تفاصيل الخبر

”المدرسة الوطنية“ على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية الدكتور حارث فؤاد البستاني: كتاب قريب عن المعلم بطرس البستاني... ومدرسته قد تحتضن وزارة الثقافة!

20/09/2019
”المدرسة الوطنية“ على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية الدكتور حارث فؤاد البستاني: كتاب قريب عن المعلم بطرس البستاني... ومدرسته قد تحتضن وزارة الثقافة!

”المدرسة الوطنية“ على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية الدكتور حارث فؤاد البستاني: كتاب قريب عن المعلم بطرس البستاني... ومدرسته قد تحتضن وزارة الثقافة!

بقلم عبير انطون

على عتبة افتتاح العام الدراسي الجديد، تتزاحم الاسئلة حول المناهج والكتب والمسابقات وطبعا الاقساط، من دون كثير سؤال عما يلزم من هذه المناهج وما لا يلزم، ومهمة تعريف الطلاب بشخصيات لبنانية كانت رائدة نهضوية، وشكلت مدعاة فخر حقيقي لانها صنعت تاريخنا الثقافي العربي واجتهدت في جعل الشرق، كل الشرق اقل ظلمة. بين هؤلاء الكبار المعلم بطرس البستاني الرؤيوي و<أبو التنوير> الذي، بمحيطه الواسع وجنانه وجنته وجنينته وموسوعاته وقواعده التربوية والاجتماعية والوطنية ارسى منذ مئتي عام قواعد يتنادى المنادون بالانسانية اليوم الى اتباعها من الحوار الى الانفتاح والعيش الواحد والمدنية وتمكين النساء.

منذ مدة، صفق الكثيرون لمعرفتهم بان مدرسة المعلم بطرس البستاني وضعت على لائحة الجرد العام للابنية التراثية، مبعدة عنها بذلك وشاح الخوف من الهدم الذي كان يلفها من وقت الى آخر. وبدورنا نصفق وان مسبقا، للكتاب عن المعلم بطرس البستاني الذي يعدّه حاليا الدكتور حارث البستاني.

الدكتور حارث البستاني الابن الأكبر للعلامة فؤاد افرام البستاني، الاستاذ السابق في علم الاثريات وتاريخ الحضارات في الجامعة اللبنانية والذي كان له دور اساسي في حفظ كنوز المتحف الوطني ابان الحرب في لبنان وبعدها ترأس لاعوام مهام الاشراف على الحفريات لآثار وسط بيروت، هو الآن بصدد التحضير لكتاب بعنوان: <المعلم بطرس البستاني: تعليم النساء والاداب العربية > كتبه والده فؤاد عن <المعلم بطرس البستاني> وتشكل المدرسة الوطنية في حي <زقاق البلاط> جزءا أساسيا منه.

الكتاب من تأليف والدي فؤاد افرام البستاني، يقول الدكتور حارث، حول المعلم بطرس البستاني المولود في الاول من أيار (مايو) من العام 1819 ويدور حول مؤلفاته ونشاطاته الثقافية والسياسية وفيه طبعا جزء اساسي حول المدرسة الوطنية التي اسسها في العام 1863. بالصدفة وجدت المؤلَف وكنت اعرف ان والدي كتبه، لكنه كان مفقودا. راجعته واضفت اليه بعض المعلومات والمراجع لاصداره بعد حوالى الشهرين، كما اضفت اليه صورا مناسبة بينها مثلا لطلاب المدرسة، او من علموا فيها، وهي احتضنت ادباء وشعراء كباراً من البستانة (سعد الله وعبد الله وسليم وبطرس) الى سعيد شقير ويوسف الاسير وابراهيم الباحوط وشاهين سركيس وخطار الدحداح وخليل ربيز وعبد الله شلبي وفضل الله غرزوزي، وكان هؤلاء يشكلون <عمدة> المدرسة..

