تفاصيل الخبر

الخلاف بين البطريرك يازجي والمطران عودة هل هو أكاديمي صرف أم له خلفيات روحية؟

11/05/2018
الخلاف بين البطريرك يازجي والمطران عودة  هل هو أكاديمي صرف أم له خلفيات روحية؟

الخلاف بين البطريرك يازجي والمطران عودة هل هو أكاديمي صرف أم له خلفيات روحية؟

 

عون اليازجيالجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء قبل حلول موعد الانتخابات النيابية، كادت أن تمر بهدوء ليس لأن جدول أعمالها لم يتضمن بنوداً خلافية فقط، بل لأن من أتى الى الجلسة من الوزراء لم يشأ إثارة مواضيع من شأنها توتير الأجواء قبل ثلاثة أيام من الاستحقاق الانتخابي. إلا ان طرح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لموضوع الترخيص لجامعة القديس جاورجيوس في بيروت منذ البداية بدلاً من الاستهلالية التقليدية التي يفتتح فيها رئيس الجمهورية عادة الجلسة، سبب <أكشن> بين الوزراء حول ضرورة الترخيص أو عدمه، وجعل النقاش يذهب صوب هذا الموضوع فغابت الاستهلالية الرئاسية، ومعها المداخلة ــ التقليدية أيضاً ــ لرئيس الحكومة سعد الحريري... ليحل مكانها النقاش الذي دار بين الوزراء حول هذا الملف في غياب الوزير المعني به أي وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة الذي لم يحضر، لا هو ولا الوزير طلال ارسلان، الى قصر بعبدا، ليتمثل الوجود الدرزي في الحكومة بالوزير أيمن شقير!

قصة الترخيص... المجمّد

فما هي قصة جامعة القديس جاورجيوس؟

أساس الموضوع يعود الى أيام ما كان الوزير السابق الياس بوصعب يشغل حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي. يومئذ قدم متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة طلباً لإنشاء جامعة تابعة للأبرشية في بيروت تضم من جملة الاختصاصات، كلية للطب، وتتخذ من مبنى مجاور لمستشفى الروم في الأشرفية مقراً لها.. وبعد استكمال المستندات اللازمة، وافق الوزير بوصعب مبدئياً على الطلب وأحاله الى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء لدرسه واقراره وفقاً للأصول. إلا ان حكومة الرئيس تمام سلام التي كانت تدير البلاد في زمن الفراغ الرئاسي لم تتمكن من بت الطلب إذ اعتبرت مستقيلة فور انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. وبعد نيل حكومة الرئيس الحريري الثقة ومباشرة انعقاد جلسات مجلس الوزراء، حمل الوزير حمادة ملف جامعة القديس جاورجيوس الى مجلس الوزراء مع غيره من طلبات مماثلة لإنشاء جامعات بعضها ذات ادارة دينية، والبعض الآخر ادارتها <مدنية>. إلا ان الطلب لم يمر في مجلس الوزراء في حينه ليس لأن المستندات المطلوبة غير كافية، بل لأنه اتضح ان ثمة خلافاً حصل حول إنشاء الجامعة في بيروت بين بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، والمطران عودة على خلفية تتصل بالعلاقة بين البطريرك والمطران.

وفي هذا السياق، تروي مصادر وزارية أرثوذكسية ان البطريرك يازجي أجرى اتصالات عاجلة مع عدد من الوزراء بينهم وزير الدفاع يعقوب الصراف، لعدم الموافقة على الترخيص على أساس ان انشاء جامعة أرثوذكسية في بيروت سوف يؤثر على وضع الجامعة الارثوذكسية الأم جامعة البلمند التي تدرس اختصاصات عدة بينها الطب، ويتدرب طلابها في هذا الاختصاص في مستشفى الروم في بيروت، إضافة الى ان جامعة البلمند بدأت تتمدد في المناطق اللبنانية وتنشئ فروعاً لها منها فرع في منطقة سوق الغرب لقي دعماً كاملاً من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لدى طرحه في التداول. ويبدو ــ استناداً الى المصادر الوزارية نفسها ــ أدى اعتراض البطريرك يازجي الى ردة فعل سلبية لدى المطران عودة الذي تحرك بدوره لتأمين إصدار الترخيص خلافاً لرأي البطريرك. غير ان هذا التحرك استمر من دون نتيجة على أساس ان الرئيس عون بالاتفاق مع الرئيس الحريري، تريث في إعادة طرح الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء ريثما يزول الاشكال بين البطريرك ومطران بيروت كي لا يكون مجلس الوزراء طرفاً في خلاف بين رأس الطائفة الأرثوذكسية ومتروبوليت العاصمة.

