تفاصيل الخبر

الخلاف حول تعيين محافظ ارثوذكسي لبيروت ينتظر "تسوية" يقبلها دياب ولا تغضب عودة!

13/05/2020
الخلاف حول تعيين محافظ ارثوذكسي لبيروت ينتظر "تسوية" يقبلها دياب ولا تغضب عودة!

الخلاف حول تعيين محافظ ارثوذكسي لبيروت ينتظر "تسوية" يقبلها دياب ولا تغضب عودة!

[caption id="attachment_77989" align="alignleft" width="250"] محافظ بيروت زياد شبيب .. انتهت مدة انتدابه[/caption]

 مرة أخرى تلعب الاعتبارات الطائفية والمذهبية دوراً في عرقلة التعيينات الادارية على مستوى موظفي الفئة الأولى، في وقت جُمدت فيه التعيينات المالية لنواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية. وهذه المرة كانت طائفة الروم الارثوذكس الوقود التي أشعلت نار مواجهة بين رئاسة الحكومة ومطرانية بيروت للروم الارثوذكس والسبب تعيين محافظ جديد لمدينة بيروت خلفاً للقاضي زياد شبيب التي انتهت فترة انتدابه من مجلس شورى الدولة الى محافظة العاصمة والذي هوعُرفاً من طائفة الروم الارثوذكس.

 وإذا كانت عوامل المواجهة بسبب التوجه الى تعيين محافظ غير القاضي شبيب الذي يحظى بدعم متروبوليت بيروت المطران الياس عودة، فإن التعيينات التي حصلت في مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي قبل ثلاثة أسابيع كانت الشرارة التي انطلقت منها المواجهة وأشعلت فتيل الخلاف. ففي مجلس الخدمة المدنية انتزع مركز رئيس ادارة الموظفين من طائفة الروم الارثوذكس وأعطي لموظفة من طائفة السريان الارثوذكس. وفي التفتيش المركزي، حلّ ماروني مكان ارثوذكسي في المفتشية العامة الادارية، الأمر الذي أثار ردود فعل لدى المطران عودة وعدد من أبناء الطائفة، ثم أتى الحديث عن تغيير المحافظ شبيب ليزيد فوق الطين بلّة ويسعر الخلاف بين مطرانية بيروت والرئيس حسان دياب الذي كان ينوي تعيين مسشارته بيترا خوري محافظة لبيروت بعدما تعذر تعيينها وزيرة في الحكومة، علماً ان اسمها بقي وارداً حتى دقائق من اصدار المراسيم، ثم استبدلت بالسيدة زينة عكر عدرا نائبة لرئيس الحكومة ووزيرة للدفاع الوطني.

الشكوى من الهيمنة!

"الحراك الارثوذكسي" الذي بدأ على إثر استبعاد عودة القاضي شبيب الى محافظة بيروت من خلال اجتماعات عقدت في دار مطرانية الروم في بيروت، واكبته سلسلة مواقف وتصريحات زادت الأمور تعقيداً لأنها أحيت تحفظات ارثوذكسية سابقة ترتكز خصوصاً على موضوعين اثنين: الأول شعور أبناء الطائفة بما يسمونه "هيمنة مارونية" على حقوقهم لاسيما خلال تسمية الوزراء في الحكومات الثلاث التي تعاقبت في عهد الرئيس ميشال عون، حيث تم تسمية نائب رئيس الوزراء في هذه الحكومات من خارج الرعاية الكنسية، فقد أعطي المركز في حكومتي الرئيس سعد الحريري الى ممثل "القوات اللبنانية"، فيما أعطي في حكومة الرئيس حسان دياب لوزيرة اختارها رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل من دون الوقوف "عند خاطر" المطران عودة الذي لم تكن له أيضاً "كلمة" في اختيار الوزراء الارثوذكس، فالوزير ميشال نجار سماه رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، والوزير ريمون غجر سماه النائب باسيل ما جعل "اللقاء الارثوذكسي" يتحدث عن غبن في حق الطائفة ازداد منسوبه بعدما اتضح ان ليس في الادارة اللبنانية حالياً سوى 12 مديراً عاماً من الروم الارثوذكس، فيما لا تملك الطائفة أي موقع أمني متقدم، فقائد الجيش ماروني، والمدير العام للأمن العام شيعي، ومدير عام أمن الدولة كاثوليكي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي سني. في المقابل هناك المفتش العام في الجيش ارثوذكسي، في حين أعطي الروم موقع بين قادة الوحدات في قوى الأمن الداخلي. وفي الجسم القضائي فإن مواقع الارثوذكس محدودة قياساً الى مواقع الموارنة والكاثوليك على حد سواء.

