تفاصيل الخبر

اللـبــنـانـيـــــون عــرفـــــوا فــرنـســـــا شـعـــــــراً ونــثـــــــراً ولــــم يشعـــــروا بـفـقــــــر الـشعـــــب الـفــــــرنـسـي!

27/12/2018
اللـبــنـانـيـــــون عــرفـــــوا فــرنـســـــا شـعـــــــراً ونــثـــــــراً  ولــــم يشعـــــروا بـفـقــــــر الـشعـــــب الـفــــــرنـسـي!

اللـبــنـانـيـــــون عــرفـــــوا فــرنـســـــا شـعـــــــراً ونــثـــــــراً ولــــم يشعـــــروا بـفـقــــــر الـشعـــــب الـفــــــرنـسـي!

بقلم وليد عوض

التظاهر عدوى مثل مرض <التيفوئيد>، وان كان يواجه أبواباً مغلقة. وبين التظاهرات الصاخبة تلك التي دارت منذ الشهر الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، من غير أن تفتح ثغرة أو ممراً لليمين المتطرف المتمثل في زعيمة <الجبهة الوطنية> <مارين لوبان> أو للوسطي <فرانسوا فيون> أو لليساري المتطرف <جان لوك ميلونشون>، وكل هؤلاء كانوا مؤهلين للقفز نحو قصر <الإليزيه> لولا أن <ايمانويل ماكرون> سد طريقهم، وإن كان لم يجمع في الدورة الانتخابية الأولى أكثر من 24 بالمئة من الأصوات.

ولم يتأثر <ماكرون> بما كان عليه موقف الرئيس <ديغول> ورئيس وزرائه <جورج بومبيدو> في حزيران (يونيو) 1968. يومئذ لم يعلن <ديغول> ولا رئيس وزرائه ان التظاهرات الطلابية أكبر من القدرة على الإمساك بها، ولم يمارسا أي نوع من التشاوف أو الفوقية، بل تنازل <ديغول> من موقع المنتصر في الانتخابات، ووجد ان الاستقالة في هذه الحال بطولة تجاري البطولات في ساعات الانتصار.

 و<ماكرون> مختلف عن باقي الرؤساء. هم جاءوا بأصوات الشارع الفرنسي، وهو جاء من الرأي العام في البلاد بدءاً من الجمعية الفرنسية أو البرلمان، ومن أخطاء الممسكين بزمام البلاد. بينما كان هم الرئيس السابق <فرانسوا هولاند> أن يكسب اعجاب النساء، لا اعجاب اللعبة الديموقراطية، وفي هذا الهم صار عنده أربعة أولاد من رفيقة الأمس <سيغولان رويال>، وبقي الاولاد شاغلاً للرئيس، بعكس المواطن الفرنسي الذي كان تواقاً الى الطعام بعد الجوع، والى الدواء المتحرر من الضريبة القاسية والرسوم الباهظة. فما بالكم لو أصبحت هذه الضريبة مضاعفة وهذه الرسوم فوق قدرة احتمال المواطن العادي؟!

ولنكن على مسافة قريبة من الحدث ونسأل: ماذا يصادف اللبناني الزائر لمدينة باريس؟! وكيف يرسم الفارق بين بيروت وباريس؟!

إذا لم يكن الزائر صاحب الشقة ملكاً أو إيجاراً، فعليه أن يفتش عن غرفة ينام فيها حتى الصباح، موعد سعيه وراء القصد من الزيارة. إذا كان يبحث عن عمل، فهناك شركات للتوظيف، وعنوانها موجود في لوحات محفورة على أحد أعمدة البنايات في <الشانزليزيه> أو الحي اللاتيني حيث الايجارات أرخص من الأماكن الأخرى. والبحث عن فتاة لا يحتاج الى ما فعله الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم زمان الأربعينات عندما جاء بببغاء وعقد لها قفصاً ثم أرسلها بالحبل المشدود الى الطابق الأول حيث قاطعة التذاكر الجميلة في إحدى دور الحي اللاتيني، بل يكفيه أن يحصي المبلغ المالي الموجود في جيبه، ويتصرف على أساسه!

