرار الأمني في لبنان إرادة داخلية  ثابتة تستجلب دعماً دولياً وإقليمياً.. لم يتقلص بعد!

المحافظة على الاستقرار الأمني في لبنان إرادة داخلية ثابتة تستجلب دعماً دولياً وإقليمياً.. لم يتقلص بعد!

 

دوريات-للجيشتتابع الاوساط السياسية والديبلوماسية باهتمام لافت التطورات الأمنية التي يشهدها لبنان منذ أسابيع بالتزامن مع التطورات السياسية التي تصبّ في خانة الجمود الذي اعترى مسار الاستحقاق الرئاسي الذي كان تحرّك بقوة بعد الحديث عن <مبادرة> الرئيس سعد الحريري غير المعلنة رسمياً بعد، بترشيح رئيس تيار <المردة> النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ثم سرعان ما توقفت <المحرّكات> الخاصة بـ<المبادرة> الى حدّ الحديث بقوة عن انتهاء مفاعيلها. وفي حين تُبدي هذه الأوساط قلقاً حيال <الجمود السياسي المتنامي>، لا تبدو قلقة بالقدر نفسه على الوضع الأمني الذي تعتبر أنه لا يزال <ممسوكاً>، سواء لجهة تداعيات الحرب السورية على الأراضي اللبنانية أو لجهة محاولات التنظيمات الإرهابية إرباك الساحة الداخلية عبر اشغال القوى الأمنية عموماً، والجيش اللبناني خصوصاً.

وفيما أبدت الأوساط الديبلوماسية اهتماماً استثنائياً بما أعلنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عن أن الغطاء الدولي والإقليمي الذي حمى لبنان لسنوات بدأ يتراجع، تساءلت في الوقت نفسه عن المعطيات التي أملت على وزير الداخلية، وهو المسؤول الأمني الأول في البلاد، الإدلاء بهذا الموقف، لاسيما وأن التقارير المتتالية للأجهزة الأمنية المتنوعة التي ترصد الوضع العام في البلاد، تشير الى أن لا تبدّل أساسياً في المشهد الأمني في لبنان عموماً، وأن الأحداث الأمنية المحدودة التي وقعت خلال الأسابيع الماضية لا يمكن اعتبارها <نكسات> أمنية خطيرة، بل مجرّد <حوادث> يمكن تطويق مضاعفاتها إذا ما استُثنيت جريمة التفجير في برج البراجنة خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وفي هذا السياق، نُقل عن ديبلوماسي أوروبي رفيع قوله إن اللقاءات الدورية التي يعقدها مع مسؤولين أمنيين تارة في حضور عسكريين ينتمون الى هذه الدولة الأوروبية، وتارة من دونهم، والشروحات التي يسمعها مرفقة بأرقام ووثائق وصور وخرائط، تجعله <يرتاح> الى عدم قدرة المصطادين في الماء العكر على تحقيق مأربهم في استهداف الاستقرار الأمني في لبنان، وإن كان ذلك لا يعني أن المحاولات ستتوقف، بل بالعكس، ستتكرر من دون نتيجة. وبالتالي فإن ما يجري خارج لبنان من مواجهات عسكرية وسياسية، قديمة ومستجدة، لن يؤثر مباشرة على الوضع الامني <المستقر>، طالما أن الجهات اللبنانية المعنية ملتزمة بعدم تسهيل اندلاع اي فتنة أو مواجهة.

 

تعطيل <الصواعق> على خطين

وفي هذا السياق، يقول مصدر أمني رفيع لـ<الأفكار> إن <صواعق> التفجير موجودة حالياً وبكثافة على الحدود اللبنانية - السورية، لاسيما في مواقع المواجهة بين الجيش اللبناني والتنظيمات الإرهابية، في وقت تحاول فيه <الخلايا النائمة> في الداخل اللبناني التحرّك لإرباك الجيش والقوى الأمنية من جهة، ولزرع الشقاق في الساحة اللبنانية الداخلية من جهة أخرى. إلا ان هذه المحاولات - يضيف المصدر نفسه - أمكن تفشيلها عبر خطين:

