تفاصيل الخبر

المعتقلون اللبنانيون في سوريا قضية وطنية جامعة تنتظر تحرك الدولة اللبنانية لإقفال هذا الملف الإنساني!

05/06/2015
المعتقلون اللبنانيون في سوريا قضية وطنية جامعة  تنتظر تحرك الدولة اللبنانية لإقفال هذا الملف الإنساني!

المعتقلون اللبنانيون في سوريا قضية وطنية جامعة تنتظر تحرك الدولة اللبنانية لإقفال هذا الملف الإنساني!

بقلم صبحي منذر ياغي 

O_IOEIU_721736 أدت الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان منذ انطلاقة شرارتها اثر حادثة عين الرمانة يوم 13 نيسان/ أبريل 1975 الى سقوط الآلاف من القتلى والجرحى والى عدد كبير من المفقودين الذين ما زال مصيرهم حتى اليوم مجهولاً.. وكان الدخول 12السوري الى لبنان عام 1976 إشكالية وسبباً من أسباب تعقيدات الأزمة اللبنانية.. ولم يكتفِ النظام السوري بمواجهة خصومه ومعارضي تدخله في لبنان بالحديد والنار، بل قام طوال فترة وجوده على الأراضي اللبنانية بزج الكثير من اللبنانيين والفلسطينيين في سجونه سواء على الاراضي اللبنانية ام في سوريا، ما أدى الى ضياع مصير الكثيرين منهم، وباتوا في عداد المفقودين، وصارت قضيتهم من القضايا الوطنية، فيما نفى النظام السوري أكثر من مرة وخلال لقاءات مع مسؤولين وشخصيات ولجان لبنانية شكلت لهذه الغاية وجود معتقلين سياسيين لبنانيين في سجونه.

 

إشكالية وطنية

موضوع المفقودين اللبنانيين صار في الوقت نفسه إشكالية وطنية داخلية بحيث ان حلفاء النظام السوري في لبنان يعتبرون ان هذا الموضوع يراد منه توتير العلاقات السورية اللبنانية، وانه من غير المعقول توجيه الاتهام لسوريا في هذا السياق، خصوصاً وان السلطات السورية نفت وجود معتقلين لبنانيين في سجونها والحرب كانت طاحنة وعشوائية أدت الى مقتل المئات من اللبنانيين، بطرس-خوندفضلاً عن مشاركة أطراف حزبية لبنانية في الخطف والخطف المضاد خلال هذه الحرب، فاختلط الحابل بالنابل.

عون: الازمة قائمة

العماد ميشال عون ألمح اكثر من مرة الى ان المسؤولين السوريين أبلغوه بعدم وجود معتقلين لديهم رغم اعتبار رئيس تكتل التغيير والإصلاح ان قضية المفقودين أصبحت مهمة جداً ومن الضرو ري  البحث فيها، الا انه ربط ذلك بالبحث ايضاً في مصير المفقودين في لبنان، مؤكداً ان هناك أناساً مفقودين في لبنان لم يصلوا إلى سوريا قد يبلغ عددهم الثلاثمئة، وقال: <إننا لا نربط بين ملف المفقودين في سوريا والمفقودين في لبنان، فالأزمة قائمة والمفقود مفقود. نحن نطالب ببنك الحمض النووي الـADN ووزير دولة لهذا الملف، وهذه قضية انسانية يجب البحث فيها، وأنا متضامن مع أهل المفقودين ليس لهدف سياسي، بل لهدف انساني...>.

 

الاعتصام قرب <الاسكوا>

علي-ابو-دهن

ومنذ الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005، قام أهالي المخطوفين والمفقودين بنصب خيمة صغيرة في الوسط التجاري لبيروت، قرب مبنى< الاسكوا> زينوها بصور مفقوديهم للمطالبة بعودتهم من السجون السورية، مؤكدين عدم تراجعهم عن المطالبة بحقهم في معرفة مصيرهم خصوصاً أن بعض هؤلاء فقدوا منذ أكثر من 30 عاماً. كما تحرّكت لجنة المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية للضغط على الحكومة اللبنانية من أجل إنهاء هذه المأساة بشكل جذري، وإعادة المفقودين اللبنانيين إلى ذويهم. ولم يتوقف تحرّك الاهالي الذين يواصلون عملهم على الرغم من تبلّغ الدولة اللبنانية من نظيرتها السورية عدم وجود أي سجين لبناني في سجونها، إلا من صدرت بحقه أحكام قضائية عليه تنفيذها ليطلق سراحه لحظة انتهاء فترة سجنه.

