تفاصيل الخبر

الـمـدرســـــة ”الأهـلـيـــــة“... صـمـــــدت فـــي عـــز الـحـــــرب وتـسـتـمـــــر بـســـــلاح الـعـلــــــم والـتـطــــــور!

03/03/2017
الـمـدرســـــة ”الأهـلـيـــــة“... صـمـــــدت فـــي عـــز الـحـــــرب  وتـسـتـمـــــر بـســـــلاح الـعـلــــــم والـتـطــــــور!

الـمـدرســـــة ”الأهـلـيـــــة“... صـمـــــدت فـــي عـــز الـحـــــرب وتـسـتـمـــــر بـســـــلاح الـعـلــــــم والـتـطــــــور!

 

بقلم عبير انطون

1

الفنانون التشكيليون العالميون، إتيل عدنان، سلوى روضة شقير، عفاف زريق، أيمن وسعيد بعلبكي يعودون الى المدرسة <الاهلية> في منطقة وادي أبو جميل حيث كانوا أطفالاً ينهلون العلم على مقاعدها أو يدرِسون طلابها، فيغذون الروح من طيبها ويترجمونه للعالم أجمع لوحات وأعمالا مبدعة. في مئوية المدرسة لهذا العام يعود اليها التلاميذ والاساتذة النجباء حاملين لها الوزنات الفنية اضعافاً، هم الذين تخرّجوا منها وقد حفظوا جميلها لينطلقوا منها الى زوايا العالم حاملين إرثها ومئة سنة من تاريخ وطن كانت عنوانا للقاء والتواصل فيه. فأية اعمال جرى اختيارها؟ وما سر هذه المدرسة <الأهلية> التي بقيت صامدة على الرغم من الأهوال التي مرت بها منطقتها؟

 الخبير البارز في الفن العربي الحديث والمعاصر صالح بركات صاحب غاليري <أجيال> والذي تعاونت معه المدرسة <الاهلية> لتنفيذ المعرض تحدث عنه لـ<الافكار> مفصلاً أهمية هذه المدرسة التي تشبهه كما يقول:

- ان هذا المعرض الذي أقيم بمناسبة مئوية المدرسة <الاهلية> وبالاسماء التي يضمها يعكس الانطباع الممتاز الذي تركته هذه المدرسة لدى المتخرجين منها. ولما تواصلت معهم بشأن المعرض أبدوا اهتماماً جدياً وتعاوناً سريعاً. فلهذا الاحتفال رمزية كبيرة، اذ انه يصادف مع ذكرى قرن على تأسيس المدرسة <الاهلية> وهو أيضا لتذكير اللبنانيين بهذه المدرسة العابرة للطوائف والاحزاب والتي جاء تأسيسها بمبادرة من مجموعة من الاهالي الذين تكاتفوا على مشروع طليعي علماني، بعيداً عن اي انحياز او طائفية. كذلك فان اختيار الفنانين التشكيليين العالميين يبرز الأهمية القصوى التي كانت توليها المدرسة في تنمية المواهب الفنية اذ يضم المعرض ثلاثة اجيال منهم ويتيح التعرف بأعمالهم المنتشرة عالميا، وبينها ما يظهر العلاقة الوثيقة التي جمعت الفنانين والمدرسة وتأثيرها على حياتهم المهنية، الفنية وحتى الشخصية.

 وبابتسامة يزيد بركات:

- انها أيضاً حجة لفتح الطريق للوصول الى المدرسة التي تقفل طرقاتها للضرورات الامنية.

2ويضيف عن المدرسة <الاهلية> وهو ليس من خريجيها قائلاً:

- انا لست خريج المدرسة <الاهلية> انما ادور في فلكها من حيث ايماني بالعلمانية وبالمبادرات، وبقناعتي بقدرة المجتمع على ان يخدم نفسه حتى ولو مر بظروف قاهرة، وهذا ما كانت عليه المدرسة <الاهلية> التي بقيت صامدة طوال مئة عام في مكانها بخدمة المجتمع الاهلي خارج الاصطفاف المتعارف عليه على الطريقة اللبنانية. فمع اندلاع الحرب في لبنان وجدت المدرسة <الاهلية> نفسها في قلب منطقة المهجرين من مناطق النبعة او من الجنوب مع عدد كبير من الاكراد، وبدل الانتقال بالمدرسة الى مكان آخر، تسمرت في مكانها انطلاقاً من رسالتها في خدمة المجتمع وكانت تعلم طبقة من الفقراء والمهجرين، لتجري <نفضة> لنفسها بعد الحرب اهلتها اليوم لاعتمادَين أكاديميين من مؤسستَين احداهما أميركية والأخرى أوروبية وهما جمعية مدارس وجامعات بريطانيا الجديدة (NEASC) ومجلس المدارس الدولية (CIS).