الأول خط تعزيز <الجبهة> في منطقة عرسال وامتدادها البقاعي خلافاً لما كان الوضع عليه قبل أحداث 2 آب/ أغسطس 2014 بحيث باتت مواقع الجيش مرتبطة بعضها مع البعض الآخر عسكرياً ولوجستياً وعبر الاتصالات، إضافة الى الغطاء الاستطلاعي المستمر على مدار الساعة، بواسطة طائرات الاستطلاع والمراقبة التي تُدار الكترونياً ومن دون طيار. وهذا الواقع جعل <الجبهة> موضع مراقبة متواصلة عبر نقل مباشر وحي الى غرفة العمليات في قيادة الجيش ما يسهّل المتابعة واتخاذ القرار وتنفيذه. كذلك فإن وجود أكثر من خمسة آلاف عسكري في المناطق البقاعية المتاخمة للحدود يعزز من قدرة الجيش على الصمود والتصدي.

أما الخط الثاني فيتصل بالعمليات الاستباقية التي نفذتها القوى الأمنية، لاسيما مديرية المخابرات في القبض على أفراد خلايا إرهابية كانت حتى الأمس القريب نائمة، وثمة من يعمل على توظيفها في ضرب الاستقرار. ويورد المصدر إحصاء يظهر أن عدد الموقوفين في أقل من سنة فاق الألفي شخص بقي نصفهم على الأقل قيد التوقيف بعدما اتضح أن لهم علاقات مع تنظيمات إرهابية أو أصولية، ونصفهم على الأقل أُحيل على القضاء لمتابعة التحقيقات القضائية معهم. ويؤكد المصدر أن القدرة الحراكية لهؤلاء لم تعد كما كانت في السابق، لأن السرعة في كشف هذه الخلايا وامتداداتها داخل لبنان وخارجه، كانت كفيلة في <تفكيك> شبكات إرهابية عدة. ويشير المصدر الى التعاون القائم مع أجهزة الاستخبارات في عدد من الدول الشقيقة والصديقة، لاسيما الدول الأوروبية والأميركية، والذي ترك أثراً إيجابياً على عمل الأجهزة الأمنية من جهة، وعلى صدقيتها من جهة أخرى وحجم الاحترام الذي تنعم به في الخارج. وقد لمس قائد الجيش العماد جان قهوجي تقدير الخارج للجيش لاسيما خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

إلا أن المصدر الأمني الرفيع نفسه، لا يُسقط من حساباته إمكانية حصول اختراقات من حين الى آخر، لاسيما من الانتحاريين الذين تدفعهم التنظيمات الإرهابية وتدفع لهم لتنفيذ عمليات انتحارية ينجحون حيناً في تحقيقها ويفشلون في كثير من الأحيان ويقعون تحت قبضة القوى الأمنية التي تؤثر عدم الإعلان عنهم وعن مخططاتهم منعاً لحصول ذعر على مستوى البلاد. إلا أن جلسات محاكمة بعض هؤلاء تكشف اليوم ما كان يخطط له بالأمس هؤلاء الإرهابيين، وكانت الأجهزة الأمنية على علم به. ويدعو المصدر المشككين الى إجراء جردة بعدد الجرائم التي نُفذت في السابق، وتلك التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، ليظهر الفارق جلياً بين مرحلة ما قبل ملاحقة الخلايا الإرهابية وكشفها واعتقال أفرادها، ومرحلة ما بعد ذلك، الأمر الذي يؤكد على أن إنجازات أمنية لافتة تحققت في هذا المجال.

لا مواجهات في الداخل.. فلمَ التهويل؟

 

وتُبدي المصادر الديبلوماسية ارتياحها بأن المواجهات في الداخل لن تقع بين أطراف لبنانيين يختلفون سياسياً، لأن ما من أحد من هؤلاء الأطراف في وارد المضي في أي مواجهة داخلية، لاسيما وأنه يعرف أن ثمنها سيكون كبيراً عليه وعلى خصومه في آن، وما التصميم على الاستمرار في الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار <المستقبل> إلا الدليل على ذلك، لأنه مهما ارتفعت الأصوات وقست المواقف فإنها ستبقى تحت سقف الاستقرار الأمني، ما يؤكد ما أشارت إليه المصادر نفسها من أن لا معطيات تشير الى أن الساحة اللبنانية ستنزلق نحو التوتر الأمني، وبالتالي فإن الغطاء الإقليمي والدولي سيبقى قائماً لأن الإرادة اللبنانية الداخلية لن تبدّل خياراتها ولن يجد الخارج - أو بعضه - أي رغبة محلية <يستثمرها> المتضررون من الاستقرار لإسقاطه لبنانياً. صحيح أن ثمة مرجعيات دولية تُبدي أسفاً لمواقف السياسيين اللبنانيين الذين فشلوا في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا أن هذه المرجعيات تلتقي على التنويه بإجماع السياسيين أنفسهم على عدم المساهمة في أي محاولة تستهدف زعزعة الاستقرار وإعادة مناخ الفوضى العارمة الى البلاد.