وإذا شاء أن يدخل إحدى دور السينما، فعنده في الجانب الأيمن من حي <الشانزليزيه> عدد كافٍ من دور السينما، لينضم الى صف الذاهبين الى شباك التذاكر، وما أسهل الدخول الى المكتبات الواسعة حيث يشاهد فرنسيين وفرنسيات يفترشون رصيف الدار ويمضون في القراءة..

زبائن الحي اللاتيني

وطبيعي ألا يحشر الزائر نفسه في المسائل المعيشية للمواطن الفرنسي، لكنه لو جلس في المقهى البلوري داخل <الشانزليزيه> أو مقهى <كافي دو لابيه> في الحي اللاتيني، لسمع بالعسر المعيشي للمواطن أو المواطنة، ذهاباً من قطار <المترو> الذي يستقله الفرنسيون والزوار لبلوغ أهدافهم المرسومة. وكم يشتهي الزائر دائماً أن يذهب الى الغابة قرب المجمع السينمائي في الحي الكبير الواقع شمالي باريس، وهناك سيشاهد أمهات يدفعن بعرباتهن التي تحمل الأطفال الأبرياء، وهي منطقة <لا ديفانس> التي اختارها الرئيس أمين الجميّل مكان إقامته في الأزمة اللبنانية.

إنها معركة الغني والفقير. واحد يستطيب الحياة لأنه يحصل فيها على ما يريد، وآخر يضيق بالحياة لأنها لا تعطيه ما يريد، بل تجعله أسير التردد على المصارف للحصول على ما أمكن من المال. وتجده في هذا الخضم أمام لوحات أسعار العملات ليعرف الشيء ومقتضاه.

وأبرز من خبُر باريس ودهاليزها ودور الملاهي فيها هو شاعر الجيل نزار قباني وصاحب مجلة <الأداب> سهيل ادريس، والاثنان صديقان من أول باب، والصدفة ربما جعلتهما يقفان أمام قاطعة تذاكر لأحد المسارح وهي شقراء اسمها جانين. وعنها يقول نزار قباني: <كان اسمها جانين عرفتها في باريس منذ حين وهي فرنسية>. أما الدكتور سهيل ادريس، رحمه الله، فقد أدخل قصة حبه مع جانين في رواية <الحي اللاتيني>، ومثلهما فعل توفيق الحكيم، وبيرم التونسي، مع اختلاف الساحرة والمرأة الجاذبة.

هؤلاء الذين زاروا باريس أو أقاموا فيها فترة من الزمان، لم يدخلوا في صميم معيشة الفرنسيين بل اكتفوا بانطباعاتهم عن المدينة وسكانها. ولو أمعنوا النظر في معيشة المواطن الفرنسي لاكتشفوا انه انسان يعيش بأبسط المداخيل ولا ينفق عن سعة، والذين يملكون القدرة المالية الواسعة نجدهم في مطعم <جورج الخامس> الذي يملكه الآن الأمير الوليد بن طلال. ومن كان يريد لقاء الأغنياء العرب في باريس ذهب الى هناك والتقى بارزين مثل محمد حسنين هيكل وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وعباس محمود العقاد ومحمد التابعي وطه حسين ونجيب ساويروس والشيخ ميشال الخوري وأنيس منصور ويوسف ادريس.

 

اللبنانيون وفرنسا

وقد تعامل الزائر المحدود الدخل مع باريس على أساس أنها أم المظلوم، والحالم بالسعادة دون أن يقربها، أو يعيش حتى على ضفافها. أما الصحافيون الفرنسيون مثل <فرانسواز جيرو> فكانوا يهتمون بالسياسة أكثر مما يهتمون بمعيشة الناس، وإلا لكانوا اكتشفوا ان الفرنسي جدير بالشفقة إذا جرت المقارنة بين دخله القومي وهجمة الضرائب، حتى انه بات يشكل حالة من الخوف عند المواطن البريطاني في لندن والمواطن الروسي في موسكو، وحتى المواطن الأميركي في نيويورك معقل الغنى في العالم.

