بقلم وردية بطرس
[caption id="attachment_84770" align="alignleft" width="157"] البروفيسور طوني عبد المسيح: سينتهي الوباء ولكن المطلوب الآن هو الوقاية ثم الوقاية.[/caption]الإختصاصي في أمراض القلب والضغط والشرايين البروفيسور طوني عبد المسيح: "كوفيد- 19" يؤدي الى حدوث جلطات في أوعية الرئة والقلب والدماغ والقدمين ومسيلات الدم تساعد في تقليلها
على الرغم من أن (كوفيد-19) يؤثر سلباً على وظائف الرئة إذ قد يحرم القلب من الأوكسجين الكافي لدى بعض الأشخاص، الا أنه يصيب القلب بشكل مباشر وقد يسبب مشاكل أخرى تؤدي الى تلف القلب. وفي بعض الأحيان يسبب ردة فعل على شكل التهاب شديد يضغط على القلب بينما يحاول الجسم مقاومة العدوى. ويمكن للفيروس أيضاً أن يغزو الأوعية الدموية او يُحدث التهاباً داخلها مما يؤدي الى جلطات دموية يمكن أن تتسبب بنوبات قلبية. وتبيّن أن هناك جلطات في جميع أنحاء الجسم لدى الكثير من مرضى الكورونا مما دفع الأطباء الى تجربة مسيلات الدم التي تساهم بتقليل نسبة حدوث جلطات ووفيات.
البروفيسور طوني عبد المسيح وتأثير الفيروس على القلب
فكيف يتأثر القلب عند اصابة الشخص بفيروس كورونا المستجد؟ ولماذا تزداد نسبة الوفيات لدى مرضى الكورونا المصابين بأمراض القلب؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها (الأفكار) على الاختصاصي في أمراض القلب والضغط والشرايين في مستشفى أوتيل ديو البروفيسور طوني عبد المسيح وسألناه بداية:
* الى أي مدى يتأثر القلب عند الاصابة بفيروس كورونا المستجد؟ ولماذا تزداد نسبة الوفيات لدى مرضى الكورونا بسبب القلب؟
- عند بداية جائحة الكورونا كنا نعتقد أنه مرض جرثومي، ولم نكن نفهم كيف تتدهور صحة المرضى عند الاصابة بهذا الفيروس، ولكن مع مرور الوقت اكتشفنا أن هذا المرض ليس فقط جرثومياً ولكنه مرض يؤدي الى جلطات، اذ قد تحدث جلطات في أوعية الرئة، وممكن أيضاً في القلب، والدماغ، والقدمين. ولهذا لجأنا الى أدوية مسيلات الدم لمنع حدوث الجلطات. اذ بالاضافة الى أدوية مثل أدوية الكورتيزون لجأنا الى مسيلات الدم مما ساعد كثيراً بتقليل نسبة الوفيات مقارنة مع نسبة حدوثها عند بداية جائحة الكورونا.
فيروس كورونا المستجد يصيب أربعة أجهزة في جسم الانسان
* لطالما كان الانسان معرضاً للفيروسات ولكن فيروس كورونا المستجد يصيب أربعة أجهزة في جسم الانسان فكيف يحدث ذلك؟
- هذا صحيح (كوفيد- 19) يصيب أربعة أجهزة في جسم الانسان وهذا الأمر ناتج عن الجلطات. اذ كل عضو فيه نظام تغذية بالدم هو عضو مرشح بأن يُصاب بـ (كوفيد -19) ولكن الأكثر شيوعاً ونراه اليوم هو جلطات دماغية، وجلطات رئوية وذبحات قلبية، وجلطات في القدمين.