وتتساءل الأوساط المتابعة عن مغزى <الترويج> لانتكاسات أمنية حيناً، والتصعيد أحياناً، والقول بتقلص <المظلة الدولية والاقليمية> أو تراجع مفاعيلها، لاسيما وان مثل هذه المواقف تؤذي لبنان بصرف النظر عن الجهة أو الجهات الصادرة عنها. وتدرج الأوساط نفسها هذا <المناخ> السلبي تحت خانة <التهويل> الذي لا يعبّر عن مخاوف جديدة بقدر ما يوظف في خانة <الاستثمار السياسي> للمستجدات الراهنة، خصوصاً أن نجاح لبنان في تعطيل الألغام الأمنية التي زُرعت سواء في طرابلس أو في عبرا ثم في عرسال وجرودها، وتهاوي الخلايا الإرهابية ورموزها، والحد من قدرتها على التحرّك أمنياً، وإفشال الكثير من المخططات الإرهابية، أعاد الاهتمام الدولي والإقليمي بلبنان من زاوية المحافظة على استقراره وأمنه وتفعيل التنسيق بين الأجهزة الأمنية الدولية والإقليمية مع الأجهزة اللبنانية، ما جعل الإنجازات في الحقل الأمني كثيرة ومؤثرة. غير أن الأوساط نفسها لا تلغي فرضية تغير <أهداف> الإرهابيين وأسلوب ترويع الساحة اللبنانية لاسيما وأنهم يسعون للانتقام عندما تسمح لهم الظروف بذلك، ما يستدعي استمرار <العين الساهرة> من جهة، ووعي اللبنانيين من جهة ثانية، وعدم الأخذ بالشائعات و<حفلات> التهويل على أنواعها!

عين على الوضع في حلب

وفي هذا السياق، تندرج <الشائعات> التي تكررت الأسبوع الماضي عن احتمال قيام <داعش> باختراق جبهة عرسال وفتح ممر ضيق عبر جبال اكروم وصولاً الى وادي خالد. إلا أن مراجع أمنية استبعدت لـ<الأفكار> احتمالاً كهذا لأن الحصار المضروب على المجموعات الإرهابية في جرود عرسال، بدأ يعطي مفاعيله بدليل الصراع المفتوح بين <داعش> و<النصرة> على المؤن الغذائية والمحروقات ومياه الشرب. وأضافت المراجع نفسها ان تدهور الأوضاع العسكرية وتبادل الأسر وإعدام <النصرة> أسيرين من <داعش>  جعل الأمور تصل الى نقطة حرجة. لكن - تضيف المراجع الأمنية - لا يجب أن يغيب عن بال أحد أن احتمال سقوط مدينة حلب وباقي ريف حلب الشمالي بيد الجيش السوري وحلفائه في الأسابيع المقبلة سوف يُدخل واقعاً جديداً ليس في سوريا وحسب بل في كل دول الجوار، ولن يكون مستغرباً بعد ذلك أن يزداد الضغط الأمني عبر الساحة اللبنانية.

وتسجل مصادر ديبلوماسية عربية وأجنبية للأجهزة اللبنانية تعاوناً غير مسبوق في ملاحقة الشبكات والخلايا الإرهابية في أكثر من منطقة، ومثل هذا التعاون الفريد <يحمي> لبنان من الخطر الإرهابي او على الأقل يقلل هذا الخطر، بدليل يقظة الأجهزة الأمنية في ملاحقة الخلايا النائمة وتلك التي تحاول ارتكاب تفجيرات أو جرائم مماثلة. وكان آخر إنجاز سُجل - ولن يكون الأخير حتماً - إحباط الجيش محاولة تسلل لمجموعة من <داعش> قبل أيام وقتل جميع أفرادها وأسرهم، ما يشكل دليلاً على حجم خطر تلك الجماعات على البلدات البقاعية وعلى الجيش.