بقلم علي الحسيني
[caption id="attachment_81740" align="alignleft" width="375"] الرئيس "ايمانويل ماكرون" أعطى مهلة اضافية لتشكيل الحكومة[/caption]
بعد اختلاف الأطراف السياسية في لبنان في حالة من النزاع أو الكباش حول نوعية الحكومة وطريقة تشكيلها، وضعت المبادرة الفرنسية في الثلاّجة إلى حين إنضاج أفكار جديدة تنال موافقة وقبول هذه الأطراف وخصوصاً لجهة ما اصطلح على تسميته بـ"العقدة" الشيعية وذلك بعد الخلاف المُستحكم بين "الثنائي الشيعي" وبقيّة الأطراف حول حقيبة المالية، والذي أدى إلى اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن إكمال مهمته. واليوم وبعد مخاض عسير انتهى بالفشل، يسعى سيّد الإليزيه إلى تعويم مُبادرته مُجدداً من خلال ضخّها بأفكار جديدة، علّه ينجح هذه المرّة بالوصول إلى إتفاق مع الأطراف المتنازعة لإنضاج حكومة وحدة تنال قبول الداخل قبل الخارج.
كثرة الأسباب والنتيجة: الشعب ليس بخير
لا قيامة تُرتجى للبنان ولا لحكومته العالقة بين فكّي كمّاشة تُحاول كل جهة الإطباق على الأخرى للفوز بغلّة وافرة من النفوذ السياسي. فالأمور جميعها من وضع اقتصادي وسياسي وصحّي واجتماعي على حالها، بل إلى الأسوأ، والأسوأ من هذا كلّه، إصرار جزء كبير من القوى السياسية الحاكمة على ضرب ما تبقّى
[caption id="attachment_81743" align="alignleft" width="516"] الشعب ليس بخير.[/caption]من آمال لشعب مُعلّق على حبال الأمنيات والتمنيّات، أقلّه بجنازة تُليق بتضحياته ودرب الجلجلة التي سار عليها، منذ كُتب عليه أن يكون مواطناً لبنانياً. تتعدد الأزمات في لبنان، والنتيجة واحدة: الشعب اللبناني ليس بخير. فمن رحم الوجع والألم، ومن القهر الذي أصبح من يوميّات اللبنانيين، تستمد السلطة السياسية طاقتها للإستمرار في التعطيل وزيادة نسب الأزمات في بلد بات مفتوحاً على جميع الإحتمالات، الأمنيّة منها والاجتماعية بكّافة أنواعها. والأنكى من هذا كلّه، أن المبادرات جميعها، تحوّلت بدورها إلى أداة بيد أصحاب الرأي والنفوذ السياسي، فيستمدون من خلالها مُهل إضافية لتضييع الوقت، بإنتظار الحلول التي يرتجونها أو الإستحقاقات التي يُعوّلون عليها للإستمرار في نهجهم الحالي.
كل الأطراف السياسية تتقاذف في ما بينها تُهم التعطيل، وترمي كل جهة فريق الآخر، بوابل من المسؤوليات خصوصاً لجهة تعطيل مهمة السفير مصطفى أديب في تأليف الحكومة وإيصاله إلى طريق مسدود. والاسبوع الماضي عبّر الامين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في جزء من كلامه، عن الأسباب التي أدت إلى إنطلاق المبادرة الفرنسية، والأسباب التي أدت إلى نسفها وإن ظلّ في كلامه، ما يوحي باستمرار التعويل على هذه المبادرة، ولكن ضمن شروط حددها نصرالله، أبرزها، ان يعود كوالياً أو حاكماً، أو قاضياً ولا وصيّاً.
الردود واستعادة الأدوار
[caption id="attachment_81744" align="alignleft" width="376"] رؤساء الحكومات السابقون شركاء في تطيير الحكومة.[/caption]يبدو أن البعض استشّف من كلام نصرالله تطيير المبادرة الفرنسية بشكل كُلّي، ليس من خلال الشروط التي وضعها فحسب، إنما أيضاً من باب مطالبته سيّد الإليزيه بأن يُعيد النظر بالمبادرة وبلغة التخاطب وتحديداً لجهة ما وصفه التطاول على كرامات الناس وذلك في معرض حديثه عن الجهات التي تتقاضى أموالاً. وبسرعة البرق، جاء الرد على كلام "حارة حريك" من خلال بيان لرؤساء الحكومة السابقين، أكدوا فيه أنهم لم يفرضوا اسماً أو حقيبة، بل اقتصر دورهم على توفير الغطاء بشكل شفاف وواضح لتنفيذ ما وافقت عليه الكتل النيابية في قصر الصنوبر.
وفي السياق يقول سياسي بارز ضمن فريق الرابع عشر من أذار، أن نصرالله تعمّد تطيير التأليف لأسباب أفصح هو عنها من خلال ربطه بينها وبين العقوبات الأميركية عليه، وأيضاً من خلال ربطها بخطاب الملك سلمان بن عبد العزيز الذي هاجم فيه كل من ايران وحزب الله. ولهذا سوف نرى في المقبل من الأيّام، المزيد من اللعب على عامل تضييع الوقت لدى "حزب الله"، ريثما تصل الإشارة أو كلمة السرّ الإيرانية. وبرأي المصدر، أن "الحزب"يريد ان يتنصل من المبادرة الفرنسية فيرمي المسؤولية على الآخرين، لأن كلمة السر للسماح بتأليف الحكومة، لم تأت من طهران بعد.
