[caption id="attachment_83809" align="alignleft" width="423"] مجلس الدفاع الأعلى خلال اجتماعه في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون.[/caption]
الاجتماع الذي عقده مجلس الدفاع الأعلى الاسبوع الماضي في قصر بعبدا لم يكن كغيره من الاجتماعات الذي يعقدها المجلس دورياً وكلما دعت الحاجة بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. صحيح ان المواضيع التي ادرجت على جدول اعماله مماثلة لتلك التي كانت تدرج دائماً مثل الاجراءات الامنية وتقييم التعبئة العامة لمواجهة داء "كورونا" وغيرها من المواضيع، لكن الصحيح ايضاً ان الاجتماع تميز بعاملين اثنين: الاول دعوة رئيس الجمهورية الى الوزراء المشاركين فيه ومن خلالهم الى غير المشاركين، الى تكثيف العمل لتلبية حاجات المواطنين والاستحقاقات الطارئة وان اقتضى الامر توسيع مفهوم تصريف الاعمال في حكومة مستقيلة ولو قليلاً. اما العامل الثاني صدور قرارات تنفيذية والطلب الى الادارات تطبيق اجراءات في مواضيع محددة وغير ذلك من المسائل التي اعتبرت جديدة في عمل المجلس... وقد اثارت ما صدر عن مجلس الدفاع الاعلى ردود فعل لاسيما من خلال ربط ما صدر عنه ومن كلام الرئيس عون، بالتأخير الحاصل في تشكيل الحكومة على نحو فهم منه وكأنه "تعويم" لحصرية الرئيس حسان دياب المستقيلة منذ اشهر... وترافقت ردود الفعل التي صدرت مع مواقف تعتبر ان رئيس الجمهورية "تجاوز" صلاحياته وهو يسعى الى "تعويم" الحكومة المستقيلة في سابقة اعتبرها بعض المنتقدين بأنها "خطيرة " وهي راوحت بين "تجاوز الدستور" و"التخلي عن الحكومة تأليفاً وتصريفاً لمصلحة مجلس رئاسي...
وتوالت ردود الفعل لكن ابرزها ما صدر عن رئيس حكومة سابق فضل عدم ذكر اسمه رأى في كلام الرئيس عون "محاولة مكشوفة للالتفاف على الضغوط الدولية المطالبة بالاسراع في تشكيل الحكومة، خصوصاً ان تصريف الاعمال كما هو متعارف عليه يبقى في حدود ضيقـــة". وذهب رئيس الحكومة النائب نفسه الى حد اتهام رئيس الجمهورية بأنه يتصرف كأنه "يرأس مجلس قيادة الثورة"، رافضاً التقيد بأصول الدستور"، وانه يخطط من خلال دعوته الى التوسع قليلاً في تصريف الاعمال لنقل الصلاحيات المناطة بالسلطة الاجرائية الى مجلس الدفاع الاعلى الذي لا يتمتع بصفة تقريرية، ويبقى دوره محصوراً في اصدار التوصيات، ورفعها الى مجلس الوزراء الذي يحق له وحده النظر فيها، واتخاذ القرارت المناسبة.
واكد ان دعوة الرئيس عون لن تمر مرور الكرام، وسيترتب على موقفه تداعيات سياسية يفترض ان تتفاعل، على خلفية انها مخالفة للدستور، وتجعل منه الحاكم بأمره، وتتيح له التفرد باتخاذ القرارات التي يتجاوز فيها الصلاحيات المناطة بالنظام الرئاسي، وكشف ان رؤساء الحكومة السابقين بدأوا مشاوراتهم مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري تمهيداً للرد على مخالفته للدستور.
وذهب مصدر في المعارضة الى اتهام الرئيس عون بأنه يتحضر للانقلاب على اتفاق الطائف، وعزا السبب الى انه كان اول من اعلن رفضه له، بذريعة انه شكل الغطاء الدولي والاقليمي لاخراجه من قصر بعبدا، واضطراره للانتقال الى مقر السفارة الفرنسية، ومنها غادر الى باريس. ورأى ان خلو ورقة التفاهم التي وقعها مع الامين العام لـــ "حزب الله" حسن نصر الله في فبراير ( شباط ) 2006 من اي اشارة لــ "الطائف" لم يكن من باب المصادفة، وانما جاء عن سابق تصور وتصميم!.
وقال معارضون آخرون ان رئيس الجمهورية يسعى الى تفعيل الحكومة المستقيلة في خطوة لا بد منها لتفعيلها افساحاً في المجال امام عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، والا لماذا بادر الى تخطيه للدور المرسوم للمجلس الاعلى للدفاع من خلال اصراره على اصدار قرارات تشكل سابقة من غير الجائز عدم التوقف امامها...
اكثر من ذلك، قال آخرون ان الرئيس عون اجاز لنفسه تكليف الامانة العامة لمجلس الوزراء استكمال ملف اعداد مشروع قانون لشركة مرفأ بيروت من اجل عرضه على مجلس الوزراء فور جهوزيته، مع انه يعرف جيداً انه من اختصاص مجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي لا علاقة لمجلس الدفاع الاعلى به، مع ان الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية ليس عضواً فيه.
