تفاصيل الخبر

اللـغــة العربـيـــة عـــام 2015 مالئــة الدنيا وشاغلة النـاس

11/12/2015
اللـغــة العربـيـــة عـــام 2015  مالئــة الدنيا وشاغلة النـاس

اللـغــة العربـيـــة عـــام 2015 مالئــة الدنيا وشاغلة النـاس

بقلم عبير انطون

IMG-20151206-WA0012 حماية التعدّد اللغوي كسبيل للحفاظ على التنوع الثقافي هدف تسعى منظمة الاونيسكو الى تحقيقه، ولهذا الغرض أعلنت في العام 2012 يوم الثامن عشر من كانون الاول/ ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية. في العام 2013 كان العنوان <العربية واخواتها> وفي العام 2014 <بوابة اللغات> واليوم في العام 2015 اختير عنوان: <العربية مالئة الدنيا وشاغلة الناس>.

فكيف شغلت هذه اللغة ايام الجامعات والمدارس اللبنانية والملتقيات والمنتديات لإحيائها؟ ما هو الحدث الذي جمع مئة وعشرين متبارياً تحت رايتها؟ من يرويها جذورها الضاربة في الاعماق؟ من يتطلع الى مستقبلها، وكيف دخلت تطبيقات حياتنا التكنولوجية وهواتفنا الذكية؟

من <املاؤنا لغتنا> من <الجامعة الانطونية> كانت البداية..

 يقول منسق اللغة العربية والاعلام في <الجامعة الانطونية>، الإعلامي والأستاذ الجامعي بسّام برّاك لـ<الأفكار> انه لمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي اقرته الاونيسكو في العام 2012 تبنت <الجامعة الانطونية> مباراة <املاؤنا لغتنا> وفتحت ابوابها للحدث واحتضنته بشخص رئيسها الاب جرمانوس جرمانوس للمرة الثالثة. فـ<الجامعة الانطونية> لديها قناعتها بضرورة التمسك باللغة الأم اولاً، والإعلام في لبنان تعوزه اللغة العربية السليمة لانها هويته بالنهاية، وإحياؤنا للحدث تأكيد على ان اللغة العربية موجودة في الجامعات ووسائل الإعلام، وبالتالي لا بدّ من تبنّي هذه اللغة على أمل أن يتبناها الآخرون أيضاً. لقد شكل نجاح <املاؤنا لغتنا> سابقاً حافزاً للاستمرار به، ولمن يذكر فقد تمّت المرات السابقة بالتعاون مع نادي <الليونز> في الاونيسكو وبعدها كانت إملاء السرايا حيث اشترك فيها السياسيون على مختلف مشاربهم.

 ويزيد براك:

- الاملاء ضرورة وحاجة سمعاً ونطقاً وكتابة. آخذها شخصياً على عاتق قلمي، وهنا أتمنى أن يحظى هذا الإملاء بمكانته وطنياً وأن يكون لي يوم مع النواب والسياسيين. وانطلاقاً من هذه النقطة، أدعو الى فتح مجلس النواب بعد انتخاب الرئيس لإملاء النوّاب، وأؤمن بأن الرئيس نبيه برّي يمتلك مفتاح المجلس لهذا الغرض أيضاً... أما <الاملاءات> الخارجية فيقول براك انها الوحيدة التي لا يرغب في المشاركة بها ولا كتابتها يوماً.

وعن كيفية تحضير الاملاء يشرح الاستاذ الجامعي:

 - أؤلف نصاً، احضّر معانيه، وأصوغه من دون اجتهادات كثيرة في المرحلة الاولى. بات في رأسي مخزون لغوي كبير، واستعين بأكثر من منجد، من محيط المحيط الى القراء والبستاني وأكثر من مرجع. يتطلب النص مني وقتاً طويلاً حتى أجمع فائدة المضمون الى الشكل وأزاوج ما بين المعاني والقواعد اللغوية الصعبة، على ان تلائم هذه المعنى المقصود كما وأعتمد على المفردات التي يجوز فيها أكثر من وجه. القراءة الثانية في وضع النص لهذا العام جاءت مع الدكتورة ادما طربيه، ويمكنني القول <ان هذا النص استنزفني واستلزم مني الكثير حتى أنجزته ووضعتُه من رحم قلمي، لأنني عندما كتبتُه أخذني فكري ومخيلتي الى أسماء إعلاميين سقطوا منذ أكثر من أربعين عاماً، وخصصتُ كلاً منهم بأربع كلماتٍ من دون أن أغفِل تشظية النصّ بشظايا لغويّة، ووصلتُ الى الإعلاميين الذين خسرناهم في الأمس القريب وأولئك الذين لم يستشهدوا>.

