تفاصيل الخبر

المأزق لم يعد في نظرة المسلم الى الآخر ولا في نظرة الآخر الى المسلم بل في نظرة المسلم الى نفسه!

29/07/2016
المأزق لم يعد في نظرة المسلم الى الآخر ولا في نظرة  الآخر الى المسلم بل في نظرة المسلم الى نفسه!

المأزق لم يعد في نظرة المسلم الى الآخر ولا في نظرة الآخر الى المسلم بل في نظرة المسلم الى نفسه!

 

بقلم: المحامي عبد الحميد الأحدب

عبد-الحميد-الاحدب--AHDAb 

بعد مجزرة <نيس> في جنوب فرنسا، ظهر على شاشة التلفزيون رجلان مسلمان يتحادثان في <سوبرماركت>، فيقول الأول للثاني: <صرت أخجل وأخاف من نظرات الناس! أرى في نظراتهم قسوة ورغبة في الانتقام، وأرى احتقاراً لي وكأنني أنا من ارتكب المجزرة، وأرى في عيون الناس حولي نظرة تضعني أدنى من مستوى البشر، لم أعد أستطيع ان أواجه نظرات الناس، تعال نذهب الى مكان ليس فيه من ينظر الينا هذه النظرات>.

فالتفت اليه الثاني ليقول له: <أنا اسير معك ولا أرى حولنا ناساً ولا نظرات! فمن أين تأتي بهذه النظرات والإدانات>؟

فقال الأول: <صحيح ليس هناك ناس حولنا، وليست هناك نظرات، ولكن هذا ما اشعر به في أعماق قلبي وضميري ولا أستطيع ان اتخلص منه!>.

فوعي المسلمين المتنوّرين للحالة التي أوصلهم اليها اسلام الجهاديين نادر، وهو لو انتشر لأنقذ المسلمين في بلاد الإسلام وفي أوروبا وأميركا من أخطار تحدق بهم.

فبعد مجزرة <نيس> هناك خبر أخفته السلطات الفرنسية وهو محاولة بعض الفرنسيين المتطرفين الناقمين الاعتداء على الأحياء الإسلامية في جنوب فرنسا والانتقام من المسلمين، بمجزرة كتلك التي ارتكبها سائق الشاحنة الذي دهس الأطفال والنساء والأبرياء الذين كانوا يتفرجون على الألعاب النارية في العيد الوطني الفرنسي في مدينة <نيس>، ولكن السلطات الفرنسية عتّمت على الخبر وقمعت المحاولة بيد من حديد.

فإلى أين؟ وما سبب انتشار هذه الروح المتوحشة باسم الدين بين المسلمين؟ دُهِس 84 طفلاً وامرأة أبرياء باسم الدين! كيف وصلنا الى هذا الانحدار حتى صار هنالك ألوف يبحثون عن الخروج من جحيم الواقع الإسلامي الذي يعيشون فيه بتفجير أنفسهم للصعود الى الحوريات والأنهار والخمر والنعيم؟!

فلا خير أن تكون مسلماً هذه الأيام! فاعتلال النفس بفعل الشعور بالاضطهاد الى  حدّ كره الذات آفة تفتك بالكثيرين في هذه المرحلة!

فالمشهد يبدو مظلماً، لأن العالم الإسلامي هو في منطقة من الكرة الأرضية تتضاءل فيها اليوم امام المرء ولاسيما امام المرأة، ظروف النموّ والتقدم الحضاري وظروف الخروج من الظلم والظلام!

ان الشقاء الإسلامي يعيش من خلال شعور الخزي والعار، فقد مرّ زمن غير بعيد نسي المسلمون فيه التطلع الى المستقبل بشيء من التفاؤل، فقد دخلت دول إسلامية في القرن التاسع عشر عصر النهضة والحداثة ولكنها توقفت ثم بدأت بالتراجع.

<كان يا ما كان!>

فالمجتمع المصري على سبيل المثال، تمكّن في الماضي من أن يحتل المرتبة الثالثة عالمياً في الإنتاج السينمائي، فيما كان الرسامون والشعراء والأدباء والمفكرون والموسيقيون والكُتّاب المسرحيون والروائيون في بيروت والقاهرة وبغداد والدار البيضاء يساهمون في صياغة ثقافة عربية حيّة متجددة. هذا المجتمع خاض ثورة نزع الحجاب الى أن كان الانحدار والغثيان اللذان نراهما اليوم وهما عبارة عن حالة فكرية وايديولوجية اكثر منها مادية، وهذا الذي أودى الى اعتقاد المسلمين ان لا مستقبل امامهم، ليجري بعد ذلك إسقاط حضارة حية من اجل الاستسلام لعقيدة الشقاء والموت.

الشقاء الإسلامي؟ دلالاته نسبة الأمية والهوّة المخيفة بين الغنى والفقر، الغنى الفاحش والفقر المدقع مما ولّد الشعور المتجذر والشائع بأن المستقبل مسدود، وصارت المعضلة في نظرة المسلم الى الآخر ونظرة الآخر الى المسلم، ولكن المشكلة الكبرى هي في نظرة المسلم الى نفسه، وهنا قلب المشكلة!

فالإحساس الهائل بالعجز الذي يتولّد عنه الشقاء يتغذى من البكاء على الأطلال، وصار العجز رمز الشقاء، العجز المتمثل بشعور المسلمين (معظمهم) بأنهم لم يعودوا سوى كمية مُهمَلَة على رقعة <الشطرنج> الكونية.

