لا يختلف اثنان على ان رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع قرر مواجهة معظم الاطراف السياسيين وإن كانت هذه المواجهة بنسب مختلفة، معتمداً استراتيجية للتعامل مع القوى السياسية في المرحلة الراهنة ترتكز على وجهة نظر "القوات" حيال الوضع السياسي الراهن، فمن كان مع الحزب اعتبر حليفاً، ومن خالف "القوات" اعتبر خصماً، واذا حصل التقاء في المواقف مع طرف معين فلا يعني ذلك التلاقي قد يستمر وانما التعاطي مع هذا الطرف او ذاك سيكون "على القطعة ورأي حسب الموضوع والمناسبة والتاريخ.... لقد تجاوزت "القوات" الخلاف الحاد بينها وبين "التيار الوطني الحر" وحزب الله، الى اطراف آخرين كانوا بالامس القريب حلفاء، مثل تيار "المستقبل" الذي توصف العلاقة معه بــ"الباردة"، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي توصف العلاقة معه بــ "المتقلبة حسب الزمان والمكان.... وتبقى الهجمات شبه اليومية التي يشنها جعجع على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، هي الابرز في ادبيات "القوات" في هذه المرحلة من خلال تحميله دائماً مسؤولية ما الواقع المتردي الذي وصلت اليه البلاد، فضلا عن "تعاظم " دور حزب الله في الداخل اللبناني، ما جعل العلاقة بين بعبدا ومعراب تصل الى ما دون الصفر...
والواقع ان جعجع لا ينتظر المناسبات ليعلن "المواجهة " مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"التيار الوطني الحر" و "حزب الله" فكيف اذاً أتته مناسبة يطلق خلالها مواقف قاسية مثل الكلام الذي نسب الى قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الايراني علي حاجي زاده، حيث شن "الحكيم" حملة غير مسبوقة لم يسلم فيها لا الحزب ولا التيار ولا حتى رئيس الجمهورية، منهياً مرحلة كانت موصوفة بــ "ربط النزاع" مع حزب الله، وهو الخيار نفسه الذي ينتهجه تيار "المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي. لكن المواجهة الاقسى كانت مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي حملــــه مسؤوليــــة كل ما يتخبط به لبنــــان. واللافت ان "القواتيين" غير راغبين في الوقت الراهن ببذل اي جهد في المرحلة الراهنة، لوصل ما انقطع مع تيار "المستقبل" ويقولون في هذا المجال ان "التيار الازرق" رفض ملاقاة اليد "القواتية" الممدودة منذ فترة، ولذلك قررت معراب اتخاذ موقف مغاير للمواقف السابقة وترجمت ذلك من خلال عدم تسمية الرئيس الحريري خلال الاستشارات النيابية الملزمة ورفض المشاركة في حكومته التي لم تولد بعد. ويلاحظ المراقبون ان تركيز "معارك" حزب "القوات" على التيار البرتقالي والحزب و"القوات"، لا يعني "رحمة " باقي الاطراف ومنهم مؤخراً رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي خاضوا مواجهة عنيفة في وجهه على خلفية قانون الانتخاب.
ولكن الصفعـــة التي تلقتها معراب من حيث لا تدري، اتتها من رئيس "المردة" سليمان فرنجية الذي اعتقدت انها طوت معه صفحة الخلاف، فاذا به ينسف مؤخراً كل المساعي والجهود التي بذلت منذ اتمام المصالحة ليعيد العلاقة بين الطرفين الى نقطة الصفر. وقد بذل "القواتيون" جهداً لمنع الامور من التفاقم اصلاً، فاستوعبوا مواقف فرنجية وتجنبوا الى حد بعيد مجاراته بالتصعيد.
وتتمسك معراب حالياً بعنوان اوحد تطرحه كمخرج للازمة وهو الانتخابات النيابية المبكرة، وهو طرح لا تجاريها فيه الكثير من القوى السياسية ما جعلها تتأنى بالقيام بأي خطوة متقدمة في هذا المجال، من هنا، كان قرارها بعدم استقالة نوابها من المجلس النيابي بالتزامن مع تقديم عدد من النواب الآخرين استقالتهم بعد انفجار مرفأ بيروت.
