تفاصيل الخبر

الكنز الشفوي لحكايات شعبية من لبنان مكتوبا ومترجما..

30/01/2020
الكنز الشفوي لحكايات شعبية من لبنان مكتوبا ومترجما..

الكنز الشفوي لحكايات شعبية من لبنان مكتوبا ومترجما..

بقلم عبير انطون

 

مؤلفة كتاب ”حكايات وحكايات؛ حكايات شعبية من لبنان“ نجلا جريصاتي خوري: جمعتُها على مدى ثلاثين عاما... واكتشفت ان للنساء قصصهن الخاصة من خلال ”الغمز“!

 

شكّل الحديث مع الكاتبة والباحثة والمترجمة التي تخرجت مــن كلية التربية والفلســفة، نجلا جريصاتي خوري متعة حقيقية لي، فبغير الترحيب الحار في بيتها في الأشرفية الذي لمّا تطأ عتبته تشعر انك تدخل جنّة ثقافية بامتياز تأخذك من <محيط المحيط> واخوته من الكتب المتربعة على عرش المكتبة الواسعة، الى رسومات الأطفال المنتشرة على الجدران والتي قد تكون لاحفادها، حتى تشعر بأنك في جو <صحي> ودي، يزيده هدوء طلة نجلا ودماثة خلقها، ويراودك شعور بأن حكاياتنا الشعبية باللغة العربية التي من أجلها قصدناها يمكنها ان تكون مثلها، لذيذة، قريبة على القلب، سهلة على متلقيها، عميقة بأبعادها ومراميها حيث تمرر المعلومة بطرفة وذكاء بعيدا عن الفلسفة و<فك الطلاسم>. ولعل مهنة تعليم الأطفال التي مارستها ردحا من الزمن قبل عملها كمديرة لمناهج <اليونيسيف> لمعلمات الاطفال جعلتها تدرك الطريقة الاسلم للوصول الى الهدف.

فبعد ان ترجمت واصدرت منذ فترة قصيرة ثلاثون قصة عن النساء مختارة من هذه الحكايات الشعبية باللغة الفرنسية من قبل الكاتبة جورجيا مخلوف، وقبلها ايضا باللغة الانكليزية مع الكاتبة عناية بشناق، قصدنا مؤلفة الكتاب باللغة العربية السيدة نجلا لنتحدث عن هذه الحكايات الشعبية بين اخواتها المئة التي كانت قد أصدرتها في كتاب بجزأين حمل عنوان <حكايات وحكايات؛ حكايات شعبية من لبنان>.

فكيف جمعت الباحثة هذه الحكايات؟ ما المميز فيها؟ اي مفاجأة حملتها لها ولنا بالنسبة لدور النساء في هذه الحكايات وما السبب في ذلك؟

 في لقاء <الأفكار> مع نجلا جريصاتي خوري كل التفاصيل بدءاً من السؤال:

ــ في التقديم لكتابك من <دار الآداب> كُتب ان <التراث الشفوي الشعبي كنز مفقود ومنشود> ومن هذا النقطة بالذات كانت الانطلاقة للكتاب الذي صدر في العام 2014، كيف تم ذلك؟

- لقد عملت منذ العام 1979 وعلى مدى عشرين عاما في مسرح الدمى وخيال الظل والشخوص ضمن فرقة أطلقتها بعنوان <صندوق الفرجة> وهناك اليوم من يحمل الشعلة ويستمر. كنت أبحث عن القصص لهذا المسرح وكانت الحكاية الأولى بعنوان <مين سرق الحنطة؟>، وقد استمعت الى نسخات عديدة منها من مصادر مختلفة اذ كل يرويها بطريقته، وانصب همّي على ان اقدم مسرحية جميلة، وبالفعل تبقى لها بصمة خاصة في ذاكرتي بين جميع القصص لنجاحنا في تقديمها على المسرح بأرفع مستوى. هكذا بدأت بجمع القصص الشعبية من مصادرها المختلفة طوال هذه الاعوام العشرين، ولما باتت الناس تعرف ما أقوم به، كانت تساندني فتدلني على مَن يمكن ان يخبرني أو يروي لي شفهيا او يسمح لي بالتسجيل او بالتدوين، الى ان توصلت لمجموعة كبيرة منها، فقلت في نفسي: هذه القصص ليست ملكي، انها تراث شعبي أصيل يجب ان نتشاركه جميعا ونطلع عليه، ومن هنا ولدت فكرة اصدارها في كتاب بجزأين وقد اخترت مئة قصة من اصل حوالى ثلاثمئة.