 

أبو دهن:استدعاء السفير السوري

 

وكان علي أبو دهن رئيس لجنة المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية والذي قضى 13 عاماً في سجن <تدمر> بتهمة الانتماء للقوات اللبنانية قد طالب باستدعاء السفير السوري علي معتقلونعبد الكريم علي للحصول منه على معلومات تتعلق بالمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، ولإطلاق سراح الأحياء منهم واسترجاع رفات الأموات.

وفي معرض حديثه عن ظروف اعتقاله وتذكره ايام العذاب في سجن <تدمر>، أشار الى انه تنقل في أكثر من سجن سوري لتحط به معاناته في سجن <تدمر> وسط ريف مدينة حمص، وهو السجن الأسوأ عالمياً من وجهة نظره، بسبب كمية الإجرام التي مارستها الأجهزة الامنية فيه على مدى خمس سنوات من اعتقاله فيه.

ويضيف: <كتب على أبواب السجن عبارة: (الداخل مفقود والخارج مولود). دخلنا السجن واستقبلنا حينئذٍ أحد عناصر الأمن بجملة ترحيبية مفادها: هنا في هذا السجن، منع حافظ الأسد وجود الله، نحن الله، نحن نحييكم ونحن نميتكم>.

وأكمل: كان الموت سهلاً جداً عندهم. في المقابل كنا نحن نطلبه لعدم قدرتنا على تحمل ما يحدث أمامنا. وأكد السجين أنه ترك في السجن عدداً من السجناء اللبنانيين والذي لم يعد يعرف عن أخبارهم أي جديد بعد انتقاله إلى سجن آخر.. ويأخذ أبو دهن على الحكومة اللبنانية تقصيرها في هذه المسألة، فهي لم تحرّك ساكناً من أجل 615 معتقلاً في السجون السورية، سلّمها أسماءهم وتفاصيل اختفائهم، وسلّمتها بدورها إلى السلطات السورية التي نفت وجودهم. يتساءل أبو دهن: <ان كان ذلك صحيحاً، فمن أين أتى المحرّر المعتقل يعقوب شمعون الذي أطلق سراحة في شهر آب/ أغسطس 2012؟>.

يعقوب شمعون: رحلة العذاب

تبكي-حبيبيا-مفقودا

كان يعقوب شمعون قد خطف ونقل الى فرع أمن الدولة السورية في العام 1985 لتبدأ جلجلته على درب العذاب البعثي. وعلى غرار سيرة كل معتقل في تلك الزنزانات، خضع يعقوب للتعذيب بكل أشكاله، قبل ان يحاكم ميدانياً في محكمة صورية، بتهمة الانتماء الى حزب الكتائب اللبنانية و<التجند لدى دولة معادية>. هكذا بدأت سيرته في المعتقلات الطويلة من سجن <المزة> الشهير حيث التقى علي ابو دهن، وسمع عن شبان من زحلة أحدهم يدعى الياس شعيا وشقيقه يوسف، وأحمد ومحمود (ص). والياس مجهول باقي الهوية وجميعهم لبنانيون، لينتقل بعد ذلك خلال العام 1992 الى معتقل <تدمر> الشهير ويبقى سجيناً فيه من العام 2001 في ظروف تعجز الكلمات عن وصفها، على ما يقول يعقوب. ويروي انه يصعب التمييز بين لبنانيين وآخرين في تدمر، لكن كل ما عرفه ان هناك جناحاً يتسع لحوالى 30 شخصاً كان يضم لبنانيين من بينهم إسلاميون وكتائبيون وقواتيون ومتهمون بالتعامل مع اسرائيل وآخرون.

التعذيب والقهر

<الرعب في ذاته>، كلمات تختصر حال شمعون في وصف ما تعرض له وترك آثاره العميقة في نفسه بدءاً من السير مغمض العينين الى التعذيب الشديد والقمع، والقليل من الرز والبرغل مع الكثير من النمل على مدار الساعة تحت إشراف الشرطة العسكرية السورية التي يقول انها تتولى إدارة معتقل <تدمر>، حيث عاش 9 سنوات لينقل في العام 2001 الى سجن <صيدنايا> ومجدداً يشهد انتفاضة السجناء مرتين ضد إدارته للمطالبة بتحسين ظروف الاعتقال، كما شهد تقاتل السجناء بعضهم مع بعض. وفي معتقل <صيدنايا>، التقى اللبناني قيس منذر ولبنانيين منهم معتقل من آل حنا في المهجع رقم 14. واستمر شمعون سجيناً حتى الإفراج عنه بعدما دفع أموالاً ليخرج، وكانت عائلته قد <باعت ما فوقها وتحتها> كي تؤمن الإفراج عنه وهي تعيش داخل منزل بالإيجار في البوشرية وسط فقر مدقع وحال صعبة.

