تفاصيل الخبر

المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في رحاب رمضان: الإسلام ديـــــن الرحمـــــة وكــل مــا يجــــري مــن قـتــــل وتكـفـيــــر لا يمت الـى الـديــــن الحنيــــف بصلــــة!

09/06/2017
المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في رحاب رمضان: الإسلام ديـــــن الرحمـــــة وكــل مــا يجــــري مــن قـتــــل  وتكـفـيــــر لا يمت الـى الـديــــن الحنيــــف بصلــــة!

المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في رحاب رمضان: الإسلام ديـــــن الرحمـــــة وكــل مــا يجــــري مــن قـتــــل وتكـفـيــــر لا يمت الـى الـديــــن الحنيــــف بصلــــة!

بقلم حسين حمية

1--A

يمرّ شهر رمضان المبارك وحال الأمة الإسلامية لا يبشر بالفرج القريب مع استمرار التقاتل والانقسام السائدين بين الدول الإسلامية، لاسيما العربية منها وتعميق الشرخ القائم دون أن يلوح بصيص أمل يقرّب انفراج الأزمة الناشبة في عدد من الدول العربية التي تشهد أفظع مظاهر الاقتتال والحروب والتهجير والتكفير، وسط تخوّف من تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية وإثنية، في وقت أحوج ما تكون الأمة الى كلمة سواء فيما بين شعوبها ودولها. فماذا يقول أهل العلم والعلماء؟ وكيف يقاربون شهر رمضان المبارك ومعانيه؟

<الأفكار> التقت المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في دار الإفتاء الجعفري قرب مستديرة المطار وحاورته في هذا الخضم، بالإضافة الى شؤون وشجون الوضع الداخلي بدءاً من السؤال:

ــ كيف تلخص لنا سماحة المفتي معاني رمضان المبارك وآثاره الإصلاحية على الفرد والمجتمع؟

-  بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. بداية، أهلاً بكم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أيام هذا الشهر، شهر الرحمة والكرامة والعزة والتواصل، مباركة على كل إنسان في هذا العالم. فمعاني شهر رمضان عظيمة، وللصوم قيمة جوهرية عند مختلف الأديان والرسالات كما ذكر القرآن الكريم، حتى أن الله فرض الصوم على كل الملل السابقة، كذلك الثقافات غير الدينية اعتمدت الصوم في بعض الحالات، وبالتالي فللصوم قيمة دينية وروحية وإصلاحية، وكل العبادات للإنسان إلا الصوم، فهو لله لقوله تعالى <الصوم لي وأنا أجزي عليه>، فالله سبحانه وتعالى فرض الصوم على الإنسان، لا ليمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات فحسب، بل لكونه عملية إصلاحية جوهرية تبدأ بنفس الإنسان وتنتهي بإصلاح الأمّة.

وأضاف:

-  طبعاً، يتميز الصوم عن كثير من العبادات التي فرضها الله على الإنسان، وقد تكون فردية في معناها الأولي. والله عندما فرض الصلاة وهي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، كان الهدف منها إصلاح الفرد في مختلف النواحي، تماماً كما حال الصوم، وهو عبادة فردية يلتزمها الإنسان الفرد بالإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات. وليس كل من أمسك فهو صائم، لأن الصوم ليس صوم البطون، بل صوم النفس عن ملذات الدنيا، ففي حديث المعراج قال النبي الأكرم(ص): <يا رب وما ميراث الصوم، قال: الصوم يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر>. إذن المقصود أن يتغير الانسان عند صومه ويعمل من خلاله على إصلاح نفسه وأسرته وعشيرته ومجتمعه، حتى إصلاح الوطن، فالصوم ضرورة وفرض لازم، وبهذا المعنى يجب أن نفهمه ونعيشه، وليس بالإمساك عن الطعام والشراب طوال 30 يوماً فحسب.

