تفاصيل الخبر

 الكلاب المدربة تكشف المصابين بـ"كورونا" فهل تنقذ الحياة وتحيي الاقتصاد؟

05/08/2020
 الكلاب المدربة تكشف المصابين بـ"كورونا" فهل تنقذ الحياة وتحيي الاقتصاد؟

 الكلاب المدربة تكشف المصابين بـ"كورونا" فهل تنقذ الحياة وتحيي الاقتصاد؟

بقلم عبير أنطون

  [caption id="attachment_80018" align="alignleft" width="141"] الدكتور فؤاد الحاج في عيادته.[/caption]

 مع إعلان إعادة الإقفال من جديد إثر التفشي المتعاظم والسريع لفيروس "كوفيد 19" في مختلف الاقضية اللبنانية، ارتفع رنين جرس الإنذار الصحي بقوة، خاصة من قبل الاختصاصيين المتخوفين من استعادة الصور الرهيبة التي كانت تصلنا من مستشفيات إيطاليا وفرنسا وغيرها.. ومع تسجيل العداد نسباً يومية غير مسبوقة لدينا. ووسط تساؤلات عن نتائج فحوصات الـ " PCR " الملتبسة في بعضها، لفتنا خبر الاستعانة بالكلاب المدربة لاكتشاف الـ"كورونا"، والتي قد تتم الاستعانة بها في المطار حيث الضغط الكبير في عدد الأشخاص، أو في الأماكن المكتظة أو التي يصعب فيها إجراء الـ"بي سي آر" وذلك من ضمن بروتوكول محدد.

فإلى أي مدى يمكن للكلاب المدربة أن تكون وسيلة فاعلة تشكل عامل "بحث وتحر" عن الفيروس بين حامليه ؟ وهل يمكن لأنف الكلب أن ينقذ حياة الكثيرين ممن لا يعرفون حتى بأنهم مصابون ؟ ما القدرات التي تؤهّل الكلاب لذلك ؟ وماذا عن التدريبات ؟ هل من فصائل كلاب أفضل من غيرها في هذا المجال وما هي نسبة النجاح ؟

الى هذه التساؤلات تنضم أخرى ذي طابع اقتصادي. فهل تشكّل هذه الكلاب عنصراً فعالاً في عودة العجلة الاقتصادية الى الدوران من خلال استخدامها في المنافذ والموانئء المختلفة للدول، كما وأيضاً في التخفيض من نسب الفحوصات الطبية إذ تجرى للمشتبه بهم فقط ؟ وهل ستساهم في الحد من استخدام موارد اختبار خدمة الصحة الوطنية المحدودة واللجوء إليها فقط حين تكون هناك حاجة فعلية لذلك ؟

 "المملكة المتحدة" أعلنت أن الدراسة على كشف الكلاب لـ"الكورونا" تسير بشكل جيد جداً والإشارات كلها تبشر حقيقة بنتائج إيجابية. وقال البروفسور "جيمس لوغان"، رئيس قسم مكافحة الأمراض في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "لقد أظهر عملنا السابق أن الملاريا لها رائحة مميزة، وقد نجحنا في تدريب كلاب الكشف الطبي على اكتشاف الملاريا بدقة. ونظراً لمعرفتنا بأن أمراض الجهاز التنفسي يمكن أن تغيّر من رائحة الجسم، فإن ذلك يدفعنا إلى التفكير في أن الكلاب أيضاً بإمكانها اكتشاف فيروس «كوفيد - 19» المسبب للمرض، وإذا نجح هذا النهج، فيمكن أن يحدث ثورة في كيفية اكتشاف الفيروسات لدى البشر".

أما فرنسا فقد اعلنت من جانبها عن "نتائج مذهلة" في مجال تعقب العينات الإيجابية لفيروس كورونا وتمييزها عن العينات السلبية وتنبيه المدربين اليها ما سيعزز من مكافحة الفيروس، والأمر سيان أيضاً في الولايات المتحدة . فماذا عن لبنان؟

"الأفكار" وقفت عند رأي الطبيبين البيطريين فؤاد الحاج وماريا المعلم .

 بداية يختصر الدكتور فؤاد الحاج امكانية أن يصبح الكلب قادراً على "تشخيص" المصابين بالـ "كوفيد 19" قبل فحوصات الـ " بي سي آر" بالقول: الأمر ممكن، لكنه يتطلب التدريب الجيدّ، واللوجستيات المؤمنة، فضلاً عن أًعداد الكلاب المدربة على أن يكون التطبيق على الارض مدروساً وليس بطريقة عشوائية . ويشرح:

 كل شيء يقوم على نظرية الـ"رفليكس". كلنا يعرف نظرية "بافلوف" في "الارتباط الشرطي" والتجارب التي قام بها على احد الكلاب، لكن أجدادنا سبقوه الى هذه النظرية، من زمان بعيد فهم اذا ما كانوا يأخذون معهم الحمار الى حقولهم، ويملأون جنباته بسلال العنب والتين، فإنه كان يعود بمفرده الى البيت الذي تدرب على الوصول اليه. الإنسان يملك سرعة القيام بالامر أو المهمة المعطاة له، لذلك يقال إنه أسمى الكائنات، فيما الحيوان يتطلب وقتاً اطول من التدريب على القيام بالمهمات المرجوّة.