رئيس منظمة <سوليد> غازي عاد نفى صحّة خبر تحرير سجناء لبنانيين على يد تنظيم <داعش> من السجن العسكري في تدمر. وأوضح عاد ان <المنظمة تلقت تأكيدات من المعارضة السورية وبعض الصحافيين الموجودين في المنطقة انه قبل يومين من دخول <داعش> الى سجن <تدمر> تم إخلاء آخر دفعة من المساجين الموجودين في السجن الى مناطق لا نعلمها>. وأكد انه بعد الاحداث في سوريا لم نعد نعلم شيئاً عن السجناء اللبنانيين الموجودين في سجن <تدمر> ولم نعد نستطيع ان غازي-عادنحدد ما اذا كانوا لا يزالون في تدمر.

اوغاسبيان: لا أرشيف

 

وأشار النائب جان أوغاسبيان الى ان عدد المخفيين في لبنان خلال الحرب اللبنانية ما بين 1975 و1990 يبلغ 17200 مخفي، وعملية تنظيم <داتا> المعلومات بشأن المخفيين في سوريا توضح أن هناك 615 اسماً من المخفيين في سوريا، وهذا الموضوع ناقشته مع رئيس الوزراء آنذاك ناجي العطري في اجتماعات عدة، وكان الرد من قبلهم باستمرار أن لديهم 130 شخصاً آنذاك محكومين جنائياً والآن أخلي سبيلهم كلياً. وسوريا نفت نفيا قاطعاً أن يكون لديها 615 لبنانياً في سوريا، مؤكداً انه على الرغم من الاثباتات التي لدينا عبر الاذونات بالزيارة وغيرها، فقد تبين لنا أن المخفيين السياسيين لا ارشيف لهم.

والتحركات التي يقوم بها أهالي المفقودين تتجه نحو التدويل، بحيث من المتوقّع أن يتخذ التحرك بعداً دولياً. وأشار علي أبو دهن إلى استمرار الاتصالات مع الأمم المتحدة في هذا الشأن، وقال: <في حال لم تستجب الحكومة اللبنانية لمطالبنا، سنعمد إلى تقديم شكوى إلى مجلس الأمن. لكننا نبقى دائماً تحت سقف الدولة اللبنانية ولا نريد أن نتخطى حدودها، لأنها المسؤولة على الرغم من أنها تظهر عدم مسؤوليتها، وكأنها تطلب ما إن نتمثل بما يفعله الآخرون من اعتصامات وقطع طرقات وحرق دواليب. لكنّ قضيتنا إنسانية ونريد معالجتها بالطرق السلمية والدبلوماسية>.

سجن-حلب-المركزيبطرس خوند:

المصير المجهول

إنكار السلطات السورية لوجود معتقلين سياسيين لبنانيين لديها جوبه بنشر الكثير من الوثائق والتحقيقات والاسماء وحتى صور لبعض المعتقلين، والاذونات التي حصل عليها أهالي معتقلين من فروع المخابرات السورية لمقابلة أبنائهم، ومن هذه الأدلة إدلاء منظمة سورية تعنى بقضايا العدالة والحقيقة بمعلومات مؤكدة ملحقة ببراهين خطية تشير إلى ان اللبناني بطرس خوند (عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب الذي خطف في 15 ايلول/ سبتمبر 1992)، نُقل وبأمر من الرئيس الأسبق لشعبة المخابرات العسكرية السورية العماد علي دوبا إلى سجن <تدمر> العسكري، ليسلم بعد سنة إلى المخابرات الجوية السورية، ومن هناك تم نقله إلى معتقل <خان أبو الشامات> التابع لهذا الجهاز في شمال شرق دمشق.

في المقابل، أكدت السيدة جانيت خوند (زوجة بطرس خوند) ان زوجها خطف تحت ظرف سياسي لأنه كان أحد قياديي حزب الكتائب في ذلك الوقت، وغالبية الاتجاهات تقول انه في سوريا، والدليل على ذلك ان هناك عدداً من المعتقلين الذين خرجوا قالوا انهم رأوا بطرس في السجن.

