تفاصيل الخبر

اللبنانيون في حالة من القلق والترقّب بسبب تردي الأوضاع في البلاد على جميع الأصعدة!

08/11/2019
اللبنانيون في حالة من القلق والترقّب بسبب تردي الأوضاع في البلاد على جميع الأصعدة!

اللبنانيون في حالة من القلق والترقّب بسبب تردي الأوضاع في البلاد على جميع الأصعدة!

 

طبيب الأمراض النفسية الدكتور شارل يعقوب:

التنفيس عن الغضب يساعد بتخفيف التوتر والقلق!

 

بقلم وردية بطرس

كثيراً ما أشارت الدارسات بأن نسبة القلق والتوتر عند اللبنانيين عالية بسبب الظروف الصعبة التي مرّت بها البلاد من حروب وأزمات مالية ومشاكل اجتماعية وغيرها... وفي كثير من الأحيان يتجاهل الناس هذه المشكلة ظناً منهم انه أمر عادي ان يكملوا حياتهم بالرغم من كل الظروف الضاغطة عليهم، اذ كانوا يعيشون حياتهم وكأنه أمر طبيعي الى ان طفح الكيل، فخرجوا الى الساحات والشوارع وهتفوا بضرورة رحيل الطبقة السياسية الفاسدة التي حرمتهم أبسط حقوقهم في العيش بكرامة... لهذا عندما انطلقت الثورة في 17 تشرين الأول (اكتوبر) عبّر اللبنانيون عن غضبهم واستيائهم من الطبقة الحاكمة في البلاد، فراحوا يطلقون الشعارات برحيل كل الفاسدين لأنه لم يعد بامكانهم تحمل المزيد من الاهمال والتقصير وكأن البلد بألف خير.

الدكتور شارل يعقوب وحالة القلق والترقّب!

فهل ستزداد حالات القلق أكثر عند اللبنانيين؟ وكيف يجب ان يتعامل الناس مع هذا الوضع؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على طبيب الأمراض النفسية الدكتور شارل يعقوب ونسأله:

ــ الناس يصرخون ويعبّرون عن غضبهم ووجعهم في الساحات منذ بدء الحراك في البلاد، فهل لُوحظ عند المتظاهرين <Panic attack> او نوبة هلع؟

- عادة عندما يكون هناك أعداد كبيرة من الناس ويحدث بينهم تواصل وتفاعل تخف العوارض، الا بعض الأمراض مثل الأمراض الذُهانية التي تزداد بهذه الحالة، الأمراض الذُهانية مثل <Bipolar disorder> او اضطراب ثنائي القطب او الاضطرابات المزاجية للقطبين او حالات الفصام اذ ممكن ان تزداد عوارضها، ولكن بالنسبة لحالات مثل الاكتئاب والقلق فتخف، لأن الناس يصرخون ويعبّرون عن أنفسهم ويتحدثون مع بعضهم البعض عن هواجسهم وكأنهم يقومون بعلاج نفسي جماعي. لُوحظ في الساحات ان هناك حالات <Panic attack> ولكن هذه الحالات هي أقل من الحالات التي نراها في العيادة. بالنسبة للبنانيين فهم يشعرون بالقلق والترقب في مثل هذه الأوضاع، وان الترقب يخلق نوعاً من التوتر والقلق، والانسان بطبيعته عندما يشعر بالقلق يلجأ اما لتناول الطعام او التدخين وشرب الكحول والأمور التي تساعده بتخفيف التوتر، لأن القلق والتوتر مرتبطان بعوامل عديدة وهي عدم القدرة على السيطرة على وضع معين، كما لا يقدر الانسان ان يتكهن ماذا سيحصل، ولا يقدر ان يرجع الى الوراء . اذاً هذه هي العوامل الثلاثة التي تخلق التوتر والقلق. وهذا يجعل الناس بمكان معين يجلسون في بيوتهم وهم بالأساس كانوا يعانون من التوتر والقلق، فتظهر عوارض القلق من خلال شعور الشخص برغبة بـ<اللقمشة> او <Emotional eating> الى ما هنالك، وهذا ما كنا نراه بيومياتنا، ونسمعه من حولنا بأن الناس زادت أوزانهم لأنهم يأكلون كثيراً او <يلقمشون> اذ كما تعلمين ان الطعام هو بمثابة مهدىء للأشخاص الذين يشعرون بحالة من القلق والتوتر، فالطعام بطبيعة الحال يخفف من التوتر.