بالتدريبات الملائمة، تتوصل الكلاب الى تمييز روائح المتفجرات والاسلحة والمخدرات والتدليل عليها، إلا أن ذلك لا يتم بين ليلة وضحاها. فلا يتعلم الكلب مثلاً أن يجلس أو يقوم بحركة ما، إلا بعد تدريبه عليها لسبعين مرة حتى ينفّذها . ولما يتدرّب جيداً ، فإنه يصبح من الصعب أن يخطئ، لذلك يمكن الاعتماد عليه بنسبة كبيرة، وهو يحتاج على أقل تقدير الى نحو شهرين من التدريب المستمر والخضوع للاختبارات المختلفة حتى يحقق نتائج معينة.

ويزيد الدكتور الحاج:

[caption id="attachment_80020" align="alignleft" width="496"] المالينوا.. بين أفضل الكلاب المدربة.[/caption]

 سبق أن تم تدريب الكلاب على اكتشاف عدد من الأمراض أيضاً، مثل الملاريا والباركنسون وبعض الامراض السرطانية (الكلاب - وخاصة البيجل اي كلاب الصيد الصغيرة - يمكن أن تشم سرطان الرئة الخلوي في البلازما، كما ظهرت في دراسة نشرتها مجلة الجمعية الأميركية لعلماء العظام في يوليو 2019). بالنسبة الى "الكوفيد 19"، قد يكون التوصّل الى نتائج جيدة وارداً طبعاً، لكن السؤال الذي يطرح حول اعتمادها في لبنان : اين سيتم تدريب هذه الكلاب على اكتشاف المصابين به ومن خلال ماذا ؟ هل سيكون ذلك على عينات أو ثياب أو من رائحة الفيروس نفسه، أو من خلال تعرق الشخص المصاب، ووفقاً لأية تقنية وأي تدريب على التفتيش؟ ثم في أي الأمكنة نقوم بذلك ؟ هل في مستشفى بيروت الحكومي مثلاً أم في المطار؟ وماذا عن الأمكنة الأخرى، كالمولات والمتاجر الكبيرة وأماكن التجمعات ؟ هذا من دون أن نغفل أن الكلب المدرب يحتاج بعد ساعات من العمل والجهد الى استراحة فيجري التناوب عندها مع كلب ومدرب آخر، ما يعني أن ذلك يتطلب عدداً لا بأس به من الكلاب، على شكل سرايا تتشكل أقلها من ستة كلاب مع مدربيهم للمناوبة. فهل يمكن تأمين هذا العدد ؟

ولما نسأله عن أفضل فصائل الكلاب للقيام بهذه المهمة يجيبنا:

 بين أكثر فصائل الكلاب "الكشف الطبي" التي أثبتت فعاليتها في الاختبارات، هناك كلب "بيرجيه دو مالينواه" الذي أثبت أنه من بين أفضل الكلاب لمثل هذه المهمات، وهناك أيضاً الـ "لابرادور" ، والـ "بيرجيه المان".. وقد أثبت الـ "مالينوا" أنه يتمتع بخصائص عالية. مرة كنت في زيارة عمل إلى العراق فوجدت حوالى الـ 90 % من الكلاب فيه هي من "المالينوا" يقومون بالمهمات المختلفة متحملين درجات الحرارة المرتفعة، الأمر الذي لا يناسب الكلاب عادة .  

وسألناه عن نسبة الركون الى نتائج اكتشاف الكلاب لـ"الكوفيد 19" والوثوق بها فأجاب:

  ليس هناك نسبة مئة في المئة، والمهم هو كيفية العمل على الموضوع من حيث التدريب وتوفير كل السبل والظروف للوصول الى نسب عالية جداً. أشبّه الأمر كمن يرسل عسكرياً الى المعركة. كلما كان تدريبه وجهوزيته عالية كلما عاد بنتائج افضل وربح معركته. وحتى لو تم استقدام كلاب مدربة في الخارج على اكتشاف الـ"كوفيد 19" للعمل في لبنان، فلا بد من إعادة تدريبها واختبارها هنا لأن البيئة والظروف تختلف عليها. لذلك مثلاً، عندما تدرب الكلاب على التفتيش عن المخدرات فإنها تستقدم من الخارج بعد اختيارها، وتخضع للتدريب والاختبار على أرضنا .

