الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم 22 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي والتي اعادت الرئيس سعد الحريري رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة الجديدة بأكثرية 65 صوتاً خلافاً لما كان حصل عليه الرئيس الحريري من اصوات في المرات الاربع التي كلف فيها تشكيل الحكومة، لم تفرز مواقف النواب اللبنانيين فقط، بل هي كشفت عن خلل في علاقات نواب في كتل عدة بينها كتلة "اللقاء التشاوري" التي كانت ولدت في ما مضى بهدف التدليل على ان التمثيل السني في البلاد ليس حكراً على آل الحريري، سواء ايام الرئيس الشهيد رفيق الحريري او في ايام نجله سعد. "اللقاء التشاوري" الذي ولد لثلاث سنوات خلت، وتحديداً بعد الانتخابات النيابية بدا يوم الاستشارات مفككاً ومشرذماً والنواب الستة الذين شكلوا "اللقاء" قبل مدة والتي من المفترض ان يكونوا "قلباً واحداً" وقالباً واحداً وموقفاً واحداً، تبعثروا بعيداً ووصل منهم ثلاثة فقط رفضوا تسمية الرئيس الحريري كل لاسبابه. فالنائب عبد الرحيم مراد لا يمكن ان ينسى ان الرئيس الحريري "حاربه" في الانتخابات الماضية في دائرة البقاع الغربي لكنه استطاع الفوز عن المقعد السني في الدائرة، والنائب فيصل كرامي لم يحظ بدعم الحريري في طرابلس لكنه استطاع ان يحجز لنفسه احد المقاعد السنية في الفيحاء ويثبت للرئيس الحريري وحلفائه انه رقم صعب في المعادلة السياسية الشمالية عموماً والطرابلسي خصوصاً. اما النائب الوليد سكرية فلم يكن يخشى سقوطاً في الانتخابات لانه كان على اللائحة التي يدعمها حزب الله في دائرتي بعلبك – الهرمل، وبالتالي فإن نجاحه مضمون.
اما النواب الثلاثة الذين كانوا في عداد "اللقاء التشاوري" السني الصافي في مواجهة الحريري وتمثيله السني، والذين خرجوا من اللقاء فلكل واحد منهم اسبابه وإن كانت تعددت الاسباب والنتيجة واحدة وهي "فرط" عقد النواب الستة ليصبحوا ثلاثة. والخارجون هم النائب عدنان طرابلسي والنائب جهاد الصمد والنائب قاسم هاشم، والثلاثة سموا الحريري لرئاسة الحكومة وفق حسابات متنوعة القاسم المشترك فيها الخروج من "اللقاء التشاوري". النائب عدنان طرابلسي الذي اصابته جائحة "كورونا" والزمته الفراش في منزله خرج عن خيار رفاقه في "اللقاء" وارسل خطياً رسالة سمى فيها الحريري معلناً بذلك ان من كان خصمه الانتخابي في دائرة بيروت لم يعد كذلك وانه يؤيد عودته الى السرايا "معززاً مكرماً" وبالتالي وضع جمعية المشاريع الاسلامية الخيرية التي ينتمي اليها في عداد حلفاء تيار "المستقبل"، وهو امر لم يكن مألوفاً في السابق اذ خاض انصار الجمعية " مواجهات " سياسية حادة ضد الحريرية قبل الانتخابات وبعدها وارادوا التميز عن المد السني الحريري واخذوا حيزاً خاصاً بهم. اما لماذا غيّر "الاحباش" (وهي تسميتهم الشعبية) موقفهم وصاروا مع الحريري فالمطلعون يتحدثون عن "تضامن" سني لاسيما وان الحريري كان المرشح الوحيد في الساحة وتسميته تبدو طبيعية في الجو المشحون مذهبياً في اكثر من اتجاه.
اما النائب جهاد الصمد الذي خاض "معارك" انتخابية ضارية ضد انصار تيار "المستقبل" في دائرة المنية - الضنية فقد ذهب هو الاخر الى صوب تسمية الحريري خلافاً للمناخ السائد في "اللقاء التشاوري" الذي كان احد مؤسسيه والناشطين الفاعلين فيه... قد يكون لدى النائب الصمد ما يبرر خطوته التي اصابت "اللقاء التشاوري" في الصميم، الا ان الواضح ان هذا "اللقاء" لم يعد له لدى الصمد حيثية سياسية او دور مستقبلي لذلك آثر الانسحاب منه "على بكير" ليأخذ لنفسه خيارات سياسية ترسم صورة مستقبلية قد تظهر في الانتخابات النيابية المقبلة، وبذلك يكون الصمد "استثمر" منذ الان مع الرئيس الحــــريري لتكون "استثماراته " مفيدة في الانتخابات المقبلة ترشيحاً واقتراعاً... ولن يكون من الصعب رؤية الذي تصدر الانتخابات النيابية في الضنية على مرشحي "التيار الازرق" رفيق درب " المستقبليين" اعترافاً منهم بدوره وحضوره من جهة، وقبولاً منه بالتحالف مع من خاصمهم لسنوات....
يبقى النائب قاسم هاشم الذي غاب عن "اللقاء التشاوري" ليظهر مع كتلة التنمية والتحرير" برئاسة الرئيس نبيه بري لانه يعتبر ان مكانه الطبيعي هو مع "ابو مصطفى" الذي يترشح على لوائحه الانتخابية في دائرة مرجعيون - حاصبيا ويفوز في كل مرة ممثلاً لسنة هذه الدائرة. ولم يكن غياب النائب هاشم عن "اللقاء التشاوري" نتيجة طبيعية لتأييد الرئيس بري تسمية الحريري وبالتالي لا مجال للمخالفة ولو على حساب وحدة "اللقاء التشاوري" المتهالك والذي تقلص عدد اعضائه الى النصف.
ويبدو من تسلسل الاحداث ان النواب الثلاثة الذين خرجوا من "اللقاء التشاوري" سلموا، ولو متأخرين، بأن " اللقاء " الذي وجد لمنع التفرد في الطائفة السنية من فريق واحد، عصفت به التباينات بالرأي والمواقف فتحول الى اجنحة ولم يعد لديهم مانع في ان يكون الحريري زعيم الطائفة السنية، وبالتالي فإن الهدف الاساسي الذي ولد "اللقاء التشاوري" على اساسه وهو كسر الاحتكار واظهار التنوع داخل الطائفة السنية، انتهى دوره مع عودة الحريري الى السرايا ليتشارك مع حلفائه السابقين جنة الحكم في مشهد جديد- قديم للتحالفات التي تنتهي من دون تبرير!