ــ وماذا عن البعض الذين ينفعلون بسرعة ويغضبون أكثر من غيرهم في هذه الحالة؟

- طبعاً بمكان معين لا نريد ان ننسى اننا لا نقدر ان نحكم على تصرفات الناس لأنه اصلاً يجب ان ننظر الى حالتهم من قبل، وبالأساس الذي رأيناه على الطرقات بكل هذه الأعداد من الناس الذين شاركوا في الحراك سواء كانوا مليوناً او مليونين فبالنهاية هذا هو الشعب وهذه هي تصرفات الناس. وقد تقولين لي هناك أناس انفجروا من الغضب، هذا صحيح هذا ما كنا نراه كل يوم على الطرقات ولكن هذه المشاكل كانت تحدث على الطرقات قبل هذه الثورة. واذا قلت ان هناك أشخاصاً يعبّرون بغضب وانفعال فأقول لك أيضاً كنا نرى مثل هذه الحالات في المجتمع اللبناني، ولكن اليوم وُضع الناس تحت المجهر اي امام شاشات التلفزة، فرأيناهم كيف يتصرفون وكيف يهتفون ويغضبون الى ما هنالك.

اللبناني الأكثر سعادة وكآبة!

ــ احدى اليافطات التي رُفعت في الساحات تقول بأن اللبنانيين هم الأكثر سعادة وكآبة، فمن الناحية النفسية كيف تفسّر لنا ذلك؟

- ان الوضع الذي نعيشه في لبنان بالأساس لا يخلق كآبة عند الناس بقدر ما يخلق توتراً وقلقاً وهما أمران مختلفان كلياً، إذ ان حالات القلق مختلفة عن حالات الاكتئاب فالأوضاع التي نعيشها في البلد تخلق حالة قلق وتوتر وترقب، وهذه لا علاقة لها بالاكتئاب. اذاً الوضع الذي نعيشه في لبنان اي الوضع اللبناني يخلق ترقباً وقلقاً كثيراً، لهذا نرى الناس يقومون بـ<Défoulement> او بالافراج العاطفي من خلال الأكل والشرب. ولهذا يرى الناس في الخارج الذين كانوا يشاهدون المتظاهرين والمتظاهرات يحتفلون ويرقصون انهم شعب سعيد بالرغم من كل المشاكل والأزمات التي تعيشها البلاد، الا انه في الحقيقة يحاول الشعب ان يقوم بـ<Défoulement> لذلك أبدت الشعوب الذين كانوا يشاهدون المتظاهرين على شاشات التفلزة استغرابهم كيف ان اللبنانيين يرقصون ويغنون في الثورة التي تحمل الكثير من الألم وحرمان الناس من ابسط حقوقهم.

ويتابع:

- بهذه الحالة يقوم اللبنانيون بأمرين ليحموا أنفسهم من الاكتئاب: أولاً لأنه لدينا قلق فنقوم بالتنفيس وهذا أمر أساسي. ثانياً نحن لدينا أمر يتراكم معنا عبر السنين هو النكران، اذ أحياناً نرفض ان نرى الواقع امامنا كلبنانيين، اذ يكون كل شيء واضحاً امام أعيننا ومع ذلك نتفاجأ به، علماً اننا نكون بالأساس رافضين لأن نراه فيما هو واضح. اذاً انها <التنفيسة> اي اننا ننفسّ لنخفف التوتر عن أنفسنا وهذا ما يراه الآخرون كيف يفرح اللبناني ويرقص من جهة ومن جهة ثانية يرفض ان يرى المشكلة أمامه. والسؤال المطروح هنا: لماذا وعلى مدى 30 سنة يتذمر اللبنانيون من الوضع ولكنهم يأتون بالمسؤولين أنفسهم الى الحكم بالرغم من فسادهم؟ الجواب هو ان اللبنانيين يرفضون ان يروا الواقع كما هو ولهذا وصلنا الى هذه الحالة المزرية.

