زيارة وزير الخارجية جبران باسيل للقاهرة لحضور اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في دورته العادية الثانية والأربعين بعد المئة بحضور وزراء خارجية الدول العربية وممثلين عن الاتحاد الأوربي وممثلين عن وكالة غوث ومفوضية اللاجئين <الاونروا> ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس البرلمان العربي... جاءت بمنزلة رسالة إلى العالم العربي أن لبنان هو رأس الحربة التي تحارب الإرهاب اليوم وإذا تخاذل العرب والعالم عن مساعدته سيتذوق الجميع المرارة ويتجرعون الم التطرف والإرهاب لأن الإرهاب ببساطة أمام كل الحدود والأبواب ليس له وطن بعينه ولا ينتمي إلى أمة دون غيرها.
وناقش وزير الخارجية اللبناني مع بعض وزراء الخارجية العرب الجهود التي يبذلها لبنان لمكافحة الإرهاب والإرهابيين لاسيما تنظيم <داعش> حيث دعا باسيل إلى أن يكون عنوان هذه الدورة هو إعلان الحرب على <داعش>، وشدد باسيل على أن الدول التي كانت تساعد <داعش> مادياً وتدعمها سياسياً لا بد أن تراجع مواقفها لأن أيادي <داعش> ستطاول أصحابها اليوم أو غداً لا محالة.
وانتقد الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أسلوب تعامل <الجامعة> مع ما وصفه بـ<الأزمات المتفاقمة في المنطقة العربية>، قائلاً: <لسنا قادرين على التعامل مع هذه الأزمات، ولا نعمل بكفاءة كافية لمواجهة مشاكلنا، بسبب عدم التزام الدول الأعضاء بالتوصيات التي نخرج بها في كل اجتماع>.
وقال العربي في كلمته التي ألقاها في الاجتماع: <العالم العربي اليوم عند مفترق طرق، ويمر بتحديات غير مسبوقة، هي الأصعب من نوعها منذ نشأة الجامعة، وكل هذا يستدعي وقفة جادة ومخلصة منا، واتخاذ قرارات شجاعة>.
وتابع: <ما يشهده العالم العربي اليوم من تحديات تهدد فكرة الوجود ذاته، بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وانتشار التنظيمات المسلحة في عدد من الدول، بالإضافة إلى التهديد بتفكك الدولة، وانهيارها>.
العربي وسوريا
وأعرب نبيل العربي عن عدم رضائه عن تدهور الأوضاع في سوريا، قائلاً: سوريا أصبحت اليوم تمثل أكبر كارثة إنسانية في العالم كله، وللأسف الخطوات التي تتخذها جامعة الدول العربية دائماً ما تأتي متأخرة، ولا تتناسب مع خطوة الأوضاع هناك.
ودعا خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع إلى تبني قرار واضح وحاسم لمواجهة شاملة عسكرية وسياسية للإرهاب المتمثل خاصة في تنظيم <الدولة الإسلامية>، مطالباً بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
وأكد أن المطلوب، هو اتخاذ قرار واضح وحاسم بمواجهة شاملة: عسكرياً وسياسياً وفكرياً واقتصادياً، متابعاً عسكرياً بالاستناد إلى اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وسياسياً بمساعدة الدول الأعضاء على إرساء حكم القانون وتقوية مؤسسات الدولة، وفكرياً وثقافياً باستئصال جذور التطرف من مناهجنا وإعلامنا، واقتصادياً بمواجهة المشكلات المزمنة في المجالات الإستراتيجية كالطاقة والأمن المائي والغذائي ومعالجة البطالة المتفشية>.
واعتبر أن التحديات التي تواجهها الدول العربية اليوم هي بحق غير مسبوقة وهي تتعلق بالوجود ذاته: ابتداءً من الضغوط الداخلية الناجمة عن أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة، وتقلص قدرة مؤسسات الدولة على القيام بمهامها، بما يترتب عليه من أزمات حكم وثورات شعبية وتدخلات أجنبية، مروراً بانتشار التنظيمات المسلحة ذات الأفكار الممعنة في التطرف، وانتهاء بالتهديدات لوحدة الدولة أو حتى لوجودها ككيان سياسي واقتصادي واجتماعي.
وأعرب العربي عن الأسف لعدم تمكين الجامعة العربية من القيام بدورها في أزمات الدول الأعضاء فيها مؤكداً أنه في حين تتحرج بعض الدول من السماح للجامعة بالتدخل في أزماتها الداخلية، يُفتح الباب على مصراعيه لتدخل القوى الأجنبية فيها، بما في ذلك من خلال استخدام القوة المسلحة.
وشدد العربي بأن ميثاق الجامعة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي، وهذا المجلس بآلياته وأجهزته ولجانه الوزارية المختلفة، توفر للجامعة العربية إطاراً قانونياً وسياسياً يسمح للجامعة بالقيام بكل المهام اللازمة لمساعدة أي دولة عربية على مواجهة التهديدات الموجهة لأمنها وسلامتها ووحدة أراضيها، بما في ذلك الوساطة، ونشر المراقبين، وإنشاء بعثات حفظ السلام وبناء السلام، بل والتدخل العسكري المسلح إن لزم الأمر.
ممنوع على أبو مازن
وفي ما يتعلق بالأوضاع في العراق، قال العربي: <التنظيمات المسلحة هناك أصبحت لا تهدد سلطة الدولة فقط، بل تهدد وجودها، وهو ما يتطلب تعاون جامعة الدول العربية مع الحكومة هناك، للقضاء على هذه التنظيمات>.
أما بالنسبة للوضع في ليبيا، فقال: <ما يحدث هناك يتطلب وقفة جادة من الجامعة، وإطلاق مبادرة بالتعاون مع الحكومة، لوقف انهيار الدولة، والقضاء على الجماعات المسلحة>.
