تفاصيل الخبر

الخطـاط والفنـان التشكيلــي نعمــــان الرفاعـــي:  أجد متعتي في تحويل القلم الى منحوتة تنطق!

25/04/2019
الخطـاط والفنـان التشكيلــي نعمــــان الرفاعـــي:   أجد متعتي في تحويل القلم الى منحوتة تنطق!

الخطـاط والفنـان التشكيلــي نعمــــان الرفاعـــي:  أجد متعتي في تحويل القلم الى منحوتة تنطق!

بقلم عبير انطون

 

قريبا الى العاصمة الفرنسية بعد ان شارك في معارض في الولايات المتحدة وتركيا والجزائر... هوايته غريبة من نوعها لا بل يمكن القول انها فريدة ولربما نادرة من حول العالم لفنان وجد ضالته في النحت على رأس قلم الرصاص. وجوه تاريخية وزمنية، معالم أثرية ومواقع، نفرتيتي والفراعنة، ابراج وهياكل، كلها نحتها بدقة لامتناهية، مغيرا وجهة القلم من كتابة الكلمة الى الكتابة بالفن. وكانت للتغريدة التي نشرها الاعلامي مارسيل غانم مؤخرا عن ابداع نعمان الرفاعي بعدما اهداه قلم رصاص نحت عليه اسم المقدم القدير، اضاءة جديدة على فنان رسّخ مكانته ومتنها كمن ينحت موهبته في الصخر ويثبتها ليبني عليها.

فمن هو نعمان الرفاعي؟ ما علاقته بعالم الخط العربي؟ بالنحت؟ كيف اختار النحت على الرصاص وما طموحه بعد؟

في حوار <الافكار> معه كان لنعمان ابن بلدة ببنين العكارية وقوف عند الاجابات انطلاقا من سؤالنا:

ــ كنت تهوى الخط العربي منذ بداياتك... ما هي المراحل التي قطعتها حتى وصلت للنحت على قلم الرصاص؟

ــ منذ الصغر وأنا أعشق الخط العربي. بدأت تقليد ما تراه عيني من لافتات واعلانات كانت تكتب باليد. جمعت كراسات عديدة وكتباً تعنى بالخط وتعمقت وسهرت ليالي وسنوات اكتب بالقصبة والحبر، الا أن المسافة البعيدة كانت حائلا دون تمكني من ملازمة استاذ يرشدني ويعزز قواعد الخط لدي. تابعت بمفردي حتى وصلت لمرحلة ادرّس الخط العربي في عديد من المدارس عدا عن دورات للمدرّسين وذوي الحاجة. لا أخفي أن للخط الفضل علي في فتح نوافذ لأنواع من الفنون لاسيما النحت على الخشب والحجر، فكنت آخذ منه الصبر والدقة والانتباه والتركيز حتى احصل على منحوتة بكامل تفاصيلها على رأس القلم.

ويشرح نعمان البدايات أكثر:

 - بدأت بالنحت على الخشب ومن ثم على الحجر والطين، وأغلب المواد لم اوفرها في النحت حتى خطرت على بالي فكرة النحت على رؤوس أقلام الرصاص لما يشكل هذا القلم من رمزية تجمع فيه كل معاني الفن والثقافة. اخترت ان اجرب قلماً واستعنت بآلة حادة رأسها كالدبوس وبدأت نحت القلم بتأنٍ وانتباه وصبر وقلق من أن ينكسر بين يدي مع تعاملي للمرة الأولى مع هذه المادة الهشة، وبعد ساعات مضنية ظهرت المنحوتة التي اخترت ان تكون شكل رأس كلاسيكي اظهرت فيه كامل التفاصيل من حيث الشكل والملامح. هنا كانت فرحتي الاولى وبدأت مسيرتي مع الاقلام.

وأضاف:

 - بعد أن لاقت هذه الفكرة إقبالاً بالوسط الفني تابعت بها وشاركت في عدة معارض باقلامي ما شكل مادة جذب، فالقلم أداة لكتابة رسالة وقصيدة وبعض تفاصيل الرسم، وأنا اليوم حولته الى منحوتة أعبّر فيها عما في داخلي وأعطي من خلاله رسائل جمة كباقي الفنون...

 ــ ما هي المهارات والركائز التي يتطلبها هذا النحت. تركيز ذهني بصري؟

 ــ ان النحت على قلم الرصاص يتطلب مهارة، لاسيما الكلاسيكي، لأن القلم لا يتعدى الملمترات ما يتطلب تركيزا عاليا وانتباها لأنه عرضة للكسر خصوصاً في المرحلة الأخيرة منه، والاستعانة بالعدسة المكبرة <Loupe>  ضرورية كي اتمكن من رؤية اجزاء صغيرة جداً في المنحوتة. يحتاج هذا النحت الى احساس وحالة نفسية مريحة، كذلك الادوات التي انحت بها هي عبارة عن شفرة صغيرة واحيانا انحت برأس الدبوس في بعض المراحل، لأن القلم لا يتحمل أدوات اخرى. انها مهمة صعبة فعلا، لكن الفنان بأحاسيسه يطوع ما لا يُطوع، فالفرد منا ان استخدم مخيلته وأحاسيسه يستطيع أن ينتج ويفجر ما لا طاقة لأي عاقل على تصوره.