وحول العلاقة التي تظهر بين الفنانين والمدرسة <الأهلية> من خلال اللوحات المختارة، يقول بركات:

- تختلف العلاقة بحسب الفنانين فايتل عدنان مثلاً قدمت منحة باسمها لاعادة تأهيل برنامج الفنون في المدرسة، وقد تم اختيار مجموعة من رسوماتها المختلفة ما بين زيتيات ومائيات، اما لأيمن بعلبكي فتم اختيار لوحة برج المر، واخرى بعنوان <بونجور وادي ابو جميل> في تحية للمنطقة التي عاش ودرس فيها، ولسعيد بعلبكي مجموعة عن وادي ابو جميل ترافقها نصوص لـ<غرغوري دوشاكججيان>، واخترنا لعفاف زريق بعضاً من أعمالها التجريدية، فيما تعرض لسلوى شقير منحوتة كبيرة كانت فازت بها عام 1958بجائزة عالمية.

 

<الاهلية>، وحكاية المئة!

من جهته علّق رئيس مجلس الأمناء في المدرسة <الأهلية> نديم قرطاس قائلاً:

- منذ 100 عام والمدرسة <الأهلية> تعمل جاهدة عبر الاهتمام الشخصي بالطالب لمدّ الأجيال الصاعدة بالعلم والمعرفة، وصقل مواهب الطلاب ليبرزوا قدراتهم وينجحوا. واحتفالاً بالمئوية، يأتي معرض المدرسة الفني تأكيداً على مسؤولية المدرسة تجاه أبنائها وعلى التأثير الكبير لها في بلورة فنّهم وإطلاقهم إلى العالمية.

  لقد بدأت المدرسة سلسلة احتفالاتها بالمئوية في تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي من خلال مشاركة الممثّلة العالمية <فانيسا ريدغريف> في مسرحية <دنيا أحببتها>: قصّة <امرأة عربية> المستوحاة من كتاب كتبته مديرة المدرسة (1934 - 1974) وداد المقدسي قرطاس والتي عُرضت في لبنان، فمن هي هذه السيدة الحديدية التي امسكت بزمام المبادرة والعلم في عز الحرب؟

في العودة الى تاريخ المدرسة ما يبرز دور هذه السيدة التي تروي في كتاب مذكراتها: <دنيا احببتها>: قصة <امرأة عربية> كيف كانت مديرة المدرسة <الاهلية> لمدة اربعين عاماً، وذلك ما بين عامي 1934 - 1974 حتى انهكها المرض، وفيه تروي قصة <وطن اسمه لبنان> من خلال التجارب التي مرت بها والذكريات التي راكمتها على مر السنين، بدءاً من الحي الذي نشأت وكبرت فيه الى رحلاتها وأسفارها وهموم الوطن والاهالي ايام الانتداب، من دون ان تغفل الحديث عن فلسطين في كتابها.

صالح-بركات-الجسرة---3 

حكاية المدرسة <الأهلية>

 

ــ ما هي حكاية المدرسة <الأهلية>؟

- في العام 1916، وبعدما أمرت السلطات العثمانية بإغلاق المدارس الأجنبية في لبنان، جمعت السيدة ماري كساب في منزلها ستة عشر من الفتيان والفتيات الذين كانوا ملتحقين بالمدرسة البريطانية وتعهدت لهم بضمان التعليم المستمر، فبدأت تعليمهم بطريقة متواضعة، وبدأ الآباء والأمهات بإرسال أطفالهم إليها ما شكل نواة المدرسة. في العام التالي التحق بها ستون طالباً واستحصلت ماري كساب على إذن بفتح مدرسة وطنية وغير طائفية ومدارس مختلطة. وبمساعدة كبيرة من أخيها واثنين من أصدقائه، خولي بولس وأنيس المقدسي، شكلت <مجلس الأمناء> وبدأت بجمع الأموال من اللبنانيين والعرب المقيمين والمهاجرين اللبنانيين، فتم شراء حرم الكلية من البعثة الاسكتلندية. وفي لائحة الاسماء المانحة أسماء لمعت في العالم العربي كله، بينهم الملك فيصل 1 من العراق، الطبيب <بايارد دودج> رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، أحمد أمين بك رئيس وزراء سوريا، الشيخ تاج الدين الحسني رئيس الدولة السورية، السيدة نظيرة جنبلاط، جبران خليل جبران، أمين الريحاني، مي زيادة، أمير سعيد الجزائري، الأسقف رافائيل نمر، جمعية القلب الأقدس، جمعية الشباب المسلمين، المطران بولس خوري، عزيز شكري، جورج كساب، الدكتور فارس نمر، وآخرون.