ولما نسأله ان كان بين طلاب المدرسة بنات، وقد عرف عن المعلم بطرس البستاني دعوته الرائدة الى تعليم البنات وتثقيفهن، يجيب البستاني:

- ليس مذكورا ان كان في المدرسة بنات تعلمن فيها، علما انه وكما تعرفون، كان المعلم بطرس البستاني رائدا في هذا الموضوع، وفي تصوري انه أسّس للبنات مدرسة خاصة غير <المدرسة الوطنية> التي نحن بصدد الحديث عنها، والدليل على ذلك ان أحد الصحافيين الكبار وهو يعتبر ايضا من كبار الشعراء والادباء والمؤرخين جرجي نقولا باز، كتب في العام 1919 في جريدة <لسان الحال>، انه في ذكرى المئوية الاولى لولادة المعلم بطرس البستاني توافد ستون خطيبا من لبنان والعالم العربي للاحتفال بالمئوية، بينهم الكثيرون من محبي المعلم ومدرسته التي كانوا انتسبوا اليها، وكان بينهم تسع من النساء اعتلين المنبر لكنه لا يسميهن وذلك ليحتفلن به، وهي ظاهرة تحدث للمرة الاولى في تاريخ الشرق ربما، ان تعتلي النساء المنبر. وأكثر ما فاجأني وانا اعيد قراءة كتاب الوالد، الاحتفال الكبير الذي جرى احتفالا بهذه المئوية وقد امها المثقفون من لبنان وخارجه، اذ كانوا يعتبرونه اب النهضة العربية، الشخص التنويري الرؤيوي، ورائد تعليم النساء والمناداة بحقوقهن. وفي الكتاب تجدون فصلا طويلا يدور حول سياسة المعلم بطرس البستاني لتعليم البنات. كذلك، فان دراسة قام بها الوالد فؤاد أيضا وآمل ان اجدها، تحمل عنوان <تمكين النساء من أبو العلاء المعري الى بطرس البستاني> تعتبر فريدة من نوعها، وقد توجهت الى المكتبة الشرقية في الجامعة اليسوعية علني أحظى بمساعدتهم للعثور على هذه الدراسة القيمة فعلا.

حب الوطن من الايمان..!

الى المطالبة بتعليم الفتيات، كانت المدنية هي الأساس الذي ارتكز عليه قيام المدرسة الوطنية، اول مدرسة مشرقية تعددية، مع وعي البستاني لضرورة فصل الدين عن الدولة، وجعل الوحدة الوطنية اساسا للحياة العصرية، وارساء مبادئ الوطنية الحقة تحت شعار <حب الوطن من الايمان>. ويزيد الدكتور حارث:

- لقد وجد <المعلم> ضرورة ملحة لتأسيس هذه المدرسة عقب فتنة العام 1860 التي عصفت في جبل لبنان حيث اعتبر انه لا يمكن العيش بين ابناء الوطن الواحد على هذا النحو. ولايمانه بالتنشئة والتربية على المبادئ الوطنية الجامعة افتتح مدرسة استقبل فيها التلامذة من كل الاديان، مسلمين ودروزا ومسيحيين دون تمييز في الدين او المنطقة او الطبقة الاجتماعية، وعلم فيها المواد الادبية والعلمية واللغات من الفرنسية والانكليزية الى اليونانية واللاتينية والتركية.

 وتجدر الاشارة الى ان همة <المعلم البستاني> لم تقف عند هذا الحد، وكان يتنقل ملقيا المحاضرات تحت عنوان نبذ الاحقاد والعيش بسلام بين ابناء الوطن الواحد في وطن ليبرالي. اما من حيث اللغة العربية وكان من اربابها، فكان يدعو الى تبسيطها، لاعتقاده بانه <اذا لم تقترب الفصحى من اللغة الدارجة فان هذا سيؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها اذ تصبح هذه اللغة ميتة بالنسبة للانسان العربي المعاصر كما حدث للغة اللاتينية عند الشعوب الرومانية ولغة الكرابار عند الارمن المعاصرين او لليونانية القديمة لدى اهل اليونان.. كذلك، كان يستنهض الهمم للاستفادة من العلوم المتطورة معتبرا المطابع والمدارس والمكتبات خير ضمانة لوصول ابناء الوطن الى بر الامان، وان الجميع يشعرون من يوم لآخر بالقوة العظيمة الكامنة في العلم ويدركون حق الادراك ان المعرفة جوهر الحياة.. وقد بقيت المدرسة مستمرة لبعد تاريخ وفاته في العام 1883 لفترة حيث استلم ادارتها ابنه من بعده ومن ثم اقفلت ابوابها.