ــ يُنصح بضرورة ان يلجأ الشخص الى طبيب نفسي عند الشعور بعوارض القلق لئلا تتطور الحالة...

- عادة نرى كأطباء نفسيين مثل هذه الحالات في عياداتنا ولا يحدث ذلك للمرة الأولى، اذ نحن كل يوم نرى حالة جديدة ولهذا اكرر ليس هناك زيادة بهذه الحالات بسبب هذا الوضع خلال الأسابيع التي مرت، ولكن كما ذكرت ان الناس تحت المجهر ولهذا يظن البعض ان الناس يواجهون حالة من القلق بشكل كبير.

ــ واي فئة الأكثر عرضة للاصابة بالقلق؟

- بالنسبة لحالات القلق فعند الأعمار الصغيرة والمتوسطة فهم قادرون ان ينفسّوا عن أنفسهم وبالتالي تكون حالة القلق لديهم اقل، بينما عند الكبار في السن فمن الصعب ان يقوم الكبير في السن بالتنفيس كما يفعل الشباب، ولهذا يرتطم بحائط مسدود بمكان ما، فيشعر بضغط نفسي ولا يقدر ان يعبّر بطريقة او بأخرى كما يفعل الشباب.

 

القلق عند كل الطبقات الاجتماعية!

ــ وهل ان كل الأشخاص حتى لو كانوا ينتمون لطبقات اجتماعية مختلفة معرضون لحالة القلق؟

- ليس هناك فرق اجتماعي او اقتصادي يخلق هذا الفرق بين الطبقات الاجتماعية بغض النظر لو كانت فقيرة او غنية، لهذا رأينا في الثورة أناساً مرتاحين مادياً وأيضاً أناساً من الطبقة المتوسطة والفقيرة اي ليس هناك فرق بينهم اذ الجميع يشعر بالقلق والترقب، وأفراد الطبقتين عندما سيرتطمون بحائط مسدود سيُصابون بالاكتئاب والذي سنجده بعد شهر وليس الآن، اذ ان حالات الاكتئاب ستظهر بعد شهر ونصف الشهر وليس الآن اي عندما تهدأ الأمور ويبدأ الناس باستيعاب الواقع الذي يعيشونه، فاذا لم تصلح الأمور اما سيعاني الناس من الاكتئاب او سيلجأون الى <التنفيسة> كما حصل خلال الثورة، ليوصل الشعب صوته لأن أهم جزء من هذه الثورة بمعزل عما ستحققه ام لا ان الشعب يعبّر عن رأيه. اذ بأي جلسة عند طبيب نفسي اهم شيء نطلبه من الشخص هو ان يعبّر عن نفسه لنفهم حالته ومما يعاني، وبالتالي هذه كانت من أهم العلاجات النفسية اذ الناس عبّروا عن أنفسهم، وأقدّر محطات التلفزة التي افسحت المجال أمام الناس بأن يتكلموا ويقولوا ما يشاءون بمعزل اذا كان ذلك مفيداً للثورة ام لا، ولكن الشعب كان بحاجة ان يعبّر عما يشعر به، وبالنسبة الي اعتبر كل ذلك مثل علاج نفسي جماعي.

ــ وماذا تنصح الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً في الساحات؟

- بعد انتهاء الثورة يجب ان يقوم الأشخاص بالعديد من الأنشطة للاستفادة حتى من أوقات الفراغ. ثانياً يجب ان يقوم الشخص بجردة حساب للأمور التي مرّ بها ليشعر بأنه استفاد من مشاركته في هذه المظاهرات على الصعيد الشخصي للسير نحو الأمام. ثالثاً وهو أمر يجب ان نقوم به هو ان نبدأ بوضع أهداف لنا، وهنا لا اتحدث عن أهداف سياسية بل أهداف حياتية لكي نتجنب ان نقع في الاكتئاب وهذا يساعدنا أيضاً بأن نتطور نحو الامام كبشر وكمواطنين.

 

الجانب الايجابي!

