حين يصل ارهاب تنظيم <داعش> الى المدينة المنورة، قرب المسجد النبوي الشريف الذي يضم مقام النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ورفيقيه الخليفة أبو بكر الصديق والخليفة عمر بن الخطاب، فمعنى ذلك ان نهاية هذا التنظيم قد شارفت على الهلاك، وانه خسر الورقة الاسلامية التي زعم انه اختارها لبناء دولة الخلافة. فقد وضع في مواجهته كل مسلمي العالم، وبدأ يفقد أنفاسه، رغم المجزرة المروعة التي ارتكبها في منطقة الكرادة العراقية وحصد فيها 250 قتيلاً ومئات الجرحى.

وحرمة رمضان وهلال العيد خرقها تنظيم <داعش> الذي يتزعمه أبو بكر البغدادي على أبواب عيد الفطر بأربع عمليات ارهابية انتحارية فاشلة استهدفت واحدة منها رجال الأمن المكلفين بحماية رواد المسجد النبوي ثاني الحرمين الشريفين. وتبين من التحقيقات ان منفذ هذه العملية الانتحارية في المدينة المنورة اقترب من رجال الأمن قرب ساحات المسجد النبوي وهم على أهبة الإفطار بعد يوم صيام، وأبدى رغبته في تناول الإفطار معهم، فاستجابوا، ولكنه ما لبث أن فجر نفسه بالحزام الناسف الذي كان يلف وسطه، مما أسفر عن <استشهاد> أربعة من رجال الأمن وإصابة أربعة آخرين. وكشف التحقيق بأن هذا الارهابي باكستاني يقيم في مدينة جدة منذ سنوات ويحمل اسم عبد الله قلزخان.

والعملية الارهابية الثانية كانت في مدينة القطيف حيث تقدم ارهابيان لتفجير مسجد العمران في المدينة، ولما وجدا نفسيهما داخل السيارة العمومية وسط الأزقة الضيقة، واقترب موعد آذان المغرب ترجل من السيارة أحدهما فشك مارة قربه في أمره ولما سألوه عمن يكون فجّر نفسه دون إحداث أية اضرار. وتبعه زميله الارهابي الآخر ففجر حزامه الناسف وقتل معه السائق الذي لم يكن يحمل متفجرات أو يرتدي حزاماً ناسفاً، ولم يترك الانتحاري الثاني أية أضرار.

والانتحاري الرابع الذي وقع في قبضة قوات الأمن اختار لعمليته الارهابية مدينة جدة، وهو باكستاني مزنر بحزام ناسف، بعدما اشتبه به رجال الأمن من داخل موقف للسيارات بالقرب من مبنى مغلق كان يستخدم في السابق من قبل القنصلية الأميركية مما أدى الى هلاكه على الفور وإصابة رجلي أمن إصابات طفيفة.

وفي بيان لوزارة الداخلية ان رجال الأمن اشتبهوا في وضع الشخص المعني وتحركاته المريبة بالقرب من موقف المركبات التابع لمستشفى الدكتور سليمان فقيه، فبادر رجال الأمن الى اعتراضه والتحقيق معه بما يقتضيه الموقف، وأثناء اقترابهم منه عمد الى تفجير نفسه ومقتله وإصابة رجلي أمن إصابات طفيفة.

التخطيط... خارجي!

وحسب مصادر مطلعة في المملكة العربية السعودية ان العمليات الارهابية التي استهدفت المسجد النبوي، ومدينتي جدة والقطيف جرى تدبيرها واعدادها من قبل تنظيم <داعش> في الخارج وتحديداً سوريا، وان عناصر <داعش> في السعودية ليسوا سوى منفذين وان الأحزمة الناسفة تم تجهيزها لهم، وان قيادات التنظيم في سوريا درجت على التخطيط لمثل هذه العمليات، واختيار منفذ الاعتداء في أي منطقة ما، من خارجها، وهم يتعهدون بتوفير وسائل النقل والحزام الناسف مستغلين بذلك ضعف الوازع الديني.