للأسف الشديد، نرى الملايين من البشر يصومون، ولا يعرفون المعنى الجوهري للصيام، الذي هو صوم اللسان والعين والجوارح عن معصية الله، وعملية تهذيب للنفس وتطهير للقلوب، فإذا لم يتم هذا المعنى فلا صيام للإنسان. لذلك، إن أهمية وفضيلة الصوم أن يتعلم الإنسان بصيامه كيف يصلح روحه ونفسه ونمط تفكيره وسلوكه.

الاعتصام بحبل الله والاختلافات

 

ــ قال الله تعالى <واعتصموا بحبل الله ولا تفرّقوا>، لكن أين اعتصام المسلمين ووحدتهم وهم الذين يكفّرون بعضهم البعض ويعيشون التقاتل لا بل القتل لبعضهم، ويسود الارهاب والتطرف في المجتمعات الإسلامية. أين علماء الأمة وألا يفترض أن يرفعوا الصوت عالياً؟

-  لسوء الحظ، لدينا التطرف والانحرافات الدينية والفكر الارهابي والبطالة والفقر والمخدرات والجرائم وكل أنواع السوء المنتشرة في عالمنا الإسلامي. وهناك مليار ونصف مليار مسلم و70 بالمئة منهم جائعون، ليس لأن الله فرض ذلك، بل بالعكس، فالإسلام فرض على من يتصدى لرعاية الناس إطعام الناس، وكل سلطة تستمد شرعيتها من تأمين الضمانات والكفالات والخدمات للإنسان، وإذا انتفت هذه الضمانات الإنسانية انتفت شرعية أي سلطة. هذا أولاً، وثانياً على الصعيد العام، إننا نسأل المرجعيات الدينية أين الرقابة على المدارس الإسلامية، الفقهية والقرآنية، لجهة الالتزام بالموازين الشرعية والمبادئ القرآنية؟ أين الإجراءات التي تتخذ بحق المدارس التي أشعرت الناس وأظهرت للعالم أن هذا الدين هو دين قتل وحرب وذبح واستباحة حرمات؟! فالله سبحانه وتعالى وسعت رحمته كل شيء، وقانون الرحمة عند الله سبحانه وتعالى هو القانون الأول، والقاعدة الأولى والمبدأ الأول، وكل شيء تحته يعود الى الرحمة.

ــ الإسلام بريء مما يحصل؟

-  أكيد، الإسلام بريء مما يجري، والله عز وجل قال: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

ــ وماذا عن موجة التكفير السائدة؟

-  كل هذه الأفكار المنتشرة في عالمنا الاسلامي والتي تخالف النص القرآني هي حتماً مستوردة، ومن خلال تتبعنا للأحداث منذ النبي حتى اليوم، فكل ما نتج من أفكار ودراسات خلافاً للمنطق الإسلامي، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، نجد أن الظرف التي وجدت فيه يتبين أن هناك منافقين من غير المسلمين الذين كانوا يدخلون الى الاسلام زوراً كي يحرّفوا ما أنزل الله تعالى، وأدخلوا الى الإسلام ما لم ينزل الله به من سلطان، سواء ما يتعلق بالأحكام أو الشريعة، وهلمّ جرا. ولذلك نحن بحاجة الى مراجعة هذه النصوص التي حرَفت الفكر الإسلامي عن أصالته وحرّفت حقيقته عن القرآن الكريم. ولا ننكر أن هناك روايات تضلّل الناس، وهذه الروايات مسؤول عنها الأزهر الشريف والنجف ومكة المكرمة وقم، ومن المفترض أن تأتي هذه المراجع الى النص الشرعي الصادر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويتم التحقيق بهذا النص، لنعرف ما إذا كان صحيحاً أو مدسوساً. فالمشكلة اليوم هي أن عوام الناس يطّلعون على هذه الروايات غير المحقّقة، وتتغذى أفكارهم بها، وهذا أمر خاطئ وخطير، والمفروض أن تكون هناك ضوابط لإثبات النص الأصلي.