الأعراض نفسها منذ بداية الجائحة
* وهل الأعراض هي نفسها منذ بداية الجائحة لغاية اليوم ام يختلف الأمر؟
- لدى فيروس كورونا المستجد مروحة من الأعراض تختلف من انسان لآخر ولكن الأعراض نراها منذ بداية الجائحة لغاية اليوم. على سبيل المثال بعض الأشخاص يعانون من السعال والرشح، والبعض الآخر يعاني من الاسهال ووجع في البطن، والبعض يعاني من أوجاع في الجسم، والبعض تتدهور حالتهم أكثر لأنه تحدث لديهم مشاكل في الرئة اذ ينقص الأوكسجين فيحدث جلطات، وبالتالي كل انسان معرض بأن يرّد على المرض بطريقة معينة. للأسف لا نزال لا نعلم أي أشخاص سيتحسن وضعهم وأي أشخاص ستتدهور حالتهم.
التأخر بتلقي العلاج عامل مسبب للوفاة حتى عند الشباب
[caption id="attachment_84769" align="alignleft" width="377"] مرضى القلب أكثر تأثراً بالفيروس.[/caption]* ولماذا نرى اليوم أن الكورونا يودي بحياة شباب وأشخاص أصحاء؟
- ان احتمال تدهور الحالة لدى الأشخاص الذين لديهم عوامل مسببة للجلطات والقلب مثل ارتفاع الضغط والسكري وأمراض القلب وأيضاً المتقدمين في السن أعلى من الأشخاص الذين هم بالعمر نفسه أو من شباب ليس لديهم هذه الأعراض، ولكن عندما نرى بعض الشباب يعاني من مشاكل فهذا الأمر يدفعنا لنفكر بأننا لا نعلم كل خفايا هذا المرض بعد، ولكن ممكن عامل قد يؤثر هو التأخر بالعلاج، اذ رأينا حالات لدى شباب تتدهور صحتهم ذلك لأنهم لم يتعالجوا بشكل صحيح منذ بداية اصابتهم. بما يتعلق بهذا المرض نتمكن من معالجة المصاب عند بداية اصابته وباستخدام الأدوية الصحيحة فذلك يساعده كثيراً. فما أن تتدهور الحالة ننتقل الى الأدوية التي تعالج التدهور عندها يصبح احتمال النجاة عالياً، ولهذا هناك عامل نحن لا نعرفه بعد ولكن هناك عاملاً آخر كما ذكرت هو التأخر بالعلاج.
التشخيص المبكر
* لطالما كانت أمراض القلب المسبب الأول للوفاة في العالم والآن في ظل وباء الكورونا فما أهمية التشخيص المبكر لتفادي الوفاة بسبب أمراض القلب عند الاصابة بالكورونا؟
- أولاً التشخيص المبكر مهم جداً وأن نبدأ باعطاء أدوية السيلان منذ بداية الاصابة بالكورونا، وطبعاً الطبيب المعالج يحدد أنواع أدوية السيلان لأنها تختلف من شخص لآخر. ثانياً بالنسبة للأشخاص المصابين بأمراض القلب فالطبيب المعالج يتابع حالتهم في حال اذا حدثت معهم مشاكل مثل كهرباء القلب أو ذبحة أو تغيّر الوضع فهذا يساهم كثيراً بأن يُعالج مبكراً. ثالثاً ما بعد الكورونا أي بعد ثلاثة أو ستة أشهر من الشفاء نفكر ملياً بأن نكمل باعطائه أدوية السيلان لأننا نرى جلطات حتى بعدما يتعافى الانسان من الكورونا، وحتى الأشخاص الذين لا يحتاجون للدخول الى المستشفى تحدث معهم جلطات لهذا نطيل اعطاء أدوية السيلان لمدة ثلاثة أو ربما ستة أشهر. هناك أمر آخر يسبب زيادة نسبة وفيات القلب وهو أن المريض لا يذهب الى المستشفى اذا شعر بشيء ما خوفاً من انتقال عدوى الكورونا اليه، ولهذا هناك أشخاص تحدث معهم وفاة مفاجئة اذ يموتون داخل بيوتهم أو أماكن عملهم لأنهم عندما يشعرون بشيء يعتبرون أنه مجرد لفحة هواء أو أعراض غاز من المصران أو مشاكل من المعدة وما شابه... وبالتالي لا يستشيرون الطبيب خوفاً من الاصابة بالكورونا. وهذه تبرهنت لدينا من خلال الاحصاءات أن الوفيات من أمراض القلب زادت لأن الناس لا يستشيرون الأطباء.
