تفاصيل الخبر

الكنيستان الكاثوليكية والارثوذكسية انضمتا الى ”الثورة“ ”بعدما بلغ وجع الشعب حده الأقصى“!

01/11/2019
الكنيستان الكاثوليكية والارثوذكسية انضمتا الى ”الثورة“  ”بعدما بلغ وجع الشعب حده الأقصى“!

الكنيستان الكاثوليكية والارثوذكسية انضمتا الى ”الثورة“ ”بعدما بلغ وجع الشعب حده الأقصى“!

منذ العام 2005، لم يحظ أي تحرك شعبي بدعم الكنيسة في لبنان، كما حصل مع <ثورة 17 تشرين الأول> (أكتوبر) التي شهدها لبنان وشملت معظم المناطق اللبنانية، ذلك ان التحركات الشعبية التي حصلت سابقاً، غلب عليها الطابع الحزبي ورفعت شعارات سياسية اكثر منها شعارات اجتماعية وانسانية. لكن الذي حصل في <الثورة> الحالية يعتبر سابقة عاشتها المناطق اللبنانية قياساً الى مشاركة قواعد شعبية معظمها غير مسيّس في التحرك الذي شهدته المناطق اللبنانية كافة.

وإذا كان دخول الكنيسة على خط دعم الحراك الشعبي على نحو ظاهر ومعلن ومكشوف، فإن اللافت في هذا التطور انه تجاوز النصح والتمنيات والصلوات الى الله لحماية المتظاهرين، الى تبني المطالب التي رفعها المتظاهرون، والمجاهرة بالوقوف الى جانبهم، ودعوة السلطة الى تبنيها وعدم تجاهل الصيحات التي ارتفعت في كل اتجاه. وكذلك بدا من خلال تعدد دعوات الهيئات الروحية المسيحية ان شمولية التأييد أعطت الحراك الشعبي زخماً اضافياً إذ انه من النادر أن يرى اللبنانيون كاهناً أو راهباً يشارك في تجمع يطالب بـ<اسقاط النظام> وينشد <كلن يعني كلن>.. وهذا المشهد برز في ساحة الشهداء، كما في ساحة رياض الصلح على مرّ الأيام الماضية وهو كان يتجدد يوماً بعد يوم.

ولعل أبرز مظاهر المشاركة الكنسية المسيحية تجلى من خلال الاجتماع الروحي الذي عقد في بكركي لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وللبطاركة والمطارنة الارثوذكس والذي تمخض عن نداء باسم رؤساء الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية وأساقفتها ورؤساء الرهبانيات العامين والعامات، تحدث بوضوح عن <وجع> الشعب الذي بلغ وجعه حده الأقصى، وصولاً الى الدعوة الى <احتضان> الانتفاضة الشعبية <المشروعة وحمايتها>، والمطالبة بتجاوب الحكم والحكومة مع مطالبها الوطنية، ومنها: حكم ديموقراطي، حكومة ذات مصداقية، وقضاء عادل ومستقل وأداء شفاف وحياد عن الصراعات وتطبيق اللامركزية الادارية، وصولاً الى بسط سلطة الشرعية من دون سواها ومكافحة الفساد ووقف الهدر واسترداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، وتأمين التعليم وفرص العمل وتوفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس. وعلى رغم ان معظم مطالب الكنيسة تتناغم وما عمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تحقيقه، إلا ان أحبار الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية في لبنان، دعوا الرئيس عون <المؤتمن على الدستور وناظم عمل المؤسسات> الى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات المناسبة بشأن مطالب الشعب <لأن استمرار شلل الحياة العامة في البلاد من شأنه أن يؤدي الى انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً ما يرتد سلباً على الشعب اللبنانية (...) لقد حان الوقت لكي تلبي الدولة المطالب المحقة لتعود الحياة الطبيعية الى البلاد>.

دعوة الأحبار وتمايز الراعي!

وخص أحبار الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية، <الشعب المنتفض> في لبنان وبلدان الانتشار بالدعوة الى المحافظة على <نقاء حراكه وسلميته، وأن يمنع أي طرف من أن يستغل صرخته ويحولها حركة انقلابيه، ويشوه وجهها الديموقراطي (...)، ولا بد أيضاً من احترام حرية التنقل للمواطنين لتأمين حاجاتهم ولاسيما الصحية والتربوية والمعيشية والاقتصادية، فيبقى الرأي العام محتضناً هذه الانتفاضة. والتقى أحبار الكنيستين مع دعوة الرئيس عون المتظاهرين التوافق في ما بينهم على من يحاور باسمهم مع المراجع المعنية للوصول الى حلول ناجحة. وفيما ثمن الأحبار جهود الجيش في احتضان التحرك وحمايته، طالبوا الجميع بالتعاون مع هذه المؤسسات والتجاوب مع تدابيرها الأمنية والحياتية.