وأكد أن معظم القوى السياسية، باستثناء الثنائي الشيعي، كان مع مبدأ المداورة في الحقائب. ولو كان أداء الثنائي بوزارة المال في الحكومات السابقة جيداً، لكان يُمكن فهم مطلبهم بالإصلاح. لكن التجربة كانت عكس ذلك. لذلك فإن الثنائي إياه اليوم في مواجهة مع القوى السياسية كافة. والأبرز يُتابع المصدر، أن الثنائي الشيعي وعد الرئيس ماكرون بتسهيل مهمة الرئيس أديب بتشكيل حكومة بعيداً عن الأحزاب، لكن إعلان واشنطن إدراج الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على لائحة العقوبات، بسبب علاقتهما بحزب الله، جعل الإيرانيين يدركون أن ما كانوا يعوّلون عليه من رضا أميركي على المبادرة الفرنسية، لم يتحقق. لذا عرقلوا ولادة الحكومة، بحجّة وزارة المال.
ردّ "حزب الله" على اتهامات العرقلة
[caption id="attachment_81741" align="alignleft" width="375"] الرئيس المكلف المعتذر مصطفى اديب.. آمال لم تكتمل.[/caption]أمّا لجهة "حزب الله"، فقد اعتبرت مصادره أن كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول استمرار مبادرته، يدحض كل هذا الكلام، ولطالما أكد الفرنسي أن مبادرته مُستمرة، فهذا يعني أنه صاحب الرأي الأول والأخير في استمرارها أو نعيها. أيضاً فإن الرئيس الفرنسي قد أعطى مهلة من أربعة الى ستة أسابيع، ونحن أيضاً مُستمرون معه في مبادرته ومستعدون للتعاون معها الى أقصى الحدود.
وتابعت مصادر "الحزب": هناك ثلاث جهات اطلقت النار على المبادرة: أولاً الأميركي الذي راح يُمارس سياسة العقوبات والقول جهاراً إنه لا يُريد "حزب الله" بأي حكومة. ثانياً: عندما يوافق الفرنسي على منح "الثنائي الشيعي" وزارة المالية، ويوافق على انخراط الطائفة الشيعية في الحكومة، فجأة يخرج الملك سلمان بن عبد العزيز بكلام يتهم فيه "الحزب" بالإرهاب، وهو بهذا الكلام قد وجّه رسالة تحذيرية للرئيس المكلف مصطفى أديب أنه في حال ضمّ "الحزب" إلى حكومته، سوف تمتنع السعودية عن التعاون معه. أمّا الجهة الثالثة بحسب المصادر، فهي نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين وضعوا كميّات من الشروط والعراقيل والاقتراحات، من شأنها احراج "الحزب" وذلك في محاولة منهم للتغلّب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
وختمت المصادر قولها: كل هؤلاء كانوا يُريدون إحراج حزب الله وإخراجه من المشاركة في الحكومة ومن اختيار الأسماء وجعله في مواجهة مع الفرنسي، لكن السيد نصرالله أبطل أمس الأول سحرهم وعرّاهم بعد أن فنّد واقع الحال، قبل أن يُختم المشهد بإنقلاب السحر على الساحر.
ترقّب خارجي ومراقبة لمواقف "الثنائي"
[caption id="attachment_81742" align="alignleft" width="444"] السيد حسن نصرالله : الزموا حدودكم.[/caption]الموقف الذي أعلنه امين السيد من المبادرة الفرنسية يختلف بحسب القراءة الخارجية في مضامينه عن موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لأن الأول أرداها بالضربة القاضية وأفرغها من مضامينها الاقتصادية وحوّلها إلى هيكل عظمي، في حين حاول الثاني بلسان المكتب السياسي لحركة أمل رد الاتهامات التي وجّهها ماكرون إلى رئيسه والدفاع عن موقفه لجهة تمسّكه بالمبادرة الفرنسية غامزاً من قناة نادي رؤساء الحكومات السابقين ومحمّلاً الرؤساء نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري مسؤولية إعاقة تنفيذها.
وكان أمهل ماكرون القادة اللبنانيين أربعة إلى ستة أسابيع لتشكيل حكومة في إطار مبادرته، مشدداً على أنه أخذ علماً بـ"الخيانة الجماعية" للطبقة السياسية اللبنانية بعد إخفاقها في تشكيل حكومة، خلافاً للتعهدات التي أعلنتها في أول أيلول خلال زيارته الثانية للبنان. وقال إنه لا دليل على أن إيران لعبت دوراً في منع تشكيل الحكومة اللبنانية، مؤكداً على ضرورة توضيح حزب الله لموقفه لأنه لا يسعه أن يكون ميليشيا وقوة سياسية في الوقت نفسه. وإذ اعتبر أنه يخجل مما يقوم به القادة اللبنانيون بعد فشلهم في تشكيل الحكومة، ندد بنظام من الفساد يتمسك به الجميع لأن الجميع يستفيدون منه.
من باب التذكير، ففيما كانت المبادرة الفرنسية تترنّح على وقع التوازنات الداخلية واختلاف الآراء بين هذا الفريق وذاك، استهدفتها واشنطن عبر وزير خارجيتها مايك بومبيو الذي هاجم الرئيس الفرنسي لجهة اجتماعه بمسؤول كبير في حزب الله هو النائب محمد رعد. يومها طُرح أكثر من سؤال محلّي، مفاده: هل أطلقت الولايات المتحدة الاميركية رصاصة الرحمة على المبادرة الفرنسية؟. الجواب يأتي حتماً من خلال المناظرة العلنية التي عُرضت الاسبوع الفائت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمرشح للرئاسة جو بايدن، وذلك بقول الأول: اليوم نحن نحكم العالم كله ونتحكّم به.