وسأل ايضاً كيف اجاز عون لنفسه ان يطلب من وزير المالية غازي وزني تسهيل اعداد مشروع لتأمين مبلغ بقيمة 150 مليار ليرة يخصص لمساعدة المتضررين من انفجار المرفأ لترميم منازلهم، رغم انه يدرك جيداً انه لا يستطيع تجاوز مجلس الوزراء، وايضاً المجلس النيابي للحصول على موافقته على اي انفاق مالي من خارج الموازنة؟. وعد المصدر نفسه ان عون يتحضر لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد مع ان دياب، وان كان لا يبدي حماسة في العلن لانعقاده، فاجأ الوسط السياسي بما قاله في مقابلته المتلفزة التي لم يسبق ان اطل بها على اللبنانيين طوال الفترة التي امضاها على رأس الحكومة قبل ان يضطر لتقديم استقالته.
وأكد ان دعوة عون لتوسيع نطاق تصريف الاعمال جاءت استجابة لفريقه الاستشاري، ولم تكن بمثابة هفوة او كناية عن خطوة لم تكن مدروسة، بل اقدم عليها رغبة منه في جس نبض القوى المعارضة له، لعله يدفع باتجاه اعادة خلط الاوراق لجهة احراج القوى المسيحية المناوئة له بذريعة انهم يقفون سداً منيعاً ضد استرداد، رئيس الجمهورية لصلاحياته.
مصادر رئاسية ترد
هذا الكلام ومثله كثير، ترد عليه مصادر رئاسة الجمهورية باستغراب صدوره عن رئيس حكومة سابق يعرف بالاصول والقواعد والقوانين وسبق ان مارسها هذا "الرئيس" خلال ترؤسه حكومة صرفت مثل غيرها الاعمال على فترة طويلة، ومنهم من عقد جلستين لمجلس الوزراء بعد استقالة الحكومة وفسر ذلك في حينه انه "تعويم موقت" لتلك الحكومة. وتضيف هذه المصادر ان الرئيس عون الملتزم تطبيق الدستور بحرفيته لم يتجاوزه مطلقاً في ما تقرر خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع لأن المواضيع التي اثيرت تدخل في اختصاص المجلس في زمن التعبئة العامة الذي يخضع لها لبنان منذ بروز جائحة كورونا والقرارات او الطلبات التي اقرها المجلس تندرج ايضاً في سياق تصريف الاعمال ولا يمكن بالمطلق اعتبارها تجاوزاً لاسيما وان البلاد لا تزال من دون حكومة جديدة ولا بد من الاهتمام بشؤون الناس ومطالبهم وحاجاتهم في ظل التطورات المتسارعة في مجالات عدة.
واعتبرت المصادر ان الذين يقفون وراء ترويج مثل هذه المعلومات هدفهم "تحريض" اللبنانيين على ما تبقى من هيبة للمؤسسات الرسمية ولاسيما منها الحكومة ولو كانت مستقيلة لأنها تعتبر دستورياً حكومة قائمة طالما لم تصدر مراسيم بتشكيل الحكومة العتيدة. وفي تقدير هذه المصادر ان الرئيس عون ليس في وارد المساس باتفاق الطائف او افراغه من مضمونه لمصلحة الاعراف، كما هو لا يرغب مطلقاً بــ "انتهاك" صلاحيات رئيس الحكومة، ولو كان مستقيلاً، خصوصاً انه يتفاهم معه على كل التفاصيل بما في ذلك تلك القرارات التي صدرت عن المجلس الاعلى للدفاع التي اتخذت في ظل حالة التعبئة العامة ومن اجل تسهيل امور المواطنين وحاجاتهم. ونفت هذه المصادر ما قيل عن "مجلس رئاسي" ظهرت بوادره في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع وتكون ممارساته "استيلاء" على صلاحيات الحكومة والوزارات والادارات، فضلاً عن عدم وجود رغبة لدى الرئيس عون باستعادة النظام الرئاسي على حساب اتفاق الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة وصولاً الى فرض ما يشبه الحكم العسكري. وبالتالي لا علاقة بين كلام الرئيس عون والحديث المتنامي عن الاغتيالات والتوترات الامنية التي بقيت من دون دلائل او معلومات، تمهيداً لفرض مزيد من القمع واستخدام القضاء في تصفية الحسابات السياسية مع معارضي العهد وتحويل بعض الملفات الى "غب الطلب".
وتقول المصادر الرئاسية، ان ثمة من يدعو الى حضور الدولة والعمل على مشاكل المواطنين وتوفير حاجاتهم، وعندما تتخذ اجراءات لاجل تحقيق ذلك، ترتفع الاصوات المعترضة والمدعية ان الهدف من ذلك هو "تعويم" الحكومة، ما يخلق لدى المسؤولين حيرة في التعاطي مع هذه التطورات، سواء اذا اقدمت الدولة او تراجعت فهي في الحالتين موضع اتهام وتشكيك وطروحات سلبية الخ.... وطمأنت المصادر الرئاسية "الغيارى" على صلاحيات الحكومة ورئيسها، بأن الرئيس عون ليس في وارد التعدي على صلاحيات احد، لكنه لن يتوانى عن اتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع انهيار الادارات والمؤسسات وتقاعسها عن خدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم خصوصاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان وهو متفاهم مع الرئيس دياب على "حدود" العمل الحكومي في هذه المرحلة بحيث "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"... ورفضت المصادر اعتبار "المناخ" الذي ساد المجلس الاعلى للدفاع وقراراته بأنه موجه ضد الرئيس سعد الحريري رداً على مواقفه حيال توزيع الوزارات واسماء الوزراء وغيرها من المواقف... ذلك ان ما يريد الرئيس عون قوله للحريري في مجال التشكيل يقوله له مباشرة - وقد فعل ذلك مراراً - وليس في وارد توجيه رسائل اليه من منصات الحكومة او المجلس الاعلى للدفاع!.