ــ على اي اساس تختار الوجوه او المفاهيم التي تختارها للنحت؟

 - اختار أحيانا اشكالا معينة كوجوه شخصيات او معالم اثرية، واحيانا تردني الفكرة اثناء العمل او تتغير في اول مرحلة منه بحسب ما يطرأ على مخيلتي.

ــ ما ابرز ما نحتته حتى اليوم: وجوه ثقافية... سياسية... فنية، مفاهيم عامة، معالم... مناطق؟

 - انحت الكلاسيكي حتى ابرز تفاصيل المجسم ولتبيان الدقة والصعوبة في العمل وهذا هو التحدي، واحيانا انحت اسماء وآيات بارزة. نحتت سورة الاخلاص كاملة على رأس قلم الرصاص كما نحتت شخصيات ابرزها فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، قلعة بعلبك، الروشة، فضلا عن تمثال الحرية في اميركا، برج ايفل في فرنسا، التماثيل الفرعونية، كما نحتت الابجدية اللاتينية والفينيقية، هذا بغير اسماء ونماذج لشركات أشتغلها بناء على الطلب...

دهشة في اميركا...!

 

ــ شاركت في معارض عديدة بينها في الولايات المتحدة... حدثنا عن الرحلة وردود الفعل، وماذا عن معرضك في الجزائر؟

 ــ شاركت في العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية ابرزها في اميركا، ولاية كاليفورنيا (لوس انجلوس) حيث أقيم <سيمبوزيوم> لمدة 10 ايام يجري فيها النحت على جذوع الشجر. شاركت كنحات على الخشب ونحتت حصانا، والمميّز ان مراحل العمل جميعها تمت امام الجمهور والفنانين المشاركين من كل دول العالم خطوة بخطوة، حتى الانتهاء منه وبقيت المنحوتة في احدى الجامعات الأميركية. لقد طُلب من كل فنان مشارك ان يحضر معه منحوتة خشبية للعرض اثناء <السمبوزيوم> فأخذت معي مجموعة من أقلامي التي للحقيقة، أثارت الدهشة والاستغراب من الحضور وحتى من قبل الفنانين أنفسهم. كانت مشاركة لا تنسى لأني التقيت بفنانين كبار لم اتوقع يوما مقابلتهم شخصيا.

وتابع قائلاً:

- كذلك، سبق وشاركت في الجزائر لمرتين سنة 2016 وسنة 2018 (سيمبوزيوم اعالي شيليا الدولي). لقد أحببت الجزائر جدا، خاصة لجهة شعبها الطيب والمخلص، وشيليا منطقة مشابهة لمنطقة الارز في لبنان حيث يعلو الارز الجبال. لقد شاركت في هذا الملتقى بمنحوتتين الاولى <مسجد الاقصى> والثانية <حمامة داخل القفص>، واللتين حصلتا على اعجاب واندهاش الحضور لدقة التفاصيل التي تمكنوا من مشاهدتها مستعينين بالمكبر رغم حجم قلم الرصاص المنحوت الذي لا يتعدى الملمترات.

وأضاف:

- كما شاركت في تركيا من خلال معرض للخط العربي والزخرفة، وذلك بأربعة اعمال جسدت فيها على الاقلام آيات قرآنية وحروفيات بارزة. وقد شاركت مؤخراً في القاهرة بعملين في الخط العربي وجسدت نفرتيتي على القلم.

 ــ وهل من انواع محددة من اقلام الرصاص تنحت عليها؟

 ــ لا يوجد نوع او ماركة محددة. أنحت على كل انواع اقلام الرصاص واصغرها ابتداءً من 1ملم الى 5 ملم..

 صار الوقت...!

ــ هل تعمل في مجال النحت على الخشب والحجر ايضا؟ وكم من الوقت تستغرق المنحوتة بشكل عام؟

 - حاليا اعمل على النحت على الخشب والحجر، وفي اوقات معينة اركز على نحت أقلام الرصاص. غالباً ما يستغرق نحت القلم ما بين 4 الى 12 ساعة، وذلك بحسب الشكل، وهناك اشكال تستغرق اياما عدة كالحلقات المفرغة والمفاتيح المتحركة من رأس القلم نفسه.