 

المرجعيات الدينية والأزهر

ــ لماذا لا تجتمع هذه المرجعيات الأربع لوضع حــــد لكــــل مـــا يجــــــري وقد سبـــــق للأزهــــــر أن عقد مؤتمراً إسلامياً -  مسيحياً بخصوص المواطنـــــة وحضرتـــــه وفــــــود مـــــن كل الــــــدول الإسلامية بكل مذاهبها؟

-  الأزهر الشريف يقوم بمبادرات مهمة، خاصة مع وجود الشيخ الدكتور أحمد الطيب على رأسه، وهو يقوم بإنجازات مهمة جداً على هذا الصعيد، أي لجهة إصلاح النص الديني والخطاب الديني ومكافحة ومحاربة أي فكر متطرف لا وجود له أصلاً في إسلامنا، علماً أن النصوص موجودة لدى السنة والشيعة، ومنها ما يتضمن الغلو والتطرف والارهاب والقتل والأفكار الغريبة عن كل القيم الاسلامية الربانية. والمطلوب أن تتحرك المرجعيات الدينية في كافة أنحاء العالم الاسلامي لإظهار الدين الإسلامي على النحو الصحيح والسليم، مع احترامنا لكل الخلافات الفقهية التي تعتمدها المدارس.

ــ هل المطلوب عقد مؤتمر إسلامي عام يضع النقاط فوق الحروف ويتبرأ علناً من الارهاب ويقول إن أصحابه ليسوا مسلمين؟

-  المشكلة اليوم سياسية، بل عبارة عن نزاع سياسي وصراع دولي، وإذا شعر أصحاب الصراع بالضيق يلجأون الى التفرقة المذهبية، ويقولون إن هذا الفريق لديه مشروعه الإلغائي والتوسعي ونشر مذهبه، ويعملون على استغلال الناس وضعفهم وفقرهم، ويدخلون إلى أفكارهم لحرفها عن الإسلام الصحيح. ونحن مع أي مشروع يتعلق بإطار جمع المسلمين، وكل هذه المدارس التي تحدثنا عنها تحاول وتسعى، ولكن للأسف كل مرجعية تصطدم بموقف دولتها السياسي، لذا نجد هذا التعسر وهذا الفشل، الذي نأمل أن يتمكن الصلحاء وسعاة الخير من تجاوزه والعبور إلى ما يحقق وحدة المسلمين في مواجهة التحديات.

 

القمم الإسلامية ولبنان

- ألا يفترض أن تعقد قمة اسلامية على الدوام لتحصين البلد في وجه تداعيات الاحداث المحيطة به؟

-  القمم الاسلامية لم تنقطع يوماً، وبالاخص منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والمرجعيات الدينية كانت على الدوام تدعو الى تهدئة النفوس والشارع ونبذ الفتنة وتلطيف الخطاب السياسي. وقد سبق لسماحة المفتي الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان أن طرح على سماحة الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان عقد قمة اسلامية لمعالجة موضوع النازحين السوريين، فنحن لا نمانع من عقد أي لقاء يوحد البلد ويجمع المرجعيات ويشجع على الحوار. لكن المطلوب من أهل السياسة أن يتعقلنوا ويهدأوا ولو قليلاً، ولا يضعوننا أمام مواقف محرجة، بل ندعوهم الى الاتفاق على ما فيه مصلحة البلاد والعباد، ونحن نباركهم وإلى جانبهم. وهنا لا بد من التنويه بالمرجعيات الدينية اللبنانية وبمواقفها العاقلة والحكيمة الداعمة لأي حوار ولأي وفاق يتم بين اللبنانيين، والساعية في الوقت نفسه إلى التواصل والتلاقي. واليوم الوضع جيد والحمد لله، وهناك إيجابيات طرأت على الوضع العام، وبخاصة بعد الوصول إلى شبه توافق على قانون جديد للانتخاب.

