ظاهرة الانقسامات داخل الاحزاب اللبنانية "دقت" باب "التيار الوطني الحر" الذي أسسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسّمى رئاسته قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، الى صهره النائب جبران باسيل في عملية انتقالية لم تخل في حينه من التململ داخل "التيار" لاسيما مع وجود النائب الان عون كمرشح منافس لباسيل الا ان هذه المنافسة "سقطت" بناء على رغبة "الجنرال" في حينه بأن يكون باسيل رئيساً لــ "التيار" بالتزكية، اي من دون اي منافسة، وكان له ما اراد واصبح "الصهر" رئيساً لــ "التيار الوطني الحر" وتم تجديد رئاسته مرة اولى، وقريباً ستحصل انتخابات داخل "التيار" يتوقع ان تكون الكلمة الفصل فيها لــ "جبران".
وصول "الانقسام" الى داخل "التيار" كان يحصل بهدوء بعيداً عن الاعلام مع خروج وجوه عونية بارزة من الحزب و "طرد" اخرى لاسباب مسلكية، الا انه في الاسبوعين الماضيين تبلورت لدى "الخارجين" فكرة الالتقاء علانية وتشكيل هيئة رسمية تضم من تيسر من "الحرس القديم" وجلّهم من المعارضين لسياسة النائب باسيل ومواقفه وادارته لشؤون الحزب وهم عبروا مراراً عن "امتعاضهم" من مسار "التيار" وتوجهات باسيل، الا ان اعتراضاتهم التي وصلت الى قصر بعبدا، لم تلق اذاناً صاغية فتقرر الخروج الى العلن والتعبير عن معارضة "النهج الفردي" داخل "التيار". ومن رموز "الحرس القديم" يبرز المحامي انطوان نصر الله ، ورمزي كنج الملتزم عونياً، نعيم عون وزياد عبس (علماً انه بات يقدم نفسه بأنه مستقل) ومجموعة من الضباط المتقاعدين الذين عملوا تحت إمرة العماد عون عندما كان قائداً للجيش ثم انضموا اليه سياسياً بعد تقاعدهم.
طموح "الخارجين" بات علانياً بعد الاجتماع الذي عقدوه في احد فنادق ضاحية بيروت الشرقية وهم يتطلعون الى تأسيس حالة تنظيمية اخرى بعد اقفال باب الحوار من باسيل اولاً، ثم من "الرئيس الجنرال" ثانياً، علماً ان نعيم عون زار عمه مراراً في الآونة الاخيرة وفتح معه خطاً عنوانه " تصحيح مسار التيار" وترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مداها، لأن "المعترضين" يأخذون على الرئيس عون التدخل عند الحاجة لصالح باسيل في اي خلاف يقع داخل التيار في مقاربة الشؤون الوطنية المختلفة. والملاحظ ان تمدد "الخوارج" بات واضحاً سواء في المناطق ومن خلال "خردقة" المنسقيات، او من خلال الاغتراب حيث بدأت ترد معلومات عن تحركات عونية مناقضة لقيادة "التيار" ولاسيما للنائب باسيل، بدأت تظهر مع توفير تغطية اعلامية لها بهدف تثبيت امر الواقع المستجد داخل الحركة العونية، واللافت ان "المعترضين" الذين بدأ يتكاثر عددهم اختاروا اسماً موقتاً لتجمعهم هو "التيار- الخط التاريخي" وسيبقى الاسم موقتاً الى حين تكريس الواقع الحزبي الجديد لخلق اطار حزبي واضح وتفعيل النشاط بكل وجوهه السياسية والاعلامية والشبابية والتربوية والنقابية وتأخيره في مؤسسات للظهور العلني والخروج من الفنادق الى ساحات النضال التي كان "التيار" القدوة فيها لاسيما في الجامعات والساحات والشوارع.
والانتقال الى المرحلة الجدية من العمل، تفرض على المنتفضين اعداد هيكلية يجري بحثها وسيكون لــ "التيار- الخط التاريخي" مكتبه السياسي ولجانه وتوزيع المسؤوليات على الطاقات الكثيرة في التنظيم الناشىء بعد نحو سبع سنوات من العمل الذي كان عفوياً ليصبح فاعلاً، وهو يضم عشرات لا بل مئات من القياديين والناشطين والاعضاء الذين خرجوا من "التيار الحر" او اخرجوا منه كما في حالة ميشال دوشادرفيان المسؤول عن العلاقات الخارجية في التيار واستقال منه الاسبوع الماضي بعد 32 سنة الى جانب العماد عون وحضر خلوة المعارضة.