وقد نزل خبر الاعتداء الارهابي الذي استهدف المسجد النبوي على المسلمين في العالم كالصاعقة، باعتباره الحادث الارهابي الأول من نوعه ضد منارة الاسلام في المدينة المنورة. وقد كتب مواطن تونسي يدرس القانون في جامعة <هارفرد> الأميركية على حسابه في <الفايسبوك> مخاطباً الذين يخلطون بين الاسلام والارهاب قائلاً: <هل أنتم في حاجة الى برهان آخر؟ الارهاب الذي يمارسه <داعش> لا يمت الى الدين بصلة بل هو مرض عقلي. لقد انتهكوا حرمة مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام في أواخر أيام الشهر المبارك، وربما علينا أن نتجه الى الطب النفسي لنفهم دوافعهم.

وقــــد حـــــرص ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف على التأكيد وهو يتفقد المصابين الثلاثة وهم رجلا أمن ومواطن، في المستشفى، على أن أمن الوطن بخير وأنه في أعلى درجاته، وان الأعمال الارهابية التي وقعت في المدينة المنــورة وجـدة والقطيف لن تزيد السعوديين إلا تماسكاً وقوة، والى المصابين الثلاثـة نقـل ولي العهد تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وتمنياته لهم بالشفاء.

وحسب جريدة <الشرق الأوسط> باشرت السلطات الأمنية التحقيق مع عدد من المشتبه بهم كانت الشرطة قد ألقت القبض عليهم، وانها تحفظت على أسرة الباكستاني عبد الله قلزخان منفذ عملية جدة، وذلك للتثبت من بعض المعلومات الأمنية، وكذلك مالك السيارة التي استخدمها الانتحاريون في عملية القطيف.

رسالة الملك الى الشباب

انه الأمن الاستباقي في المملكة العربية السعودية، بحيث كان رجال الأمن الجدار الواقي لعدم بلوغ هذه العمليات الارهابية أهدافها، وجرت استعدادات عيد الفطر السعيد كالعادة دون أية معوقات، واستردت الحياة اليومية مجراها الطبيعي.

وبلهجة كلها فروسية أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمة هنأ فيها المواطنين السعوديين والمسلمين في كل مكان بعيد الفطر المبارك ان ما يشهده العالم الاسلامي اليوم من فرقة وتناحر يدعونا جميعاً الى بذل قصارى الجهد لتوحيد الكلمة والصف والعمل سوياً على حل مشاكل الأمة الاسلامية ونصرة قضاياها.

وفي كلمته التي ألقاها نيابة عنه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي، قال الملك سلمان ان أكبر تحدٍ تواجهه أمتنا الاسلامية هو المحافظة على ثروتها الحقيقية وأمل مستقبلها، وهم الشباب، من المخاطر التي تواجههم وخاصة الغلو والتطرف واتباع الدعوات الخبيثة المضللة التي تدفعهم الى سلوكيات وممارسات شاذة وغريبة تتنافى مع الفطرة العربية، ومع مبادئ ديننا الاسلامي الحنيف وثوابت وقيم مجتمعاتنا الاسلامية.

وأضاف الملك سلمان في كلمته بأن السعودية عاقدة العزم على الضرب بيد من حديد كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجهات شبابنا الغالي. وعلى المجتمع أن يدرك انه شريك مع الدولة في جهودها وسياساتها لمحاربة هذا الفكر الضال.ونحن في هذا نستهدي بتعاليم ديننا الاسلامي الذي يعصم الدماء والأموال مستشعرين موقعنا في قلب العالم الاسلامي، وتشرفنا بخدمة الاسلام والوقوف بجانب المسلمين في أرجاء المعمورة والدفاع عن قضاياهم المشروعة وفي مقدمتها قضية فلسطين.