لا يختلف اثنان على ان العلاقة بين "التيار الوطني الحر" بزعامة النائب جبران باسيل، وحركة "امل" بزعامة الرئيس نبيه بري، ليست على ما يرام، وهي حالة تتكرر كل فترة بين الطرفين اذ ما إن تعود المياه الى مجاريها حتى تتكدر من جديد وتعود الحملات السياسية والإعلامية العنيفة المتبادلة الى الواجهة عبر نواب واعلاميين ومسؤولين حزبيين، ووصل النقاش الى حد استعمال عبارات نابية جعلت الرئيس بري في مواجهة الاحداث مع قصر بعبدا، في وقت لم يدخل القصر ولا سيده في هذه المغازلة التي تشعبت أسبابها وصارت مادة تندر سياسي في وقت من الأوقات.
تقول أوساط سياسية مطلعة إن العلاقة بين حليفي حزب الله لم تكن سوية في يوم من الأيام، وهي شهدت الكثير من الطلعات والنزلات، ولولا ما يجمعهما من تحالف مع "الحزب" الذي عمل في اكثر من مرة على تقريب وجهات النظر بينهما، لكانت الأمور بينهما بلغت حد الانفجار الكبير. ولفتت الى ان تجدد الحملات المتبادلة بين الطرفين في المرحلة الأخيرة، يعود الى تموضع متضارب بين الطرفين، والى تباين كبير بالنسبة الى افضل السبل لتشكيل حكومة جديدة. وأوضحت الأوساط نفسها ان "التيار الوطني الحر" يأخذ على الرئيس بري انه هو من هندس خلف الكواليس "سيناريو" استقالة رئيس حكومة تصريف الاعمال الحالية حسان دياب، وإعادة تكليف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، بعكس إرادة فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس "التيار" النائب جبران باسيل وان "التيار" يعتبر أيضاً ان الرئيس بري هو من يمد حالياً رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بالدعم الخفي لرفض التجاوب مع مطالب فريق رئيس الجمهورية، وان رئيس المجلس النيابي جاهز للتدخل بما يشبه اعتماد حق النقض، لاسقاط أي محاولة من جانب فريق رئيس الجمهورية، لاسقاط تكليف الحريري، واستبداله بشخصية جديدة، على غرار الدكتور دياب.
ولفتت الأوساط السياسية المطلعة الى ان موقف الرئيس الحريري التفاوضي، قوي، ليس بسبب الدعم الفرنسي له، ولا بسبب الدعم الإقليمي الذي يجهد حالياً لتوسيعه عبر جولاته العربية والخارجية، بل بسبب استناده الى تفاهم سياسي عريض متداخل بين فريقي 8 و 14 آذار السابقين، يضم كلاً من حركة "امل" وتيار "المردة" وتيار "المستقبل" والحزب "التقدمي الاشتراكي"، وذلك لجهة رفض الانصياع بعد اليوم لمطالب الرئيس عون والنائب باسيل. وأضافت الأوساط ان هذا الموقف لا ينسحب على مسألة تشكيل الحكومة فحسب، بل يتجاوزها الى محطات سياسية مقبلة بالغة الأهمية، على غرار محطة الانتخابات النيابية في ربيع العام 2022 إن حصلت في موعدها، وخصوصاً بالنسبة الى محطة الانتخابات الرئاسية المقبلة في خريف العام 2022 أيضاً. وأوضحت الأوساط عينها ان توافقاً غير معلن صار شبه جاهز بين الافرقاء الأربعة المذكورين، لمعارضة أي مرشح عوني لرئاسة الجمهورية المقبلة مع حديث متزايد لتبني ترشيح زعيم "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة فور نضوج ظروف ترشيحه محلياً ودولياً.
