تفاصيل الخبر

المدفع والمسحراتي والفانوس والاناشيد والسيران مظاهـــر صـــارت مــن المـاضـــي الجمـيــــل!  

17/06/2016
المدفع والمسحراتي والفانوس والاناشيد والسيران مظاهـــر صـــارت مــن المـاضـــي الجمـيــــل!   

المدفع والمسحراتي والفانوس والاناشيد والسيران مظاهـــر صـــارت مــن المـاضـــي الجمـيــــل!  

الرقص الصوفي نحن اليوم في رحاب رمضان المبارك وهو شهر الصوم والمغفرة، حيث قال الله تعالى: <يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون>، فيما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: <إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة ولا يدخل منه أحد غيرهم>، وان <من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه>.

 ويترافق شهر الصوم عادة مع الإكثار من أنواع العبادة، والصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، اضافة الى عادات وتقاليد ذات طابع رمضاني خاص، لكنها بدأت بالزوال مع مرور الزمن حتى باتت في عصر <الانترنت> والتكنولوجيا والعولمة من الماضي الجميل الذي يتذكره كبار السن ويروونه كقصص غابرة للأجيال الفتية.

وقد اختلفت مظاهر رمضان على مر العصور وكان لكل عصر عادته وتقاليده منها ما استمر العمل به شكلاً كتراث شعبي ينتقل من جيل الى جيل ومنها ما اصبح في طي النسيان في زمن <الانترنت>. ورمضان القرن الحادي والعشرين لا يمت بصلة لرمضان الامس من حيث طقوسه ومظاهره وطرق الاحتفال به، وان كان الصوم في المضمون واحداً كفرض واجب على كل المسلمين.

مدفع رمضان الاثري في قلعة طرابلسطقوس رجب وشعبان

وقد حفل تاريخ بيروت وغيرها من المدن لاسيما طرابلس في شهر رمضان بالعديد من القصص بدءاً من العصر العثماني حيث تزدان الشوارع والساحات والمؤسسات بالزينة احتفالاً بقدوم الشهر الفضيل، وجرت العادة قديماً في بيروت، أن يبدأ الاستعداد لاستقبال رمضان قبل حلوله بشهرين، أي خلال شهري رجب وشعبان، اضافة الى شهر رمضان، حيث تعرف بأشهر <الهلة>، اي الاشهر التي يترقبون فيها ولادة الهلال، ويصوم الناس يومي الاثنين والخميس من شهري رجب وشعبان حتى بلوغ النصف من شعبان، ويتم الاحتفال بإحياء ليلة النصف من شعبان بصناعة حلوى المشبّك، وباهدائها للاهل والاقارب، تعبيراً عن تشابك وتوطيد أواصرالقربى، وعن تعميق صلة الرحم.كما يخرج البيارتة في نزهة في آخر يوم عطلة اسبوعية من شهر شعبان الى الحقول والبساتين والحدائق مع عائلاتهم واصدقائهم واقاربهم بما يعرف بـ<سيران رمضان> او بـ<سيبانة رمضان> وأصلها استبانة>، اي الرؤية اذ كان المسلمون ينتشرون على شواطىء بيروت في 29 شعبان لاستبانة هلال رمضان، فإذا تبين لهم توجهوا الى المحكمة الشرعية للادلاء بشهاداتهم.

مدفع رمضان والمسحراتي

وإذا ثبتت رؤية هلال شهر رمضان كانت تطلق21 طلقة مدفع مساء يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، تبشيراً وايذاناً ببدء شهر الصوم. وكانت الدولة العثمانية استحدثت في عهد ابراهيم باشا مدفعاً في بيروت، خصصت له مدفعجياً مهمته اثبات شهر رمضان واعلان وقت الافطار والامساك والاوقات الخمسة للصلاة، وكذلك اطلاقه في عيدي الفطر والاضحى.وهذا المدفع يحمل قذيفة عبارة عن حشوة قماش كتّان محشوة بالبارود ومتصلة بكبسولة يضعها الجندي في داخله ويطلقها بواسطة حبل رفيع، ويرتكز على دولابين كدواليب العربة. وكان يوضع بداية في الثكنة العسكرية الواقعة على رابية مطلة على بيروت حيث مقر مجلس الانماء والاعمار بجوار السراي ،انما مع حرب 1975 الملعونة نقل المدفع الى تلة الخياط ثم الى تلة موكب رمضاني لدار الايتام الاسلاميةزريق قرب دار الايتام الاسلامية، لكن مع العام 1995 ثبت قرب قصر رياض الصلح خلف السفارة الكويتية ولا يزال.