ــ كلمة الشكر من الاعلامي مارسيل غانم. ماذا عنت لك ولماذا اخترته شخصيا لإهدائه قلمك؟

 - بالنسبة للاعلامي مارسيل غانم، وجدت انه يستحق كغيره من اعلاميين يحاولون من خلال برامجهم تسليط الضوء على معاناة الشعب اللبناني، وان مشاركة الشباب والشابات وابداء رأيهم هو نجاح لبرنامج <صار الوقت>، فكان لا بد من ان اهديه قلما نحتت عليه اسمه ليكون قلمه الحر ذكرى لا تمحى. وكانت لفتة كريمة منه قبل بدء برنامجه بنشر الصورة على <التويتر> مرفقة بتغريدة شكر. اتمنى ان اهدي من اعمالي من هم كذلك يستحقون دون ان ادخل في تعداد الاسماء.

ــ نلت تقديرا من المؤسسة العسكرية حول نصب تذكارية للشهداء. ماذا نحتت تحديدا وكم استغرق الامر وقتا؟

 ــ لقد نلت العديد من شهادات التقدير والجوائز ومنها جائزة <الجزيرة> بالمركز الاول بعد التصويت عندما فزنا 4 مشتركين. كذلك نحتت عدة نصب تذكارية للجيش ومنها نصب شهداء بلدتي ببنين العكارية، وكان النصب في وسط البلدة بارتفاع 4 م / 3م عبارة عن صفائح من الرخام، وجسدت كتابا منحوتة عليه اسماء الشهداء تعلوه شمس من الحجر تشرق فوق الكتاب والارزة المحاطة بالبندقيتين، ما استغرق شهرين لإنجازه.

 ــ تحلم بمتحف يضم اعمالك. اين انت من المشروع وهل يمكن ان يرى النور؟

 ــ بدأت ببناء محترفي الخاص بمساحة 220 ليضم اعمالي وانا اعمل فيه حاليا، وسأخصص جزءا منه كصالة للعرض بشكل ملائم.

 ــ من يشتري منحوتاتك؟

- بعد ان كان نحت الاقلام هواية اصبح مهنة الى جانب نحت الحجر والخشب، ومنهم من يطلب نحت الأسماء كهدايا يقدمونها، او نحت اشكال معينة او اسماء تجارية و<لوغو> لشركات.... انفذها على اقلام الرصاص ليكون عملاً غريبا وجديدا على الساحة الفنية، وقد وصلت اعمالي الى كافة انحاء لبنان وخارجه.

ــ هناك من ينحتون على حبة الارُزّ. هل الامر اصعب من النحت على رأس قلم الرصاص؟ وهل جربته شخصيا؟

- بالنسبة للنحت او الكتابة على حبة الأرز فالأمر سهل بالنسبة لي وقد جربته لكني ركزت على الاقلام للتفرد، وهو بالتأكيد اصعب من حبة الأرز لأن تقنياته ادق. فهو عرضة للكسر بشكل اكبر، ما يتطلب مهارة ودقة اكبر بسبب الخوف والقلق من ان ينكسر القلم بين يدي لأن مادة الرصاص المخلوطة مع الكربون تجعله قابلاً للكسر في اي وقت بعيدا عن صغر حجمه حيث لا يتعدى عرضه 4 ملم. وفي المرحلة الاخيرة منه يصبح اكثر عرضة للكسر لأنه يرق ويصبح دقيقا، فعندما تنتهين منه وينجح تشعرني بالانجاز، خصوصا وقد جسدت عليه ما تمليه عليه مخيلتك او الموضوع الذي اخترته، فيما النحت على حبة الارزّ لا يتطلب مني سوى التحديق بالمكبر والتنفيذ.

ــ ماذا عن جديدك اليوم وهل تشارك قريبا في اي معرض؟

- قريبا احضّر لمعرض في العاصمة الفرنسية، وهناك بعض المشاركات ستكون في دول عربية بحسب ما يسمح لي به الوقت.

ــ مع توجه العالم اليوم الى فأرة الكومبيوتر، هل تخشى على فقدان اقلام الرصاص يوما؟

- بصراحة كنت استمتع وانا اكتب الخط العربي واكتب اللافتات بالفرشاة قبل ان يغزو الكمبيوتر وآلات الطباعة والحداثة عالمنا، لذلك لجأت الى الخط الكلاسيكي بالحبر والقصبة واتخذت الخط مهنة محاولا الهرب والقفز الى عمل يستحيل على فأرة الكمبيوتر ان تقوم به، لذلك لا اخشى على قلم الرصاص من الحداثة لأنه يصعب تقشير القلم وازالة خشبه بطريقة اظهار الرصاص المنوي النحت عليه، واذا حصل ذلك فلا قيمة للقلم من يد فأرة الكمبيوتر، فالفكرة للفنان هي الاساس.

ــ خاصية قلم الرصاص انه يمحى. هل من ذكرى تحبذ لو تمحوها شخصيا؟

 ــ قلم الرصاص يمحى بسهولة لكن عندما يتحول هو نفسه الى منحوتة تنطق بالجمال والدقة يبقى ذكرى لا يمحوها الدهر. برأيي الابداع يمكنه ان يشكل افضل ممحاة او مداواة للذكريات الصعبة!