* على المدى الطويل هل ستزداد نسبة الوفيات لدى الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة بسبب خوفهم من الاصابة بالفيروس أثناء زيارتهم للعيادات الطبية او المستشفيات او لاجراء الفحوصات اللازمة؟
- اليوم نرى مشاكل عند المصابين بالكورونا وهم يعانون من أمراض مزمنة بعد الشفاء من الكورونا، وهناك أناس لا يقدرون ان يخضعوا للفحوصات خوفاً من الكورونا، بينما قبل الكورونا كان الأشخاص يواظبون على زيارة الطبيب خصوصاً اذا كان أحد الوالدين مصاباً بمرض القلب للاطمئنان على صحتهم، أما اليوم ففي ظل وباء الكورونا الناس يتجنبون ذلك، كما أن الوقاية قليلة مع العلم أن الناس لديهم الوعي الكافي بضرورة الوقاية ولكنهم يخافون من مغادرة بيوتهم والتوجه الى العيادات او المستشفيات للاطمئنان على صحتهم اذ يعتبرون أن عليهم ان ينتظروا لحين انتهاء هذه المرحلة الصعبة من الوباء. ولكن للأسف البعض منهم قد لا يحظى بفرصة ثانية فيتعرض لذبحة قلبية او موت مفاجىء.
* هناك أشخاص يتعافون من الكورونا بالرغم من اصابتهم بأمراض مزمنة، فالى اي مدى يختلف الأمر من جسم لآخر فقد رأينا أناساً تخطوا المرض، والى أي مدى تلعب مناعة الجسم دوراً في هذا الخصوص؟
[caption id="attachment_84771" align="alignleft" width="444"] حذار الاستخفاف بالنوبات القلبية.[/caption]- عوامل الخروج من المرض بصحة وعافية متعددة. يعني ممكن مناعة الانسان تختلف من شخص لآخر فتلعب دوراً في هذا الخصوص، وهذا الدور ممكن أن يكون ايجابياً أو سلبياً، وممكن أن العلاج المبكر للمرضى يلعب دوراً، وممكن أن كمية الفيروس التي دخلت الى الجسم وتكاثرت فيه تلعب دوراً أيضاً، يعني اذا الشخص جلس لمدة ست ساعات مع شخص مصاب بالكورونا بدون كمامة فإن كمية الفيروس الي تدخل هي أكثر، ولكن مع الكمامة تكون أقل بكثير... بالتالي هذا كله يلعب دوراً. لماذا الأشخاص المتقدمون في السن يتعافون من الكورونا؟ ولماذا الشباب لا يتعافون من الفيروس؟ ولماذا الأشخاص المتقدمون في السن لا يموتون ولماذا الأصغر سناً يموتون؟ فكل هذه العوامل لا نعرف ما هي الاجابة عنها لأن الطب كله ليس عملية حسابية بل الطب معقد ولهذا جسم الانسان لديه خصوصياته وهذه الخصوصيات قد تكون عند غالبية الناس تشبه بعضها البعض، ولكن هناك أشخاص يختلف الأمر لديهم.
* وماذا عن اللقاح بالنسبة لمرضى القلب؟
- طبعاً مرضى القلب بامكانهم أن يأخذوا اللقاح لا بل محبّذ أن يأخذوا هذا اللقاح لحماية أنفسهم في هذه الفترة، فليس هناك أي أمر يعارض اعطاء اللقاح لمرضى القلب.