اما الأعلام الصحافية والأدبية المتناولة بالاسماء، فقد عدّد براك بعضها: <تناولنا كل الذين برعت اسماؤهم واستشهدوا من اجل حرية الرأي والتعبير. بدءاً من سليم اللوزي وصولاً الى جبران تويني مروراً بالشهيدة الحية مي شدياق. انه تنويه بدور الإعلاميين إن في الحرب وإن في السلم، ومثلما تناولنا شعراء لبنان وأدباءه وفنانيه في العام الفائت خصّصنا هذا العام شهداء الصحافة بتحيّة فريدة>.

الاتصال بالمشاركين أخذه براك على عاتقه شخصياً. <اتصلت بمئة شخص وارسلنا الرسائل والاستمارات للمؤسسات. لم يتشجع الجميع وبينهم من تهيب الامر معتذراً. كانت الرعاية لوزير الإعلام رمزي جريج مشكوراً وذلك بمشاركة مئة وعشرين متبارياً بينهم اربعون اعلامياً في المرئي والمسموع والمكتوب وثمانون من خرّيجي الاعلام والجامعيين. بين الحضور ايضاً كان الوزير السابق غازي العريضي والمطران سمعان عطا الله ورئيس الجامعة الأب جرمانوس جرمانوس ومستشار الرئيس الحريري الدكتور داود الصايغ والسيّد حسن الأمين ونقيب المحررين الياس عون وجورج طرابلسي ممثّلاً نقيب الصحافة عوني الكعكي ووجوه إعلامية وتربوية مرموقة..

 

بدونها.. أنا عارٍ!

 يعترف براك ان النص لهذا العام أسهل من السنة المنصرمة. وحول ما اذا كانت صعوبة الإملاء التي تنقل مباشرة عبر شاشة التلفزيون سيفاً ذا حدّين بالنسبة للمشارك والمشاهد الذي يستمع الى كلمات صعبة غير مفهومة بغالبيتها او ان استخدامها نادر جداً فينفر منها، اكد براك على الامر، الا ان الهدف ليس على الاطلاق إبعاد الناس عن لغتهم ، بل على العكس نريد تذوقهم لهذه اللغة الغنية ومفرداتها.

علاقة البراك باللغة العربية متقادمة العهد، فهو يهواها منذ صغره وقد تخصص بها الى جانب الإعلام ونمّاها بشكل كبير وبجهد شخصي منه معتبراً اياها موهبة ونعمة، وهو ممتن جداً للاستاذ عمر الزين الذي تتلمذ على يديه في الاداء في اذاعة <صوت لبنان>. <بدون هذه اللغة اشعر كأنني عارٍ كأنني عاطل عن العمل، وهذه الوظيفة كانت البوابة الى عملي في الاعلام>.

النتائج لمباراة <إملاؤنا لغتنا> تعلنها لجنة اساتذة من تجمع اللغة العربية. تجري الإملاء عند التاسعة صباحاً، ويبدأ التصحيح فوراً على ان تعاد الإملاء امام الكاميرا عند الحادية عشرة فيبثها تلفزيون المؤسسة اللبنانية صورة-باتريك-رزق-الله--موقع-تواصل--للغة-العربيةللارسال مباشرة. في هذا الوقت يتمّ التصحيح، والغش لا مكان له لان ليس من مصلحة اي متبارٍ ان يسمح للآخر بأن ينقل عنه. اما المنسحبون فلا يعلنون عن انفسهم ويحاولون البقاء.. على قيد الإملاء.