والى جانب المدفع الذي كان الوسيلة الوحيدة لإعلام الصائمين بمواقيت الإفطار والسحور والامساك قبل أن تجهز مآذن المساجد والجوامع بمكبرات الصوت التي أصبحت توصل الأذان المرفوع إلى القريب والبعيد، وأيضاً قبيل تطور تقنيات الاتصال وشيوع أجهزة الراديو والتلفزيون، كان هناك المسحراتي الذي يتمم عمل المدفع فيخرج بجلبابه وطربوشه الاحمر قبل الفجر مع طبلته وعصاه ويجول في الاحياء والحارات وينادي بأعلى صوته: <يا نايم وحد الدايم. قوموا على سحوركم، اجا رمضان يزوركم>.

وكانت الاسر والعائلات تجتمع كلها الى مائدتي الإفطار التي تكون مميزة ومنوعة وشهية، وتتضمن صحن <الفتة> و<الشوربة> و<الفتوش> و<المغربية> والمخللات. والمشروبات الرمضانية التي يزدهر بها هذا الشهر وترى بائعيها بأعداد كبيرة في كل مكان في الأسواق الداخلية وعلى الطرقات الخارجية وفي الأحياء: الخرنوب، التوت، السوس، التمر الهندي، الجلاب، الليموناضة، أما الشراب المميز فهو قمر الدين بالإضافة الى عصير الجزر والتفاح، ناهيك عن الحلويات بعد الافطار من البقلاوة والكلاج والعثملية وورد الشام والكربوج والبصمة وحلاوة الجبن وزنود الست والقطايف، وكذلك الحال في السحور في وقت كان هناك ما يسمى <السكبة> وهي تقوم على سكب صحن من الطعام كل يوم للجيران والأقارب والفقراء خاصة وهي من العادات التي لا تزال حاضرة حتى يومنا هذا.

اناشيد وتراويح

وبعد الافطار، تبدأ طقوس رمضان الدينية والدنيوية، فكانت المساجد تضاء بالفوانيس الحمراء والبيضاء التي كانت ترفع على سواري المآذن. ويعمد كبار المقرئين المعروفين لتلاوة القرآن في مساجد ونوادي المدينة التي تغص بالمؤمنين، فيما تكثر طريق الجنوب مشعشع بزينة رمضانصلاة التراويح بعد صلاة العشاء ويؤديها غالباً مشايخ وأتباع الطرق الصوفية المتعددة كالمولوية والشاذلية والعمرية.

ولرمضان اناشيد واغان يرددها الكبار والصغار، ولعل هذه الردة تمثل حقيقة هذا الشهر الفضيل وهي تقول: <يا ولاد حارتنا / ايه اتلموا اتلموا/ أدوا فروض الصلاة والصوم/ احسن وزكي عن مالك واللي تجود بيه يبقالك مينا والينا عايد الينا/ شوفوا رمضان خفة دمه خفة دمه/ بر  وتقوي ... فرحة/ مدفع يضرب/ رمضان يا شهر الخير يا كريم تسعد فقير وتهني يتيم/ وتلم روايح من الجنة وان كنت رايح هتجيلنا و هتلاقينا مليين ايدينا/ نلقاك صغار و كبار يتلموا/ يا ولاد حارتنا اتلموا اتلموا>.

 وايضاً اغنية المطرب المصري محمد عبد المطلب وهي: <رمضان جانا وفرحنا به/ بعد غيابه وبقاله زمان/ غنوا وقولوا شهر بطوله/ غنوا وقولوا اهلاً رمضان/ رمضان جانا اهلاً رمضان/ قولوا معانا اهلاً رمضان>.

كذلك انشودة: <وحوي يا وحوي مرحب رمضان/ رمضان جنة جت من الرحمن/ أصحي يا نايم ربك دايم/ ده سحور بركه وخير للصايم/ شمعة بتكبر/ ايوحه/ في فنوس أخضر/ ايوحه/ رمضان نور/ وهلاله يبان دائماً فرحان/ رمضان فرحة/ ايوحه/ شجرة و طرحه/ ايوحه/ اديني بلاحه/ ايوحه/ بيتك عمران بيميش رمضان/ شبابيك الوان/ في حطان وبيبان/ زينت رمضان/ فرحان من قلبي زي زمان/ وحوي يا وحوي مرحب رمضان/ رمضان جنة جت من الرحمن>.