ويقول المعارضون انه مع وصول اللبنانيين الى حالة اليأس والموت البطيء قرروا العمل خارج "التيار الوطني الحر" كي يعيدوا الامل لهم من خلال اطلاق تنظيمهم بعد ان اتخذوا لهم مكاتب في جسر الباشا وبعد الاستماع في الخلوة التي دامت ساعات الى كل الاراء لاكثر من 65 شخصاً حضروا الخلوة، ومشاركة آخرين في بلاد الانتشار ليأتي القرار تفعيل العمل والظهور العلني والانطلاق بحوار مع الطلاب لاسيما في الجامعات التي كانت ساحة نضال للتيار والتحضير لاجواء تغيير ستكون الانتخابات النيابية المقبلة محطة اساسية لالحاق "هزيمة" بالسلطة الحاكمة تقول مصادر المعارضين الذين سيتركز نضالهم على استعادة اللبنانيين للامل في البقاء بوطنهم لا ان يكونوا مشروع هجرة دائماً والانفتاح على غالبية القوى السياسية من خلال قواسم مشتركة والخروج من عقلية الابتزاز التي مورست في ظل التفاهمات او التسويات التي حصلت مع احزاب سياسية. وستتبلور صيغة الهيكلية التنظيمية في فترة قريبة مع من سيكون في قيادة التيار الجديد تحت شعار الاستفادة من كل الطاقات والابتعاد عن الممارسة الفردية لعمل جماعي ولن يذهب من يخرج او يطرد من التيار برئاسة باسيل الا الى "التيار- الخط التاريخي".
ماذا تقول قيادة " التيار"؟
ماذا يقول "التيار الوطني الحر" في خطوة المعارضين؟
تفضل مصادر في "التيار" عدم الدخول في سجال مع فريق "المعترضين"، لكنها تؤكد على امرين الاول ان خروج المعترضين ليس بأمر مستغرب من حزب كبير وواسع الانتشار مثل "التيار الوطني الحر" لانه دائما هناك داخل الاحزاب من لا يتكيف مع الواقع السياسي للحزب او التوجهات التي تقررها القيادة السياسية وبالتالي تحصل انشقاقات او خروج لحزبيين وهذا أمر طبيعي ومألوف داخل "الاحزاب"، اما الامر الثاني فهو ان هذه المجموعات "شخصنت" الخلاف مع قيادة "التيار" لانها كانت تسعى الى مراكز حزبية معينة وحجبت عنها ، فكانت ردة فعلها الخروج من "التيار" عوضاً عن البقاء فيه ومحاولة تصحيح ادائه من الداخل اذا ما تبين ان العلة داخلية. وتضيف هذه المصادر ان غالبية المعترضين تنطبق عليهم معايير البحث عن مواقع لهم داخل الحزب وردة فعلهم تبدو طبيعية بعدما خسروا هذه المواقع، مع الاشارة الى ان قيادة الحزب حاورت "المعترضين" اكثر من مرة من دون الوصول معهم الى تفاهم حول المسائل التي يعترضون عليها. وفي تقدير المصادر نفسها انه عندما يصل الاعتراض الى حد "شخصنة" الاسباب من الافضل للمعترضين ان يغادروا الحزب لان بقاءهم فيه سوف يشكل "صوتاً شاذاً" قد يجر معه حزبيين آخرين لهم تحفظات على سياسة "التيار" مما يخلق خللاً داخل التركيبة الحزبية قد يكون من الصعب تفادي ردود الفعل عليها.
في اي حال، بين "التيار" في طبعته الاصلية، و"التيار- الخط التاريخي" ثمة قاسم مشترك وهو التمييز بين النائب باسيل المرفوض من المعترضين، ورئيس الجمهورية المقبول من الموالين والمعارضين على حد سواء، نظراً لرمزيته ولدوره التأسيسي ولشخصيته المميزة وتأثيرها على الجماهير العونية بالمطلق.....