 هذا العام عمِلت لجنة مؤلّفة من تجمّع معلّمي اللّغة العربيّة وآدابها بتنسيق من باتريك رزق الله على تصحيحها، وقد حلّ في المرتبة الأولى عن فئة الإعلام الصحافي زياد حرفوش من <الوكالة الوطنيّة للإعلام> وربح مبلغاً ماليّاً بقيمة 3000 دولار، وأتى في المرتبة الثانية أيمن المصري عن <اذاعة الفجر> ونال مبلغ 1500 دولار، أمّا عن فئة الطلاب ففاز علاء صعب من الجامعة اللبنانيّة بالمرتبة الأولى ونال مبلغاً مالياّ قدره 1500 دولار، وحلّت في المرتبة الثانية الطالبة هبة عجينة أيضاً من الجامعة اللبنانيّة ونالت 1000 دولار، وقد وزعت الجامعة للفائزين سلسلة « اسم علم» من منشوراتها وقدّمت الدكتورة ادما طربيه موسوعتها لذوَي المرتبة الأولى فضلاً عن شهادات الامتياز والتقدير، كما وزّعت الأنطونيّة كتاب «درب القمر» للأديب فؤاد سليمان على الحضور كافّة.

وعما اذا كان الدور المقبل للقراءة والكلمات المحرّكة بشكل صحيح بين الاعلاميين بشكلٍ خاص عقب الشكوى الدائمة ممن <يرتكبون الخطايا في حق الصرف والنحو والقواعد على شاشات التلفزيون> تبسّم بسام متسائلاً: من يرضى على نفسه ان يكون في مثل هذا الموقف الصعب؟ مؤكداً ان الفكرة راودته وهو يأمل ان تُعاد الى الشاشات برامج على منوال برنامج <المتفوقون> وغيرها.

اليسوعية.. ومؤسسة الحريري

قبل <الجامعة الانطونية> بأيام أيضاً نظمت <كلية اللغات> في جامعة القديس يوسف بالتعاون مع <مؤسسة رفيق الحريري> ومع السفارة الاسبانية في لبنان الاحتفالية السنوية عينها بيوم اللغة العربية. في ذلك تقول المديرة العامة لـ<مؤسسة رفيق الحريري> سلوى السنيورة بعاصيري التي تؤكد على أهمية اللغة العربية كسبيل تواصل، وليس وسيلة اتصال فقط:

 <انتم على دراية كاملة ان استيلاد معارف جديدة ورؤى مبتكرة يستوجب مناخاً من الحرية الفكرية المسؤولة، ويستلزم بيئة حاضنة للانفتاح الثقافي، والاستقرار الامني، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، كل ذلك بعيداً عن الانغلاق والتقوقع والانزواء، ومجرداً من التطرف واللاتسامح، ليكون التواصل، بما هو جسر للتثاقف والاثراء المتبادل، فعلاً قائماً لا مجرد امنية منشودة، فمقولة ان يكون استيلاد المعارف مرتبطاً بمناخ الحريات العامة والخاصة، هي مقولة محقة تشهد عليها، بل وتؤكدها حقبات الازدهار اللغوي للعربية، اذ رافق ذلك الازدهار بل سبقه مناخ من الانفتاح الثقافي، والتسامح الانساني والانتاج المعرفي، فاغتنت العربية وتطورت وانتشرت>.

الا ان بعاصيري تساءلت:

 - أين نحن اليوم من كل ذلك؟ نتطلّع من حولنا فنجد اننا منشغلون عن بناء الذات والوطن والاحتراب والصراعات، وعن الانتاج والبناء والتطوّر بالانقسامات واللاتسامح والتعصب، فهل تذهب العربية مذهبنا تراجعاً وتقهقراً، ام تراها رغم كل العوائق والصعوبات تجد من يثريها بمفردات الواقع وأحواله، ومصطلحات المستجد وتعابيره، واشتقاقات المعنى وأبعاده، واستشراف الغد وتطلعاته؟ وهل بسبب الاحوال وتداعياتها سيزداد الاقبال على اللغة العربية استشفافاً لجذور الصراعات والانقسامات ولمحركها الفكري والثقافي؟>.

 

<ابليكايشن> و<وندوز>.. بالعربي!