قانون الانتخاب ومنع الفتنة

ــ هل الإفطار الرئاسي الذي شاركت فيه أعطى الضوء الأخضر للاتفاق على قانون انتخاب؟ وهل سيترجم عملياً في تقديرك؟ أم ان الشياطين ستدخل الى التفاصيل؟

-  الإفطار تحصيل حاصل، لكن ما أنتج الاتفاق هو الشعور بخطورة الوضع إن لم يقر قانون انتخاب جديد في البلد، خاصة وأن كل المرجعيات السياسية شعرت بخطورة المرحلة في حال عدم إقرار قانون انتخاب مهما كان شكل هذا القانون، ولا أحد يريد بقاء الوضع في عنق الزجاجة، وكأننا في حرب أهلية بدون مدافع. ولا مصلحة لأحد في إدخال البلد في أتون الفتن الطائفية والمذهبية من جديد، ولذلك كان الإصرار على قانون جديد يكون في مجمله لمصلحة الناس لجهة صحة التمثيل.

ــ يحكى عن ضوابط مثل الصوت التفضيلي ونقل مقاعد إلخ، مما يهدد بعدم إقرار هذا المشروع الذي نال موافقة معظم الأفرقاء، فهل هذا وارد؟ أم ان التوافق لا رجعة عنه؟

-  نأمل أن يكون الموضوع محسوماً، ولن نتوقف عند التفاصيل كثيراً كي لا نعود الى الوراء، خاصة وأن قانون الانتخاب حسم أمره نهائياً وأصبح ناضجاً، لكن لا بد لكل فريق أن يتنازل ولا يرفع سقف مطالبه، وكأنه يعيش لوحده في هذا البلد. فالبلد طائفي ومحكوم بالتوافق، والموضوع أنتهى ولم يعد لدينا مارونية سياسية، ولا نريد سنية سياسية ولا شيعية سياسية، بل نريد هذا البلد لكل أبنائه وأولاده.

ــ هل مطلب المواطنة هو القصد مع إنشاء مجلس الشيوخ وتحرير مجلس النواب من القيد الطائفي؟

- يا ليت يحصل ذلك، نحن نتمنى، ونحن مع إلغاء الطائفية السياسية اليوم قبل الغد، ومع إنشاء الهيئة العليا لدرس إلغاء الطائفية السياسية، ولا نقول تعالوا لإلغاء الأحوال الشخصية، بل نضعها على جنب، ويمكن أن نتفاهم كطوائف مع بعضنا البعض، ويمكن تنظيم نظام الأحوال الشخصية، لكن لا بد من الخروج من الطائفية السياسية، لاسيما وأننا نعيش حالياً وفق بروتوكول طائفي مائة بالمائة. وأنا ضد اتفاق الطائف، لأن الطائف كرّس الطائفية أكثر.

- هل أنت مطمئن بأن قانون الانتخاب سيقر ولن ندخل في الفراغ بعد 20 الجاري؟

-  الفراغ خط أحمر لأنه ينسحب على كل المؤسسات الأخرى ولا أحد يريده، وهذا أمر انتهينا منه لأن معناه أخذ البلد الى مكان لا يرضاه أحد من اللبنانيين، ولا بد من تحكيم العقل والذهاب الى التوافق والتفاهم حول الاستراتيجية العامة للبلد والمحافظة على السلم الأهلي والاستقرار.

وأضاف:

-  البلد يحكمه التوافق لا غير، ومتى يصبح لدينا قوى سياسية تملك الأهلية لتحكم البلد ويصبح شعبنا يعرف كيف يتصرف عند الازمات، آنذاك نذهب إلى نظام جديد، لكن اليوم نراوح مكاننا. وإذا أردنا الذهاب الى دولة حضارية لا بد من الخلاص من عقلية أهل السياسة المصلحية والخاصة والعمل على تعميم ثقافة الحوار والمواطنة للناس وليس ثقافة الطوائف والمذاهب.

ــ وماذا تقول للسياسيين في شهر رمضان؟

-  هذا الشهر فرصة لعملية الاصلاح الذاتي، وكما الانسان الفرد مسؤول أمام الله عن نفسه وعائلته، وكذلك أهل السياسة هم مسؤولون عن البلاد والعباد، ووقفتهم أمام الله ستكون عسيرة، إن لم يذهبوا الى إصلاح البلد لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.