 بقي المبنى صامدا يقول الدكتور حارث، وباعها ابنه بعد فترة، ومع تعاقب السنوات امتلكتها عائلة من بيروت، ومع الحرب قطن فيها المهجرون، ولم تخضع لترميم او صيانة. ومنذ فترة وصلنا انه سيتم هدمها لتحل مكانها ناطحة سحاب، فعقدنا عدة اجتماعات مع معالي وزير الثقافة مضيئين على اهمية هذه المدرسة ورمزيتها، ويبدو اننا في اتجاه ان يشتريها متحدرون من عائلة البستاني العريقة لصيانتها وترميمها فتشكل ذكرى راسخة عن المعلم بطرس ومآثره العلمية والثقافية والاجتماعية والوطنية بحيث تكون متحفا لعائلة البستاني، وسط اتفاق مع معالي وزير الثقافة محمد داوود بان يكون منها طابق او نصف طابق لوزارة الثقافة، ذلك ان المبنى يمتد على ثلاث طبقات بمساحة 863 م م لكل طابق.

القيمة العلمية والوطنية للمدرسة معروفة، ولا تقل عنها قيمتها الأثرية والعمرانية. <هندستها فظيعة> يقول الدكتور حارث، ولا بناء مثيلاً لها في بيروت ربما وهي تجمع ما بين الهندسة اللبنانية والهندسة العثمانية والاوروبية مع زخارف كثيرة

تميزها، وتجدر حمايتها، لكن استملاك أراض من حولها صعب لان موقعها استثنائي عند مفترق طرق مفتوحة من حولها، وهناك من جهة واحدة امكانية لحديقة صغيرة تشكل حماية لها من هذه الجهة.

ابراهيمشاه والتراث..!

المدرسة وما تشكله من ارث ثقافي تاريخي وتربوي كانت محط نضال لم يتوقف من قبل الناشطة في الحفاظ على الاماكن والمواقع الاثرية في لبنان وعاصمته مايا ابراهيمشاه التي تتولى طباعة الكتاب الآنف الذكر وهي عضو في اللجنة الاستشارية التي شكلها وزير الثقافة محمد داوود <لمساندة مديرية الآثار> وقد كلفها بـ<رصد وتقييم الابنية التراثية المعرضة للهدم واقتراح الانظمة والتدابير الخاصة بتملكها وحيازتها والحفاظ عليها وطرق استعمالها>.

القصة كلها انطلقت مع الاحتفال بالمئوية الثانية للمعلم بطرس البستاني في أيار الفائت، لما نشرت ابراهيمشاه تعليقا على صفحتها الفايسبوكية ارفقته بصورة عن المدرسة الوطنية مع تأسيسها في العام 1863 والمدرسة اليوم في 2019، وكتبت ما مفاده بانه من الجميل الاحتفال بالمئوية الثانية للمعلم بطرس البستاني، لكن هل من تطلع الى مدرسته وما حل بها؟

الصورة كان لها أثر كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرتها أكثر من صحيفة لبنانية وموقع تواصل، وعرفت جدلا وصلت اصداؤه الى المتحدرين المباشرين لعائلة البستاني من منطقة الـ<دبية> الشوفية بينهم السيدة ميرنا البستاني، ابنة العم المباشرة ليولا البستاني حفيدة الجيل الثالث للمعلم بطرس البستاني.