ــ لقد تطلب منك هذا البحث سنوات طوال. ما كانت ابرز الصعوبات التي واجهتك؟

- فعلا تطلب البحث وقتا طويلا، وكنت املكه خاصة اثناء الحرب، وكنا قد اقمنا لبعض الوقت في صيدا وفي منطقة حولا، كما ساعدني طلابي وبينهم معلمات للأطفال في زيادة هذا الرصيد من خلال اشخاص يعرفونهم فكنت اقصدهم في مختلف المناطق، كما أنني قضيت يومين في بعلبك لهذا الغرض، واستمعت الى قصص في الجبل وفي الشوف، حتى انني زرت جبل الدروز في سوريا، والمهمة ذاتها، البحث عن القصص الشعبية ورواياتها المختلفة، ذلك ان الجذور هي نفسها، ولأجل ذلك كان عنوان الكتاب <حكايات وحكايات شعبية من لبنان> وليس <حكايات لبنانية>، كذلك زرت اكثر من مأوى للعجزة لهذا الغرض، والى القصص رحت ايضا الملم الـ<عدّيات>، <عديات> الباعة المتجولين، او تلك التي تغنى للاطفال حتى يناموا، او التي يقولونها قبل الشروع بلعبة ما، وهذا كله مستمر منذ ثلاثين عاما وحتى الساعة، وترونني احتفظ اينما حللت بورقة وقلم حتى ادون كل ما اسمعه من <عدّيات> او تعابير وعبارات شعبية في اي مكان اكون فيه.

ــ بين النسخ المتعددة للقصة الواحدة ايها اعتمدت عند الكتابة والصياغة؟

- اخترت القصص الكاملة بحسب القوس المعروف للقصة اي تلك التي تتمتع ببداية ونهاية صحيحة وبنية متينة، وبغير ذلك لمَا كانت هذه القصة نجحت ولما استمرت. من <كان يا ما كان بقديم الزمان> ابدأ، واعترف بأنني استعنت ببدايات ونهايات من غير قصص كانت جميلة، وقد ذكرت ذلك في المقدمة. لكن في الحصيلة النهائية كنت مخلصة جدا. لا أخفي عليكم بأنني فكرت في اعادة كتابتها بنسخة واحدة للقصة، لكنني وجدت بأنها ستفقد من قيمتها التراثية الاصيلة، كما أنها ليست ملكي او ملكا لغيري للتصرف بها، فأبقيت عليها، وكتبتها باللغة الفصحى بعد ان فكرت ايضا باصدارها بالعامية الا ان <دار الآداب> كانت لها وجهة نظر مختلفة، وكانت ربما على حق بالقول بأنني اكون حينئذٍ أتوجه لجمهور محدد، وان كتابتها وقراءتها بالعامية ستكون أصعب.

ــ هل تحتفظين بالتسجيلات الصوتية لهذه الحكايات <من أفواه رواتها الأصليين الذين نقلوها بدورهم عن آبائهم وأجدادهم>؟

- احتفظ بمن سمحوا لي بتسجيلها، اذ كنت اجمعها والحرب مندلعة في البلد، والناس <تتساءل> عن طبيعة عملي هذا وإذا ما كان ستارا لأمر آخر، فتخشى أحيانا من ان تتحدث الي حتى، وكان أهون السبل ان يتم تقديمي مسبقا الى من يروونها لي من قبل شخص يعرفونه.

ــ ومعدل الاعمار الرواة؟

- ستون وما فوق، وبالطبع في دور العجزة كانت الاعمار أكبر.