واذا كان البعض قد ربط بين اختطاف بطرس خوند وموضوع الدبلوماسيين الايرانيين الاربعة الذين فقدوا عند حاجز البربارة للقوات اللبنانية عام 1982، فإن السيدة جانيت عاد ترفض هذا الربط مؤكدة انها  <قابلت السيد حسن نصر الله في العام 1995 ولكنه نفى نفياً قاطعاً أن يكون بطرس موجوداً لدى حزب الله، وأكد لي ان لا علاقة لزوجي بخطف الديبلوماسيين وهو غير موجود في ايران أو لدى حزب الله>.

جنجنيان:

موضوع دقيق

التعذيب-في-السجون-السورية

وقال نائب زحلة شانت جنجنيان في هذا الاطار لـ<الافكار> ان ملف المفقودين موضوع دقيق يجب معالجته في إطار لجنة من أهالي المفقودين وبعض السياسيين مع المسؤولين السوريين بعيداً عن الاضواء، وهو موضوع وطني وإنساني ولا يجب أبداً السكوت عنه بل متابعته حتى يعرف الاهالي مصير أبنائهم، مستغرباً كيف ان البعض في لبنان يحاول <لفلفة> الموضوع وتسويته على حساب مشاعر الناس...

عمار قربي: تقرير مفصل

وكان الدكتور عمار قربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية قد أعدّ تقريراً مطولاً عن السجون السورية عام 2007 أكد فيه انه لا توجد إحصائية رسمية للسجون عامة والمعتقلات السياسية خاصة في سوريا لأنه ورغم إغلاق سجن <المزة> وسجن <تدمر> ما زالت بعض الأقبية في مراكز الأجهزة الأمنية تستعمل كمعتقلات وما زالت هناك بعض المعتقلات غير المعروفة المكان. وتتنوع السجون بحسب هذا النظام بين فروع وأقسام مخافر، ويصنف السجناء والموقوفون على أساس التفريق بين الرجال والنساء والأحداث، والتفريق بين المحكومين والموقوفين وحسب فئات الجرائم ومدة الحكم، اذ توضع العاهرات ضمن غرفة خاصة في سجن النساء كما يوضع المحكومون بمدة أقل من ثلاث سنوات في قسم <الجنح> معاً، ويوضع المحكومون بأقل من عشر سنوات جنباً الى جنب ومن ثم المحكومون بمدة أكثر من عشر سنوات، وأخيراً المحكومون بالسجن المؤبد. وغالباً ما يكون المعتقلون من أحد الأنواع الآتية: الشيوعيون (مكتب سياسي، حزب <العمل>، <المنظمة الشيوعية العربية>)، البعث الديموقراطي (جماعة صلاح جديد)، بعث القيادة القومية (الموالون للعراق)، اخوان مسلمون -  فلسطينيون (<فتح>، <جبهة التحريرالفلسطينية> إلخ)، لبنانيون (<قوات لبنانية>، < كتائب>، تعامل مع إسرائيل، حزب <التوحيد الإسلامي> في لبنان)، أكراد (حزب <PKK> حزب <العمال الكردستاني> - نشطاء كرد إلخ)، تيارات إسلامية مختلفة (<حزب التحرير الإسلامي>، سلفيون، جماعة التكفير والهجرة...)، لجان إحياء المجتمع المدني، منظمات حقوق إنسان، منظمات وجمعيات غير مرخصة، صحافيون وكتاب ومثقفون، سوريون قادمون من العراق، معارضون سوريون، منفيون سوريون عائدون من الخارج.

واضاف: لا يزال خطر التعذيب يهدد المعتقلين والسجناء في الفروع الأمنية والقضائية على السواء. ووفقاً لشهادات ضحايا التعذيب، فقد استخدمت في تعذيبهم الوسائل الآتية: الكرسي الألماني، بساط الريح، التعذيب بالمياه، التعذيب بالكهرباء، الحرق بالسجائر، الضرب بالكابلات المعدنية على مختلف أنحاء الجسد، الدولاب، الضرب والركل والصفع، الجلد على أسفل القدمين، توجيه الإهانات والشتائم النابية، بالإضافة إلى تقييد اليدين وعصب العينين، إذ تستخدم السلطات السورية التعذيب الجسدي والنفسي ولاسيما في فترة التحقيق الأولية التي يخضع لها المعتقل.