وتحت الانتداب الفرنسي في لبنان، كانت أنشطة المدرسة <الاهلية> قومية حقيقية وقد احتضنت المدرسة الحركة الكشفية الجديدة التي شملت جميع الأطفال اللبنانيين، وكانت الأولى من نوعها في العالم العربي.

 حاولت سلطات الانتداب تشديد سيطرتها على المدرسة، ففي عام 1924 أمروا بإقفالها فنُظمت مظاهرة الطلبة (غالبيتها من البنات) وساروا إلى قصر الحكومة للدفاع عن قضية المدرسة، وفي نهاية المطاف خضعت السلطات الفرنسية للضغوط وألغي القرار.

في عام 1950، أصبحت <مدرسة ماري كساب> <كلية البنات الأهلية>. ومن ثم تم قبول البنين في المرحلة الابتدائية فقط، وشمل <مجلس الأمناء> أعضاء بارزين من النخبة الفكرية والتعليمية والاجتماعية للبلد، ومن خلال القيادة الديناميكية للرئيسة الثانية، السيدة وداد المقدسي قرطاس التي تولت منصبها في عام 1935، وكانت حريصة على تنويع البرامج التعليمية والأنشطة المدرسية، تم ايلاء الثقافة والفنون في المدرسة اهمية كبيرة واستقبل فيها أعضاء بارزون في المجتمع المحلي والكثيرون من الزوار إلى لبنان بينهم <حليمة نهرو> (الأم أنديرا غاندي)، و<هيلين كيلر>، <هاورد بليس>، <بايارد دودج>، <لين هاريس>، <ماري وودز>، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات من أوروبا.

4 

 نواة <الالبا>..

 

في عام 1939 استضافت المدرسة <جمعية الموسيقيين الهواة> برئاسة أليكسي بطرس ودعت إلى إشراك طلاب <الاهلية> في الموسيقى، وفي وقت لاحق، أسست القرطاس في المدرسة، برنامجاً للفنون المسرحية التي تضمنت الإيماء والرقص والباليه والدراما، وأصبحت هذه البرامج النواة لـ<الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة> (ألبا) التي تأسست على يد ألكسي بطرس في 1944 مع وداد القرطاس والتي شغلت منصب <أمينها التنفيذي العام>، كذلك تم دمج جوقة <الاهلية> في جوقة <ألبا> وإحياء 99 حفلة موسيقية كلاسيكية في لبنان والقدس والقاهرة واسطنبول. وخلال هذه الفترة اجتذبت المدرسة طلابا من جميع أنحاء العالم العربي وطلاباً أجانب، وتشكل طلاب المدرسة من 27 جنسية في الستينات، وتم توسيع حرمها بفضل زيادة المنتسبين اليها، وجهزت <مؤسسة فورد> مختبرات العلوم في المدرسة كنموذج، وأتاحت المدرسة <الاهلية> للمدارس الأخرى الحصول على الخدمة الضخمة للمكتبة السمعية والبصرية. اما زيها الرسمي فكان لافتاً اذ ان طالباتها كن يرتدين الملابس البحرية المؤلفة من تنورة زرقاء وقميص أبيض ووشاح أزرق كنموذج للفتاة العربية الصغيرة الحديثة والمستنيرة. وكان لقاء <المجدرة> الدوري الذي شكل مساحة للنقاش ميزة اخرى للجامعة ويعود الريع منه الى المخيمات الفلسطينية وصندوق دعم المعونات المدرسية.

المدرسة <الاهلية> التي عانت في الحرب اللبنانية الأمرين وأقفلت ابوابها ما بين عامي 1975و1977 وتضررت مبانيها بقوة، عادت الى استقبال طلابها ولمعت بجهود رئيسها نيكولا الزيات الذي أصر على رسالتها الوطنية والانسانية، وبقيت مستمرة تخرج ابرز الاسماء اللامعة في مختلف الميادين. ومع انتهاء الحرب، وبدءاً من العام 1995، بدأت المدرسة <الأهلية> بإعادة هيكلة نفسها للوفاء بمتطلبات القرن الحادي والعشرين عبر <مجلس الأمناء> بقيادة نديم قرطاس من خلال وضع خطة استراتيجية قادتها الى نجاح أكبر تصبو اليه وتحتفل به اليوم برئاسة رضا عياش العين الساهرة دائماً، في الذكرى المئوية على تأسيسها.