زينة رمضانيةحسان حلاق وموائد الرحمن

 

وهنا يقول المؤرخ البيروتي الدكتور حسان حلاق بأنه لمساء29 شعبان خصائصه وتحضيراته، إذ كان اللبنانيون يقومون بالسنة النبوية في ما يتعلق بالتماس هلال رمضان، ويحرصون في اليوم الذي يسبق بداية الشهر الفضيل أو في آخر أحد من شهر شعبان على تمضية اليوم في التنزه والترفيه وتناول الغداء في المطاعم، موضحاً أنه فور إعلان بدء الشهر الفضيل تملأ الفرق الدينية الشوارع من خلال مسيرات مزينة بالبيارق وهي تؤدي الأناشيد الدينية والأهازيج الرمضانية. وكانت العائلات تتبادل الزيارات وتحيي السهرات الجماعية التي تتضمن الشعائر الدينية التي باتت اليوم مقتصرة على فئات محددة بعدما أهملها الآخرون، ولاسيما إقامة صلاة التراويح في المساجد بعد صلاة المغرب. كذلك كان ينتشر ما يعرف بالزوايا التي كان يزيد عددها عن الثلاثين في بيروت إضافة إلى تلك التي كانت منتشرة في المناطق اللبنانية الأخرى، مشيراً الى ان المسحراتي كان ظاهرة رمضانية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بليالي شهر رمضان، حيث يكون عادة من أبناء الحي، فيبدأ قبل الفجر بإيقاظ الصائمين حتى يتناولوا الطعام قبل الامساك، وكان يضرب بواسطة عصا على طبلة خاصة، في حين أنه كان يلبس الجلباب المعتاد أو الغنباز والطربوش.

 ويشير الدكتور حلاق الى ان المسلمين في بيروت في العهد العثماني كانوا يطلقون على أولادهم الذكور أسماء الشهور الكريمة رجب، شعبان، رمضان، محرم، ربيع الأول لاسيما إذا ولدوا في هذه الأشهر بالإضافة إلى تسمية أولادهم باسم هلال. ومن عادة البيروتي أيضاً أنه في أواخر رمضان، يبدأ بممارسة <التوحيش> في العشر الأواخر منه، تعبيراً عن تمسكه بهذا الشهر الكريم.

 فماذا بقي من هذه العادات اليوم ووسائل التواصل الاجتماعي اصبحت وسيلة للتهاني وحلّت مكان الزيارة، والمدفع لا حاجة له مع رفع الاذان ووجود الساعة، والمنبه في الساعة او التلفون الذي صادر دور المسحراتي ولم يعد له اي لزوم، وصلاة التراويح والاستماع الى المشايخ في المساجد بعد الافطار تلاشى لصالح مسلسلات التلفزيون والبرامج الرمضانية وما اكثرها، ناهيك عن الحفلات الغنائية التي تزدهر في رمضان لتكون بديلاً عن الطقوس الرمضانية الدينية ،ناهيك عن ازدهار الخيم رمضان كريمالرمضانية خلال الفترة السابقة والتي تقدم الافطارات على وقع الاغاني والموسيقى وتستمر حتى السحور، حتى ان المسيرات التي كانت سائدة في الاحياء مشفوعة بالاناشيد اضمحلت ولم يبق منها سوى المسيرة السنوية التي يقوم بها شباب وشابات دار الايتام الاسلامية حيث يجولون في الشوارع في بوسطات وحفلات مزينة وهو ينشدون الاناشيد الرمضانية احتفاء بقدوم شهر الصوم، فيما تغيب بهجة العيد عند الاطفال الذين كانوا يتوافدون الى حرش بيروت والحدائق العامة  للعب بالمرجوحة فأصبحوا يتسلون اليوم بالالعاب الاليكترونية وبوسائل التواصل وما شابه.

 وحدها موائد الرحمن لم تندثر كلياً وهي لا تزال ظاهرة تعم معظم المناطق وتقوم بها احزاب وقوى سياسية وجمعيات ومؤسسات خيرية وان خفت هي الاخرى لكن الحصص الغذائية لا تزال توزع على الفقراء في شهر رمضان وهي عادة بدأها الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما كان يقيم موائد افطار يومية في قصر قريطم ويوزع الحصص التموينية على العائلات الفقيرة، ومثله يفعل الرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس من خلال جمعية العزم والسعادة الاجتماعية التي تحيي ايضاً مهرجاناً سنوياً للمناسبة، وكذلك الوزير السابق النائب محمد الصفدي عبر مؤسسة الصفدي التي تقدم عادة برامج ترفيهية منها <على ضوء القمر>، وكذلك مؤسسة مخزومي لرئيسها فؤاد مخزومي ومركز توفيق طبارة في بيروت وجمعيات خيرية ودينية اخرى لاسيما عباد الرحمن، حتى ان صاحب جريدة اللواء الزميل عبد الغني سلام يحرص في شهر رمضان على إقامة مائدة افطار يومية في مسجد الفاروق في الزيدانية.

حلويات رمضانالمسحراتي مدفع رمضان (1)