والمواطن اللبناني متأثر بما يجري في باريس، وأكثر من عشرين ألف لبناني يحملون الجنسية الفرنسية، وفي مقدمتهم الوزير مروان حمادة وشقيقه الصحافي علي حمادة، ووزير الخارجية جبران باسيل. والرئيس سعد الحريري متأثر هو الآخر بما يطرأ من أحداث دولية، ومن ذلك اعلان تونس والجزائر على طلب إرجاع سوريا الى الجامعة العربية في قمة آذار (مارس) المقبلة، بعد عودة السودان الى التحالف مع سوريا، وإقدام الولايات المتحدة على اتخاذ قرار بسحب جنودها ومدافعها وصواريخها من سوريا، وبيعها صواريخ <باتريوت> الى تركيا، وهي إشارة مسبقة الى عدم الممانعة الأميركية في البقاء التركي على الحدود مع سوريا. وهذا الانعطاف الأميركي الجديد على الشرق الأوسط، يهيئ للرئيس الحريري مجالات التصور بأن ساعة تأليف الحكومة قد دقت، ولم يعد هناك فرصة للتأخير، كما ان اختيار نواب اللقاء التشاوري لمدير عام الشركة الدولية للمعلومات جواد عدرة كوزير سني في حصة الرئيس ميشال عون، يخرج النائب فيصل كرامي من الحرج، بعد تعطيل اختياره للمنصب سكرتيره عثمان مجذوب، ولكنه بالمقابل يرضي عائلة عدرة المنتشرة بين طرابلس والكورة، ويوفر له كسباً انتخابياً جديداً. ولكن كل شيء ضاع هباء منثوراً بعدما أعلن النائب جهاد الصمد سحب ترشيح اللقاء التشاوري لاسم جواد عدرة. وقد زار جواد عدرة النائب فيصل كرامي في منزله عند منطقة الرملة البيضاء وأخبره بأنه لا يستطيع أن يلتزم بقرارات اللقاء التشاوري على أساس أنه جاء ضمن حصة رئيس الجمهورية.

وإذا كان القرار قد رسا بداية على اسم جواد عدرة فقد قام النائب قاسم هاشم عضو اللقاء التشاوري بالتذكير ان الرئيس نبيه بري قد اختار هذا الحل منذ أشهر، وصولاً الى اسم جواد عدرة، لكن الذين علموا باقتراح رئيس مجلس النواب لم يبادروا الى التصويت على هذا الاختيار. وهذا ما حمل الرئيس بري على أن يقول يوم الأربعاء الماضي في اجتماعه الأسبوعي: <خير أن يأتي القرار متأخراً على أن لا يأتي أبداً>.

وهكذا يكون الرئيس نبيه بري قد أخذ القرار المناسب الذي كان على نواب اللقاء التشاوري أن يعلنوه وتنتهي الأزمة التي لم تنته، بل أربكت البلاد بالعودة الى نقطة الصفر!

وكان الرئيس عون في قداس الميلاد قاسياً حين قال <بعض اللبنانيين يحاولون ايجاد تقاليد جديدة في تأليف الحكومات>.

حكومة جديدة؟! أهلاً وسهلاً.

ولكن أول ما هو مطلوب منها أن تكون عينها مفتوحة على الحدود الجنوبية، بعدما أقدم رئيس الوزراء الاسرائيلي <بنيامين ناتانياهو> على إثارة وابتكار موضوع الأنفاق..

حكومة فاعليات حزبية.. فأين اتفاق الطائف؟!

للأيام المقبلة أن ترسم الجواب!