ــ بغير <ريبة> البعض ممن خشوا ان يكون عملك هذا <تمويها> لأمر آخر، ما كانت الصعوبات؟

 -من الصعوبات التي واجهتني، والتي بالمقابل شكلت متعة حقيقية اكثر منها صعوبة، الاستطرادات التي كان الرواة يدخلونني بها، فهذا يخبرني عن اموره الشخصية، وتلك عن السفرة الممدودة في الحكاية مع تفصيل الاطباق الممدودة عليها من الكبة الى الكوسى الى الى.. وما يحب زوجها وما لا يحب، ما يجعل الوقت يمر أحيانا ويضطرني للعودة من جديد حتى الى المناطق البعيدة. لقد شكل جمع هذه الحكايات وصياغتها متعة، وفتحت لي الباب أمام جمع <العديات> والتعابير الشعبية، كما وحفزتني أيضا على تأليف كتاب للصغار بعنوان <صندوق حكايات> يتيح للمدارس مثلا الاستعانة بها مع الطلاب في الحفلات المدرسية وهي مقسمة بشكل يتيح ادوارا لمختلف المشاركين فيها.

 

<لكشة.. وغمزة>!

 

ــ هل تتقن النساء فن الرواية اكثر من الرجال؟ ما الذي لمسته في خلال جلسات الاستماع؟

- النساء كن يفرحن ان هناك من يستمع ويقدر ما يروينه.

ــ هل في بعض هذه الحكايات ما رسخ بعض المفاهيم التي انعكست سلبا علينا كمجتمع وخاصة كنساء لناحية <الذكورية المطلقة> و<الرجل السبع> و<القبضاي الذي لا يقهر> او غيرها؟

- قد تتفاجأون، وهو ما شكل مفاجأة لي أيضا، انه في الكثير من القصص النساء هن البطلات، هن القياديات والذكيات والحكيمات فيما الرجل هو <التافه> او <البسيط الساذج>، وهذا يعود بحسب تفسيري الى ان الرجال كانوا يقضون سهراتهم في شرب النارجيلة وفي الاستماع الى الحكواتي وهو يقدم عرضه بصوته الجهوري وحركاته وسيفه او خنجره فيما النساء، وفي هذه الليالي الطوال، وبعد ان يكون الاولاد قد ناموا وفرغن من العمل المنزلي، لا يعود لهن من انيس سوى الحكايات يتبادلنها، يروينها لبعضهن البعض على ضوء القنديل او السراج، بدون تلفاز ولا راديو، ما يطلق العنان لمخيلاتهن ولأفكارهن، علما ان الكثيرات منهن لا يتقنّ القراءة ولا الكتابة. كذلك نلاحظ في الكثير من القصص والحكايات العربية وحتى العالمية غياباً للاب ودوره، فأين هو في مختلف القصص العالمية التي نسمعها من <ساندريلا> الى <ذات القبعة الحمراء> وغيرها؟ الدور الكبير هو للنساء، وللتخلص من كيد مَن يزعجنهن والتنفيس عن انفسهن، تتماهى الراوية مع الـ<ساندريلا>، وكأنها هي الـ<ساندريلا> التي تعاني ضروب القهر والعذاب التي تسببها لها امها او زوجة ابيها او اخواتها الحسودات منها الخ، وكل ذلك في ظل غياب الاب وصورته، فتضحي هذه القصص في جانب منها متنفسا للراويات أنفسهن مما يعانين منه، او تتيح لهن ابراز القدرات التي يتمتعن بها.

 وتضيف جريصاتي:

- كذلك، وهذا ما شكل لي <اكتشافا> أيضا، انّ للنساء في ما بينهن قصصاً خاصة يروينها، وفيها ايحاءات عديدة بينها الايحاءات الجنسية، وهن يقمن بقصها امام الاطفال من دون شرح معانيها طبعا وكأنها قصة عادية يخبرنها. كنت أراهُنَ وهن يروينها لي، يتغامزن و<ينكزن> بعضهن البعض ويضحكن عاليا عند الاشارة الى هذه الايحاءات <من زمولة البريق> و<دنب الفأر> الى <الجرة التي انكسرت> او <الحمّام النباتي الي بيرجع النسوان بناتي> الخ...، والتي صدقا، كنت انا ايضا ضحية عدم فهمها من المرة الاولى، وهذا ما رويته ايضا في مقدمة الكتاب المترجم. فقد استمعت يوما الى واحدة من هذه الحكايات وكان الاولاد متحلقين من حولنا والضجة قائمة، ولما عدت الى القصة، وجدت انني لم افقه منها الكثير وكانت مبهمة في العديد من مفاصلها، فطلبت اعادة زيارة السيدة التي روتها لي علّني استمع للرواية من جديد، واكتشفت هنا بعد الاستماع من جديد بان ما لم افهمه كانت هذه الايحاءات، وهناك العديد منها. وهذه الحكايات عن النساء شكلت مادة الكتاب الذي ترجم الى اللغة الانكليزية مع الكاتبة الصديقة عناية بشناق التي طلبت مني اعادة قراءة هذه القصص بـ<عين أخرى> واخترنا منها ثلاثين قصة قامت بترجمتها الى اللغة الانكليزية، كما وتمت ترجمتها مؤخرا الى اللغة الفرنسية مع الكاتبة جورجيا مخلوف.

ــ هل لا زالت الحكايات اليوم، وتحديدا الشعبية المستقاة من ماضينا وعاداتنا وقيمنا، تلقى رواجا لدى الناس، والجيل الجديد تحديدا، وبرأيك كيف يمكن تحفيزه لجعله اكثر اهتماما بها؟

- الطريف ان هذه الحكايات <رجعت عالموضة>، وهناك حكواتيون محترفون يعتاشون من هذه المهنة... هناك جهاد درويش مثلا، وجمعية <السبيل> التي اسست المكتبات العامة في بيروت حيث الأساسية في الباشورة وهناك فروع منها في <مونو< و<الجعيتاوي> وفي كل يوم جمعة تخبر رندا ابو الحسن قصة للاولاد، وكذلك يفعل خالد نعناع كما وأيضا غوى علام وسامي موسى اللذان ينتقلان بالباص التابع لجمعية <السبيل> بهدف الاستمرار باخبار هذه القصص والإضاءة عليها كجانب تراثي ثقافي مهم في حياتنا... كذلك فان سارة قصير حكواتية ايضا، وكذلك نسيم علوان في مكتبة المتن، وجمانة بحلق وغيرهم.. والاهم هنا ان بول مطر في الجامعة <اليسوعية> يقيم سنويا <مهرجان الحكاية الشعبية> فتتم دعوة عاملين في المجال من المغرب العربي ومصر والسودان وافريقيا ليقدموا عروضا على المسرح ويخبرون الحكايات الشعبية بشكل جميل ومحترف.

ــ أصول هذه الحكايات الى ماذا تعود؟

- للكثير منها جذور ميثولوجية او لها علاقة بالدين، واذا ما فتشنا عن الاصول نجد لها خيوطا من التراث العالمي حتى، ففي حكاية <العنزة العنوزية> مثلا يطلب صغار العنزة من الذئب ان يريها من خلف الباب قدمه البيضاء للتأكد ان كان يكذب، في حين ان الذئب في بلادنا ليس ابيض اللون ما يجعل صغار العنزة عندنا تطلب قدمه لترى ان كانت <حلسا ملسا>.. مثلا.

ــ هل من جديد تعدين له حاليا؟

- سيصدر كتاب عن <دار قنبز> بثلاثة مجلدات، الاول يحتوي <عديات واغاني تراثية> معروفة بهدف تعليم الاطفال وتحبيبهم باللغة العربية كمثل اغنية <في عنا شجرة قدام البيت> للياس الرحباني، وفيها يستبدل الاولاد كلمة شجرة بكلمة بيضا او جزرة الخ. مع اعادات واوصاف جديدة يتعلمونها... والثاني سيكون عن العبارات الشعبية والطريفة مسكوبة في حكاية <حسون>... في حين ان الثالث عبارة عن ثلاث حكايات بالفصحى مشكّلة من حكايات والعاب مترابطة ببعضها البعض... وكل ذلك بهدف جعل الاولاد يحبون اللغة العربية ويتسلّون بتعلمها فيتعلقون بها، ولمعلمات الاطفال الدور الجوهري في ذلك، ومن هنا اهمية وضرورة تدريبهن وتأهيلهن بالشكل الوافي والحديث.