انتخابات نيابية مبكرة
وبحسب مصادر "القوات" فإن الاولوية اليوم يجب ان تكون للعودة الى صناديق الاقتراع والوقوف عند رأي الناس بعد التغيير الجذري الذي طرأ بعيد "انتفاضة 17 تشرين"، وفي حال عدم تجاوب الاكثرية النيابية، فالخيار البديل تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وليس على شاكلة الحكومة المنوي تشكيلها، حسب رأي "القوات" التي "تتناتش" القوى الحاكمة الحصص فيها كما في السابق ولدى قيادة "القوات" قناعة بأن لا امل بالتغيير المنشود في ظل المشهد الحالي، لذلك تبدو "القوات" في مشهد "ناقم" على الجميع.... ما جعل ردود فعل الاخرين على مواقف "القوات" قاسية لاسيما "الخصوم التقليديين" الذين يتهمون معراب بتنفيذ "اجندة خارجية" تحقيقاً لاهداف قريبة المدى تتمثل باسقاط "المجموعة السياسية الراهنة" تجاوباً مع مطالب "المنتفضين"، واهداف بعيدة المدى ابرزها السعي لوصول سمير جعجع الى قصر بعبدا.
في المقابل، تقول مصادر "قواتية"، ان رأي الحزب ورئيسه "الحكيم" انه حان الوقت لاجتماع "القوى السيادية" لما فيه المصلحة اللبنانية من خلال التقاء الكتل الاربعة المتمثلة بــ"القوات اللبنانية" وتيار "المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي والمجموعات السيادية التي تمثل "انتفاضة 17 تشرين" من اجل الاتفاق على مشروع سياسي موحد ، والا استمرار الوضع على ما هو عليه من انهيار متدحرج والغرق في مزيد من المراوحة في توقيت قاتل ينذر بالانهيار الكلي للبنان، فيما المطلوب الانقاذ السريع قبل الوصول الى الفوضى الشاملة.
وفي المؤشرات الظاهرة على طاولـــــة الخيارات السياسية، تلتمس مصــادر "القوات" ان "المستقبل" والتقدمي ليسا على جهوزية للانضمام الى جبهة سيادية موحدة باعتبار ان الرئيس المكلف سعد الحريري لا يزال يأمل في تشكيل حكومة والتوصل الى حل مع الفريق الاخر، فيما يتموضع التقدمي ما بين الخيارين. ومن هذا المنطلق، ترى "القوات" انها وحدها اليوم رغم ابوابها المفتوحة ورؤيتها الواضحة لجهة عدم القبول بتغطية الفريق الحاكم بأي شكل ورفض المشاركة في الحكومة، وتأكيدها على ان بشائر الحل تبدأ من خلال اجراء انتخابات مبكرة التي تعتبر المدخل السريع للتغيير واسقاط مجلس نواب لم يعد يمثل الشعب بعد الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي ملأت ساحات لبنان. وفي الشق المتعلق بالمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، فإن رؤية "القوات" واضحة لناحية التأكيد على ان خطوة مماثلة تبقى من دون جدوى بمفردها، ولا يمكن ان تؤدي الهدف المرتجى، في حال لم تأت ضمن قالب متكامل من خلال التركيز على اسقاط "المنظومة" مجتمعة لا الاكتفاء بفرع واحد فحسب حيث يشكل رئيس الجمهورية جزءاً منها. ويخطىء من يظن ان استقالة رئيس الجمهورية كافية لوحدها. واذا كان هناك من يريد وضع قواعد المواجهة على انها مسيحية - مسيحية، الا ان المواجهة "وطنية" – حسب القوات - حيث المشكلة متجذرة مع منظومة حاكمة متكاملة.
وتنظر "القوات" حسب مصادرها، بإيجابية الى المصالحة الخليجية التي تمت في "قمة العلا" في السعودية، وترى انها وحدت القرار الخليجي عبر الدخول في مشروع سياسي متكامل من ضمن المواجهـــة مع ايران. ومن هذا المنطلق تؤكد "القوات" مجدداً على ضرورة تلقف "القوى السيادية" اللبنانية المنحى الذي تطور من خلاله المشهد في المنطقة وتعمـــل على تحضير نفسها للمرحلة المقبلة من خلال "جبهة سيادية" حان وقتها، من دون ان يعني ذلك استعادة تجربة "14 آذار" لأن "القوات" تدرك ان اعادة تكوين جبهة "14 آذار" صعب في الوقت الراهن.