ماذا دار في مجلس الوزراء؟

الياس بو صعب

إلا ان هذا التريث لم يؤثر عى استمرار الاتصالات والمساعي التي قام بها المطران عودة مع الرئيس عون والوزراء لتأمين صدور الترخيص وأخذ ذلك وقتاً ظلت خلاله مواقف الطرفين على حالها. وخلال زيارة قام بها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل والوزير السابق الياس بوصعب للبلمند، تم طرح الموضوع مع البطريرك يازجي الذي أبدى سلسلة ملاحظات، تم في نهايتها الاتفاق على ان يزور المطران عودة البطريرك يازجي ويطرح معه الموضوع، لأن البطريرك يقول إن المطران لم يأخذ رأيه وتجاوز قرار السلطة الروحية الأعلى في ضرورة تنمية جامعة البلمند وتطويرها وإقامة فروع لها خارج البلمند. وبالفعل تم اللقاء وقيل يومئذ ان الأجواء عادت طبيعية بين البطريرك والمطران عودة الذي شارك في المجمع المقدس لمطارنة الطائفة الذي عقد في البلمند برئاسة البطريرك يازجي.

وتضيف المصادر الوزارية الأرثوذكسية روايتها لمسار الأحداث، فتشير انه بعد انتهاء المجمع، نقل الى الرئيس عون ان الاشكالات حلت ويمكن إعادة تحريك الملف من جديد. وعندما طرح رئيس الجمهورية هذه المسألة على جلسة مجلس الوزراء بدا ان الأمر لا يزال يحتاج الى توضيح، إذ اعترض الوزير علي قانصو على الترخيص وأيده في ذلك الوزير علي حسن خليل فيما قال الوزير الصراف ان تقرير اللجنة العليا التي درست الطلب تضمن اعتراضاً من أحد الأعضاء بحجة ان لا حاجة لإنشاء جامعة أرثوذكسية جديدة في الوقت الراهن. في حين حظي الطرح بموافقة الوزراء غطاس خوري وملحم رياشي وغسان حاصباني. وقال المعترضون ــ كما أشارت المصادر الوزارية نفسها ــ ان البطريرك يازجي اتصل بهم وأبلغهم ان موقفه لم يتغير لجهة عدم الموافقة على الترخيص، فيما قال الوزراء المؤيدون ان اتفاقاً حصل بين البطريرك والمطران عودة <ومشي الحال>.

وبين <مشي الحال> و<ما مشي الحال> بدا مجلس الوزراء في حيرة من أمره وسط تباين الآراء مع بروز رغبة واضحة لدى الرئيس عون بالموافقة على الطلب الذي يستوفي كل الشروط العلمية الأكاديمية المطلوبة. إلا انه وتحسباً لأي ردود فعل تؤدي الى <تحمية> الخلاف داخل الطائفة، ارتأى الرئيس عون، بعد التداول مع الرئيس الحريري، إرجاء طرح الموضوع على مجلس الوزراء <لاستكمال التشاور> و<معرفة حقيقة المواقف>، إضافة الى ان الوزير المعني ــ أي وزير التربية ــ كان غائباً عن الجلسة ولا ملف ولا مستندات أمام الوزراء.

ومع ترحيل الموضوع الى الجلسة التي ستعقد بعد الانتخابات النيابية، فإن ثمة من يشير الى وجود مخاوف من أن يكون ملف جامعة القديس جاورجيوس <واجهة> لخلاف أعمق بين البطريرك يازجي ومتروبوليت بيروت يتصل الى العلاقة بين أبرشية العاصمة والكرسي البطريركي، خصوصاً ان ثمة من يقول ان إنشاء جامعة أرثوذكسية مستقلة عن البطريرك الذي يعتبر الرئيس الروحي لجامعة البلمند، يكرّس نوعاً ما استقلالية متروبوليتية بيروت عن الكرسي البطريركي، وهو ما ينفيه المطران عودة جملة وتفصيلاً. فإلى أين ستصل هذه القضية التي تبدو أكاديمية في الشكل، وروحية في الجوهر والمضمون؟