 وعن الجهة المخولة القيام بهذه التدريبات لضمان أهلية الكلاب، يؤكد الطبيب البيطري المعروف، أن هناك جهات متخصصة بهذا الأمر. حتى هو كطبيب بيطري لا يقوم بذلك. "التدريب له ناسه المدرَبون بدورهم والمجهَزون. هذا عالم قائم بذاته، له ناسه الذين يفقهون بما نسميه "سيكولوجية الكلاب". ومن البديهي أن تنشأ علاقة ثقة وحب وتفاعل عميق بين المدرب وكلبه، ويكون لكل كلب مدربه الخاص، لذلك تسمعون المدرب يقول "كلبي" ولا يمكن لأي كلب أن يكون مع أي مدرب.

 الى ذلك، فإن جميع الكلاب وإن كانت من الفصيلة عينها لا تتمتع بالقدرات نفسها. وهنا يحيلنا الدكتور الحاج الى إحدى الوحدات لتدريب الكلاب في فرنسا مثلاً، فيشرح أنه يصلهم عشرة كلاب منها ليختار المختصون إثنين أو ثلاثاً فقط ، وحينها يجري تدريب الكلاب التي اختيرت على مهمات معينة كاكتشاف الأمراض أو المخدرات أو الأسلحة أو غيرها.

المعلم : الاختبارات واعدة

[caption id="attachment_80019" align="alignleft" width="200"] الدكتورة ماريا المعلم قدرة الكلاب هائلة.[/caption]

من جهتها، تؤكد الطبيبة البيطرية ماريا المعلم لـ "الأفكار" على قوة حواس الكلاب التي تتفوق على بعض حواس الإنسان، وما دليلها على النباح قبل حصول الزلازل مثلاً سوى استشعار مبكر من خلال "حاستها"، حتى إن بعض الزبائن الذين يقصدونها لطالما أخبروها عن كلاب استشعرت جلطات أصيب بها أصحابها بعد ساعات .

 تؤكد المعلم على قدرة الكلاب على تعقب بعض أنواع أمراض السرطان كسرطان البروستات والبنكرياس وأمراض الكلى من خلال حاسة الشم المتفوقة لديها (وفقاً للأبحاث العلمية الطبية فإن مستقبلات الرائحة لدى الكلاب تفوق مثيلتها لدى الإنسان ما بين مئة ألف ومليون مرة. كما أن الكلاب تتوافر لديها بين 200 و250 مليون خلية خاصة بحاسة الشم، بينما لا تتعدى خمسة ملايين لدى الإنسان)

من الناحية العلمية، لا شيء يمنع، بحسب الدكتورة ماريا، من توصل الكلاب الى كشف الـ"كوفيد 19" قبل الفحوصات التقليدية المعروفة، وهي تشير الى الدراسة التي قام بها البروفيسور اللبناني في أمراض الدم والأورام رياض سركيس بالتعاون مع الطبيب البيطري دومينيك غرانجان الذي كان من الأوائل الذين دربوا الكلاب على الكشف عن المخدرات. فقد توصل الطبيبان الى تقنية اكتشاف الاصابة بفيروس "كورونا" بالاستعانة بالكلاب المدربة لهذه الغاية. فمع الاصابة بأي مرض ينتج جسم الإنسان جزئيات تؤدي الى انبعاث رائحة معينة وعلى هذا الأساس، يمكن للكلاب المدربة أن تكتشف المصابين، وحتى لو لم يشعروا بالعوارض، وقبل فترة الحضانة، تقول المعلم .

الكلاب المدربة بالأصل على الكشف عن أمور معينة كالمخدرات والاسلحة وغيرها، يكون من الأسهل تدريبها على الكشف عن "الكوفيد 19" وهذا ما اظهرته بعض التجارب، تقول المعلم وبنسبة تامة أحياناً، من خلال التدريب على التمييز بين عينات لأشخاص مصابين وأخرى لغير المصابين .

وتشير المعلم الى أنه حسب الدراسة التي أشارت إليها، فإن 4 كلاب مدربة قادرة على الكشف عن 4500 وافد خلال 8 ساعات ما يعتبر رقماً قياسياً. أما كيفية إبراز الكلب لنتيجة "فحصه" السلبي من الإيجابي، فإن ذلك يتم بحسب طريقة التدريب، بينها مثلاً أن يجلس الكلب في حال كشف الاصابة أو المضي في حال كانت سلبية.

 ختاماً، وفي مثال على نجاح هذه الخطوة جاء مطلع هذا الاسبوع ما أعلنته الجمارك السعودية عن نجاح الكلب "بايلو" في كشف الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد، وذلك مع استئناف عمل المنافذ الجمركية، مشيرة أنه بالتعاون مع المركز الوطني للوقاية من الامراض ومكافحتها فإن نتائج التدريب أظهرت إيجابية تجاوزت الثمانين بالمئة . و"بايلو" المشهور اليوم، له، بحسب ما أعلنت الجمارك، قدرة على شم الرائحة على بعد 40 قدماً تحت الأرض مع امتلاكه لأكثر من 125 مليون حاسة شم إضافة الى رشاقته ولياقته العالية .