ودعمت هذا الشعور خسارة حرب فلسطين التي كانت فيها أعداد <الهاغاناه> اليهودية متفوّقة على اعداد كل الجيوش العربية مجتمعة، وكانت المأساة الكبرى في هزيمة 1967 التي جاءت وكأنها تدين عجز المسلمين باعتباره عجزاً وراثياً او حضارياً، ثم كان نصف انتصار ونصف هزيمة 1973 لتصبح إسرائيل بعدئذٍ تصول وتجول وحدها في الشرق حتى وصل الأمر الى حصار عاصمة عربية هي بيروت سنة 1982، فيما العرب والمسلمون كانوا اعجز من ان يفعلوا شيئاً!

هذا العجز هو الذي ولّد جحيماً مبرّراً لتحليل تشريع عنف دموي شامل شمولي، في محاولة لتحويل الضحية دينياً الى كسبٍ للجنة، وهذا المنحى الديني هو في حد ذاته من علامات الشقاء الإسلامي بل هو الشقاء بحد ذاته!

وواكب هذا الانجراف او إن سببه الأنظمة السياسية الديكتاتورية التي استقرت في العالم الإسلامي بعد خروج الغرب منه، حيث أصبح الحكام الاستقلاليون تحت شعار التحرير والذين يرتعون على كرسي السلطة عشرات السنين حاكمين بأمرهم، عقبة امام التحديث والإصلاحات لانعدام الحرية، فأصبحت الأنظمة السياسية مُشَخْصَنة وتتغذى من انتعاش النزعة الدينية الشعبية وتواطؤ السلطة معها، وهذا أدى الى انتشار الحجاب على رؤوس النساء وتقييد حرية الفكر.

ومن السودان الذي انقسم الى <ثلاث سودانات>، الى اليمن الذي كان خارج التاريخ وكان سعيداً فصار تعيساً، الى سوريا التي حكمتها ثقافة الرعب والإجرام، وكذلك فساد جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، الى القبضة البوليسية الصينية، ثم الى لبنان الذي حرروا فلسطين من مدنه فحُرم العالم العربي حين فقد لبنان من مختبرات الحداثة وخسر جزيرة تتمتع بحرية الرأي!

الى القذافي الذي قبض عل افراد شعبه كل واحد في قفص خلال نصف قرن، ولما خرجوا من القفص تصادموا ووجدوا ان كل انسانيتهم وكل نموّهم الفكري والثقافي والعقلي قد أفرغ إفراغاً تاماً.

الى الأردن الذي حاولوا تحرير فلسطين من خلال محاولة إشْقائِه.

الى مصر، التي صار جيشها حزباً له سلطة ومنفعة وعلى الدنيا السلام، وعلى تاريخ مصر وعلى تراثها الثقافي والإجتماعي وعلى محمد علي الكبير الف سلام!!!

الى دبي التي يقيم فيها ثلاثة ملايين مغترب فيما سكانها الأصليون مئة وخمسون الف نسمة، وقد بقي تكريس الزّي الوطني وحجاب المرأة حتى العيون واقفاً في وجه التحديث الحقيقي!

ثم النهضة البرلمانية في الكويت والأردن لتغيير القوانين نحو التحديث المفترض.

فصارت القارة الإسلامية هي الوحيدة التي يعمها العجز الديموقراطي، والبقعة التي يهيمن فيها على العقول اللاوعي الإسلامي المقترن بالحنين الى المجد الغابر والشقاء الحاضر، وصار العجز الديموقراطي يتضاعف من خلال عجز في المواطنة، فالسلطة <الوطنية> ليست فقط عاجزة عن حماية دولها ومواطنيها من أي خطر خارجي بل هي ايضاً وبحد ذاتها تشكل الخطر على حياة مواطنيها وكرامتهم وشرفهم من خلال الاستبداد الذي تمارسه بحقهم.

وحلّ محل عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وعثمان بن عفان وأبو بكر الصديق، حلّ محلهم بن لادن، وخليفة الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي، ولئن كان صعود الاسلام الجهادي نتيجة الافلاس وغياب الحرية والتنمية والشعور بالعجز والشقاء في اللاوعي، الا انه لا يمكن اعتباره حلاً لمأزق الذل في المجتمعات الاسلامية لأنه أصبح مشكلة لا بل معضلة خطيرة على الاسلام ذاته! لأنه يشبه نهضة الفاشية في اوروبا وينمّ عن الكثير من الشبه مع الديكتاتوريات الفاشية.

فالخطأ الكبير كان في الاعتقاد ان بإمكان الاسلام السياسي الجهادي ان يوفر فرصة للخروج من الشقاء الاسلامي ولكنه يتبيّن كل يوم انه هو.. هو بالذات سبب الشقاء الإسلامي. فالإسلام ليس الا في السنوات الاربعين الاولى من حكم الرسول وخلفائه الراشدين. بعد ذلك كل شيء تقهقر... بعد ذلك صار معاوية في قصة البَيْعة يقول هذا ويشير الى يزيد فمن أبى فهذا واشار الى سيفه!

وتحول الاسلام يومئذٍ من رسالة الى سلطة وملك، ولم يكن الاسلام سلطاناً وملكاً بل كان رسالة.

                كان دعوة لرسالة دينية خالصة لا تشوبها نزعة ملك:

<وما ارسلناك عليهم وكيلاً>.

<ارسلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها>.

<فذكّر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر الا من تولى وكفر فيعاقبه الله العذاب الاكبر>.

                مشكلة الاسلام ان السلاطين خطفوه وجعلوه ملكاً، فضاع الدين وضاعت الرسالة.. بعد اربعين عاماً من الرسالة.

                خطف السلاطين الدين، وجرت محاولات كثيرة للنهضة وللحرية وللعودة بالإسلام الى رسالته الدينية والاخلاقية، ولكنها باءت جميعها بالفشل وتراجعت ثم سقطت اليوم سقوطاً مبيناً، وكانت النتيجة هذا الذي رأيناه وما نراه، مما يعتبره الدين كفراً وضلالاً.