ولاحظ المراقبون ان دعم الكنيسة المسيحية للمتظاهرين تطوّر منذ كان عليه بيان البطاركة والأساقفة، حين انفرد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بتوجيه نداء وصف فيه ما يجري بـ<ثورة عارمة> من شمال لبنان الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، لينضم بعد ذلك الى المطالبة بتشكيل حكومة جديدة بكل مكوناتها، جديرة بالثقة تكون مصغرة ومؤلفة من شخصيات ذوات اختصاص وانجازات من خارج الأحزاب والتكتلات كي تتمكن من تنفيذ الورقة التي أقرها مجلس الوزراء في اجتماعه بالقصر الجمهوري يوم الاثنين 21 تشرين الأول (أكتوبر)، رافضاً أن يفرض أي فريق ارادته على الجميع، <فلا أحد أكبر من لبنان وشعبه>. كما يؤكد الدستور ان <الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية>. فلا يمكن عدم الاصغاء لمطلبه بالصورة الشاملة التي توحّده تحت راية الوطن. ولا يمكن اهمال ما يتحمل المتظاهرون الثائرون من جوع وعطش وسهر وحرّ وبرد. وليعلم المسؤولون في الدولة انهم مسؤولون عن الخسائر بملايين الدولارات في الخزينة العامة وعن الشلل العام، في كل يوم من تأخيرهم في تشكيل الحكومة الجديدة، وإعادة البلاد الى حركتها الطبيعية.

والدعوات التي صدرت عن البطريرك الماروني، رافقتها دعوات أخرى لهيئات مسيحية لم تكن تقحم نفسها في التحركات الشعبية التي كانت تحصل، فبعد الرابطة المارونية برئاسة النائب السابق نعمة الله أبي نصر، والمجلس الماروني العام برئاسة الوزير السابق الشيخ وديع الخازن، كانت لافتة دعوة الرؤساء العامين والاقليميين والرئيسات العامات والاقليميات في لبنان الى التضامن مع <الانتفاضة الشعبية>، ودعوة رئيس الجمهورية للبدء بالمشاورات مع القادة السياسين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات المناسبة بشأن مطالب الشعب. كما تبنى الرؤساء العامون والرئيسات العامات دعوة رئيس الجمهورية الى إعادة النظر بالوضع الحكومي واتخاذ التدابير الاصلاحية الواجبة وفتح حوار بناء مع المتظاهرين.

الجامعتان الأميركية واليسوعية!

أما الحدث غير المسبوق، فكان من خلال اصدار رئيس جامعة القديس يوسف البروفيسور الأب سليم دكاش، ورئيس الجامعة الأميركية الدكتور فضلو خوري، دعوة مشتركة رحبا فيها بالمشاركة في إسهام الأساتذة والطلاب والاداريين والخريجين الذين هم اليوم على أرض النضال من أجل حقوق كل اللبنانيين من دون استثناء. ودعوا السلطات الرسمية اللبنانية الى عدم تجاهل الروح الجديدة التي تحثّ اللبنانيين الى الوحدة والى التلاقي والعمل معاً من أجل دولة مدنية تتجاوز الطائفية والمحاصصة وتقوم على قيم الحرية والأخوة والمساواة والعدالة وعلى قاعدة احترام الحقوق والواجبات للجميع، ودان دكاش وخوري كل المحاولات التي تسعى الى قمع التظاهرات و<ندعو، مع الشكر، الجيش اللبناني وقوى الأمن الى حماية المتظاهرين وبينهم العديد من طلابنا وأساتذتنا واداريينا ومتخرجينا وهم يدعون الى لبنان الكفاءة والتضحية بالذات، ونحث السلطات اللبنانية على الاستجابة الى مطالب شعبنا في وقت قريب بحيث تتخذ الاجراءات المؤسساتية الضرورية للخروج من الأزمة الحالية، مع الإشارة الى اننا نبقى مستعدين للإسهام في إيجاد الحلول التي تفتح الباب أمام بلوغ الخلاص الوطني>.

وفي خطوة غير مسبوقة أيضاً كانت رسالة الأب يونس اليسوعي، الرئيس الاقليمي على الشرق الأدنى والمغرب العربي الى اليسوعيين التي أشاد فيها بـ< الانتفاضة الشعبية> التي تهز المجتمع اللبناني وتعبر عن <عمق المعاناة التي تمس شعبنا وعن رغبته في بناء لبنان الجديد>. وتزامنت هذه الرسالة مع دعوة الى مشاركة اليسوعيين في اعتصام ساحة الشهداء حيث نصبا خيمة تجمعوا فيها <دلالة على رغبتنا في مواكبة روح التغيير بادئين بتغيير أنفسنا وملتزمين العمل على تغيير هيكليات الظلم والفساد حيثما أظهرت ثمارها المرّة>. ودعا الأب يونس اليسوعيين الى <التفكير جدياً في كيفية وضع امكانات الرهبنة وشبكاتها ومؤسساتها في جهوزية أصيلة للتعلم من هذا الحراك وللمشاركة فيه ولمؤازرته لكي يبقى أميناً لروحه ويحقق دعوته>.

وترى مصادر متابعة ان الدخول الكنسي الى الحراك الشعبي على النحو الذي تم فيه من بكركي الى الرهبنة اليسوعية وغيرها من المؤسسات الروحية، عامل جديد يعطي للحراك المدني أبعاداً جديدة تشي بخط جديد في مقاربة <الثورة> الشعبية التي يشهدها لبنان!