حزب الله لا يضغط
ولعل ما يزيد التساؤلات في الأوساط السياسية هو أسباب عدم ممارسة حزب الله ضغطا كبيرا على الرئيس الحريري وحلفائه وفي مقدمهم الرئيس بري، لجعله يرضخ لمطالب رئيس الجمهورية (ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل)، وتفضيل الحزب الوقوف على الحياد من عملية تشكيل الحكومة، علماً ان مصادر الحزب توضح للمتسائلين ان الحزب غير راغب في دعم احد حليفيه على حساب الآخر مع العلم ان قيادة الحزب تدرك ان الضغط على رئيس الجمهورية هو اكبر من الضغط على رئيس الحكومة، في وقت يلقى الأخير دعماً من الرئيس بري الذي يؤيد عدم إعطاء فريق رئيس الجمهورية الثلث المعطل، كما يتفق معه على عدم إعطائه وزارة العدل أيضاً طالما ان الفريق الرئاسي يؤكد ليل نهار بأنه يريد التدقيق الجنائي بنداً اولاً للحكومة، ويلوح بمحاكمة مختلف القوى المتهمة بالفساد.
بالتزامن، لا يخفي "التيار" استغرابه لوقوف حزب الله بعيداً عنه في المحطات المفصلية. من هنا بدت رسالة ميرنا الشالوحي الى حزب الله في ذكرى توقيع وثيقة مار مخايل واضحة وصريحة، "التفاهم لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون، فاما تفعيله وتطويره على مستوى مكافحة الفساد ومواجهة حلف الفاسدين المدمر، واما تنتفي الجدوى منه والحاجة اليه".
وتؤكد مصادر بارزة في "التيار" ان "الحزب" يجب ان يغادر المنطقة الرمادية في ملف بناء الدولة، وان عليه حسم خياره ومساره، معتبرة انه لا يجوز له ان يستمر في تغطية فريق في الطائفة الشيعية باسم حماية وحدة الطائفة، لأن مصلحة البلد هي الأهم، والاولوية ينبغي ان تكون لها وليس لاي مصلحة فئوية". وتشدد هذه المصادر على ان التيار "لا يستطيع استخدام سياسة التقية، وجمهوره لم يعد يتحمل المداراة تحت شعار مراعاة ظروف الحليف. وبالتالي، فنحن جاهرنا على رأس السطح برأينا حيال شروط تحصين ورقة التفاهم وتحسينها، والحزب مطالب بأن يتوقف عن تأمين الغطاء للبعض ممن يستخدم كل الأدوات والوسائل للاضرار بنا وتعطيل الإصلاح، بالتكافل والتضامن مع الحريري وجنبلاط، لكن من الواضح ان حزب الله مصمم في المقابل على عدم العبث بأولوياته وثوابته، وهو لا يزال يرفض ان يخوض معركة الإصلاح في توقيت ساعة التيار او وفق احداثياته. وتؤكد أوساط قريبة من الحزب انه ليس مستعداً للتضحية بالمقاومة من اجل إرضاء احد. وهو يعرف جيداً ان لا مقاومة أساساً اذا لم تكن البيئة الشيعية موحدة ومتماسكة. وهذا ما يفسر المحاولات المستمرة لاختراقها واحداث شرخ فيها على يد الجهات الخارجية المعادية. وبالتالي، فإن الحزب لن يقع في المحظور، ولن يستدرج الى أي مواجهة او نزاع مع الحليف الاستراتيجي المتمثل في الرئيس نبيه بري وحركة "امل" مهما اشتد ضغط التيار عليه في هذا المجال".
وتلفت الأوساط الى ان حزب الله إصلاحي ولكنه ليس انقلابياً، معتبرة انه حريص كل الحرص على مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح، انما هو مقتنع في الوقت نفسه بأن هذا الهدف يتحقق بالتوافق والتفاهم، لا بالتحدي الاستفزازي وقلب الطاولة رأساً على عقب، اكثر من ذلك، ترفض الأوساط استخدام الحزب او استغلال التحالف معه لتصفية الحسابات السياسية، كذلك تستغرب اتهامه بتغطية الفاسدين، متسائلة: متى تدخل الحزب لمنع التيار من فتح أي ملف، ومتى تدخل لحماية فاسد او متهم بالفساد من المحاسبة؟.
في أي حال، التباين الظاهر في المواقف بين الحزب و"التيار" حيال العلاقة مع "امل" سيبقى محدود المفاعيل لأن التحالف بين الحزب و"التيار" سيبقى "صامداً" من دون انكار ضرورة اخضاع ورقة "التفاهم" الى التحديث، وهذا ما تعمل له لجان مشتركة لا تزال بطيئة لكنها ستصل في النهاية الى حلول لا تحقق تباعداً ولا تلغي تمايزاً في العلاقة مع "امل".