 في أي حال، يبدو التحرك الارثوذكسي هذه المرة يحمل في طياته كل ما كان يشكو منه نواب الطائفة وشخصياتها الروحية والمدنية، بحيث ترتفع الأصوات للتعويض على الطائفة بالمركزين اللذين خسرتهما في التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، على أن يكون محافظ بيروت من الذين يحظون برضا المطران عودة إذا لم تكن عودة القاضي شبيب ممكنة بعد الموقف الذي اتخذه الرئيس دياب بعدم التجديد لأي موظف تنتهي مدته في وظيفته (كما هو الحال بالنسبة للقاضي شبيب) أو بتقاعد، مع الإشارة الى ان رئيس الحكومة كان رفع شعار حكومته العابرة للطوائف، متناسياً التركيبة اللبنانية التي تفرض مراعاة الاعتبارات المذهبية وتوزع المراكز على الطوائف، مع العلم أن عودة القاضي شبيب الى المحافظة تفرض عليه أن يقدم استقالته من السلك القضائي الاداري ليصار الى تعيينه في السلك الاداري حيث التقاعد في سن الـ64، فيما تقاعد القضاة يتم في عمر الـ68، أي انه سيخسر أربع سنوات، إضافة الى تقديمات يحصل عليها القضاة من دون الموظفين في السلك الاداري.

غبن مزمن!

[caption id="attachment_77988" align="alignleft" width="375"] الاجتماع الأرثوذكسي الموسع داخل مطرانية بيروت بحضور المطران عودة[/caption]

والذين تابعوا الاجتماع الارثوذكسي الموسع الذي عقد في دار مطرانية بيروت لاحظوا أن المعطيات التي حضرت في النقاش ركزت على ضرورة إزالة الشعور الذي ترسخ منذ سنوات من أن طائفة الروم الارثوذكس يتم التعاطي معها في كل المواقع وكأنها طائفة ملحقة بطوائف أخرى، أو "مغتصب" قرارها من مرجعيات غيرها، بعد تغييب رجالاتها عن صنع القرار في الطائفة كما هي مرجعيات أخرى في طوائفها. واعتبر المجتمعون انه تم "استسهال السطو" على حقوق الارثوذكس على رغم الاتصالات التي أجريت ماضياً وحاضراً من أكثر من طرف ارثوذكسي بمراجع عليا في الدولة داعين الى "احترام" خصوصيات الطوائف والمذاهب في ظل النظام الطائفي. إلا أن هذه المراجعات لم تعط نتيجة عملية وظل الحضور الأرثوذكسي في الادارات العامة مصادراً من طوائف أخرى، لاسيما الطائفة المارونية. ورأى المجتمعون في دار المطرانية انهم كرسوا مرجعية ارثوذكسية لا يمكن تخطيها عند البحث بما يخص الارثوذكس في المناصب الوزارية أو الوظيفية أو حتى السياسية...

ويستذكر قياديون في الطائفة الارثوذكسية كيف أن الغبن لحق بهم من خلال عدم إعطاء صلاحيات لمنصب نائب رئيس الوزراء الارثوذكسي عرفاً، وهم يطالبون بذلك منذ سنوات، لأن الارثوذكس يعتبرون هذا الموقع بمثابة رئاسة رابعة للطائفة الرابعة في لبنان بعد الموارنة والسنة والشيعة، فضلاً عن أن مركز نائب رئيس مجلس النواب، وهو ارثوذكسي عرفاً أيضاً، يبقى من دون فعالية أو تأثير إلا في حال غياب رئيس المجلس (الشيعي) عن البلاد فتنتقل صلاحيات رئيس مجلس النواب الى نائبه. أما في حضور رئيس المجلس، فلا دور دستورياً لنائبه، على الرغم من أن النائب ايلي الفرزلي، نائب رئيس مجلس النواب، قاد الحركة الاعتراضية الارثوذكسية وصدرت عنه مواقف عكست استياء الارثوذكس مما وصلوا إليه...

وفي لغة الأرقام، يتضح أن بين الفئتين الأولى والثانية من وظائف الدولة، هناك 81 مركزاً موزعاً بالتساوي تقريباً بين الطوائف الاسلامية، في مقابل 72 مركزاً للطوائف المسيحية بينها 44 للموارنة و11 للكاثوليك و9 للارثوذكس، الأمر الذي يفرض تصحيحاً لهذا الواقع الذي يشكو منه الارثوذكس الغائبين عن المراكز الأمنية الأساسية أيضاً. وعلى رغم التعهد الذي أعطاه وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي للمطران عودة بـ"التفاهم" معه على خليفة شبيب من بين أسماء حملها معه خلال لقاء في مطرانية بيروت من بينها القاضي زياد مكنا والقاضي زياد أبو حيدر، فإن العلاقة بين المطران وحكومة الرئيس دياب تمر في فترات من التوتر ما استوجب دخول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على الخط بحثاً عن "تسوية" ما لا يتراجع فيها الرئيس دياب عن موقفه، ولا تغضب المطران عودة الذي لم يكن مرتاحاً للاتصال الذي أجراه بطريرك الروم الارثوذكس يوحنا يازجي بالرئيس دياب والذي طالب فيه بطريرك الروم باحترام مواقع الطائفة الارثوذكسية في التعيينات وتعويض الظلم الذي لحق بها خلال التعيينات السابقة. وكان لافتاً ان البيان الذي صدر عن الكرسي البطريركي أشار الى ان الكنيسة "تقف دائماً على مسافة واحدة من كل أبنائها"، الأمر الذي أوحى ان موقف البطريرك يختلف عن موقف المطران عودة، علماً أن العلاقة بين البطريرك والمطران ليست مثالية. وقد حرص الرئيس دياب على نفي ما سُرب عن لسانه حول عدد أبناء الروم الارثوذكس مشيراً الى أنه لم يقل "وين بعد في أرثوذكس في بيروت"!