وجدد الأمين العام لجامعة الدول العربية إشادته بموقف مصر من الأزمة الأخيرة في قطاع غزة، مضيفاً: فلسطين مازالت القضية المحورية والمركزية بالنسبة لنا، ولابد من العمل على إنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن.
فيما تم قطع كلمة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في بدايتها خاصة بعدما بدا يصف حماس بالانقلابيين وأنهم يفتعلون المشاكل والخلافات على عكس ما اتفق عليه في اجتماعاتهما بالمملكة العربية السعودية. وتوقف أبو مازن عن الكلام بعد توجيه ملاحظة له بأن الجلسة ستتحول للمغلقة وان (يسكر الكلام) وتم طلب إخلاء القاعة من الصحافيين. وطالب أبو مازن وزراء خارجية العرب بدعم فلسطين ومطالبة إسرائيل بالإطلاق الفوري لكافة المعتقلين وتقديم المساعدات كافة لإعادة إعمار غزة.
واتفق وزراء الخارجية العرب على اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية <داعش> والتعاون مع كل الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمحاربة الجماعات المتشددة.
وأيّد الوزراء في البيان الختامي لاجتماعهم في القاهرة، قرار مجلس الأمن الدولي الصادر الشهر الماضي والذي يطالب الدول الأعضاء بالتحرك لوقف تدفق الدعم اللوجستي والعسكري والمالي للمتطرفين في العراق وسورية.
ونص القرار كذلك على ضرورة <تجفيف منابع الإرهاب> ومعالجة الأسباب والظروف التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة.
ولم يشر القرار إلى التحالف الذي دعا الرئيس الأميركي <باراك اوباما> إلى تشكيله من أجل مكافحة تنظيم <الدولة الإسلامية> في حين كان هناك مشروع قرار أولي يتحدث، وفق مصدر مسؤول في الجامعة العربية عن <تنسيق مع الولايات المتحدة> لمواجهة <الدولة الإسلامية>.
ولكن نبيل العربي قال ان التعاون الدولي منصوص عليه في القرار مضيفاً التعاون الدولي في جميع المجالات.
ولم يتضمن القرار أي تفاصيل كذلك عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها في هذا السياق.
واعتبر العربي أن هذا القرار <مهم> لأنه <قرار بالتصدي والمواجهة> للإرهاب.
الوزير باسيل في القاهرة
وتوجه الوزير جبران باسيل إلى مشيخة الأزهر للقاء الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي كان في انتظار الوزير ليتباحثا قرابة الساعة حول عدد من القضايا لعل من أهمها دعم الأزهر كونه اكبر كيان إسلامي في العالم ووقوفه جنبا إلى جنب مع كافة الطوائف الإسلامية والمسيحية من أجل مواجهة الجماعات والكيانات المتطرفة التي تدعي الإسلام وتتشدق به، وقد اتفق باسيل مع شيخ الأزهر على عدة نقاط لعل من أهمها وجوب وجود حوار ديني يجمع الأديان كافة تحت سقف الأزهر وبرعايته للوقوف في وجه <داعش> وان يتركز هذا الحوار على تبادل وجهات النظر السنية والشيعية والمسيحية أرثوذوكسية وكاثوليكية للوصول إلى صيغة توافقية تظهر الوسطية والسماحة في أديان الله على الأرض كافة، ووعد باسيل شيخ الأزهر بأن تكون هناك لقاءت عدة قريبة في القاهرة بينهما، وزيارة أخرى لمفتي الجمهورية الذي اصدر منذ أيام قليلة فتوى مفادها أن تنظيم <داعش> تنظيم غير إسلامي محرم شرعاً الانضمام إليه أو اتباعه. وقال باسيل: <نواجه خطراً وجودياً يهدد قيمنا الإنسانية. ونحن كمسيحيين ومسلمين بتنوعنا وتعددنا معنيين فيه جميعاً. وهذا هو المكان الأنسب للبحث الفكري العميق في كيفية مواجهة خطر <داعش>. بحثنا في الكثير من الآليــــات والأفكار لإعــــلاء صوت الحق والخير على صوت الشر المتمثل بالجماعات الإرهابية والتكفيرية وعلى رأســــــها <داعــــــش>. العــــالم العربي بدوله وحدوده وإنسانه مهدد بالزوال أمام الحرب التي تشنها <داعش>
، والرد يكون بحرب عربية جامعة على هذا التنظيم.>
وتابع: منطلقات الحل دينية فكرية بدرجة أولى وترجمتها مالية، أمنية، عسكرية. وجود <داعش> لم يأت من العدم. هناك فكر تكفيري غطّي بالمال والسلاح وفي مراحل عدة دعم بالسياسة. وحان الأوان ليتحمل الجميع مسؤولياتهم. الحل يكون بحرب شاملة فكرية، دينية، سياسية، دبلوماسية، إعلامية، مالية، أمنية وعسكرية تشارك فيها كل الدول العربية من دون استثناء، فما يحدث في ليبيا يؤثر في لبنان وما يحصل في لبنان تتأثر به مصر.
وقال باسيل: <لبنان هو أرض الحوار والتعايش بين الأديان، لذلك فإنّ دوره أساسي وفعال بين الأزهر والمراجع الشيعية والكنيسة وكل الأديان التي يجمعها الخير بمواجهة <داعش>، لبنان رأس حربة، ونحن ندفع الثمن ونقدم شهداء من المواطنين والجيش اللبناني، ولبنان بحاجة لمساعدة لمواجهة <داعش>، واليوم لجأنا إلى شيخ الأزهر لأنّ دعمه لنا أساسي وكبير ونحن نعول عليه>.
وبذلك ضرب باسيل عصفورين بحجر واحد من زيارته القاهرة.