 

ــ اذاً بالرغم من كل شيء هناك جانب ايجابي بالنسبة للناس وبتقييمك انهم سيستفيدون على الصعيد الشخصي؟

- في الأساس أعتقد ان واحدة من الأمور الايجابية التي نراها، على صعيد المثال عندما فتحوا المصارف وكان هناك تهافت كبير عليها لم يُذكر اي مشكلة في مصرف ما، السبب لأن الناس قد عبروا عن أنفسهم ونفسّوا وتوجهوا الى المصارف بنفسية مرتاحة، مع العلم ان الوضع كارثي باعتراف الكل، ولكن الناس كانوا متفهمين مع بعضهم البعض بالرغم من الازدحام والضغط، وقد تكون هناك مصالح متضاربة بين الأشخاص الذين توجهوا الى المصارف اذ طلبت فروع المصارف الا يسحبوا الكثير من الأموال، ولكن كل شيء سار بشكل جيد لأن الناس عبروا عن آرائهم في الساحات، وأوصلوا اصواتهم الى المسؤولين، وعليهم ان يقوموا بجردة حساب للمضي نحو الامام، بينما في الأيام الماضية قبل الثورة كنا نرى مشاكل أكثر مع المصارف.

ويتابع:

- بمكان ما أهم شيء ان نعلم ان كل ما حصل كان ايجابياً بمعزل عما حكي ان هذا الأمر سيؤثر في ما بعد مادياً، بالنهاية لكي تتطور الشعوب عليها ان تختبر مثل هذه المراحل لتقدر ان تتقدم مهما كانت كلفتها، لأننا نعلم انه إما نقسّط الكلفة على سنين وسنين ونتراجع، واما ندفع ثمنها ولكن بالنهاية نتقدم نحو الامام. وبالتأكيد ما حصل ايجابي ولكن أهم ما في الأمر على الصعيد النفسي ان يقوم كل انسان بجردة حساب لنفسه: ماذا فعل؟ وماذا قدم؟ وكيف تصرف؟ وماذا تعلّم؟ وجردة حساب اجتماعية وكم أثرت وسائل التواصل الاجتماعي علينا سواء من حيث الاشاعات او من ان تصل فكرة الانسان بلحظتها، وبالتالي هذه الأمور تساعدنا بأن نتعلم مما حصل ونعزز قدراتنا النفسية وليس فقط الاجتماعية.

ــ البعض رأى ان وسائل التواصل الاجتماعي سببت للناس التوتر والتشنج فما رأيك كطبيب نفسي؟

- هذه هي مشكلة عصر المعلوماتية، اذ ان المعلومة تصل بسرعة قبل ان يتم فلترتها لكي يقدر الانسان ان يقارنها مع شيء آخر، فالمعلومة التي تصل أسرع هي المعلومة التي يتلقفها الناس أكثر، اذاً هذه هي مشكلة العصر في كل العالم وليس فقط في لبنان، ولكن ربما جيلنا لم يعتد ان يتأقلم معها، إلا ان الجيل الجديد ومع مرور الوقت يقدر ان يقوم بذلك، والا يبني على معلومة تصل اليه بثوانٍ دون ان يفكر بها جيداً، ولهذا اقول يجب ان يقوم كل شخص بجردة حساب شخصية ليتعلم من التجربة التي اختبرها.

وأضاف:

- عندما أقول جردة حساب أعني بذلك ان يضع الانسان اهدافاً حياتية، بالنسبة الي مثلاً ان مسألة النفايات واعادة التدوير فهي من الأفكار التي يلتّف حولها الناس ويعملون سوياً لايجاد الحلول لها كل ضمن الحي او الشارع الذي يقيم فيه. وما رأيناه من مشاركة الأولاد اهاليهم بتنظيف الطرقات كان مشهداً رائعاً، فعندما يرى الولد على شاشة التلفزيون الناس ينظفون ويفرزون بمكان الثورة فسيتعلم الكثير، وحتماً سيرغب بتطبيقه ولهذا شارك الأولاد أهاليهم في تنظيف الساحات لأنهم تأثروا بالصورة التي طُبعت في أذهانهم أكثر.