تفاصيل الخبر

الـخـــلاف بـيـــن القـاضـــي جرمـانـــوس واللـــواء عثمـــان يتطـوّر وغيــاب الحسم يضع هيـبـــة الدولــة علــى المحـــك!

03/05/2019
الـخـــلاف بـيـــن القـاضـــي جرمـانـــوس واللـــواء عثمـــان  يتطـوّر وغيــاب الحسم يضع هيـبـــة الدولــة علــى المحـــك!

الـخـــلاف بـيـــن القـاضـــي جرمـانـــوس واللـــواء عثمـــان يتطـوّر وغيــاب الحسم يضع هيـبـــة الدولــة علــى المحـــك!

 

الصراع غير المسبوق الذي نشأ بين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس لا يزال يتطور على رغم المساعي التي بُذلت لوضع حد له، لاسيما بعدما بات مادة دسمة لوسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي. وعلى رغم أن الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا قبل أسبوعين وضع <إطاراً> للعلاقة بين القضاء والأجهزة الأمنية يرتكز على الاحتكام الى القوانين والانظمة المرعية الإجراء، إلا أن كل النقاش الذي استهلك وقتاً كاملاً من اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، لم يضع حداً للنزاع القائم والذي يُنذر، في حال استمراره، بمضاعفات خطيرة تطاول هيبة القضاء والأجهزة الأمنية والدولة على حد سواء.

وإذا كانت القصة بدأت بتوقيف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي لأحد الأشخاص الذي أدلى بمعلومات عن علاقته بعدد من القضاة والمسؤولين الأمنيين تشتمّ منها روائح الفساد والرشى واستغلال النفوذ، فإنها تطورت بشكل سريع عندما طلب القاضي جرمانوس تسليمه الموقوف للتحقيق معه والتأكد من المعلومات التي أدلى بها وتناولت خصوصاً القضاة... إلا أن قوى الأمن لم تستجب لطلب القاضي جرمانوس وأبقت على الموقوف عندها بإشارة من المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود، قبل احالته على التقاعد منذ أسبوع. ورافقت هذه التطورات جملة شائعات لامست القاضي جرمانوس نفسه الذي اتهم فرع المعلومات بالوقوف وراء تسريبها نظراً للخلاف الذي نشأ بين الطرفين، ثم تطور الأمر أكثر نتيجة عدم مقاربة أي من المسؤولين الكبار لهذا الملف الذي صار مثل كرة الثلج بالتزامن مع أخبار ومعلومات كانت توزع عن <اعترافات> لموقوفين لدى فرع المعلومات تطاول أداء عدد من القضاة بينهم جرمانوس نفسه الذي لم يتأخر في الرد على ما وصفه <الحملة المنظمة ضده>، فحرّك ما سماه <مخالفات> ارتكبها اللواء عثمان بإعطائه أذونات مخالفة للقوانين لأشخاص وشركات ومؤسسات تسمح لأصحابها بحفر آبار ارتوازية والبناء على الأملاك العامة والمشاعات، والترخيص للمرامل والكسارات بالعمل خصوصاً خلال الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية وتلتها، وقيل إن عدد الأذونات بلغ بالآلاف.

 

نزاع حول الصلاحيات!

وقد تزامن تحريك القاضي جرمانوس لهذه <المخالفات> مع دعوى رفعها ضد فرع المعلومات بتهمة <احتجاز موقوفين خلافاً للقانون والتمرد على تعليمات النيابة العامة العسكرية> لم تلق أي رد إيجابي من قوى الأمن أو المرجعية القضائية المختصة، ما زاد في ارتفاع منسوب التوتر بين النيابة العامة العسكرية وقوى الأمن الداخلي، خصوصاً بعدما وجه جرمانوس مذكرة الى قائد الدرك العميد مروان سليلاتي طلب فيها تزويده بجدول الأذونات <المخالفة للقانون> في كل الأراضي اللبنانية على خلفية وجود رشى تقاضاها ضباط وعناصر في قوى الأمن، إلا أن اللواء عثمان رد على طلب جرمانوس ببرقية عمّمها على كافة وحدات قوى الأمن وطلب فيها إيداعه <كل التكاليف والتعاميم الصادرة عن النيابة العامة العسكرية والمتضمنة طلبات ضم مستندات أو معلومات تتعلق بأعمال الضابطة الإدارية الواقعة ضمن صلاحيات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وذلك للوقوف على ماهية هذه الطلبات وعرضها على وزارة الداخلية في حال اقتضى الأمر على ألا تتم إجابة هذه الطلبات قبل صدور أمر من هذه القيادة>، وتضمنت البرقية دعوة الى <عدم تزويد أي مرجع ذي صلاحية بأي معلومات أو مستندات او الرد على طلبات لا تدخل ضمن اختصاصه>، مذكراً <بأن النيابة العامة العسكرية هي سلطة قضائية بحتة غير مكلفة بأي مهام في إطار الضابطة الإدارية وليست سلطة وصاية على المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ولا تتمتع بأي صلاحية رقابية على الأعمال الإدارية لقوى الأمن...>.