تم الاتصال بابراهيمشاه من قبل السيدة ميرنا، وحضرت الى اجتماع <كونغرس> عائلة البستاني وهي مختلفة عن رابطة آل البستاني للاطلاع على مختلف التفاصيل، وكانت حملت الى اجتماعها صورة عن صك ملكية المدرسة، مدرسة كانت تستنفر للتو لدى سماعها عن اي هدم قد يطالها، ما جعلها تنادي، ومنذ مدة طويلة بتصنيفها لحفظها من اي هدم.

كان التساؤل امام ابراهيمشاه من قبل المجتمعين من عائلة البستاني: ما الذي يضمن لنا ان تملكناها ان تصنّف، وكيف نحميها من الهدم؟ وكان الجواب بالعمل السريع من قبل اللجنة الاستشارية الى ادراج المدرسة على لائحة الجرد العام، فتم ادخال المدرسة على لائحة الجرد العام للابنية التاريخية في زقاق البلاط والقائمة على العقارات 310-313-و713. وقد صودف لحسن الحظ ان الدكتورة اسامة الكلاب، وهي عضو في اللجنة ايضا، كانت تحاول منذ مدة ايضا تصنيف المدرسة فاعدت

كتاب التصنيف وادخلته لوزير الثقافة الذي وقع عليه، ايمانا منه باهمية هذا الموقع من نواحيه كافة وضرورة ابقائه معلما اساسيا من معالم المدينة.

 <اذا وجدتم بيوتا تراثية تواجه الهدم وتبقي ذاكرة المدينة وتاريخها حيا فانكم لا بد وستسمعون باسم الدكتورة أسامة كلاب والمهندس خالد الرفاعي وسائر اعضاء اللجنة> تقول ابراهيمشاه لـ<الافكار>. المدرسة اليوم تم تصنيفها واضحت عصية على الهدم، وباتت كل الناس تعرف بذلك، ولو ان في قلبي غصة ان الكثيرين من اللبنانيين لا يعرفون من هو المعلم بطرس البستاني الذي ملأت انجازاته الشرق كله، ولا يعودون للاسس التي بنى عليها مدرسته.

تصور..!

 

ما التصور للمدرسة اليوم؟ المالك الجديد لها هو من سيحدد الوجهة تقول ابراهيمشاه، التي كانت لها اليد الطولى ايضا في اعادة الحياة الى قصر حنينة الرائع. هي تتطلع اليوم مع اللجنة الاستشارية الى <ايجاد طريقة تختلف عن طريقة العمل التقليدية لتقييم البيوت والابنية او المواقع التراثية او حتى تلك التي تعود الى حقبة الثلاثينات وصولا الى الستينات من هذا القرن من دون اذية مالكيها، وبافكار من <خارج الصندوق المعتاد> للأفكار التراثية التي اعتدنا عليها، فتعمل اللجنة على تصنيف الحي كله تراثيا مثلا، ما يحسن نوعية البيت التراثي ومحيطه ويشكل اضافة ايجابية للسكان وحياتهم فيه. وهي المرة الاولى التي تتم فيها المقاربة على هذا النحو>.

وتضيف ابراهيمشاه:

- مع كل طلب يصلنا نجتمع كلجنة نهار الاربعاء من كل اسبوع وننزل الى المكان المنشود للنظر فيه، فندرس تفاصيله في جلسات مع المالكين ونرى الخرائط ونستطلع ونعود بمعلوماتنا لاكمالها بدراسات علمية ودقيقة. ففي بيروت اماكن تشعركم، والله، بانكم خارج الزمن. هي <متاحف طبيعية موجودة ما حدا شايفها>. البارحة كنا في منطقة الباشورة. لا يمكنكم تصور ما رأيناه في احد البيوت فيها. توقف بنا الزمن كأننا سافرنا خارج الوقت، وكأن لا حرب مرت في المكان، ولا متسع الا للجمال والسعادة. وهنا اخص بالشكر معالي وزير الثقافة محمد داوود الذي يسهّل عمل اللجنة ويشد على يدها، وهي تضم المهندسين المتخصصين المعترف بقدراتهم في المجال، مانحا اياهم الثقة والصلاحية.