* ما رأيك بالسلالة الثانية او المتحوّر؟ وهل سنرى سلالات أكثر؟
- دائماً الفيروسات تتحوّر ولكن طالما هذا التحوّر لا يؤدي الى أمراض جديدة فذلك ليس مهماً، كما تعلمين هذا النوع من اللقاح سيتجدد كل عام كما هو الحال بالنسبة للقاح (أتش 1 ان1 ) وانفلونزا الخنازير والطيور، فكلها تتجدد حسب اذا كانت هناك تغيرات لدى البنك الجيني للفيروس، وبالتالي لا داعي ان يخاف الناس لأن تغيّر الفيروس أمر طبيعي عند تطور المرض.
* هل الاقفال التام في البلد سيساعد ولو قليلاً للحد من نسبة الاصابات؟
- بصراحة كنت أقول اذا أّتبعت مناعة القطيع كما يجب فهذا أفضل، مثلاً مناعة القطيع في السويد وبريطانيا وغيرهما لم تعط نتيجة لأنهم لم يطبقها الجميع. بالنسبة للشعب اللبناني الذي وللأسف لا نزال نسمع آراء متخلّفة عن هذا الفيروس، وبالتالي الآن لا نقدر أن نعلّمه من جديد اذ لا يقبلون الا ما يرونه أو يظنونه وبالتالي من الأفضل طالما الشعب يفكر بهذه الطريقة ان يلتقطوا العدوى وأن يُصاب 70 في المئة من الناس لنصل الى مناعة القطيع. أما الاقفال التام فهو يريح الطاقم الطبي والتمريضي والعاملين في المستشفيات، ولكي تركّز المستشفيات على مرضى الكورونا. لا شك أنها مرحلة صعبة ولكننا سنخرج من هذه الأزمة، وعلى أمل في العام المقبل أن يزول الوباء. ولكن لن تكون هذه السنة كما العام الماضي اذ اتصور ابتداء من شهر أيار (مايو) أو حزيران (يونيو) ستخف هذه الموجة نهائياً وتختفي في الصيف ومع بداية الشتاء يكون الناس قد تلقوا اللقاح.
* ما إن أعلن عن الاقفال التام هرع الناس الى السوبرماركت فشهدت ازدحاماً كبيراً مما ينذر بارتفاع الاصابات في اليومين المقبلين ولا ننسى قبلها حفلات رأس السنة وانفجار مرفأ بيروت وفتح المدارس فما رأيك؟
- تتعدد الآراء والأمور ولكن اذا نظرنا الى دول متطورة فلم تستطع حكوماتها ان تسيطر على الوباء. واذا تحدثنا عن بلادنا فالحكومة بغض النظر اذا كنا مع سياستها أم لا فلقد عملت قدر استطاعتها بهذا الموضوع، صحيح أن لديها أخطاء والشعب لديهم أخطاء والجميع لديهم أخطاء لأن هذا المرض صعب، هذا المرض تتطلب أشهراً لنعرف ماذا يفعل بالانسان، الأخطاء التي عُرفت مؤخراً لم تُعرف في السابق، وكما ذكرت أن الدول المتطورة لم تقدر ان تواجه هذا الفيروس، وعندما أدرس واقع شعبنا وكيف يفكر أقول الله وحده ينقذنا من هذا الوباء، فالطاقم الطبي يبذل اقصى جهوده ويساعد المرضى ليلاً ونهاراً دون توقف، ولكن اذا لم يعِ الناس خطورة المرض والالتزام بالارشادات الوقائية فنسبة الاصابات والوفيات سترتفع كثيراً. انني مع الاقفال التام لاراحة الأطباء والممرضين والمستشفيات ليقدروا ان يواصلوا عملهم. نحن الآن بوسط الانهيار ولكن أملنا كبير بأن نستعيد عافيتنا لأننا لم نعتد أن نموت، سنمر بمرحلة صعبة، ولكن لن تبقى الأمور هكذا اذ سينتهي الوباء ولكن المطلوب الآن هو الوقاية ثم الوقاية.