وهكذا انفجر الخلاف أكثر فأكثر بين المرجعيتين القضائية والأمنية ووصل الى مرحلة اللاعودة مع فشل كل الجهود التي بُذلت لإلزام كل من الطرفين بالنصوص القانونية. وبدت المرجعيات الأمنية والقضائية والسياسية مربكة حيال ما وصل إليه الصدام بين المؤسستين اللتين يفترض أن تتكاملا، وسط حملات إعلامية متبادلة و<تسريبات> في وسائل الإعلام كانت تشعل النار كلما خمدت. ولعل ما زاد في تأجيج الخلاف أن قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان لم يتخذ قراراً بالسير في الدعوى التي أقامها القاضي جرمانوس ضد فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي لأن أي قرار في هذا الصدد سوف يشكل إحراجاً للقضاء ولقوى الأمن الداخلي معاً، علماً أن فرع المعلومات أكد أن كل ما يقوم به من توقيفات يأتي تنفيذاً لمذكرات واستنابات صادرة عن النيابات العامة والمراجع القضائية المختصة...

 

قضاة المحكمة العسكرية

من يحاسبهم؟!

 

إلا أن الايام الماضية حملت تطوراً آخر زاد في تعقيد الأمور ووضع هذا الملف في وضع بالغ الدقة والخطورة لأنه ينذر بمضاعفات تطاول الجسم القضائي، فقد ذكرت المعلومات أن هيئة التفتيش القضائي، واستناداً الى <اعترافات> أدلى بها أحد الموقوفين لدى فرع المعلومات، طلبت الى أحد القضاة البارزين في النيابة العامة العسكرية الاستماع اليه لمعرفة ما لديه من معلومات حول هذه <الاعترافات>، إلا أن القاضي المعني اعتبر أن لا صلاحية لهيئة التفتيش القضائي على قضاة المحكمة العسكرية، وذلك استناداً الى نص المادة 97 من مرسوم صادر العام 1983 يعتبر أن صلاحية هيئة التفتيش القضائي تشمل المحاكم العدلية والإدارية والهيئات في وزارة العدل وديوان المحاسبة والدوائر المركزية في وزارة العدل، وبالتالي فإن المحاكم العسكرية غير مشمولة ضمن صلاحيات هيئة التفتيش القضائي، وفي رأي القاضي المعني أن وزارة الدفاع هي وزارة الوصاية على المحكمة العسكرية وهي التي تحيل ملفاتها الى التفتيش القضائي. إلا أن ثمة من يرى أن موقف القاضي المعني غير قانوني لأن المادة 13 من قانون القضاء العسكري تُبقي القضاة العدليين المعينين لدى المحاكم العسكرية تابعين لوزارة العدل في كل ما يتعلق برواتبهم وترقياتهم وتأديبهم وبالتالي فهم يخضعون للتفتيش القضائي في حال مساءلتهم، وان النص الذي يشير الى ارتباط القضاة في المحكمة العسكرية بوزارة الدفاع يتعلق بالقضاة العسكريين في المحكمة العسكرية وليس بالقضاة العدليين المدنيين المعينين في هذه المحكمة والذين يبقون تحت وصاية وزارة العدل.

وتشير المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> أن وزير العدل القاضي البرت سرحان يعالج هذه المسألة الحساسة بهدوء بعيداً عن التأثر بالحملات الاعلامية من هذا الطرف أو ذاك ويرغب بالوصول حتى النهاية في التحقيقات الجارية، وهو يتشاور مع زميله وزير الدفاع الياس بو صعب لتأمين الحل المناسب لهذه الإشكالية التي أحدثت إرباكاً في الجسمين القضائي والأمني. إلا أن ثمة من يرى أن للمسألة أبعاداً سياسية انطلاقاً من التغطية الرسمية والسياسية في آن المتوافرة لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ونظراً للعلاقات التي تربط القاضي جرمانوس بمسؤولين آخرين، علماً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري توافقا في هذا المجال على تطبيق القوانين التي ترعى العلاقة بين الاجهزة الأمنية والقضائية، وذلك استناداً الى القرار الذي صدر عن المجلس الأعلى للدفاع في هذا الصدد، فهل تصل الأمور الى نهاية سريعة تكون فيها هيبة الدولة الأولوية، أم ان الخلاف بين القاضي جرمانوس واللواء عثمان وما تفرع عنه على صعيد صلاحية هيئة التفتيش القضائي في التحقيق مع قاض في المحكمة العسكرية أو عدم صلاحيتها سوف يتطور الى حدود لن يعود من السهل معها ضبط اتساعها، وبالتالي مَن يحسم هذا الخلاف؟!