صورة-من-الجامعة-اليسوعية

ويبقى تطوير اللغة العربية وتبسيط طرق تدريسها للحدّ من تراجعها امام اجتياح اللغة الانكليزية وغيرها من اللغات الاجنبية مطلباً جوهرياً، ومن الاهمية بمكان جعلها تتماشى مع العصر والتكنولوجيا، وهذا ما يركز عليه الأستاذ باتريك رزق الله، أحد مؤسّسي موقع <تواصل> الإلكتروني <www. tawasoulonline. com> الذي يُعتبَر بمثابة مدرسة إلكترونية للغة العربية.

 فقد دفعته هذه الهواجس مع كل من سمير ايليّا وضحى الاسعد ، الى تأسيس هذا الموقع المَرجَع الذي يجد فيه المتعلّم كل الردود على تساؤلاته في ما يتعلق باللغة العربية، ويقول باتريك: <عالمنا المعاصر يعتمد بشكل أساسي على <الانترنت> كشبكة إلكترونية عالمية حديثة للتواصل من هنا، ارتأينا أن يكون لهذه الوسيلة دور في التربية والتعليم، ولا سيّما في مجال تعليم اللغة العربية وآدابها، من خلال موقع <تواصل> الالكتروني، الذي يُعتبر المشروع الالكتروني الجديد والأوّل من نوعه في البلدان العربية.

ويتابع رزق الله:

- إنّ الإحصاءات الأخيرة تفيد بأنّ 74 في المئة من المواطنين الذين يتكلّمون اللغة العربية لا يجيدون تعداد حروف الأبجدية بهذه اللغة. من هنا <يتوجّه تواصل> إلى المتعلّمين في المرحلتين المتوسّطة والثانوية، أي من الصفّ السابع الأساسي لغاية الثانوي الثالث بفروعه الأربعة. ويتضمّن نوافذ عديدة في قواعد اللغة العربية، والشعر وأساليب التعبير والصياغة، فضلاً عن <windows> او نوافذ للتعرف الى أبرز معاني الكلمات والمفردات الاكثر استعمالاً من خلال معجم الكتروني متنوع، كما يضم الموقع نافذة خاصة للقراءة المعبرة من المقالة الى الخطاب وقصيدة الشعر ونافذة ثقافية تُعنى بنشر آخر المعلومات والأفكار المعاصرة والحديثة العامّة حول أبرز الموضوعات الحياتية.

 كما ويتضمن موقع <تواصل> ايضاً نوافذ ترتع فيها عبارات نموذجية هادفة للصياغة على منوالها وأخرى لإحياء سير حياة الأدباء الكبار وأبرز نتاجاتهم الأدبية (مئوية طاغور - مئوية كتاب خالد لأمين الريحاني على سبيل المثال)، فيما تعنى نافذة اخرى بالاصدارات الادبية في دور النشر العربية واللبنانية. وهناك واحدة متخصصة بعرض أبرز نشاطات دور السينما والمسرح والمعارض الفنية والثقافية. ولم يغب عن الموقع تخصيص نافذة للتعبير عن آراء المعلّمين والمتعلّمين ونشرها في صفحة خاصّة تُحصد من خلالها العديد من الجوائز.

ويزيد رزق الله:

 - يتضمن الموقع مختلف ما يختصّ بالكتاب والشعراء المعاصرين وليس كما جرت العادة ان تتناول المناهج سيرة الكتاب الراحلين. ويشدّد على انّ الموقع لا يغني عن شروحات الاستاذ، بل هو مكمّل ومساعد وهدفه تثقيفي وتربوي، يطوّر قدرات المتعلّم ومهاراته في الصياغة والتعبير بلغة عربية سليمة، وذلك من خلال مجموعة من المعارف التي تقدّم إليه بوسائل حديثة جداً، كتعلّم قواعد الصرف والنحو عبر شرائط فيديو قصيرة ونشاطات إلكترونية منوّعة، وتعلّم أبرز أساليب الصياغة والتعبير عبر نشاطات تحاكي مواضيع العصر وأزماته كالبيئة، والعولمة والفقر... فالتمسك باللغة العربية كما التمسك بالارض واجب علينا تأمينه للاجيال المقبلة..